القطاع الطبي في سوريا يواجه تحديات وتهديدات كبيرة خلال السنوات الأخيرة، لا سيما مع استمرار ظاهرة هجرة الأطباء وامتناع الشباب عن دراسة الطب، الأمر الذي كان له دورٌ هام في انهيار المنظومة الطبية في البلاد.

الجهات الحكومية أصدرت العديد من القرارات في محاولة للحد من هجرة الأطباء، لكنها فشلت في تحقيق الأهداف التي أعلنت عنها حول المحافظة على الكادر الطبي، هذا فضلا عن الأخطاء الطبية المتكررة التي أودت بحياة عشرات السوريين خلال السنوات القليلة الماضية، نتيجة ضعف الكادر الطبي.

مشروع قرار جديد تعتزم الحكومة السورية تطبيقه في محاولة للمحافظة على الكادر الطبي المتبقي في سوريا، حيث بيّن عضو “اللجنة الدستورية والتشريعية” في مجلس الشعب فيصل جمول، أن مشروع القانون الخاص برفع سن انتهاء خدمة الطبيب البشري للأطباء العاملين في القطاع العام، تضمن رفع السن التقاعدي إلى 65 عام.

تفاصيل القرار

بموجب القرار يحق للطبيب بعد التقاعد في سن 65 عام، طلب التمديد بشكل اختياري حتى سن 70 عام، وتكون الموافقة على طلب التمديد من الوزير المختص، وذلك بعد تعديل المادة الواردة من الحكومة في هذا الصدد والتي كانت تنصّ على أنه يحتاج إلى موافقة رئيس مجلس الوزراء.

مصدرة الصورة: أب

جمول أكد كذلك أن سوريا تعاني من نقص حاد في الكوادر الطبية خلال السنوات الأخيرة، مع تفاقم أزمة هجرة الأطباء، وأضاف في تصريحات نقلتها صحيفة “الوطن” المحلية، “كان لابد من الحفاظ على الكادر الطبي من خلال رفع سن التقاعد للاستفادة من خبراتهم باعتبار أن البلاد بحاجة لهم”.

مشروع القرار الذي تحدث عنه كذلك نقيب الأطباء في سوريا غسان فندي، يطرح التساؤلات حول جدوى القرار وإمكانية مساهمته فعلا في المحافظة على الأطباء، وتخفيف الفاقد من الكوادر الطبية السورية.

قد يهمك: “المظهر الحضاري أهم من لقمة عيشنا؟“.. جدل واسع حول قرار إزالة البسطات بدمشق

“رفع سن التقاعد لن يفيد المطلوب ألا هو تحسين واقع الأطباء”، قال الدكتور سامي جفّان، وهو طبيب جرّاح خرج مؤخرا في سوريا إلى مصر للبحث عن فرصة عمل أفضل، مؤكدا أن واقع الأطباء في سوريا أصبح في أدنى مستوياته ذلك ما يجعل الأطباء في سوريا يتجهون للهجرة.

جفّان قال في اتصال هاتفي مع “الحل نت”، “المطلوب تحسين واقع الأطباء وزيادة الرواتب، الأطباء في سوريا لا يتقاضون 20 بالمئة من أجور الرواتب الحقيقية في أفضل الأحوال، إضافة إلى الضغط الذي يمارس عليهم في المشافي الحكومية بسبب قلة الكادر، من غير المعقول عدم توفير وسائل الراحة للطبيب، وهو المطالب بعدم الخطأ والحذر الشديد في عمله، هناك لا منطق في التعامل مع الطبيب في سوريا”.

واقع طبّي متردي

مؤخرا تشهد المراكز الصحية والمشافي، أخطاء طبية متكررة، أودت في كثير من الأحيان بحياة عشرات السوريين بينهم أطفال، وذلك نتيجة ضعف الاهتمام بالقطاع الطبي، فضلا عن نقص الكوادر الحاد التي تشهده البلاد منذ عدة سنوات.

آخر الحوادث التي وثّقتها وسائل إعلام محلية، كان لطفل يبلغ من العمر تسع سنوات، حيث دخل إلى عيادة طب أسنان، وفقد حياته خلال تعرضه لعملية “قلع سن”، نتيجة خطأ طبي يتعلق بالتخدير، وقد لاذ الطبيب بالفرار بحسب وسائل إعلام محلية.

مصادر محلية ذكرت أن الطفل زين العابدين إبراهيم، كان يعاني من تأخر سقوط الأسنان اللبنية (تأخر التقويم)، ونقله ذووه إلى المركز الطبي في الشهبندر، الذي تعود ملكيته إلى طبيب طلب 3.3 ملايين ليرة سورية كلفة إجراء العملية.

بحسب ما نقلت الإذاعة المحلية عن والد الطفل، فإنه ” أثناء إجراء العملية أخبره طبيب التخدير أن زين فتح عيناه، وكان قد تبقى سن واحد لتنتهي العملية، وأنه أعطاه إبرة ثانية، وقد عاد والد زين  ليطمئن على ولده ليجد طبيب التخدير يحاول إنعاش زين، ويضربه على صدره بعد أن وضعوا له المنفسة اليدوية، لكنه لم يستجب”.

قد يهمك: حرق السيجارة أغلى من حرق العملة“… ارتفاع جديد لأسعار الدخان في سوريا

نتيجة لتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في سوريا، فإن البلاد تشهد منذ سنوات هجرة غير طبيعية للأطباء الذين يفضلون العمل خارج سوريا، حيث الرواتب أفضل، في ظل انعدام الفرص داخل القطاعات الحكومية والخاصة داخل البلاد.

كذلك بسبب الأوضاع التي يعيشها القطاع الطبي في سوريا، انخفض الإقبال على التسجيل في كليات الطب السورية، بعد أن كانت كليات الطب من أكثر الأماكن إقبالا قبل عام 2011، وكان الحصول على مقعد في كلية الطب بمثابة حلم لكل طالب سوري.

هجرة الأطباء تسببت بمزيد من الانهيار للقطاع الصحي، ورغم أن الأطباء لا يحصلون على أجور ترقى لمتوسط أجور الطبيب، إلا أن انهيار العملة المحلية، جعل من كشفيات الأطباء الحالية قضية شائكة يصعب على المرضى مواجهتها

بحسب حديث أطباء لـ”الحل نت”، فإن مشروع القرار الجديد وإن تم إقراره، لن يساهم إلى حد كبير في تحسين واقع الكوادر الطبية في سوريا، في ظل ضعف رواتب الأطباء، وعدم توفير الوسائل اللازمة من أجل التمسك بالطبيب وجعله يعدل عن فكرة الهجرة إلى الخارج من أجل فرص أفضل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات