“ربما، وجدوا فيه ضالة فكرية”. بتلعثم مصنوع وبعبارات توحي بالاستغراب أو الاستغراق في التفكير، كان عبد الله النفيسي المعروف بمساهماته الفكرية وكتاباته المرتبطة بالإسلام السياسي فضلاً عن أسبقية وصوله لمجلس الأمة الكويتي في منتصف ثمانينات القرن الماضي، يحاول أن يجيب على الإعلامي المصري بشأن سؤاله حول أسباب طلب رمزي بن الشيبة أحد العقول المدبرة للهجوم الإرهابي من قبل تنظيم “القاعدة” في 11 أيلول/ سبتمبر عام 2001، بمشاركته في سلسلة حلقات البرنامج التي خصصت عدة أجزاء حول الحادث، وقد انفردت “الجزيرة” وقتذاك بلقاءات مع قادة التنظيم الإرهابي وتحديداً المرتبطين بالحادث، ونشر اعترافاتهم، وكذا تفاصيل وملابسات وأهداف ما جرى.

للنفيسي كتاب بعنوان: “غزوة منهاتن” والإشارة من عتبة المؤلف له دلالة دعائية لحساب “القاعدة” ومجانية، وفيه لم يدخر جهداً في رفع كل الحمولات السلبية عن التنظيم الإرهابي، وبشكل خفي مستتر حاول أن يمنح الحادث الدموي الذي طال المدنيين في الولايات المتحدة صورة مشوشة يختلط فيها الأمور ببعضها على نحو تلفيقي، فمرة يرى أن مصطلح “الإرهاب” فضفاض من الناحية القانونية أو السياسية، ومرة أخرى يفسر الحادث بأنه يعبر عن “مخزون” متعدد الأبعاد كذلك كما يزعم، نفسي وحضاري وثقافي وأمني، ثم يعرج على أن ما جرى كان معركة “رمزية” وكان بمقدور التنظيم أن يستهدف مكاناً آخر يراكم قتلى أكثر ويتضاعف عدد الضحايا. 

النفيسي ومنح القوى الإسلاموية بطاقة “المقاومة”

هذا الحديث هو بمثابة إعادة تدوير لكلام التنظيم الإرهابي، لكن في إطار نظري يخفف من طبيعة الحادث كونه هجمة شرسة وهمجية ضد مدنيين، ويبرز وكأن ما جرى هو تصادم بين عالمين أو قوتين لهما أهداف مختلفة نتيجة اختلال في توازن القوى العالمية، أي أنه يلغي النظرة الأولية للهجوم بمعناه المباشر التدميري ويصنفه في إطار صراع على النفوذ أو مقاومة سلمية ضد هيمنة القطب الواحد.

سوابق النفيسي في دعم الإسلامويين عديدة، بداية من تثمينه اللقاء بـ”الملا عمر”، مروراً بترديده بأن “عندما يقولون هذا إرهابي فقل هذا رفيقي”- “إنترنت”

إذاً، اللافت في دعاية النفيسي الذي يزعم عدم الانتماء عملياً إلى قوى الإسلام السياسي، ومنهم “الإخوان”، هي التغطية على الحادث باعتباره جريمة سياسية وحقوقية وانتهاكات للقانون بكافة أشكاله، وإبراز الأمر على أنه عمل يقع في نطاق ردود الفعل التلقائية نتيجة ضغوط في بنية السياسة العالمية وارتداداتها الإقليمية والمحلية، أي أنه يمنح هذه القوى الإسلاموية بطاقة “المقاومة” و”الكفاح” أو “الجهاد” ويروج لهم، ويرفع عنهم صفة الإرهاب بمعناها السياسي والقانوني.

فضلاً عن ذلك، تظل خطورة الدور الذي يؤدي “الطابور الخامس” للقوى الأصولية المتشددة هي زعمها الحياد، وانفصالها التنظيمي، بما يجعل لمقارباتها النظرية صفة الحيادية ويتسع انتشارها وتأثيراتها إلى جماهير جديدة تضاف إلى البيئة الحاضنة للإسلامويين، وتشكيل حماية لجرائمها ومبرر يؤدي إلى احتمالية حدوثها، ولهذا ذكر النفيسي في كتابه: “غزوة مانهاتن إعلان هام جداً لبداية مرحلة جديدة في ديناميكيات السياسة الدولية، إعلان يأذن بميلاد البنية التحتية لتحول كبير في طبيعة وكُنه (جوهر) العلاقات بين الشرق والغرب والشمال والجنوب وهو تحول سيأخذ مداه الزماني والمكاني ولن يكون في محصوله العام لصالح النظام الدولي الحالي مهما حاول الإعلام الغربي تصوير ما يحدث على أنه معركة مع ورم من الممكن استئصاله بمشرط التقانة العسكرية. إن الموضوع أعمق من ذلك بكثير وأعقد من ذلك بكثير وسيأخذ من زمان ومكان هذا العالم الكثير الكثير فاربطوا الأحزمة استعدادا للإقلاع”.

ويردف: “يبدو أن الذين خططوا لعملية (غزوة منهاتن) في نيويورك وواشنطن أرادوها مواجهة (رمزية) مع الولايات المتحدة وليس مواجهة (فعليه) أو (شاملة) . فمركز التجارة الدولي يرمز للقيادة الاقتصادية في الولايات المتحدة والبنتاغون يرمز للقيادة العسكرية هناك وثمة أقاويل بأن الطائرة التي سقطت في بيتسبيرغ كانت في الأساس متوجهة للبيت الأبيض الذي يرمز للقيادة السياسية في الولايات المتحدة. ولو أرادوا إحداث مواجهة فعلية أو شاملة مع الولايات المتحدة لاستهدفوا بطائراتهم الاقتحامية المفاعلات النووية المنثورة على جغرافيا البلاد”.

دعم الإسلامويين

سوابق النفيسي في دعم الإسلامويين عديدة، بداية من تثمينه اللقاء بـ”الملا عمر”، مروراً بترديده بأن “عندما يقولون هذا إرهابي فقل هذا رفيقي”، وحتى التعمية والتشويش عن جرائم هذا التيار وإيجاد الحجج والذرائع لهم والاصطفاف مع وكلائهم الإقليميين، مثل تركيا، وتأييد كل سياساتها.

وكان من أبرز مواقفه الدفاع عن إخوان السودان عبر برنامج “موازين” في قناة “الجزيرة” القطرية قبل عامين، وحاول أن ينفي فشل التيار الإسلاموي وإخفاقه بالحكم بالمنطقة بعد “الربيع العربي”.

واعتبر أن أي إشارة لذلك عن حكم الإخوان بالسودان إنما هو “استعجال”. وزعم أن هناك “إنجازات” في مجالات عديدة بالنفط والمياه والكهرباء. رغم أن تلك الفترة شهدت جرائم حقوقية وفساد مالي وخروقات متباينة وفق الأمم المتحدة، حيث لم يتخط الإنفاق على التعليم نسبة 2 بالمئة من مخصصات ميزانية الدولة، ناهيك عن الاحتراب الأهلي في دارفور ونزوح ثلاثة ملايين شخص وقضى نحو ثلاثمئة ألف شخص في تلك المعارك والصراعات.

حرب غزة كوسيلة للعودة

منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي، وبعد اندلاع الحرب في غزة بين “حماس” وإسرائيل، بعد شن الأولى هجمات عنيفة ومباغتة على الأخيرة، برز مجدداً هذا الدور غير المعلن والخفي الذي يسعى له بعض وجوه الإسلام السياسي بينما تزعم لنفسها عدم الارتباط اللصيق والتنظيمي بهم، في محاولة لحيازة المصداقية، والتخفف من الهجوم الذي يطالهم من فئات عديدة، وعدم تحمل كلفة بعض الممارسات، وبالتالي جعل أفكارهم ودعايتهم يصل مداها ونطاق تأثيرها بين الكتل الاجتماعية غير المتوقعة أو التي لا تبدو محسوبة على الإسلامويين.

دخل عبدالله النفيسي معركة افتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي ضد دولة الكويت نتيجة إعلان الأمير مشعل الأحمد الصباح، حل مجلس الأمة، ويعتبر هذا الانخراط بمثابة معركة بالوكالة أو التبعية لحساب “الإخوان” كما هي عادته.

حيث إن الخطابات المماثلة للنفيسي يكون ارتكازها الأساسي هو بناء حوامل اجتماعية تؤمن وتعتنق بالأفكار الإسلاموية وتجعل تلك الأفكار متسيدة المجال العالم ورائجة، وذلك بالدرجة التي تلتئم معها الفجوات بين التنظيمات المتشددة والمجتمع نتيجة ممارساتها أو سياساتها. فهذا الهدف الاستراتيجي الذي يضاعف من أعداد المؤيدين والمتعاطفين بالإضافة إلى زيادة نسبية في الملتحقين تنظيمياً له دوره الفعال من خلال خطابات مماثلة للنفيسي وهو دور تضطلع به مؤسسات أخرى مثل “التنظيم العالمي لعلماء المسلمين” الذي يترأسه يوسف القرضاوي والآن قره داغي. 

ورغم أن النفيسي أو “التنظيم العالمي لعلماء المسلمين” لا يعد أياً منهما جناحاً مباشراً للإخوان أو غيره لكن مواقفه كافة تؤكد أنه ضمن أذرعه التي تساهم بإعادة موضعته في السياسة الإقليمية.

بالتالي، نحن بصدد هجمة إسلاموية مباشرة وغير مباشرة في ظل محاولات هذا التيار التموضع من جديد، وذلك على أكتاف الزعم بأن “المقاومة” بصفتها الدينية المسيسة والمؤدلجة، للحصول على مكتسبات إقليمية تزيد من نفوذهم وثرواتهم بينما المقابل هو ضحايا من المدنيين وثقافة تدميرية تتسبب في العنف والانفجارات العشوائية والممنهجة معاً، وهذه الهجمة تتم من خلال دعاية جديدة تبعث الروح في شرايين تلك القوى التي نبذتها مجتمعاتها في “عشرية سوداء” أعقبت “الربيع العربي”.

معركة ضد الكويت بسبب “الإخوان”

وقد جاء هجوم أخير للنفيسي ودخوله في معركة افتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي ضد دولة الكويت نتيجة إعلان الأمير مشعل الأحمد الصباح، حل مجلس الأمة، مؤخراً، ووقف العمل ببعض بنود الدستور لمدة 4 سنوات، وهي ضربة لجماعة “الإخوان المسلمين” التي تحوز سيطرة في المجلس.

قرار حل مجلس الأمة هو الأول في عهد الشيخ مشعل الأحمد الصباح- “كونا”

وهنا انخرط في معركة بالوكالة أو التبعية لحساب “الإخوان” كما هي عادته، وكانت أحد الحسابات على منصة “إكس”(تويتر سابقاً) دخلت في سجال مع النفيسي بشأن استدعائه لجهاز أمن الدولة بعد الإساءات التي رددها ووصف حل المجلس بأنه بداية أو خطوة لـ”التطبيع” مع إسرائيل.

وقال النفيسي عبر حسابه الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي “إكس (تويتر سابقاً): “(الدستور) و(مجلس الأمة) يشكلان سداً منيعاً أمام التطبيع مع إسرائيل. فكر فيها جيداً”. التخوين لتعبئة المجتمع وصفه صفاً مع الإخوان باعتبارهم الكتل أو الحوائط التي تحول بين مرور إسرائيل في تطبيع بالمنطقة، يبدو مزيفاً، ومجرد وسيلة تعبوية للضغط على العائلة الحاكمة. وفي ابتزاز وتحريض الأكاديمي الكويتي يواصل في تغريداته: “هل الإجراءات الأخيرة في الكويت خطوة تحضيرية لركوب قطار التطبيع مع إسرائيل أسوة بدول الخليج الأخرى؟”.

تتزامن تغريدات النفيسي التحريضية مع خطوات الأمير الكويتي الشيخ الصباح والذي ألمح إلى وجود تجاوزات من قبل بعض النواب في مجلس النواب، وترقى إلى أن تكون تدخلاً مباشراً في صلاحياته، وتهديداً لسلامة الدولة ومؤسساتها وجودياً. 

وقال أمير الكويت بأنه سوف لن يكون من المسموح مطلقاً استغلال الديمقراطية لتحطيم الدولة، لأن مصالح أهل الكويت التي هي فوق الجميع أمانة في أعناقنا. وأوضح: “هناك بعض النواب وصل بهم التمادي إلى التدخل في صميم اختصاصات الأمير، ويريد التدخل باختيار ولي العهد”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات