حسن الجوار، لفظة منبوذة في قاموس الملالي في إيران، فمن حرب مبكرة مع العراق إلى تصرفات عدوانية واستفزازية تجاه الدول العربية، والخليجية خصوصا. ومن صراع مضبوط مع أذربيجان إلى ارتفاع منسوب التوتر مع نظيرها الأيديولوجي في أفغانستان. فما هي دوافع الخلاف بين إيران وأفغانستان، والتي تطفو على السطح على شكل أزمة مياه.

تتعدد الخلافات الإيرانية الأفغانية، وفقا لموقع “ميدل إيست”، انطلاقا من القضايا الأمنية وضبط الحدود إلى قضايا اللاجئين، إلى أزمة ملف المياه الأكثر تهديدا لعلاقة الجانبين، والتي انفجرت مؤخرا، بسبب حقوق الطرفين في تقاسم مياه نهر هلمند. مما أعاد تفجير أزمة الثقة بين البلدين مجددا.

خلال زيارته لمدينة تشابهار، القريبة من نهر هلمند وجّه الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، تحذيرا طلب أخذه “على محمل الجِد”؛ قال فيه بأنه يجب على “حكام أفغانستان السماح للخبراء الإيرانيين بزيارة السد والتحقق من الوضع”، وفي حال تأكد ذلك (الجفاف كما تدعي حكومة طالبان)، “لن يكون لإيران أي تعليق”، حسب صحيفة “انتخاب” الإيرانية. فنتيجة لحالة الجفاف البيئي، وربما السياسي بين البلدين، قلّصت حكومة طالبان الكمية المنصوص عليها في اتفاق موقع بين الجانبين. 


على ذات المنوال، هدد برلماني إيراني بطرد اللاجئين الأفغان، فيما طالب آخرون بسحب مقر السفارة الأفغانية في طهران من مسؤولي طالبان. ولتوجيه رسالة إلى حكومة طالبان، مع الوقوف على قضايا أخرى، سافر وفد عسكري إيراني برئاسة العميد بهرام حسيني مطلق، نائب رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية إلى كابول، للتباحث في التوترات الحدودية المتفرقة بين حرس حدود البلدين. وهي الزيارة الأولى لوفد عسكري إيراني بعد وصول طالبان إلى السلطة في آب/أغسطس 2021. ووفقا لوزارة دفاع طالبان “أكد الجانبان على قضايا الحدود وتعزيز التعاون المشترك وحل مشاكلهما من خلال الجهات المعنية”، بحسب وكالة شرق الإيرانية.

خلافات أعمق من قعر هلمند؟

منعطفات عدة، مرت بها العلاقات الإيرانية الأفغانية، أبرزها الخلاف بشأن نهر هلمند الذي ما زال الخلاف بشأنه قائما، وثانيها، حكم الشيوعيين في أفغانستان عام 1978، إبان “الثورة الإسلامية” في إيران، عام 1975، مما شكّل حائطا أيديولوجيا في وجه علاقات حسنة بين البلدين. ولاحقا نحت العلاقات حدّة أكبر فترة حكم طالبان الأولى، ومقتل الدبلوماسيين الإيرانيين في مزار شريف عام 1998.

الخلافات الإيرانية-الأفغانية بسبب المياه قديمة جدا، وعمرها يتجاوز المئة عام، بحسب المحلل السياسي، ملا مجيد البلوشي، أبرزها التي نشبت قبل أيام، والمشهورة باسم أزمة هلمند.  ففي سنة 1973 وقعت أفغانستان اتفاقية في عهد الملك الأفغاني ظاهر شاه، تقضي بأن تحصل إيران بموجبها 820 مليون متر مكعب سنويا، بمعدل 26 متر مكعب في الثانية، حيث تم تحديد السنة المائية في هلمند بـ 6،5 مليار متر مكعب. لكن ن بحسب وسائل الإعلام الايرانية لم تحصل إيران سوا على 4 مليون متر مكعب من المياه فقط. حيث يبلغ تدفق النهر حوالي 140/ م3 في الثانية عادة.

كذلك أضاف البلوشي في حديثه “للحل نت”، بأن أفغانستان تزود إيران، بالأخص لمحافظاتها الجنوبية، بمعدل 43 بالمئة من المياه، سواء من نهر هلمند أو من خلال روافده الرئيسية، مثل نهر أرغنداب. لكن بحكم طبيعة أفغانستان الجبلية، حيث ينبع النهر من جبال هندوكوش ويقطع قرابة 1300 كلم ليصب نهاية في بحيرة هامون، مما يخفف من غزارة النهر.

كما تختلف نسبة غزارته موسميا متأثرة بذوبان الثلوج وبناء السدود، كسد كجكي ومؤخرا سد كمال خان في ولاية نيمروز. لكن اللافت في الموضوع، إطلاق التهديدات من قبل إيران، ومنها البيان الصادر عن نائب البرلمان الإيراني محمد سركزي، والذي تضمن تهديد افغانستان بطرد اللاجئين الأفغان من إقليم سيستان وبلوشستان وإعادتهم إلى إيران بسبب قيام حكومة طالبان بقطع المياه عن إيران، في الوقت الذي تصرح فيه حكومة طالبان في أفغانستان التزامها بجميع المعاهدات السابقة، وأن المشكلة والشح الحالي بسبب الجفاف وقلة هطول الأمطار والجفاف.

كانت إيران، من الخصوم الرئيسيين لحركة طالبان، خلال فترة حكمها الأول. وكادت أن تدخل حربا معها على إثر أزمة مقتل الدبلوماسيين عام 1998، في مدينة مزار شريف شمالي أفغانستان.

ينبع العداء من البعدين التاريخي والأيديولوجي، أكثر من منبعها المائي، حسب مدير “مركز نورس للدراسات”، إياد حمود. حيث اشتركت الدولتين بتاريخ حكم واحد. ووفقا لما يمكن تسميته بالفارسية أو الصفوية الجديدة، تنظر طهران لجوارها الجغرافي على أنه فضاء حيوي لها، باعتبار أن هذه الدول كانت خاضعة لها في يوم من الأيام. مضيفا في حديثه لـ”الحل نت”، بأن البعد الأيديولوجي المذهبي أضاف مزيدا من العوامل لتردي علاقة الدولتين.

ما يزيد الأمور تعقيدا، هو تدخل إيران المستمر في أفغانستان، من خلال مساعيها لخلق فصائلية قومية مذهبية بالاعتماد على قبائل الهزارة والطاجيك الأفغانية، والتي ينتمي أغلبها للقومية الفارسية أو المذهب الشيعي. وعليه، فإن المشكلة المائية، رغم واقعيتها، إلا أنها صورة ظاهرية لمشاكل عميقة ومتعددة بين الجانبين. 

طالبان خطر استراتيجي

مسؤولي طالبان تعاملوا بحكمة ومنطق أكبر، تجاه تحذير الرئيس الإيراني، حسب رئيس لجنة الأمن الأسبق في البرلمان الإيراني، حشمت الله فلاحت. كما أنهم أصدروا بيانا أوضحوا فيه وجهة نظرهم. مطالبين طهران بتبني دبلوماسية سلمية وتجنب التصريحات التصعيدية الموقف. لذا، ما كان ينبغي لرئيسي اتخاذ موقف بهذه الحدة، والتي قوبلت بسخرية واستهزاء من قبل مسؤولين في طالبان.

كل دولة تتبع ايدلوجيا مذهبية متطرفة، حسب البلوشي، قاصدا التطرف السني والشيعي الحاكم في علاقة الجانبين. مع ذلك يمكنهما التعايش مع هذا الخلاف في حال التزام كل طرف بعدم تهديد وجود واستمرارية السلطة السياسية للطرف الآخر. فهم يستخدمون الأيديولوجيا المذهبية لحماية وضمان تحكمهم بالسلطة، مستخدمين شعارات جوفاء لا تغني ولا تسمن من جوع، في وسيلة لتسكين الشعوب المغلوبة من جهة، ولشحنها من جهة أخرى.

الخلاف أعمق من المياه التي تعتبر واحدة فقط من نقاط الاشتباك بين إيران وطالبان، حسب الصحفي الأفغاني عبد الله بصير لـ”الحل نت” فهناك أزمة ثقة واضحة بين الجانبين، فرغم ارتياح طهران من خروج القوات الدولية من أفغانستان، إلا أنها تنظر إلى طالبان بعين الشك والريبة، وتراها مشروعا هدفه زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة وفي إيران تحديدا.

كذلك أضاف في حديثه لـ”الحل نت” بأن الطرفين يحملان أيدلوجية دينية متشابهة، مع وجود خلاف جوهري في نوعيتها، مما يجعلهما يشتركان في عدة نقاط مشتركة ويختلفان في نقاط أخرى. تحاول طالبان أو بعض قياداتها في قندهار نسخ التجربة الإيرانية في تثبيت دعائم حكمها، حيث يكون لديها “أمير مؤمنين” على غرار “المرشد الإيراني”، وإيجاد مجلس علمائي داعم للأمير على غرار مجلس الخبراء بإيران.

كما يعتقد بصير، أن خلاف الطرفين سطحي لن يتطور إلى تصعيد كبير أو مواجهة مسلحة لاعتبارات عدة، منها، عدم رغبة إيران في التصعيد مع حكومة طالبان، لأن الاخيرة لن تخسر شيئا من التصعيد على عكس إيران تماما، والتي تعتبر الخاسرة من وراء أي مواجهة مباشرة. فحكومة طالبان في أفغانستان فاقدة للشرعية الداخلية، وتواجه عزلة سياسية دولية، وإيران لن تمنحها خدمة مجانية للحصول على مشروعية دولية من وراء التصعيد. 

خلاف طالبان مع ملالي إيران في قضية المياه، ليس جديدا ولن يكون الأخير في علاقة الطرفين المضطربة والمتأرجحة. فالعداء بينهما لا يمكن حصره بقضايا الأمن واللاجئين والمياه، بل تمتد جذوره إلى التاريخ والأيديولوجيا، حيث يتبني كل طرف منهما هوية مذهبية تدعي المظلومية من قبل الآخر ويدعي وكالته بحمايتها في مواجهة الآخر. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة