واقع جديد يعيشه العراق في السنوات الأخيرة، لكنه بدأ يتضح أكثر مؤخرا مع قبضة قوى إيران على الحكم في العراق، يتمثل بالارتماء في حضن الصين من بوابة الاقتصاد، وأي اقتصاد، النفط ولا غيره، فبغداد مصدرها الاقتصادي النفط بشكل شبه كلي.

بدأ هذا الواقع مع وصول حكومة عادل عبد المهدي إلى الحكم في عام 2018، وهي حكومة مقربة من إيران، لكن مشروع التقارب مع بكين تجمد مؤقتا عقب اندلاع “انتفاضة تشرين” في عام 2019، وما تلاها من وصول حكومة مدنية بقيادة مصطفى الكاظمي إلى الحكم في أيار/ مايو 2020.

طوال مدة حكم الكاظمي لم تتبلور فكرة التقارب مع بكين بشكل جدي، لكن اليوم وبعد مرور عام على عودة قوى إيران إلى حكم بغداد عبر رئيس الحكومة الحالية محمد شياع السوداني، يدفع الساسة نحو الارتماء بعباءة الصين بقوة، فما وراء هذه الحمية؟ 

هدف بكين: هل تنوي الصين الاستيلاء على أصول العراق النفطية؟

واقعيا، تعتمد الصين على الشرق الأوسط في معظم وارداتها من الطاقة، وبما أن العراق خامس أكبر بلد نفطي في العالم، وثاني أكبر بلد ينتج النفط بين دول “أوبك”، فإن الاستحواذ عليه ضرورة حتمية بالنسبة إلى بكين. 

فعليا، بدأت الصين التفكير بشكل واضح لاقتحام العراق في عام 2018، أي قبل 6 أعوام، وسيطرت على العديد من حقول النفط في الجنوب العراقي، مصدر النفط الأساسي في البلاد، وهي تبحث اليوم عن السيطرة على أحد أهم حقول النفط العراقية، وهو “حقل عكاز” من خلال جولة التراخيص السادسة المنتظرة قي وقت قريب. 

رئيس الحكومة العراقية الأسبق عادل عبد المهدي أثناء لقائه الرئيس الصيني شي جين بينغ في بكين – إنترنت

لأجل الاستحواذ على مصادر الطاقة في العراق، لجأت بكين إلى توقيع اتفاقية إطارية مشتركة مع بغداد في عهد حكومة عبد المهدي في 2019، ثم تم تفعيلها بشكل رسمي نهاية عام 2021، أي مع إنهاء واشنطن مهمتها القتالية في العراق، واليوم تضغط قوى إيران في العراق المتكتلة ضمن “الإطار التنسيقي” لتنفيذ كل شيء في الاتفاقية، الأمر الذي سيسلّم بغداد كليا إلى بكين. 

الصحفي المالي سيمون واتكينز، يرى في تقرير نشره موقع “أويل برايس”، أن الاتفاقية الإطارية الموقعة بين بغداد وبكين، ستمكن الصين من إكمال استراتيجيتها طويلة المدى المتمثلة في الاستيلاء على جميع أصول العراق الرئيسية من النفط والغاز والبتروكيماويات، لتحقيق أهدافها الخاصة.

الاتفاقية الإطارية بين العراق والصين: ضياع الثروة مقابل العمران!

الاتفاقية الإطارية التي جرى تفعيلها في نهاية 2021، تعني باختصار “النفط من أجل الإعمار والاستثمار”، إذ ترغب بغداد الاستفادة من التكنولوجيا والاستثمارات الصينية لأجل تطوير بنيتها التحتية، لا سيما المدارس والمستشفيات والمجمعات السكنية عبر بنائها من قبل شركات صينية، والمقابل هو منح النفط لبكين.

هذا الأمر بدأ واقعيا، في أعقاب صفقة شركة “زينهوا” للنفط في جنوب العراق، إذ وافقت بغداد على ما يقرب من تريليون دينار عراقي (700 مليون دولار أميركي) لمشاريع البنية التحتية في مدينة الزبير في مركز البصرة النفطي بجنوب العراق، وحينها شاركت الصين في المرحلة الثانية من مشاريع البنية التحتية لمدينة الزبير.

ليس هذا فحسب، إذ جاء إعلان الزبير بالتزامن مع صفقة أخرى، منحت فيها بغداد عقدا كبيرا لشركة صينية أخرى لبناء مطار مدني في محافظة ذي قار المتاخمة للبصرة، ليحل محل القاعدة العسكرية في المحافظة التي تضم اثنين من أكبر حقول النفط المحتملة في العراق (الغراف والناصرية).

آخر التطورات في هذا السباق، تمثل بتسليم شركة “إكسون موبيل” الأميركية “حقل القرنة/ 1” في محافظة البصرة أقصى جنوبي العراق، إلى شركة “بتروشاينا” الصينية، لتعلن بذلك خروجها من السوق العراقي في خطوة وصفتها وكالة “رويترز” بـ “الجذرية”. 

التغيير الجديد بحسب “رويترز”، وضع الصين في مرتبة متقدمة فيما يتعلق بسوق النفط العراقي، وستكون تأثيرات سيطرة “بتروتشاينا” الصينية على “حقل القرنة/ 1” واسعة وشديدة على المدى البعيد، “وتمثل نقلة جذرية في موازين قوى سوق النفط العالمي”.

ما يمكن ذكره هنا، أن ما يجعل “حقل القرنة/ 1” مهما، هو حجم  الطاقة الإنتاجية الحالية للحقل، إذ تصل إلى أكثر من 500 ألف برميل نفط في اليوم، في وقت تقوم كل من شركتي “غاز الجنوب” و”غاز البصرة” العراقيتين باستثمار الغاز المصاحب للحقل.

سر الارتماء بالحضن الصيني: التمهيد لقطب بكين من بوابة طهران؟

الآن نعود إلى السؤال الأبرز، وهو ما وراء سعي الحكومة العراقية للارتماء بالحضن الصيني أكثر من الحمية الصينية نفسها تجاه بغداد؟ السبب بسيط جدا، لأجل الابتعاد عن واشنطن والدخول فيزحلف إيران والصين، يقول الصحفي والكاتب السياسي مسلم السليطي. 

السليطي يبيّن في حديث مع “الحل نت”، أن الحكومة العراقية اليوم، هي حكومة “الإطار”، وهو ذراع إيران، ويملك فصائل مسلّحة توالي طهران، لذا فهي تنوي استغلال سيطرتها على السلطة لسحب العراق كليا من أي ارتباط مع واشنطن بشتى الطرق، ومنها الاقتصاد، ومنحه لأي غريم لها، والصين حليفة طهران، وكلاهما ضد أميركا. 

نفط العراق، تعبيرية – إنترنا

المؤكد بحسب السليطي، أن طهران تريد ربطها وبغداد مع بكين لتكوين حلف ضخم يمثل سياسة بكين التوسعية في الشرق الأوسط، وهدفها أن تكون بكين الدولة الأولى من حيث النفوذ الاقتصادي في المنطقة لمنافسة أميركا، وتكوين قطب واحد هو “قطب الصين”، وليس “العالم متعدد الأقطاب” كما تدعي بكين، على حد قول السليطي.  

الجدير بالذكر، أنه قبل الاتفاقية الإطارية بين العراق والصين، كانت بكين وقّعت اتفاقية مماثلة مع طهران تحت مسمى “اتفاقية التعاون الشامل”، تستمر لمدة 25 عاما، وعقب هذه الاتفاقية حرت الاتفاقية مع العراق جار إيران.

في النهاية، لا بد من الإشارة، إلى أن إيران والعراق يشكلان معا أكبر موارد النفط والغاز في العالم، ولا يزال الكثير منها غير مستغل، وارتباطهما مع الصين يتيح لها بحسب صحيفة “العرب” اللندنية، المزيد من احتياطيات النفط والغاز التي يمكن الوصول إليها بأسعار منخفضة، ناهيك عن توفير طرق عديدة تربط تجارتها بأوروبا من خلال بغداد وطهران.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات