في نيسان/أبريل الفائت، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه هاجم بالطائرات المقاتلة والمدفعية نحو 40 هدفا لـ”حزب الله” خلال دقائق معدودة، في بلدة عيتا الشعب في جنوب لبنان، وخرج وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، خلال زيارة إلى مقر قيادة المنطقة الشمالية، بتصريح مفاجئ؛ إن “حوالي نصف قادة حزب الله الميدانيين في جنوب لبنان تمت تصفيتهم، وإن الفترة القادمة ستكون حاسمة”.

لا يكاد “حزب الله” يُطلق معادلة حتى يغيّرها بعد أيام، فكانت “وحدة الساحات” ثم “قواعد الاشتباك” فـ”مدني مقابل مدني” و”العين بالعين” وصولاً إلى “الهدوء في الشمال مقابل الهدوء في غزة”… والسبب التفوّق الإسرائيلي باستهداف قادته العسكريين الذين يتساقطون الواحد تلو الآخر وبوتيرة يومية أحياناً.

آخر قتلى “حزب الله” كان منذ أيام قليلة هو القائد في سلاح الجو التابع لـ”الحزب” حسين مهدي وسبقه حسين مكي، إثر قصفٍ استهدف منطقة صور، وكان مسؤولاً عن التخطيط للعديد من المخططات التي استهدفت الجبهة الداخلية الإسرائيلية وعن تنفيذها خلال الحرب، علماً أن لائحة الضحايا أصبحت طويلة منذ بداية الحرب في 8 تشرين الأول/أكتوبر.

هزة داخل “حزب الله”

تتضمن لائحة قتلى “حزب الله” أسماء لا تقل أهمية مثل: قائد القطاع الساحلي لـ”الحزب” إسماعيل باز، قائد وحدة الصواريخ والقذائف في القطاع الغربي لقوة “الرضوان”، ومحمد حسين مصطفى شحوري قائد منطقة حجير التابعة لقوة “الرضوان”، وعلي أحمد حسين نائب قائد وحدة الصواريخ والقذائف علي عبد الحسن نعيم، وقائد مركزي في قوة “الرضوان” علي محمد الدبس. 

المسؤول العسكري في “حزب الله”، عباس الدبس 45 عاما الملقّب بـ”الحاج عبد الله” قُتل في الهجوم، ومحمود الزلزلي 57 عاماً، وكانا مقرّبَين من “الحرس الثوري” الإيراني.

بالإضافة إلى قائد الهجوم في منطقة جبل دوف حسن محمود صالح، قائد منطقة مارون الراس محمد علوية، قيادي في وحدة “ناصر” التابعة لـ”حزب الله” حسن حسين سلامي، وأخيراً قائد قوة “الرضوان” وسام طويل، إضافة ما لا يقل عن 300 قتيل حتى اليوم.

الباحث السياسي علي أيوب، المؤيد لاستراتيجية “حزب الله” أشار في حديثه لـ”الحل نت”، أن الخسائر البشرية بدأت تتراجع – دون تأكيد المعلومة من مصادر رسمية – إلا أن أيوب، أعاد تأكيده بأن الخطر لا يزال قائماً، خصوصا أن الحزب عمد إلى تغيير تكتيكات عسكرية، عبر إدخال تقنيات جديدة لم تُستخدم من قبل.

“حزب الله” خلال الأيام الفائتة، أدخل أسلحة جديدة إلى المعركة، ويوضح أيوب بأنه “يجري اعتمادها لتنفيذ قصفٍ لمناطق أعمق، وتنفيذ استهدافات محددة بناءً على معلومات أمنية في الداخل الإسرائيلي عبر اعتماد المسيَّرات والهجمات المركَّبة التي يهاجم بها الحزب مراكز تجمُّع لجنود إسرائيليين، وأسفرت عن مقتل 3 جنود إسرائيليين على الأقل، الشهر الفائت”.

مصدر أمني لبناني، كشف لـ”الحل نت”، أن “حزب الله” وبعد الاستهداف المتكرر لعناصره بعد قيامهم بإطلاق الصواريخ، بدأ يعمل بنظام الساعات الإلكترونية، وهو نظام يتم وصله بالصاروخ ويحدد ساعة إطلاقه، ويتم التحكم عن بعد بموعد إطلاقه، وذلك منعاً لرصد العناصر من قبل طائرات الاستطلاع.

انهيار الجدار الحديدي

يكرّر قادة إسرائيل التهديدات ذاتها وألفاظ الوعيد، إنما المعركة لا تتوقف بل تسير بحسب تقارير لبنانية وإسرائيلية صوب اتجاهين لا ثالث لهما، الغرق في مواجهة متشعبة، أو الرضا بما يحصل والتكيّف مع الوقائع.

مقاتلو حزب الله المؤيد لإيران يرددون شعارات وهم يحملون نعش زميلهم الذي قُتل مع ستة من رفاقه الآخرين خلال موكب جنازته في الضاحية الجنوبية لبيروت، في واحدة من أعلى حصيلة القتلى للحزب في عام 2023. (تصوير مروان نعماني/ غيتي)

الباحث في شؤون الأمن والاستراتيجيات العسكرية، سامي أبي أفرام، بيّن لـ”الحل نت”، ألّا تغييّر كبير في وضعيّة القتال في الجنوب اللبناني، قد تكون ازدادت عمليات “حزب الله” كثافة وجرأة، إلا أن الخسائر لديه لا تزال مرتفعة. 

ويضيف أبي أفرام، “شاهدنا ذلك في الأيام المنصرمة عبر استهداف قادة ميدانيين، وهذا ما يُثبت التفوّق التكنولوجي والاستخباراتي للجيش الإسرائيلي على حزب الله الذي يبدو عاجزاً عن حماية مسؤوليه أو الرد بالفاعلية نفسها، بدليل أننا لا نسمع عن خسائر بشرية في الجانب الإسرائيلي بهذه الكثافة”.

واللافت أن ما يحصل منذ بداية 8 تشرين الأول/أكتوبر الفائت، يُثبت أن إسرائيل تعمل بموجب بنك أهداف وليس اعتباطياً، والمؤشر هو أسماء الضحايا من القادة الميدانيين لـ”حزب الله” الذين يضطّلعون بمسؤوليات حسّاسة من ضمن ما يتجاوز الـ 300 ضحية. 

ترويج “حزب الله” أن هؤلاء سقطوا “على طريق القدس” محظ تعتيم وتشويه، فيما الحقيقة أن هؤلاء سقطوا في اشتباكات على الحدود أو في قصف إسرائيلي لعمق القرى الجنوبية وأحياناً صيدا وبعلبك والبقاع، ولا علاقة للقدس بما يخطّط له “الحزب” ومرجعيته الإيرانية.

بات من الواضح أن إسرائيل تقوم بهذه الاغتيالات وفق خطة مبرمجة، يتحدث عنها مفصّلاً أبي أفرام: “لقد أُطلق على هذه الخطة اسم النسر والزواحف، أي أن إسرائيل تعتمد استراتيجية عسكرية تشبه ما يفعله النسر عندما يرى فريسته، ونستخدم هذا التعبير لمقتضيات الوصف التقني وليس تقليلاً من شأن أحد، فينقضّ من الأعلى عليها، وهذا ما يُفسّر المراقبة الدقيقة من إسرائيل للقادة الميدانيين التابعين للحزب، فعندما يخرجون من المخابئ تكون لهم بالمرصاد، ما يعكس تطوّرها التقني موضوعياً، ويثبت فشل الحزب في حماية قادته”.

الجيش الإسرائيلي يستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي لضرورات استخباراتية وفق بنك أهداف، ترصده الطائرات المسيّرة فتكشف وجهه بالصور حتى لو كان في سيارة بزجاج داكن، لأن التقنية الإسرائيلية قادرة على اختراق عظام الوجه وبصمات الصوت، ما حرم الحزب من استعمال أجهزة الاتصالات، وبات يعاني من صعوبة الحركة والتباطؤ.

نظام الذكاء الاصطناعي الذي تستخدمه إسرائيل، يُعرف باسم “غوسبل” يعتمد على عملاء أرضيين وصور جويّة وبصمات الصوت وكل إشارة تصدر عن الأجهزة اللاسلكية.

ماذا يعني؟

ليس سرّاً أن أسماء القادة الميدانيين الذين تغتالهم إسرائيل تؤثّر على قدرات “حزب الله”، وهذا ما يؤكّده أبي أفرام، معتبراً أن “بنك الأهداف وضعته منذ دخول الحزب للمشاركة في حرب سوريا وليس مستبعداً أن هناك خرقاً من الداخل”، وبالتالي تجمع المعلومات منذ ذاك الوقت، ومن الطبيعي أن يكون هؤلاء القادة الميدانيون مؤثّرين في مسؤولياتهم، وهم يعرفون الأرض والعناصر، حتى ولو لم يعترف “حزب الله” بذلك.

شاشة تلفزيونية في مخيم البرج للاجئين الفلسطينيين تبث خطاباً للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في 5 يناير/كانون الثاني 2024 في بيروت، لبنان. (تصوير مروان طحطح/غيتي)

أما ردود “حزب الله” على الاستهدافات الإسرائيلية فلا توازي حجم الخسائر التي مُني بها حتى الآن، ويصفها النائب اللبناني، سيمون أبي رميا، بـ”الطفيفة”، لكنه يشير إنصافاً للموضوعية إلى أن “الإنجاز الوحيد للحزب هو تهجير 100 ألف مستوطن من شمال إسرائيل، وكان من الطبيعي أن تقوم إسرائيل بإجلاء مواطنيها من هناك. إلا أن لبنان في المقابل، تأثّر سلباً أيضاً عبر نزوح ما لا يقل عن 100 ألف من سكانه الجنوبيين”.

ويقارن أبي أفرام بين حجم القادة الميدانيين للحزب الذين تستهدفهم إسرائيل، وانعدام قدرة “حزب الله” على استهداف أي مسؤول أمني إسرائيلي، علماً أن الطرفين يقومان ببناء التحصينات وتمويه الآليات، إلا أن التفوق التكنولوجي الاستخباراتي الإسرائيلي يبدو واضحاً، هناك فارق شاسع. 

حسن نصرالله اعتمد في تشدّقاته وعنتراته على التكنولوجيا الإيرانية ولم يفكر منذ 20 عاما بتطوير وتعليم مقاتليه؛ وبالنتيجة فشل “حزب الله” في حماية قادته الميدانيين، فالعالم أصبح مفتوحاً على بعضه والوسائل التكنولوجية ولا سيما الذكاء الاصطناعي تستخدمها إسرائيل فيما تغيب عن “الحزب”. 

ضربات “حزب الله” الصاروخية لا تصيب أهدافاً قاتلة لإسرائيل، إنما تدمّر الحجر على نحو موضعي، فيما قوة النار التدميرية لإسرائيل تخفي شوارع في الجنوب كما يحصل في قطاع غزة. من جهة أخرى، يستهدف الحزب الثكنات الإسرائيلية، إلا أن إصاباته لو كانت فاعلة، لكانت هذه الثكنات أصبحت غير صالحة للاستعمال، في حين أنها تتعرض لإصابات طفيفة ولا يتوقّف الحزب عن استهدافها مراراً وتكراراً من دون فاعلية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
5 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات