بعد انتشار نظام “الأمبيرات” لتوزيع الكهرباء في عدد من المحافظات السورية، وسط التقنين الكهربائي الخانق في البلاد، يبدو أن مولدات الأمبير في مدينة حلب تشكل مصدر خطر على السكان بسبب افتقارها لأدنى عناصر السلامة العامة، الأمر الذي تسبب بوفاة العديد من الأشخاص وحرائق بالممتلكات في السابق ولا تزال وتيرتها في تصاعد.

عدد من الأهالي اشتكوا من هذه المعضلة التي تُعتبر بالنسبة لهم أشبه بـ”قنبلة موقوتة”، وطالبوا الجهات الحكومية المعنية بفرض شروط السلامة العامة على أصحاب مولدات “الأمبير” للسيطرة على مخاطرها، بالإضافة إلى سنِّ القواعد التي تضمن راحة السكان والحفاظ على البيئة، نتيجة الضجيج الشديد وانبعاثات الدخان السام التي تسببها هذه المولدات نتيجة تشغيلها بمادة المازوت.

الأمبيرات.. “قنبلة موقوتة”!

وسط شكاوى الأهالي من افتقار مولدات “الأمبير” بالحد الأدنى من متطلبات السلامة، أفاد تقرير لصحيفة “الوطن” المحلية، يوم أمس الإثنين، أن دور “مجلس مدينة حلب “يقتصر على منح ترخيص لتشغيل مولدات “الأمبير” على أرصفة المدينة دون تتبع واقعها البائس على أرض الواقع، سواء من حيث نظافة البقعة المُقامة عليها أو عدم تلبيتها لشروط السلامة العامة، رغم إمداد أحياء المدينة بالكهرباء منذ أكثر من 10 سنوات.

مولدات “الأمبير” تفقد أدنى مقومات السلامة في سوريا- “إنترنت”

في اتهام واضح من قبل الصحيفة المحلية للجهات المعنية بهذا الأمر، بالإهمال وعدم متابعة واقع مولدات “الأمبير” بعد منح أصحابها تراخيص الإشغال، واصفة البراميل وخزانات المازوت الملحقة بالمولدات بـ “قنبلة موقوتة” قابلة للانفجار في أي وقت ملحقة الأذى بالجوار، وخصوصا بالسيارات المركونة بالقرب منها، ولذلك يحرص أصحاب السيارات على ركنها في حيّز بعيد عنها بعد تكرار حرائق المولدات والسيارات التي بجوارها.

كذلك، فإن التمديد العشوائي للكابلات والأشرطة الكهربائية الممتدة من المولدات إلى العُلب الموزعة في الشوارع أو من العُلب إلى المنازل المستفيدة من الخدمة، يتسبب في أضرار بشرية للأشخاص الذين أودى بحياة العديد منهم، وخاصة الأطفال الصغار، حيث التمديد لا يأخذ في الحسبان أيّا من عناصر الأمان وخاصة عدم رفع الأحزمة الناقلة للتيار الكهربائي بمسافة كافية عن الأرض.

انتشار نظام “الأمبيرات” في عموم المحافظات ولا سيما في العاصمة دمشق مؤخرا يُعد بمثابة اعتراف حكومي بعجزها عن حل أزمة الكهرباء في البلاد، ويبدو أنها بدأت تتعايش مع الأزمة، وأدركت مؤخرا أنها لا تستطيع حل الازمة أو تحسين واقع الكهرباء، لتبدأ بتنظيم البدائل للمواطنين.

إلا أن غياب عناصر السلامة العامة لهذه المولدات التي تولد التيار الكهربائي وتزود الأحياء به، يُعد أمرا خطيرا، يتطلب معالجته على الفور من قبل السلطات، نظرا لآثارها الكارثية، سواء عن طريق الانفجار والتسبب في خسائر مادية وبشرية أو الأضرار البيئية الناجمة عنها، مثل تلوث الهواء والأماكن العامة والحدائق، حيث يوجد الكثير من المولدات مركونة في الحدائق العامة، مما يعني مدى إهمال السلطات المحلية للسلامة والنظافة العامة.

حوادث سابقة

في المقابل، أحصت الصحيفة المحلية احتراق العديد من مولدات “الأمبير” التي نتج عنها إلحاق ضرر بممتلكات السكان، ومنها الحريق الذي نشب في 14 حزيران/ يونيو الجاري، في مولدة خلف سوق مهرجانات “غرفة تجارة حلب” في حي المهندسين غربي المدينة، والذي أدى لاحتراق باصي نقل كانت مركونة بالقرب منها.

كما انفجرت مولدة في 17 كانون الثاني/يناير الماضي، في حي الشعار شرق المدينة بفعل الضغط الزائد على استطاعتها، كذلك نشوب حريق بمولدة في 28 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، في حي المواصلات والذي تسبب باحتراق 9 سيارات امتدت إليها النار بالقرب منها.

قبل ذلك احترقت 9 سيارات أخرى في حي الأعظمية بحلب جراء النار المندلعة في إحدى مولدات “الأمبير” نتيجة تسرب مادتي الزيت والمازوت منها، وهو سبب احتراق مولدة في ساحة الخضرة بحي الفردوس ومولدة في حلب الجديدة وأخرى في حي حلب الجديدة الشمالي ومولدة في شارع تشرين في 28 أيلول/سبتمبر المنصرم.

هذا فضلا عن حوادث أخرى مشابهة في المحافظات والمدن السورية الأخرى ولا سيما التي بدأت بنظام “الأمبيرات” قبل سنوات، والتي تسببت باندلاع حرائق وخسائر مادية كبيرة، إلى جانب خسائر بشرية.

“الأمبيرات” تنتشر في سوريا

بعد فشل حكومة دمشق في تحسين واقع الكهرباء، بدأ نظام “الأمبيرات” بالانتشار في مناطق جديدة في البلاد. فبعد حلب وطرطوس واللاذقية ودمشق بدأ الحديث عن وصول هذا النظام إلى مناطق ريف دمشق، وبتكلفة تصل إلى أكثر من 5000 ليرة سورية للكيلو واط الواحد.

ثمة تأكيدات نقلها مواطنون مقيمون في بعض مناطق ريف دمشق لموقع “غلوبال” المحلي، مؤخرا، أن نظام “الأمبيرات” بات ينتشر بشكل تدريجي هناك، فضلا عن أن هناك من يتحدث عن استخدام الشبكة العامة على أنها “أمبيرات”، ويقومون ببيعها للمواطنين بتلك المناطق.

إزاء ذلك، أوضح عضو المكتب التنفيذي بمحافظة ريف دمشق فضّل عدم ذكر اسمه للموقع نفسه، بأن المحافظة ولغاية هذه اللحظة لم تشرعن موضوع “الأمبيرات”، ولم تمنح أي موافقة أو ترخيصا لأي شركة من الشركات الخاصة بطلب السماح بالاستثمار في بيع “الأمبيرات” حتى الآن.

كما وأكد عضو المكتب التنفيذي بأن المحافظة تركت الموضوع للمجلس المحلي لتقدير مدى الحاجة وتقدير الأمور، ولاسيما للفعاليات الخدمية والاقتصادية والطبية وغيرها من الفعاليات الهامة شريطة عدم استخدام الشبكة العامة أو أملاك الدولة.

بالتالي فإن هذا الكلام يدلل بمدى تهرّب الحكومة من مسؤولياتها تجاه انتشار هذا النظام الكهربائي المضر للبيئة والسكان معا، فليس من المعقول كل هذه الفوضى في انتشار مولدات الكهرباء في أرجاء البلاد وخاصة في الأماكن العامة، المزدحمة بالمارة.

انتشار نظام “الأمبيرات” في سوريا- “إنترنت”

نظام “الأمبيرات” يعني الاعتماد على الكهرباء المولدة عن طريق المولدات الصناعية مقابل دفع اشتراك شهري، ويبدو أن الأمر بات واقعا في دمشق و”الحبل على الجرار” كما يقولون، في ضوء معطيات غير مبشّرة بحدوث تحسّن في واقع الكهرباء في المنظور القريب.

مصدر خاص في “وزارة الكهرباء” أكد في وقت سابق لنفس الموقع المحلي، أن الوزارة ليس لها علاقة بنظام “الأمبيرات” ولم ولن تعطي تراخيص لأحد، فالوزارة لديها كهرباء وتعطي كهرباء فقط.

أمر مبهم أن تتهرب الحكومة عن شرعنة نظام “الأمبيرات” رغم انتشارها في الأسواق والمدن، وتقول دوما إن مسؤولية القرار يعود للمجالس المدنية. يبدو أن المسؤولين المعنيين يحاولون عدم الاعتراف بشكل علني بعجز الحكومة في حل أزمة الكهرباء، أو تحمّل المسؤولية حيال هذا الأمر الذي له آثار سلبية على البيئة حتما.

كما أن القرار ربما قد يؤدي إلى تعميق التفاوت الطبقي ويتنافى مع قرار ترشيد الاستيراد، وفق ما يراه الخبير الاقتصادي عامر شهدا لأحد المواقع المحلية مؤخرا، حول قرار السماح بإعطاء تراخيص وتساءل شهدا أيضا “هل يعني ذلك توفر فائض قطع أجنبي لتمويل المستوردات”، بالتالي تم اختيار استيراد “الأمبيرات” وقطع تبديلها وحاجاتها الأخرى من صيانة ومشتقات نفطية وغيرها.

هذه الفرضية أكدها أحد المسؤولين في المجالس البلدية، حيث قال في تصريحات صحفية سابقة، أنه على الرغم من ارتفاع أسعارها، فكلفتها مرتبطة بسعر المازوت ولذلك ليس بمقدور الجميع الاشتراك، حيث يمكن أن يشترك أصحاب الورشات ومن لديهم قدرة مالية، أما الفقراء في حال اشتراكهم بـ”الأمبيرات” فلا يتعدى الاشتراك الأمبير الواحد لتشغيل البراد أو الإنارة فقط.

أما مَن لا يقوى على شراء حتى أمبير واحد، فيتجه إلى آلة الزمن للعودة إلى الوراء، عبر الشموع التي تُعدّ حاليا أرخص الحلول رغم ارتفاع أسعارها مؤخرا بسبب ارتفاع الطلب عليها من قبل العائلات ذات الدخل المحدود، كذلك فإن البطاريات المخزّنة للطاقة تُعدّ أحد الحلول التي تتجه إليها العائلات السورية، من أجل الاستخدامات البسيطة كالإنارة وشحن الهواتف المحمولة وغيرها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات