هكذا هي تونس، تعد واحدة من بين الدول التي تخوض تحديات عديدة أمام موجات الهجرة غير الشرعية من دول إفريقيا، خاصة وأنها تعاني من أزمة اقتصادية داخلية، فضلا عن تبعات التغير المناخي الذي شمل كذلك بلدان الشمال الإفريقي، الأمر الذي دفع ببريطانيا لتكثيف تعاملها مع تونس أملا في الحد من الهجرة.
أزمة الهجرة في تونس لها العديد من الجوانب، فمن جهة هناك حركة هجرة من المواطنين التونسيين بسبب الأزمات السياسية والاقتصادية، ومن جهة أخرى تحولت تونس لمحطة عبور المهاجرين الأفارقة نحو البلدان الأوروبية على الجهة الأخرى من البحر حيث لا يفصل بينها وبين إيطاليا سوى 150 كيلومترا، لكن من يفشل بعبور هذه الرحلة فإنه يقرر البقاء في تونس.
خلال اجتماع لمجلس “الأمن القومي” في تونس، وصف الرئيس التونسي قيس سعيّد، تدفق المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء نحو تونس بأنه “وضع غير طبيعي”، تزامنا مع انتشار المهاجرين في العديد من المناطق التونسية، خاصة ولاية صفاقس التي تُعدّ منصة رئيسية لانطلاق موجات الهجرة غير الشرعية.
هجرة غير شرعية على عدة مستويات
موجات الهجرة شكّلت تحديات كبير بالنسبة لتونس والدول التي يقصدها المهاجرون، على العديد من المستويات؛ بينها الأمنية والاقتصادية، حتى باتت موجات الهجرة هذه أشبه بالـ “ترتيب الإجرامي”.
على هذا الأساس، يؤدي وزير الهجرة البريطاني روبرت جنريك، زيارة إلى تونس والجزائر، في مسعى لتقديم كافة إمكانيات الدولة البريطانية والمساعدة في تعطيل عصابات الهجرة غير النظامية وتفكيكها، خشية من تزايد تدفّق المهاجرين نحو أوروبا.
الوكالة الوطنية للجرائم في بريطانيا تستعد للعمل مع تونس والجزائر، على تتبع شبكات تنظيم عمليات الهجرة غير النظامية نحو أوروبا من خلال تبادل المعلومات وتقديم المساعدة للكشف عن هذه العصابات، بحسب ما أكدته صحيفة “ديلي ميل” البريطانية.
الصحيفة نقلت عن وزير الهجرة البريطاني روبرت جنريك قوله، إن بريطانيا ستقوم بإجراءات جديدة للحد من عدد المهاجرين غير النظاميين القادمين من إفريقيا نحو أوروبا، لأنها تخشى أن يتسبب ذلك في ارتفاع عدد المهاجرين الذين يتّجهون نحو أراضيها وستكثّف جهودها للقضاء على العصابات التي تنظّم عملية الهجرة.
استنادا لذلك، تأتي زيارة وزير الهجرة البريطاني، الذي بدأ جولته إلى إفريقيا وأوروبا من الاثنين الماضي وتستمر خمسة أيام، وستشمل تونس والجزائر حيث سيقدّم كافة إمكانيات الدولة البريطانية للمساعدة في تعطيل وتفكيك عصابات الهجرة غير الشرعية.
بحسب وزارة الداخلية الإيطالية، فقد وصل أكثر من 45 ألف مهاجر إلى إيطاليا منذ بداية العام الجاري، أي ما يقرب من أربعة أضعاف العدد الذي سُجّل العام الماضي خلال نفس الفترة، وذلك في الوقت الذي شهدت فيه السواحل التونسية منذ بداية العام الجاري، موجات هجرة قياسية مقارنة بالأعوام السابقة مع تواتر حوادث غرق مأساوية.
الهجرة غير الشرعية بالأرقام
وفق بيانات وزارة الداخلية الإيطالية، وصل أكثر من 24 ألف مهاجر إلى السواحل الإيطالية انطلاقا من السواحل التونسية وحدها منذ بداية 2023، وحتى يوم الثاني من الشهر أيار/مايو الجاري، أي بزيادة تفوق 1000 بالمئة مقارنة بـ2201 من المهاجرين خلال نفس الفترة من العام الماضي.
لا يبدو أن الحكومة والسلطة في تونس تملك المقومات لمواجهة أزمة الهجرة غير النظامية بمفردها، لذلك فإن مختصين يرون أن على الحكومة التونسية التعامل بشكل جدّي مع المنظمات والحكومات الأوروبية، لمساعدتها في مواجهة قضية الهجرة، تزامنا مع العديد من الأزمات الداخلية الاقتصادية والسياسية التي تعاني منها البلاد.
للوقوف على جدوى التعامل البريطاني التونسي في الحد من حركة الهجرة غير الشرعية، وأسبابها، يشرح الخبير في الشأن التونسي حازم القصور، ذلك بالقول إن الهجرة غير النظامية هي ظاهرة قديمة جديدة لها أسباب عديدة منها رغبة الإنسان إلى التنقل بهدف تغيير واقعه المعيشي وما زاد الضغط على الهجرة بشكلٍ عام، بسبب وجود سياسات تقييدية تحدّ من هجرة الأشخاص إلى بلاد أخرى.
إضافة إلى ذلك، أشار الخبير في الشأن التونسي، إلى أن فرص العمل وانخفاض الأجور وتدني كلٍّ من المستوى الاقتصادي والمستوى المعيشي داخل البلدان المصدرة للمهاجرين، تمثل أسبابا رئيسية في الهجرة غير الشرعية، خصوصا في دول إفريقيا، ما يدفع بالمواطنين للبحث عن فرص عمل في البلدان الأخرى، والسعي لها حتى إن كان ذلك عن طريق اللجوء إلى الهجرة غير الشرعية.
أمام التعاون البريطاني التونسي، أكد القصور، في حديث لموقع “الحل نت”، بأن هناك تعاون ثنائي بين البلدين وهذا ما أكدته الوكالة الوطنية للجرائم في بريطانيا، بأنها تستعد للعمل مع تونس على تتبع شبكات تنظيم عمليات الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا من خلال تبادل المعلومات وتقديم المساعدة للكشف عن هذه العصابات.
بالتالي، أن زيارة وزير الهجرة البريطاني إلى تونس، بحسب القصور، تندرج في هذا الإطار، ولبحث وتطوير التعاون للمساعدة في تعطيل وتفكيك عصابات الهجرة غير الشرعية، وذلك خشية من تزايد تدفّق المهاجرين نحو أوروبا خاصة، مشيرا إلى أن العالم بات يعاني من أزمة كبيرة قد تذكّيها الهجرة غير نظامية.
تعاون شامل بين بريطانيا وتونس
الخبير في الشأن التونسي، لفت إلى أن هذا التعاون بين بريطانيا وتونس سيفرض رسم استراتيجية اقتصادية ومساعدة تونس على معالجة البطالة خاصة بعد أزمة وباء “كورونا”، ومن خلال دعم الاستثمار ومساعدتها على الحصول على دعم مالي، وكل ذلك بغية معالجة الهجرة غير الشرعية وتطوير مؤسساتها وتكوين مواردها البشرية وأجهزتها.
مشيرا إلى أن، ذلك يأتي ضمن المقاربة الشاملة التي يشدد الرئيس التونسي قيس سعيّد على اعتمادها، وهي التي تشمل دراسة “الأسباب الجذرية للفقر والبطالة”، ودعم سياسات التنمية في بلدان المغادرة، لا الاهتمام بالجوانب الأمنية فقط.
تونس تمرّ بأزمة اقتصادية وسياسية خانقة منذ سنوات، ما انعكس بشكل كبير على تزايد أعداد المهاجرين غير القانونيين بمشاركة ليس فقط العاطلين عن العمل فيها، بل أيضا عائلات بأكملها وحتى كوادر وظيفية.
أحدث الأرقام الرسمية، تكشف اعتراض أكثر من 22500 مهاجر قبالة السواحل التونسية منذ بداية العام الحالي، بما في ذلك نحو 11 ألفا من جنسيات إفريقية جنوب الصحراء، وخلال الفترة نفسها تم توقيف 536 مهربا من بينهم 21 أجنبيا.
في حين ينبّه مسؤولون أمنيون تونسيون، من أن وسائل تونس في مكافحتها للهجرة غير الشرعية بدأت في التدهور، الأمر الذي دفع إلى خلق صعوبات لتونس، التي باتت بحاجة إلى مزيد من التعاون الدولي للحد من الهجرة غير الشرعية.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.