في الوقت الذي تواجه فيه الاقتصادات القوية داخل أوروبا التحديات الكبيرة للركود الحاد، ظهرت تساؤلات تتعلق بمعاملة اللاجئين، فمحنة اللاجئين السوريين المثقلة بالفعل بأعباء عدم الاستقرار والاضطرابات السياسية، أصبحت متداخلة بشكل أكبر في الشبكة المعقّدة من الأولويات والمصالح المتغيرة.
التطورات الأخيرة، مثل قرار الدنمارك بإلغاء تصاريح الإقامة ودفع ألمانيا لزيادة جهود ترحيل طالبي اللجوء المرفوضين، تُشكّل علامات استفهامية مهمة حول مصير طالبي اللجوء. ففي ضوء هذه الظروف وخضم الاضطرابات الاقتصادية من الضروري تسليط الضوء على تداعيات هذه الإجراءات والالتزامات الأخلاقية التي تقع داخل الدول الأكثر نفوذا في أوروبا.
مع تحول العالم من الباب المفتوح إلى المردود أمام اللاجئين السوريين، كيف سيؤثر الركود الأخير على أقوى الدول في أوروبا، وخاصة ألمانيا، وكيف سيكون دور اللاجئين في ألمانيا في ظل الانكماش الاقتصادي، وما إذا سيؤثر الركود على المشاعر العامة أو المواقف تجاه سياسات الهجرة واللاجئين في ألمانيا.
رسميا الركود يجتاح ألمانيا
في تصريح حديث نقله موقع “سكاي نيوز” اليوم الخميس، قال مكتب الإحصاء الألماني إن التضخم ظل يشكل عبئا على الاقتصاد الألماني في بداية العام. وقد انعكس ذلك على استهلاك الأُسر المعيشية، الذي انخفض بنسبة 1.2 بالمئة على أساس ربع سنوي بعد تعديله للأخذ في الاعتبار تأثيرات الأسعار والتقويم.
بيانات المكتب أظهرت أن اقتصاد البلاد انكمش بشكل طفيف في الربع الأول من عام 2023 مقارنة بالأشهر الثلاثة السابقة، وبذلك يدخل في حالة ركود. وأن الناتج المحلي الإجمالي انخفض 0.3 بالمئة عند تعديله للأخذ في الاعتبار تأثيرات الأسعار والتقويم على أساس ربع سنوي.
الاقتصاد الألماني كان قد انكمش في الربع الأخير من العام الماضي بنسبة 0.5 بالمئة في الربع الرابع من عام 2022، فيما بيّن تقدير أولي أن الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول شهد كسادا وأن ألمانيا بالكاد تجنبت الركود، وهذا يعني بلغة الاقتصاد أن ألمانيا دخلت ركودا تقنيا بعد أن انكمش اقتصادها لربعين متتاليين.
اقتصاديون استطلعت وكالة “رويترز” آراءهم، كانوا قد توقعوا أن ينكمش الاقتصاد الألماني بـ 0.1 بالمئة على أساس ربعي، فيما يرى المحلل المصرفي في بنك “إل بي بي دبليو”، ينس أوليفر نيكلاش، أن المؤشرات الأولية تشير إلى أن الأمور ستظل ضعيفة بالمثل في الربع الثاني من عام 2023.
دخول أقوى بلد اقتصادي في أوروبا مرحلة الركود التقني، سلّط الأضواء على مسألة اللاجئين داخل ألمانيا، خصوصا وأن شهر آذار/مارس الفائت شهد تحولا في خطاب البلديات حول اللاجئين، إذ طلب رئيس حكومة ولاية هيسن الألمانية من الحكومة الاتحادية بذل مزيد من الجهود من أجل ترحيل طالبي اللجوء المرفوضين.
ألمانيا تبدأ بغلق الأبواب؟
اللاجئون السوريون عموما أمام حالة من عدم الاستقرار في العديد من البلدان التي لجأوا إليها، تحت ضغط السياسة التي لا عزيز لها أو غالي لديها، كما أنها لا تعترف بعدو دائم أو صديق دائم، فقط المصالح الدائمة. ففي آذار/مارس الماضي، أعلن “مجلس طعون اللاجئين” بالدنمارك أن اللاذقية أصبحت آمنة بما يكفي لعودة اللاجئين السوريين، والمجلس هو الجهة التي تُحوَّل إليها القضايا المتعلقة بسحب تصاريح إقامة اللاجئين.
خبير السكان والهجرة، أيمن الزهري، ذكر لـ”الحل نت”، أنه من المؤسف أن يواجه اللاجئون في أوروبا إمكانية الترحيل خلال فترة الركود الاقتصادي، حيث خلق الركود بيئة اقتصادية صعبة، ومن المفهوم أن الحكومات قد تعطي الأولوية لاحتياجات مواطنيها خلال هذا الوقت.
وطبقا لـحديث الزهري، فليس بعيدا أن تبدأ الحكومة الألمانية بتنفيذ طلبات البلديات لديها، خصوصا وأن الجو العام حاليا يتحدث عن عودة اللاجئين سواء على المستوى العربي أو الإقليمي وحتى الدولي، لا سيما وأن هناك تحركات أوروبية بدأت منذ عام 2019 عندما شرعت الدنمارك في إلغاء تصاريح إقامة أعداد من السوريين، وهو النهج الذي استمر بعد أن اعتبرت السلطات الدنماركية أن الأوضاع في دمشق تحسنت.
في ألمانيا، على سبيل المثال قوبل قرار ترحيل اللاجئين الذين رُفضت طلبات لجوئهم بانتقادات من جماعات حقوق الإنسان، التي ترى بأنه لا ينبغي معاقبة اللاجئين لظروف خارجة عن إرادتهم. لكن في المقابل خلق الركود الاقتصادي بيئة مليئة بالتحديات للاجئين في أوروبا. ومع تزايد المنافسة على الوظائف والموارد، قد يجد اللاجئون صعوبة أكبر في الاندماج بمجتمعاتهم الجديدة وبناء حياة جديدة لأنفسهم. وقد يؤدي ذلك إلى زيادة العزلة والضعف، فضلا عن زيادة خطر التشرد والفقر.
من جهته يرى الخبير الاقتصادي عبد الله شناوي في حديثه لـ”الحل نت”، أنه من المرجح أن يكون للركود الأخير تأثير كبير على أقوى الدول في أوروبا، بما في ذلك ألمانيا. مضيفا أنه كمصدر رئيسي، يعتمد الاقتصاد الألماني بشكل كبير على الطلب من البلدان الأخرى، ولذلك قد يؤدي الركود في أجزاء أخرى من العالم ولا سيما في أوروبا، إلى انخفاض الطلب على السلع والخدمات الألمانية، مما يؤثر في النهاية على النمو الاقتصادي للبلاد.
ألمانيا بحسب شناوي، هي أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي ومساهم رئيسي في ميزانية الاتحاد الأوروبي، وقد يؤدي الركود في ألمانيا إلى انخفاض في المساهمات في ميزانية الاتحاد الأوروبي، مما قد يؤثر على تمويل برامج ومبادرات الاتحاد الأوروبي المختلفة بما فيها التي تدعم اللاجئين.
الحد من اللاجئين
عدد اللاجئين المسجلين في ألمانيا بلغ حتى نهاية العام الماضي رقما قياسيا جديدا تجاوز 3 ملايين لاجئ. وثلث هؤلاء أوكرانيون يليهم السوريون. وقد تم قبول أغلب طلبات اللجوء المقدمة خلال عام 2022، في حين كان 255 ألف شخص ملزمين بمغادرة ألمانيا بعد رفض طلب لجوئهم.
الحكومة الألمانية أعلنت عن ارتفاع عدد اللاجئين في البلاد إلى نحو 15 مليون لاجئ، بينهم سوريون، إضافة إلى خمسة ملايين طفل ولدوا في ألمانيا لأبوين مهاجرين. وبحسب “إذاعة صوت ألمانيا”، فقد أصبحت نسبة اللاجئين حتى نهاية عام 2022، نحو 18 بالمئة من إجمالي عدد السكان البالغ نحو 83.2 مليونا، 16 بالمئة منهم سوريين.
طبقا لما ذكره شناوي، فإن الحكومة الألمانية وصناع القرار يدرسون مجموعة من الإجراءات والاستراتيجيات للتخفيف من تأثير الركود. تشمل بعض هذه الإجراءات زيادة الاستثمار العام في البنية التحتية ، وتخفيضات ضريبية للشركات، والدعم المالي للصناعات المتعثرة، وهذا بدوره سيؤثر على اللاجئين الذين لا يزالون يتلقون مساعدات من الحكومة.
في المقابل، يعتقد الزهري بأنه من الصعب التكهّن بالدور الدقيق للاجئين في ألمانيا في ظل الانكماش الاقتصادي. ومع ذلك، من الممكن أن تعطي الحكومة الأولوية لفرص العمل للمواطنين الألمان على اللاجئين ، مما قد يؤدي إلى انخفاض فرص اللاجئين.
الركود الاقتصادي بحسب خبير السكان والهجرة سيؤثر على المشاعر العامة أو المواقف تجاه سياسات الهجرة واللاجئين في ألمانيا. وفي أوقات الضائقة الاقتصادية، قد يصبح الناس أكثر حماية لمصالحهم الخاصة، مما قد يؤدي إلى زيادة المشاعر المعادية للمهاجرين.
في شباط/فبراير الماضي، دعت الكتلة البرلمانية للاتحاد المسيحي أكبر تكتل معارض في ألمانيا، بحسب صحيفة “اندبندنت عربية”، لجلسة نقاش مع المستشار أولاف شولتز، على خلفية المشكلات المتزايدة بسبب اللاجئين، وشرح الإمكانات المتاحة لإعاشتهم وتقديم الرعاية اللازمة لهم.
المدير التنفيذي البرلماني للاتحاد المسيحي في البرلمان تورستن فراي، طلب بعدم اقتصار الحديث على سبل توفير الرعاية وتوزيع الكلفة الخاصة باستقبال اللاجئين، ولكن التباحث حول إجراءات فعالة للحد من اللجوء، حتى إن أعداداً متزايدة من الساسة والحزبيين الألمان باتوا يتحدثون عن زيادة العبء على ألمانيا بسبب زيادة أعداد اللاجئين.
عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم بات ملفا مطروحا كأولوية خلال النقاشات واللقاءات التي جرت مؤخرا بين سياسيين سوريين وآخرين عرب، فضلا عن استغلاله في الانتخابات الرئاسية بتركيا التي تمر بجولتين إلى الآن، وربما هذا الملف يتصاعد مع وصول الركود أعتاب أقوى الدول الأوروبية، ويبدو أنه لا حل إلا باستمرار تفعيل آلية التعافي المبكر داخل سوريا.
- وفيق صفا.. ما الذي نعرفه عن أول قيادي ينجو من ضربات إسرائيل
- ما بين النفط والموقع الاستراتيجي.. الصين عينها على السودان
- بموافقة 26 دولة.. مجلس حقوق الإنسان يعتمد قرارا حول سوريا
- إسرائيل تحيّد قائد وحدة الصواريخ بقوة “الرضوان” واستهداف جديد لـ”اليونيفيل”
- العراق وتعديل قانون الأحوال الشخصية.. الرجعية تكسر التنوير!
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.