الاستهداف والتصعيد العسكري من إسرائيل الذي شهدته حلب ودير الزور مؤخراً في سوريا يتزامن مع الوضع الإقليمي المرتبك والمعقّد في غزة، وقد جعلت إيران وكلائها في سوريا كما في لبنان وغيرهما تلك الساحات مرهونة بمصالحها وتحركاتها، كما تزامنت الضربات مع قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار والذي لم يترتب عليه ثمة تغيير. 

وتُعد الساحات الخلفية لإيران في المنطقة منصات هجومية فضلاً عن كونها مناطق تؤدي دورها في الإسناد والتعبئة، ومنها إدارة نشاط الميليشيات في مناطق سيطرتها ونفوذها بسوريا حيث تدريب القوات وتهريب بعضهم والتنقل بين سوريا والعراق ولبنان، ونقل الأسلحة والخبراء العسكريين.

ووفق مصادر أمنية إسرائيلية نقلتها وسائل الإعلام الغربية، فإن المناطق التي تم قصفها في شرق سوريا، هي عبارة عن أهداف تابعة لـ”الحرس الثوري”، وقد قضى فيها ما لا يقل عن 13 عنصراً من العناصر المدعومة من طهران، وذكرت المصادر أن “الأهداف التابعة لفيلق القدس التي تم استهدافها تتعلق بتهريب السلاح لحزب الله”.

استهداف “فائض القوة”

بحسب وسائل الإعلام الإيرانية، فإن أحد الشخصيات التي جرى استهدافها، ضابط برتبة عقيد. وقال “المرصد السوري لحقوق الإنسان” إنه تم استهداف “9 قتلى من ضمنهم قيادي في الحرس الثوري الإيراني جرّاء غارات جوية نفذتها طائرات حربية مجهولة طالت فيلا.. بمدينة دير الزور وتُستخدم كمقر للاتصالات”.

ملصقات تصور ضحايا الغارة الجوية على الملحق القنصلي لمقر السفارة الإيرانية في دمشق خلال حفل تأبين لهم في مقر السفارة في العاصمة السورية في 3 أبريل/نيسان 2024. (تصوير لؤي بشارة/وكالة الصحافة الفرنسية)

وقال المرصد الحقوقي ومقرّه لندن، إن “الضربات الجوية جرت بعد ساعات قليلة من وصول طائرة نقل إيرانية من دمشق إلى مطار دير الزور العسكري”، وكانت تحمل “مواد لوجستية وتقنية متطورة وعناصر وشخصيات من الحرس الثوري الإيراني”.

ذلك الأمر تكرر في حلب حيث إن ما لا يقل عن “42 عسكريا سوريا”، 36 من القوات النظامية و6 من حزب الله اللبناني، قتلوا بغارة جوية إسرائيلية استهدفت “محيط مستودعات صواريخ تابعة لحزب الله اللبناني” في ريف حلب في شمال سوريا.

في هذا السياق قال الخبير في الشؤون الإيرانية، مصطفى النعيمي، إن تلك الضربات تأتي استكمالًا لسياسة استهداف “فائض القوة” الإيرانية في سوريا، والتي يعمل عليها من خلال الولايات المتحدة وحلفائها وتحديدًا إسرائيل، والتي استهدفت في أقل من 24 ساعه ثلاثة أهداف بدأت بدير الزور وتحديدًا مدينة البوكمال وصولًا إلى منطقة السيدة زينب بريف دمشق، ومنها إلى محيط مطار حلب الدولي حيث تتموضع فيه أيضاً ميليشيات إيرانية.

ويتابع النعيمي تصريحاته لـ”الحل نت”، أنه لو لاحظنا أن طبيعة تلك الضربات تأتي في النقاط الثلاث التي تتمركز فيها إيران والتي تعتمدها كمصدات عسكرية وأمنية متقدمة لها في المنطقة، وذلك من أجل استثمار الجهود التي تُبذل من خلال تلك المصدّات في رفع مستوى الملفات التفاوضية. 

وبنفس التوقيت تقوم بإشغال خصومها في تلك الجبهات لتُبعد عنها شبح أي معركة مستقبلية، مستغلِّة الفراغ الأمني الكبير والعسكري في سوريا وفي دول الجوار؛ لبنان والعراق.

وبسؤاله عن الارتباط بين التصعيد العسكري وقرار مجلس الأمن الذي لم يُنفّذ بخصوص وقف إطلاق النار، يجيب النعيمي: “أعتقد بأن الارتباط غير قائم حتماً مع هذا القرار نظراً لأنه هنالك مسارات مختلفة وخاصة عندما نتحدث عن مسارات منفصلة من حيث التأثير والاستثمار والتداعيات المحتملة”. 

فمسألة الضربات الإسرائيلية في كلٍّ من سوريا ولبنان لن تنقطع سواء بوجود اتفاقية تهدئة في غزه أم لم يكن هنالك اتفاقية تهدئة. وبناء عليه فإن المرحلة القادمة ستشهد مزيداً من التصعيد العسكري لا سيما في الجبهتين السورية واللبنانية في آن معًا؛ نظراً لأن ميليشيا إيران ما زالت تستثمر فائض قوتها وإرسال الأسلحة في ظل خفض التصعيد مع الولايات المتحدة، لا سيما في العراق وسوريا ولبنان. 

ربما الساحة اللبنانية ساحة إسرائيلية فقط لكن الساحة السورية مشتركة وكذلك أيضًا الساحة العراقية مشتركة. لكن بنفس التوقيت هذه الضربات تعتمد في تنفيذها على تقدير حجم المخاطر والانتهاكات بالنسبة للجانب الإسرائيلي والأميركي.

تحوّل مستوى الضربات

يتم تنفيذ الضربات الإسرائيلية وخاصة عندما نتحدث أن المسار اليوم أصبح مساراً تكتيكياً، بحسب النعيمي، حيث لم يعد هنالك مسارات يعتمد عليها استراتيجيًا نظرًا لأن هنالك متغيرات كبيره تحصل في المنطقة، وخاصة في ظل وجود اتفاقيات لحفظ التصعيد. 

استهداف إسرائيل سوريا دير الزور حلب إيران
عمال الإنقاذ يبحثون في أنقاض مبنى ملحق بالسفارة الإيرانية بعد يوم من غارة جوية في دمشق في 2 أبريل/نيسان 2024. (تصوير لؤي بشارة/وكالة الصحافة الفرنسية)

هنالك أيضا تعزيز لتلك القدرات للمصدّات العسكرية المتقدمة في سوريا ولبنان والعراق. وبالتالي حتمية أن يكون هنالك مواجهة ما زالت هي سيدة الموقف وخاصة عندما نتحدث أن طبيعة هذا التصعيد يعتمد في جلّ عملياته العسكرية على عمليات جوية مشتركة ما بين الجانبين الأميركي والإسرائيلي.

ويأتي ذلك من خلال القراءة الأولية للضربة في دير الزور وتحديدًا مدينة البوكمال تظهر تماما أن هنالك تعاون حقيقي استخباري جوي لتحديد تلك الأهداف، إضافة إلى الجهود البرية من حيث استثمار بعض العاملين في هذا المشروع والذين يصلون المعلومات الدقيقة حول تموضع تلك الميليشيات، لا سيما ما بعد عمليات التمويه المستمرة التي باتت المسار الأكبر الذي تعتمد عليه إيران في عمليات التخفي في إجراءها للاجتماعات.

لكن الضربات الأخيرة أثبتت بأنه لا يمكن التخفي في ظل وجود سلاح السطع الجوي المستمر وعلى مدار الساعة تقريبا يرصد تلك الأهداف وبناءً عليه توجه الضربات الدقيقة، وأدت تلك الضربات إلى مقتل أكثر من 35 خبيراً من “حزب الله” اللبناني، إضافة إلى أكثر من 10 خبراء من “الحرس الثوري” الإيراني وعشرات الضباط لدى الجيش السوري منذ بداية هذا العام طبعاً.

وحول المعلومات المتداولة بشأن نقل منصات إطلاق الصواريخ لتوجيها نحو القواعد الأميركية، يقول مصطفى النعيمي الباحث في الشؤون الإيرانية: “أعتقد بأن منصات إطلاق الصواريخ اليوم لم تعد ثابتة وإنما هي تثبت على عربات متحركة”. 

يتم عملية تمويه العربات من خلال استخدام سيارات بالأصل هي لنقل الخضار وتُثبت عليها تلك المنصات، وتنقل إلى مناطق العمليات، ومن ثم يتم استهداف محيط القواعد الأميركية وكذلك أيضا حلفائها لا سيما “قوات سوريا الديمقراطية” وتحديدًا شرق الفرات ما بين المنطقة الرابطة بمدينة دير الزور وصولَا إلى أطراف البوكمال.

حيث تنشط هذه الميليشيات بشكل كبير نظراً لان المنازل السكنية في غالبيتها العظمى باتت مدمرة وتستخدم وتستثمر من خلال إيران لعمليات التمويه من حيث وقوف تلك العربات سواء كانت لنقل صواريخ “الكاتيوشا” أو حتى المسيّرات. ومنصات إطلاق الصواريخ في غالبيتها العظمى هي منصات ثابتة، لكن منصات إطلاق المسيرات في بعض الأحيان تكون متحركة وهذا ما يخشاه الجانب الأميركي والإسرائيلي في آنٍ معاً.

لذلك توجه الضربات لتلك التحركات وانتقلت الاستراتيجية من مرحلة الضربات الاستباقية إلى الضربات الوقائية، وذلك لتحدّ من حجم الخسائر للولايات المتحدة وحلفائها.

القادم أسوأ؟

تغيير الجنسيات الموجودة في تلك المنطقة لن يؤثر على مسار العمليات الجوية أميركيا وإسرائيليًا، وإنما المنطقة باتت ترصد بشكل دقيق جدّاً بحيث يتم تحديد تلك الأهداف انطلاقا من الأراضي العراقية وصولاً إلى الأراضي السورية وبالعكس. 

الاستهدافات الإسرائيلية في دير الزور وحلب القضاء على فائض القوة الإيرانية؟ استهداف إسرائيل سوريا دير الزور حلب إيران
أشخاص ينتظرون خارج مبنى ملحق بالسفارة الإيرانية بعد يوم من غارة جوية في دمشق في 2 أبريل/نيسان 2024. (تصوير لؤي بشارة/وكالة الصحافة الفرنسية)

كذلك أيضًا التحركات التي تحصل في محيط العاصمة السورية دمشق باتجاه مطار دمشق الدولي، وكذلك أيضا باتجاه منطقة السيدة زينب. فهذه النقاط التي تتموضع فيها تلك الميليشيات باتت مرصودة لحظة بلحظة بالرغم من عمليات التمويه التي تجري لما يخصّ مسألة الاجتماعات ما بين خبراء “الحرس الثوري” الإيراني و”حزب الله”، وكذلك أيضاً الجيش السوري. 

إذ يتم استهداف غرف العمليات ويؤدي ذلك إلى مقتل الكثير من هؤلاء الخبراء. وكانت آخر ضربة دقيقة جدًا وجّهت لاجتماعٍ قتل على إثره أكثر من 45 عنصرًا منهم قرابة ثمانية عناصر من ميليشيا “حزب الله” اللبناني.

فعملياً هنالك عمليات دقيقة للقواعد الجوية وكذلك أيضا التعاون البرّي من خلال التواصل المباشر لتحديد نقاط الاستهداف والتموضع لتلك الميليشيات. 

وبناءً عليه يرى، والحديث للباحث المختص بالشأن الإيراني مصطفى النعيمي، بأننا مقدمون على توسيع نطاق مروحة الاستهدافات الإسرائيلية والأميركية لتلك الميليشيات بالرغم من وجود مسارات للتهدئة. لكنها لن تغني عن توجيه تلك الضربات للتهديدات التي تحصل في كامل الجغرافيا السورية.

إذاً، المرحلة القادمة ستكون أصعب بكثير على تلك الميليشيات بالرغم من إجراء عمليات التمويه ومحاولات إشغال الخصوم من خلال تحديد مجموعة من النقاط التي تتحرك فيها تلك الميليشيات، إلا أن الغارات الأخيرة على البوكمال أثبتت بأنه لا مجال لعمليات التمويه، وأن عمليات المشاغلة لن تعدو سوى “زوبعة في فنجان فارغ”.

وفي ظل التكنولوجيا الكبيرة المتقدمة التي تتمتع بها الولايات المتحدة وإسرائيل في مواجهتها لميليشيا إيران في داخل سوريا. لكن تلك الاستراتيجية ما زالت ضمن نطاق “جز العشب” وليس استئصاله، بحيث أننا نلاحظ أن الغالبية العظمى من تلك العمليات تستهدف فائض القوة، ولا تنهي تلك القوة من تموضعها في داخل الجغرافيا السورية.

من جانبه يرى الدكتور مايكل مورجان، الباحث السياسي بمركز “لندن” للدراسات السياسية والإستراتيجية ومقرّه واشنطن، أن المنطقة تمرّ بحالة كبيرة من عدم الاستقرار، وخاصة بعد التطورات الأخيرة من قرارات مجلس الأمن بوقف إطلاق النار مروراً بتطورات المشهد في حرب إسرائيل على “حماس”، والذي أدى لنزوح العديد من الفلسطينيين خارج غزة إلى الجنوب إلى منطقة رفح وعلى الحدود المصرية.

يتابع الباحث السياسي تصريحاته التي خصّ بها “الحل نت” قائلًا: إنه بالعودة إلى لحظة السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، حيث خطاب زعيم “حزب الله” الشهير بعدها ببضعة أيام، وإعلانه عن عدم تدخل الحزب في تلك الحرب والتي لم تكن إيران قد اتخذت أي موقف من الدخول فيها والانخراط في الحرب ضد إسرائيل، فنلاحظ موقف تكتيكي “غريب ومثير للدهشة من حسن نصرالله و”حزب الله” الذي يحارب بالوكالة لصالح إيران في المنطقة الأمر الذي يفرض التساؤلات عن حقيقة أهداف إيران في المنطقة، وإن كانت بالفعل تريد الحرب مع إسرائيل أم أنها فقط شعارات رنانة تستخدم فقط لتحقيق مكاسب سياسية و اقتصادية”.

رأس الأفعى

في شهر كانون الثاني/يناير الماضي، والحديث للمصدر ذاته، نرى أن الميليشيات الإيرانية تنشر منصات الصواريخ في مدينة دير الزور والآن تم نقل هذه المنصات إلي بلدتي خشام وحطلة ومراط شرق نهر الفرات المحاذية لحقل “كونيكو” للغاز الذي تتخذ منه القوات الأميركية قاعدة عسكرية لها في ريف دير الزور. 

الاستهدافات الإسرائيلية في دير الزور وحلب القضاء على فائض القوة الإيرانية؟ استهداف إسرائيل سوريا دير الزور حلب إيران
سفير إيران لدى سوريا، حسين أكبري (وسط) يسير بالقرب من مبنى ملحق بالسفارة بعد يوم من غارة جوية في دمشق في 2 أبريل/نيسان 2024. (تصوير لؤي بشارة/وكالة الصحافة الفرنسية)

وبالتالي يستوجب أن نسأل: ماذا يعني هذا التصعيد في هذا التوقيت بالرغم من محاولات واشنطن المستميتة في إحياء الاتفاق النووي مع طهران منذ تولي الرئيس الحالي جو بايدن سدّة الحكم في الولايات المتحدة الأميركية خلال العام 2020 والإفراج عن المساعدات الاقتصادية لطهران، تحت بند مساعدات إنسانية لن تستخدمها إيران في ملفها النووي.

إذاً، يرجح مورغان أن تلك التحركات من قبل المليشيات الإيرانية هي إعلان حرب مباشرة على القواعد العسكرية الأميركية الأمر الذي يضع الإدارة الأميركية الحالية في موقف محرج إن لم يتم ردع هذه المليشيات بشكل صارم وحازم و سريع. 

ويؤكد أن الوضع يزداد تعقيدًا في المنطقة ولابدّ من مواقف حاسمة لردع الفوضى والزحف الإيراني في المنطقة والذي ازداد بشكل عنيف بعد اندلاع الحرب في سوريا ومحاولات التخلّص من بشار الأسد والذي انتهي بالفشل الذريع، ولم يجد الشعب السوري إلا التهجير والدمار ولم تكتسب المنطقة إلا المزيد من عدم الاستقرار و صعود وتمكين الجماعات الإرهابية مثل “حزب الله” و”داعش” و”الحوثيين” وغيرهم من التنظيمات الإرهابية التي أصاب المنطقة بكاملها بالخراب والفشل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات