الهجرات غير الشرعية وتزايد معدلاتها مؤخرا في ظل الحروب والأزمات الاقتصادية التي تعانيها بعض الدول في المنطقة العربية، باتت من أبزر القضايا التي تشكل مصدر قلق وإزعاج للدول الأوروبية التي تحاول الابتعاد عن التعامل معها بقسوة والبحث عن حلول رضائية، لتلافي الوقوع في شباك الابتزاز من بعض الدول التي تحولت إلى ممرات رئيسية للهجرة غير الشرعية.
دول عربية تحاول منع هذا النوع من الهجرات عبر أراضيها، حيث عملت مصر خلال السنوات القليلة الماضية على محاصرة شواطئها جنوب البحر المتوسط، ولم تعد مصدرا لهذا النوع من الهجرات المزعجة للدول الأوروبية الواقعة شماله، بعد أن اكتشفت الأجهزة الأمنية المصرية العلاقة الوثيقة بين هذا الملف ومكافحة الإرهاب، وفقا لصحيفة “العرب” اللندنية.
من جهتها جنت الدول الأوروبية مكاسب من وراء السياسة التي اتبعتها القاهرة، لأن الأخيرة أغلقت الباب تماما، ومع إعلانها طي صفحة الإرهاب والقضاء على فلوله في البر والبحر مؤخرا، عاد السؤال هل تعود المراكب البدائية للهجرة غير الشرعية من مصر إلى أوروبا مجددا.
السيطرة على الهجرة
محاولة الأوروبيين السيطرة على الهجرة غير الشرعية خاصة من مصر دفعتهم لتوقيع اتفاق مع القاهرة في تشرين الأول/أكتوبر 2022، يتعلق بالمرحلة الأولى من برنامج لإدارة الحدود بقيمة 80 مليون يورو، بحسب ما نقلته جريدة “القدس العربي”.
وفقا لوثيقة نشرتها مفوضية الاتحاد الأوروبي، يهدف المشروع إلى مساعدة حرس الحدود وخفر السواحل في مصر على الحد من الهجرة غير الشرعية والإتجار بالبشر على الحدود، كما يتضمن تمويلا لشراء معدات مراقبة مثل سفن البحث والإنقاذ والكاميرات الحرارية وأنظمة تحديد المواقع عبر الأقمار الصناعية.
الوثيقة توقعت أن تشهد مصر تدفقات كثيفة من المهاجرين على المدى المتوسط إلى الطويل بسبب عدم الاستقرار الإقليمي وتغير المناخ والتحولات الديموغرافية وتراجع الفرص الاقتصادية، وأوضحت أن مصر تتعامل حتى الآن مع الهجرة غير الشرعية في الغالب من منظور أمني، وأحيانا على حساب الأبعاد الأخرى لإدارة الهجرة، بما في ذلك حماية المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء القائمة على الحقوق.
جاء في الوثيقة أيضا أن البرنامج سيسعى لتطوير قدرة وزارة الدفاع المصرية والجهات الحكومية وجهات المجتمع المدني المعنية، اتباع مناهج قائمة على الحقوق وموجهة نحو الحماية وتراعي الفروق بين الجنسين في إدارة الحدود، وتشير بيانات رسمية، إلى أن هجرة المصريين عبر الحدود الصحراوية الشاسعة بين مصر وليبيا ومن ساحل ليبيا على البحر المتوسط إلى أوروبا في تزايد.
مراقبون يرون بأن عودة ملف الهجرة غير الشرعية لسطح الأحداث في مصر، ينذر بتوترات بين الدول الأوروبية والحكومة المصرية، خاصة وأن الأخيرة كثيرا ما تحدثت عن الدور الذي تلعبه في منع موجات الهجرة غير الشرعية التي كانت تخرج من مصر، مطالبة بمزيد من الدعم.
ضرورة الدعم والتمويل
الباحث في الشأن الاقتصادي محمد عادل يقول بأنه لا يُخفى على الجميع أن مصر تواجه أزمة اقتصادية غير مسبوقة، حتى وصل الأمر إلى أن استيراد السلع الغذائية الأساسية مثل القمح أصبح صعب المنال ويحتاج إلى تدابير طويلة، ولذلك هي لا تريد أن تثقل كاهلها بالمزيد من الأعباء.
عادل يرى خلال حديثه لـ”الحل نت” بأن القاهرة يفترض بما أنها تأوي وتستضيف الملايين من اللاجئين والمقيمين من مختلف الجنسيات، بالإضافة إلى امتلاكها كتلة سكانية ضخمة تصل إلى ما يقارب 110 مليون نسمة وهي الدولة الأكثر اكتظاظا بالسكان على سواحل البحر المتوسط ما يجعلها قنبلة موقوتة وغير مسموح لها بالفشل مثلما ترى أوروبا، أن تحصل على المساعدات والتمويل اللازم لمنع حدوث مشاكل في الأمن الغذائي أو تدهور في الأحوال المعيشية من ناحية، ولتعزيز الجهود والتقنيات الأمنية التي تمنع حدوث الهجرة غير الشرعية التي تخرج من أراضيها من ناحية أخرى.
هجرة المصريين من ساحل البحر المتوسط إلى أوروبا وإيطاليا تحديدا ازدادت في الآونة الأخيرة، وفق عادل، لذلك يعمل الاتحاد الأوروبي على تعزيز قدرات مصر في هذا الشأن.
بوصف إيطاليا أكبر المتضررين، إذ تريد من مصر أن تتعاون معها في مكافحة الهجرة غير الشرعية، من خلال منحها مساعدات في صورة معدات للبحث والإنقاذ، بالإضافة إلى التدريبات المشتركة التي تُسهم في رفع كفاءة قوات خفر السواحل المصرية، بحسب عادل.
في سياق ذلك، التقى وفد من الحكومة الإيطالية بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي آذار/مارس الماضي، بهدف عقد شراكة مع مصر لوقف تدفقات الهجرة غير الشرعية، حيث التزمت مصر من جانبها بالتعاون لتقليل هذه التدفقات من منطقة البحر المتوسط، ومقابل ذلك تعهدت إيطاليا بالتعاون مع مصر للحد من مشاكل الأمن الغذائي، وتطوير صناعة الأغذية الزراعية وتحفيز الاستثمارات العامة والخاصة في هذا المجال.
مخاوف أوروبية
مخاوف بعض الدول الأوروبية تأتي من فتور القبضة الأمنية على الحدود البحرية بعد الاطمئنان إلى قطع العلاقة بين الهجرة غير الشرعية ومتطرفين وظفوها في تسلل عناصرهم إلى داخل الأراضي المصرية، حيث تحولت الهجرة للاتجاه المعاكس، ما فرض على القاهرة إحكام السيطرة على منافذها دفاعا عن مصالحها أولا، بحسب صحيفة “العرب” اللندنية.
المخاوف تأتي أيضا من وجود نحو تسعة ملايين مهاجر ولاجئ في مصر ذاب معظمهم وسط سكانها البالغ عددهم نحو 105 مليون نسمة، ولا يزال يراود شريحة كبيرة منهم حلم الهجرة الشرعية أو غير الشرعية إلى أوروبا، وهؤلاء جاؤوا إلى مصر واستقروا فيها جريا وراء تحقيق هذا الحلم، وربما يكون بعضهم تخلى عنه في ظل الإجراءات الصارمة، لكن الفكرة لم تغادر عقولهم وتنتظر فرصة مواتية.
هذه الفكرة تزعج دولا مثل إيطاليا واليونان وقبرص وفرنسا، وأخذت تبحث عن وسائل لوأدها قبل أن تتحول إلى قنبلة مع تزايد حدة الأزمة الاقتصادية في مصر، وشرعت حكوماتها في إجراء حوارات مؤخرا لمنع الوصول إلى نقطة تعيد ملف الهجرة غير الشرعية إلى المربع الأول القاتم، مع يقينها بأن نسبة كبيرة من المقيمين من دول إفريقية بمصر يبحثون عن وسيلة لاختراق الحدود والتوجه نحو أوروبا.
لم تسلك الحكومة المصرية طريق الابتزاز الذي سلكته تركيا مع ألمانيا منذ سنوات قليلة عندما تاجرت بملف منع تسلل المهاجرين مقابل الحصول على عوائد مادية، ولم تعلن أنها أدت خدمة مجانية إلى أوروبا بحصارها المهاجرين غير الشرعيين لأن هدفها الدفاع عن أمنها القومي، غير أن المشكلات التي تعاني منها مصر يمكن أن تجبرها على فقدان السيطرة في عملية الحصار.
تلميحات في الخطاب الرسمي المصري، أظهرت تحذيرات من مخاطر تصاعد حدة الأزمة الاقتصادية وانعكاساتها الخارجية، في إشارة تعني أن الدول الأوروبية عليها أن تبادر بتقديم المزيد من الدعم المادي للقاهرة والتخلي عن ممارسة ضغوط سياسية بذريعة التقيد بحقوق الإنسان والثوابت الحاكمة، في وقت لا يلتزم فيه البعض في أوروبا بمعايير إنسانية في التعامل مع المهاجرين عموم، بحسب ما نقلته الصحيفة ذاتها.
بدوره يعلق الباحث الاقتصادي محمد عادل، بأنه لا يُمكن للمساعدات الإيطالية والأوروبية الشحيحة التي تأتي في معظم الأحيان في شكل دعم غير نقدي أن تُساهم وحدها في حل الأزمة الاقتصادية. إذ أن الأزمة التي تعيشها مصر أكبر وأعمق من ذلك، ولذلك تعول الحكومة المصرية على دعم نقدي أكبر، وعلى تسهيل التمويل الدولي من قبل المؤسسات المانحة، وتحسين شروط الاقتراض بما يمكنها من الحصول على قروض لسد الفجوة التمويلية التي تواجهها، وللمساعدة في التخفيف من الأوضاع الاقتصادية الصعبة والضاغطة التي يعيشها ملايين المصريين.
إن ملف الهجرة غير الشرعية يبدو هامشيا وشائكا في آن واحد، فهو لم يصل إلى مستوى الأزمة بين مصر والدول المعنية به في أوروبا، وتتفرع منه قضايا جانبية يؤدي الدخول فيها إلى تسويات مرضية أو خلافات حادة، وإذا قام كل طرف بأداء واجباته المادية والمعنوية قد يتسنى تجاوزه بسهولة وخلال فترة وجيزة.
كما يفضي عدم الوصول إلى تفاهمات قوية إلى خلافات معقدة، يتداخل فيها السياسي والأمني والاقتصادي والإنساني دفعة واحدة، ما يضاعف من الحاجة لإيجاد قواسم مشتركة وحلول مرضية للجميع قبل أن تتحول الهجرة غير الشرعية من مصر مباشرة إلى بركان ينفجر في وجه بعض الدول الأوروبية شمال البحر المتوسط.
- توحش “الحوثيين” يطال المنظمات الأممية.. نهب الموارد ونشر الرعب
- “الآن هم عراة ليس لديهم القدرة على حماية أنفسهم”.. تفكيك “محور المقاومة”
- مرتبط بـ “حزب الله”.. “بارون المخدرات” اللبناني ينتقل إلى سوريا
- قصي خولي وديمة قندلفت في مسلسل تركي.. تفاصيل
- إسرائيل تعلن مقتل قياديين في إنتاج الصواريخ ومنظومة الاتصالات في “حزب الله”.. من هم؟
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.