بعد أن كانت بلدة عين الفيجة بدمشق من المناطق السياحية المتميزة في سوريا، إلا أن الحرب ونتائجها على مدى السنوات الماضية، كانت السبب بانخفاض نسبة السياحة فيها إلى درجة الانعدام، سواء السياحة الخارجية أو حتى الداخلية.

الحكومة السورية حتى مع انخفاض التوترات الأمنية في عدة أجزاء من البلاد، تعوّل على المغتربين من أجل تنشيط القطاع السياحي، الذي خسر كثيرا خلال السنوات الماضية، وكان الناتج المحلي للقطاع السياحي يُقدر بنحو 1.82 مليار دولار، وهذا يعادل 8 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. وبحسب تقارير محلية، فإن معظم الزوار يرغبون في قضاء الصيف في الساحل السوري، حيث إنها من المناطق التي لم تتضرر خلال السنوات الماضية.

أسباب ضعف السياحة

بلدة عين الفيجة من البلدات ذات الثقل السياحي، وكانت متنفس الدمشقيين والسّياح من كل حدب وصوب قبل أن تتأثر جرّاء الحرب التي دارت في البلاد خلال السنوات الماضية.

مسؤول حكومي في البلدة أرجع ضعف السياحة في هذه المنطقة التي كانت تعتبر من أشهر المناطق السياحية، إلى غياب تأهيل البنى التحتية، إضافة إلى عدم رغبة المستثمرين وأصحاب المنشآت السياحية لإعادة تأهيل وتشغيل منشآتهم بسبب الأزمات الاقتصادية والخدمية والأمنية العديدة التي تعصف بالبلاد.

عين الفيجة بدمشق- “إنترنت”

في الإطار، قال رئيس “مجلس بلدة عين الفيجة” محمد شبلي إن عين الفيجة ذات طبيعة خلابة وجميلة، إضافة إلى كونها منطقة سياحية متميزة عن المناطق الأخرى. وقد تميز الطابع السياحي في السابق بمجموعة من المطاعم الشعبية التي كانت تقدم جميع أنواع المأكولات بأسعار مناسبة، بالإضافة إلى مجموعة من الخدمات السياحية الأخرى.

رئيس “مجلس بلدة عين الفيجة” أردف لموقع “أثر برس” المحلي مؤخرا، أن المنشآت السياحية دُمرت بالكامل من مرافق عامة وبلدية ومخفر شرطة وناحية ومركز ثقافي ومحكمة، خلال السنوات الماضية.

شبلي أشار إلى أنه “على الرغم من أن البلدية منحت الأهالي رخص لترميم منازلهم؛ إلا أن هناك معوقات ما زالت تواجهنا حتى نعيد الألق لهذه المنطقة السياحية، ومن المفترض وضع تلك المعوّقات تحت المجهر فالبنى التحتية ما زالت غير جاهزة والبلدة لم تتأهل بعد؛ لذلك لا نستطيع الحديث عن واقع سياحي مثالي إلا في حال تم تأهيل البنى التحتية”.

حتى الآن لم يُفتتح أي منتزه، فثمة منتزه واحد فقط يُرمّم بالتعاون مع المجتمع الأهلي ومن المتوقع افتتاحه بعد أربعة أشهر، بمعنى أنه لا يوجد سيّاح حتى الآن ونسبة الإقبال 0 بالمئة، طبقا لحديث شبلي، الذي ينوّه إلى أنه بالتشاركية مع المجتمع المحلي ومحافظة ريف دمشق تم ترحيل كميات كبيرة جدا من الأنقاض؛ “ولكن حتى الآن ما زلنا نعاني من معوقات تحول دون تنشيط هذا الواقع والسبب هو أنه ما زالت لدينا أنقاض تحتاج إلى ترحيل”.

ضعف قدرات الحكومة

في المقابل، قال شبلي حول توقيت عودة البلدة إلى واقعها السياحي الذي كان، إنه “مجرد أن يصدر المخطط التنظيمي بموجبه تلحظ المنشآت السياحية، أي توضع في الخطة لتعود لعملها، وهذا المخطط التنظيمي لبلدة عين الفيجة قامت الشركة العامة للدراسات الهندسية بإنجازه بما يتوافق مع محددات القانون رقم 1 لعام 2018″.

بمعنى أن ترميم البلدة وعودة السياحة إليها قائم على مدى قدرات الحكومة، وبالنظر إلى تهالك ميزانية الدولة وعجزها حتى عن السيطرة على الأسواق وضبط الأسعار، إلى جانب وضع حدّ لتدهور سعر الصرف، فإن إعادة تأهيل بلدة عين الفيجة السياحية مستبعد تماما في ظل هذه الظروف.

وسط تفاقم الأزمات في سوريا، قامت الحكومة السورية مرة أخرى برفع أسعار المحروقات والغاز مؤخرا، لتفاقم بذلك من مشاكل قطاع الصناعة والمنشآت السياحية والمطاعم وغيرها، بدلا من حلحلتها من خلال تقديم التسهيلات والإعفاءات والدعم لتحريك عجلة الإنتاج وجذب بعض رؤوس الأموال والاستثمارات وخفض تكاليف الإنتاج للمستثمرين والتخفيف من كارثة الأسعار التي تتصاعد يوما بعد يوم.

بالتالي فإن الحكومة تساهم في تعميق ضعف الاستثمارات في البلاد، فضلا عن أنها لا تدعم عودة المنشآت لأعمالها، سواء من الناحية اللوجستية أو التشغيلية والأمنية، وهو ما يؤدي إلى إبقاء وضع السياحة في المناطق المتضررة على حالها، وانحصارها في الشواطئ الساحلية غير المتضررة من الحرب.

معطيات “وزارة السياحة” بدمشق تشير إلى أن عائدات المنشآت السياحية خلال عام 2021 بلغت 11 مليار ليرة سورية منها 5.6 مليار ليرة سورية عائدات مباشرة، و5.5 مليار ليرة عائدات غير مباشرة كالضرائب والرسوم، علما بأن خسائر القطاع السياحي في سوريا منذ بداية الحرب تُقدر رسميا بنحو 330 مليار ليرة سورية.

السياحة بالساحل السوري

في المقابل ومع اشتداد حرارة فصل الصيف، وصلت كلفة إقامة العائلة لليلة واحدة على الشواطئ الساحلية السورية إلى نحو مليون ليرة، أي ما يعادل أكثر من 10 أضعاف راتب الموظف الحكومي، مما يجعل السياحة “حلما” صعب المنال لمعظم المواطنين وسط الظروف الاقتصادية المتردية.

بالنظر إلى أن أسعار المنشآت السياحية في سوريا باتت ضربا من الخيال، ويُحتسب تسعيرتها وفقا لسعر صرف الدولار، فإن الأسعار باتت خارج المنطق وأغلى من دول الجوار وحتى بعض الأماكن في الدول الأوروبية.

وادي بردى-عين الفيجة-“إنترنت”

فعلى سبيل المثال، تُقدّر ليلة واحدة في فنادق الساحل السوري بنحو مليون ليرة سورية أي نحو 110 دولارا، وفي بعض الفنادق يصل لضعف هذا السعر، هذا عدا عن تكاليف التنقل والمأكل والمشرب وألعاب السباحة، التي ستكون مساوية لأجار الفندق، وبالتالي الأسعار أغلى من أسعار دول الجوار، ولهذا يصف السوريون السياحة داخل البلاد بأنها تعادل أو أكثر غلاء من السياحة في الخارج.

نحو ذلك، تتراوح كلفة الإقامة في الفنادق والشاليهات بمحافظة اللاذقية بإطلالة بحرية لعائلة مكونة من 6 أشخاص، ليوم واحد فقط، بين 650 – 900 ألف ليرة سورية، وبحسبة بسيطة فإن التكلفة الأسبوعية للإقامة فقط تفوق الـ 5 ملايين ليرة سوريّة من دون حساب تكاليف الأكل والشرب والمستلزمات اليومية إضافة للتنقل وأمور أخرى، حسبما أوردته صحيفة “الوطن” المحلية، يوم الإثنين الماضي.

من جانبهم، يرى عدد من المواطنين أن السياحة باتت “لناس وناس” وتحديدا لذوي الطبقة المخملية دون غيرهم، متسائلين عن مدى قدرة أي موظف حكومي أو في القطاع الخاص على اصطحاب عائلته إلى شاليه لمدة يومين في اللاذقية، علما أن تكلفة الإقامة تفوق مرتّبه بعشرة أضعاف ونصف الضعف.

أما أصحاب الشاليهات فإنهم يرون أن ارتفاع الأجور يعود لغلاء تكاليف المقومات السياحية وخاصة تأمين التيار الكهربائي، الذي يتطلب دفع مبالغ طائلة لتشغيل المولدات طوال فترة النهار وساعات محددة في الليل حسب طلب الزبون إضافة للخدمات الأخرى من تنظيف وغسيل وغيرها.

الحكومة تأمل أن تشهد سوريا حركة سياحية عربية ودولية هذا الصيف، بعد “التطبيع” العربي مع حكومة دمشق مؤخرا، لافتا إلى أنه في الوقت الحالي الحركة السياحية من المغتربين السوريين بدول الخليج جيدة نوعا ما. إلا أنها لم تذكر أن السياحة باتت محصورة في الساحل السوري فقط، وقلة قليلة  جدا من سكان سوريا في الداخل يذهبون للعاصمة دمشق لاسيما في المناطق غير المتضررة.

في العموم، الارتياد إلى أماكن الترفيه، من المطاعم والمقاهي والمسابح، أو التصييف على أحد شواطئ الساحل السوري، أمرٌ مكلف بالنسبة لنسبة كبيرة من السوريين. هذا بالإضافة إلى ارتفاع تكاليفها عن العام الماضي بشكل كبير، نظرا لارتفاع كل السلع والخدمات من جانب، وتهاوي قيمة الليرة من جانب آخر.

بالتالي يبدو أن النشاطات الصيفية والسياحة بالمجمل ستنضم هي الأخرى إلى قائمة السلع والخدمات “المحرّمة” على الفقراء وأصحاب الدخل المحدود الذين يمثلون النسبة الأكبر في سوريا اليوم، لتنحصر على الطبقة المخملية والمغتربين فقط.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات