تبدو زيارة رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في “حزب الله”، وفيق صفا، إلى الإمارات خطوة خارجية تحمل مفاجآت عديدة، بينما تشير إلى تكهنات عديدة، وتفتح التأويلات على عدة مسائل محورية من دون أن تستبعد ما هو معلن في الأخبار بخصوص دوره في الإفراج عن الموقوفين المتهمين على خلفية جرائم إرهابية في أبو ظبي. 

إن المسائل الأمنية تقع في صلب القضايا التي يعمل عليها المسؤول الأمني البارز لدى “حزب الله”. بيد أن السياق الإقليمي الذي تلعب فيه طهران ووكيلها المحلي بلبنان دوراً مهماً من خلال الصراع في الجنوب ضد إسرائيل، فضلاً عن الأوضاع المتوترة في اليمن عبر “الحوثي” وتهديد الملاحة الدولية، وهو ما يهدد نفوذ ومصالح الإمارات (مثل الغرب والولايات المتحدة) المشغولة بأمن الممرات البحرية.

 صفقة “حزب الله” مع الإمارات

بحسب ما هو معلن من أخبار في الصحف المحسوبة على إيران و”حزب الله” في لبنان، فإن الزيارة التي قام بها مسؤول وحدة الاتصال والتنسيق لا تخرج عن كونها لمعالجة وحلّ مشكلة المعتقلين اللبنانيين، وهم حوالي ستة أفراد، تشملهم أحكامٌ قضائية تصل للمؤبد لاثنين منهم و 15 عاماً لباقي الأفراد. وتتهمهم السلطات القضائية في الإمارات بـ”تبييض الأموال لصالح حزب الله وإيران، فضلاً عن التواصل مع الحزب”.

شاشة تلفزيونية في مخيم البرج للاجئين الفلسطينيين تبث خطاباً للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في 5 يناير/كانون الثاني 2024 في بيروت، لبنان. (تصوير مروان طحطح/غيتي)

مصدر سياسي لبناني، أشار إلى أن زيارة وفيق صفا، بالفعل تتصل بالمعتقلين اللبنانيين لكنها في حقيقة الأمر النتيجة أو الصفقة التي بها تكتمل مساعي التقارب القائمة منذ فترة بين أبو ظبي وطهران. 

سبقت زيارة وفيق صفا ترتيبات كان قد قام بها (وربما مازال) الأمين العام السابق للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، في فترة سابقة وبالأخص بعد اتفاق الرياض برعاية الصين، وشمخاني يتمتع بعلاقات وطيدة في الإمارات مع الشيخ طحنون بن زايد، ويتمتع بنفوذ وثقة كبيرين لدى الدائرة الحاكمة في الإمارات.

ويقول المصدر، الذي فضّل عدم ذكر اسمه لـ”الحل نت”، إن هناك ترتيبات تتعلق بالتسوية في جنوب لبنان تكتسب فيها الإمارات دور الوساطة، ويشكّل الإفراج عن المحتجزين الستة في لبنان “انفراجة سياسية” للعلاقات التي تأزمت بين البلدين، وذلك الانفتاح سيكون له نتائج في الأفق على مسالة التنقيب عن النفط في لبنان. 

كما أن الوساطة الإماراتية بحسب المصدر ذاته، ستجعل هناك “مشروعية لانخراطها في دعم وتعزيز الاقتصاد اللبناني واقتصاديات الجيش بعد التشنيع السياسي الذي قاده حزب الله على أبو ظبي على خلفية اتفاقات إبراهام ويجعل وجودها في الساحة السياسية اللبنانية مقبولاً”.

تتفق في الرأي ذاته الباحثة في معهد “واشنطن” لدراسات الشرق الأدنى، حنين غدار، والتي قالت إنه من المؤكد أن زيارة وفيق صفا للإمارات تتجاوز في ملفاتها قضية المعتقلين، موضحة أنه “ربما تلعب الإمارات دور الوساطة لإنهاء التصعيد في لبنان والتفاوض على اتفاق مع حزب الله الذي لا يزال بحاجة إلى تقديم بعض الضمانات لوقف إطلاق النار، وقد يكون هذا أيضا جزءا من المفاوضات بين الإمارات وإيران التي يشارك فيها لبنان”. 

وألمحت غدار، إلى وجود ما يمكن توصيفه بصفقة إزاء الإفراج عن المحتجزين، حيث من المتوقع أن يقدم “الحزب” المدعوم من إيران شيئا في مقابل ذلك، وهذا المقابل بالنسبة للباحثة اللبنانية في المعهد الأميركي قد يكون شيئاً إقليمياً يرتبط بتنازلات لصالح إسرائيل في ظل الصراع المحموم بالجنوب اللبناني، أو يتعلق بتهريب مخدر “الكبتاغون” والمتسبب في مشاكل إقليمية جمّة لدول الجوار والدول الإقليمية وبخاصة الخليج ويمرّ عبر الأردن.

صفحة جديدة

بحسب المصدر، فإن القيادي الفلسطيني محمد دحلان، التقى وفيق صفا للنظر في ترتيبات المشهد بجنوب لبنان، بينما لم يغفل الإشارة لترتيبات اليوم التالي بعد الحرب، وبخاصة نمط الحكم الجديد في القطاع بعد انتهاء الحرب. 

لغز استراتيجي حزب الله يرفض دخول الحرب بناء على طلب الأسد؟ (4)
سوريون يتجمعون في بهو مبنى سكني مدمر، ويحملون ملصقًا للرئيس السوري بشار الأسد (إلى اليمين) وحسن نصر الله، زعيم حركة حزب الله الشيعية في لبنان، في أعقاب انفجار سيارة مفخخة بالقرب من ضريح السيدة زينب الشيعي، جنوب العاصمة السورية دمشق في 25 أبريل 2016. (تصوير لؤي بشارة / وكالة الصحافة الفرنسية)

القيادي الفلسطيني المقيم بالإمارات يتحرك بصورة كبيرة بين أوساط سياسية، فلسطينية وعربية، وإقليمية في الدوحة وغيرها لهذا الشأن، مشيراً إلى أن اللقاء الذي جمع القيادي بـ”حزب الله” مع دحلان في تلك الزيارة للإمارات تقاطعت في نفس توقيت مشاورات كانت تجري بين “حزب الله” و”حماس” من دون أن يحدد موقع الاجتماع أو المحادثات سواء كان بـ بيروت أو بإحدى دول الوساطة: القاهرة الدوحة.

الكاتب اللبناني، حنا صالح، أشار إلى أن خبر زيارة “وفيق صفا للإمارات كان الحدث الأبرز قبل أيام في لبنان بل هو الخبر الذي غطى على غيره من أخبار”. وقد طار المسؤول الأمني في “حزب الله” في طائرة خاصة إلى أبوظبي والعنوان المعلن حل قضية 7 سجناء ارتبطوا بحزب الله. 

حنا أوضح لـ”الحل نت”، بأن “معطيات كانت تشير إلى عودة المحتجزين مع القيادي بحزب الله، وفي تقديري أن الصفقة غير المعلنة من وراء الزيارة ستتبين مع الأيام القليلة القادمة”. 

فيما ألمح الكاتب اللبناني، إلى أن “المسار انطلق بعد وساطة من دولة إقليمية، ونقل موقع صحيفة الأخبار الموالية لحزب الله والتي قالت إن ملف الموقوفين هو الوحيد الذي يبحثه صفا في الإمارات ولا علاقة لزيارته بالملف الرئاسي أو ملف الحرب”!.

وسبق لوكالة “رويترز” للأنباء، أن نقلت عن أربعة مصادر مقربة من “حزب الله”، قولهم إن وفيق صفا، المسؤول البارز في الجماعة اللبنانية المتحالفة مع إيران، قام بزيارة مؤخرا إلى الإمارات. وجاءت الزيارة التاريخية، لتسهيل إطلاق سراح أكثر من 10 مواطنين لبنانيين محتجزين بالإمارات.

الزيارة التي جاءت بناء على دعوة من أبوظبي قد تشير إلى تحول كبير عن العداء الذي ميز العلاقات منذ فترة طويلة بين جماعة حزب الله الشيعية والإمارات الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة.

وكالة “رويترز” للأنباء

وبحسب مصدر خصّ الوكالة بحديث من دون الكشف عن هويته، وصف زيارة وفيق صفا الذي يخضع لعقوبات أميركية، بأنها “صفحة جديدة” في العلاقات بين الإمارات و”حزب الله”، الذي تصنفه الولايات المتحدة وحلفاؤها الخليجيون جماعة إرهابية. 

الأسد لم ينجح بالوساطة!

موقع “كريدل” الأميركي، كشف عن ضلوع الرئيس السوري بشار الأسد في عملية الوساطة التي جرت بين الحزب والإمارات، بينما كان التلفزيون الرسمي في دمشق قد أورد رئيس جهاز الاستخبارات، اللواء حسام لوقا، الذي كان الطرف السوري الذي لعب دور الوساطة إلى جانب الأسد. 

رئيس الإمارات، محمد بن زايد آل نهيان (إلى اليمين) يلتقي بالرئيس السوري بشار الأسد (يسار) في قصر الوعان (قصر الأمة) في أبو ظبي، الإمارات العربية المتحدة في 19 مارس 2023. (تصوير الديوان الرئاسي الإماراتي / غيتي)
رئيس الإمارات، محمد بن زايد آل نهيان (إلى اليمين) يلتقي بالرئيس السوري بشار الأسد (يسار) في قصر الوعان (قصر الأمة) في أبو ظبي، الإمارات العربية المتحدة في 19 مارس 2023. (تصوير الديوان الرئاسي الإماراتي / غيتي)

وبحسب مصادر أيضا لم تكشف عن هويتها قالت الصحيفة الأميركية، إنه “نتيجة لجهود الأسد، سافر مسؤول الارتباط والتنسيق في حزب الله، وفيق صفا، إلى الإمارات على متن طائرة خاصة، برفقة وسيط إماراتي وشخص ثالث”. 

وتابعت: “دور الرئيس السوري في محادثات الإفراج عن المعتقلين الأخيرة تأتي بفضل ذوبان الجليد في العلاقات الثنائية بين دمشق وأبو ظبي، التي بدأت في آذار/مارس 2022”.

ويقول المصدر اللبناني، إن الدور السوري كوسيط يضيء على “دور أبعد من الإفراج عن المحتجزين بل إن الزيارة هي تتصل على نحو مباشر بالحرب في غزة، ثم ترتيبات الإقليمية، ووضع اليوم التالي بعد الحرب، حيث إن دمشق على ما يبدو يدخل ضمن اتجاه التسوية التي تتجه للتهدئة ورفض التمادي في الصراع للوضع الذي تنفجر فيه الأمور وتتسع الحرب لما هو أبعد من غزة، وقد سبق للإمارات أن أبلغت دمشق تحذيراتها بشأن أي استغلال لأراضيها عسكريا أو ميدانيا بما يؤدي لحرب إقليمية”.

بدوره يشير الأكاديمي اللبناني، حارث سليمان، إلى أن زيارة صفا التي حصلت نتيجة وساطة قام بها الرئيس السوري بشار الأسد بين “حزب الله” ودولة الإمارات، لم تنجح لتاريخه في الإفراج عن المعتقلين اللبنانيين، ولم تستطع المباحثات التي أُجريت من قبل وفيق صفا في أبو ظبي أن تتحرك خطوة للأمام بشأن الموقوفين السبعة. 

ويلفت سليمان الباحث السياسي في سياق حديثه لـ”الحل نت”، أن الموقوفين لديهم سجلات أمنية في دولاب أجهزة أبوظبي وما زالوا قيد الاحتجاز؛ وبالتالي نستطيع فتح قوس التأويلات والتحليلات إزاء تلك الواقعة وما سيترتب عليها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة