بعد أن كانت أثيوبيا قد بدأت في تموز/يوليو الماضي، بعملية الملء الرابع لـ “سد النهضة” الذي تقيمه على نهر النيل، حيث يمثل نقطة خلاف حادة مع مصر والسودان اللتين تعدّان دولتي مصب، لاسيما القاهرة التي تعتبره تهديدا وجوديا؛ أعلن رئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد، اكتمال المرحلة الرابعة والأخيرة من ملء خزان “سد النهضة” الضخم لتوليد الطاقة الكهرومائية على النيل الأزرق، والذي شكّل منذ أكثر من عقد خلافا جوهريا بين الدول الإفريقية الثلاث.

الإعلان عن الانتهاء من مرحلة الملء الرابع والأخير الأحد الماضي، أثار الكثير من علامات الاستفهام، حيث وصل معدل المخزون خلف “سد النهضة” إلى نحو 42 مليار متر مكعب، بينما السعة الإجمالية تصل إلى 74 مليار متر مكعب، وعلى الرغم من التساؤلات العديدة حول توقف عملية الملء عند ذلك الحد، إلا أن البعض رأى أن الإعلان الأثيوبي من شأنه أن يعمّق الخلاف حول السد مع السودان ومصر.

خطوة أثيوبيا، جاءت بعد مفاوضات خاضتها مع مصر والسودان في القاهرة يومي 27 و28 أغسطس الماضي، حيث اجتمعت وفود الدول الثلاث بهدف التوصل إلى اتفاق يراعي مصالح وشواغل تلك الدول، لكنها لم تحرز تقدما ملموسا في القضايا الخلافية.

أثيوبيا تشعل أزمة دبلوماسية مع مصر؟

إذ أعلنت وزارة الرّي المصرية في التاسع والعشرين من آب/أغسطس انتهاء الجولة الأولى من المفاوضات الثلاثية بشأن “سد النهضة”، وأنها لم تُسفر عن تغيرات ملموسة في موقف أديس أبابا، وبينما أعلنت أثيوبيا استضافة جولة ثانية في أيلول/سبتمبر الجاري، جاء إعلان اكتمال الملء الرابع ليؤجّج المواقف الخلافية.

سد النهضة الذي أعلنت أثيوبيا اكتمال الملء الرابع له/ إنترنت + وكالات

فالقاهرة، أعلنت أن الملء الرابع لخزان “سد النهضة” يُعد استمرارا من جانب أثيوبيا في انتهاك إعلان المبادئ الموقع بين مصر وإثيوبيا والسودان عام 2015، والذي ينصّ على ضرورة اتفاق الدول الثلاث على قواعد ملء وتشغيل السد الأثيوبي قبل الشروع في عملية الملء.


جاء في بيان للمتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية على موقع “إكس” (تويتر سابقا)، أن اتخاذ أثيوبيا لمثل تلك الإجراءات الأحادية يُعد تجاهلا لمصالح وحقوق دولتي المصب وأمنها المائي الذي تكفله قواعد القانون الدولي.

الخارجية المصرية، أكدت في بيانها، على أن هذا النهج وما ينتج عنه من آثار سلبية يضع عبئا على مسار المفاوضات المستأنفة، التي تم تحديد 4 أشهر للانتهاء منها، والمعقود الأمل في أن تشهد جولتها المقبلة المقرر عقدها في أديس أبابا، انفراجة ملموسة وحقيقية على مسار التوصل إلى اتفاق على قواعد ملء وتشغيل السد.

إلى ذلك، كان رئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد، قد أعلن نجاح بلاده في إتمام المرحلة الرابعة والأخيرة من ملء سد النهضة، وكتب أحمد عبر منصة “إكس” “أعلن بسرور بالغ أن التعبئة الرابعة والأخيرة لسد النهضة تمت بنجاح”، مضيفا “واجهنا كثيرا من التحديات، واضطررنا مرارا إلى التراجع. واجهنا تحديا داخليا وضغوطات خارجية”، لكنه أكد أن بلاده “ستنجز ما تعهدت به”.

وسط ذلك، اعتبر المحلل السياسي المصري محمد السيد أحمد، أن إعلان أثيوبيا عن اكتمال الملء الرابع لسد النهضة يمثّل تحدّيا لدول الإقليم خاصة مصر والسودان، بجانب تحدّيها للمجتمع الدولي الذي طلب في عدة مناسبات بحلول توافقية ووسطية بين أطراف النزاع، وبالتالي أن إعلان أثيوبيا يعني عدم مراعاة لكل ما يتعلق بعملية التوافق التي يطالب بها المجتمع الدولي وتطالب بها دول الإقليم.

مضار أثيوبية إقليمية

السيد محمد وفي حديث لموقع “الحل نت”، أشار إلى أن هذا الملء الرابع للسد الذي يضرّ بمصر والسودان، سيؤدي في نهاية المطاف إلى تفاقم الأزمة الدبلوماسية مع تلك الدول، مصر منها على وجهة الخصوص، والتي تمثل إحدى أهم الدول الفاعلة في القارة الإفريقية، مبيّنا أن قضية المياه تمثل قضية أمن قومي، لاسيما وأن مياه نهر النيل تمثل الشريان الرئيسي للمصريين.

رئيس وزراء أثيوبيا آبي أحمد/ إنترنت + وكالات

لذا، أن تداعيات هذا التجاهل الأثيوبي لمصالح المصريين، سيلقي بظلاله على الداخل المصري، وعلى موقف القيادة المصرية التي لن تسمح بهذا التجاوز على حقوق المصريين، مشيرا إلى أن القيادة المصرية أكدت في أكثر من موقف بأنها ستقف أمام هذا المشروع الذي يضرّ بمصر، وتتصدى لأي محاولة للتأثير على حقوق مصر التاريخية في مياه النيل، بحسب المحلل السياسي المصري.

السيد محمد، لفت إلى أن مصر تعاني من الفقر، وبما أنها تعتمد على مياه النيل بحوالي 94 بالمئة من احتياجاتها المائية، فإنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام التعرض لحقوقها المائية، بل ستتخذ موقفا من ذلك، مبيّنا أن القضية معقّدة وشائكة بالنسبة لمصر وقد تدفع لأزمه دبلوماسية تنعكس على المنطقة بشكل عام. 

فالتحدي الأثيوبي واستمرار الملء للسد، وفق السيد محمد، يرتبط إلى حدّ كبير بموقف متعنت ومتشدد، بل أنه يعكس وجود أجندات بعض الأطراف الدولية التي لا تريد لمصر النهوض، خصوصا مع الدور الذي تمارسه القاهرة في المنطقة والقارة الإفريقية، حيث لا تريد بعض الأطراف لمصر أن تكون دولة فاعلة، بالتالي هي تعمل على خنقها من خلال هذا السد، مستخدمين بذلك أثيوبيا.

المحلل السياسي المصري، أكد أن مصر مع القانون الدولي، ومع الشرعية الدولية التي تؤكد حقوق مصر التاريخية في مياه النيل، وهي التي أكد عليها في أكثر من مرة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، مشيرا إلى أن القاهرة تنتظر من المجتمع الدولي والمنظمات الدولية أخذ دورها في هذا الملف الشائك.

في غضون ذلك، كانت الخرطوم والقاهرة قد طالبتا مرارا من أثيوبيا التوقف عن ملء خزان “سد النهضة؛، في انتظار التوصل إلى اتفاق ثلاثي بشأن آليات تشغيل السد، حيث أكد وزير الموارد المائية والري المصري هاني سويلم، في وقت سابق، أن المفاوضات مع أثيوبيا تهدف إلى التوصل لاتفاق “يراعي مصالح وشواغل الدول الثلاث”، مشدداً على “أهمية التوقف عن أي خطوات أحادية في هذا الشأن”.

وقبل ذلك بأسابيع قليلة، في منتصف تموز/يوليو الماضي، أمهل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وآبي أحمد أنفسهما 4 أشهر للتوصل إلى اتفاق بشأن ملء وتشغيل السد، وذلك خلال اجتماع على هامش قمة الزعماء الأفارقة بشأن الحرب الدائرة في السودان.

اتفاق بدون نتائج

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد، اتفقا بأنهما سيبذلان كل الجهود اللازمة للانتهاء من الاتفاق في غضون 4 أشهر، حيث تعهدت أديس أبابا بعدم إلحاق ضرر ذي شأن بالقاهرة والخرطوم، بما يوفر الاحتياجات المائية لكلا البلدين، في وقت لم تفلح مفاوضات ثلاثية متقطعة، جرت على مدار أكثر من 10 أعوام، في الوصول إلى حلّ، رغم رعاية عدة أطراف دولية لها، أبرزها الولايات المتحدة الأميركية و”الاتحاد الإفريقي”.

الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مع رئيس وزراء أثيوبيا آبي أحمد/ إنترنت + وكالات

منذ بدء أديس أبابا إنشاء “سد النهضة” عام 2011، أثار الموضوع توترات حادة مع القاهرة والخرطوم، إلا أن أثيوبيا لم تصغِ إلى المخاوف التي كانت تطلقها دول المصب، حيث استمرت في إنشاء السد من دون التوصل إلى اتفاق يضمن لجميع الأطراف استحقاقاتهم في نهر النيل، وعلى هذا الأساس استمرت خلال السنوات الماضية الملء الأول والثاني والثالث وصولا إلى الملء الرابع للسد الأثيوبي دون توافق مع مصر أو السودان، وسط تنديد الأخيرتين وتمسّك أديس أبابا بموقفها.

بحسب تقارير، فإن أثيوبيا تستهدف تخزين ما يوازي نصف حصة مصر السنوية من مياه النيل التي تبلغ 55 مليار متر مكعب من المياه، الأمر الذي سبق ودفع بالقاهرة للجوء الى التوسع في إنشاء محطات تحلية مياه البحر ومحطات معالجة مياه الصرف، كما نفذت مشروع تبطين التُّرع لتقليل الفاقد في المياه، إلا أن ذلك قد لا يحمي مصر من الأضرار التي سيتسبب بها “سد النهضة” في السنوات القادمة.

إذ سيؤدي السد إلى القضاء على أي إمكانية توسع زراعي مستقبلي مع احتمال تقلص المساحات المزروعة حاليا، فضلا عن خفض تدفق النيل بمقدار 12 مليار متر مكعب إلى مصر سنويا، أي بنسبة 23 بالمئة من حصة مصر السنوية من مياه النيل.

من الأضرار المتوقعة عن السد أيضا، زيادة نسبة البخر بمقدار 5.9 بالمئة، بحسب خبراء مختصين، والذي بدوره سيؤثر على كمية ونوعية مياه النيل، وسيزيد من ملوحة المياه في الجزء الشمالي من الدلتا، ما سيؤدي في النهاية إلى انهيار القنوات والمصارف، وعدم استقرار النّظم الإيكولوجية في شمال مصر والإسكندرية والساحل الشمالي، بالتالي ستؤدي زيادة الملوحة إلى زيادة تكاليف تنقية وتوفير مياه الشرب.

كذلك من المتوقع في حالة خفض حصة المياه المصرية بأكثر من 5 بالمئة، سيؤثر ذلك على الملاحة الآمنة في النهر، في حين أن الانخفاض بأكثر من 10 بالمئة يمكن أن يؤثر على محطات رفع المياه للري والاستخدامات الصناعية، ويمكن أن يؤثر الانخفاض بأكثر من 15 بالمئة على محطات مياه الشرب.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات