ضربة موجعة أخرى تتلقاها الأُسر السورية في ظل أزماتها المتلاحقة، فقد تخطى بحسب البنك “المركزي” السوري معدل التضخم في سوريا حاجز الـ 122 بالمئة خلال الشهور الماضية، مجاوزاً بذلك أي مستوى مسبوق في تاريخ البلاد، هذا الارتفاع الجنوني في الأسعار يُنذر بكارثة اقتصادية حقيقة تهدد بتدمير ما تبقى من قدرة المواطنين السوريين على الصمود.

ورغم المحاولات المستمرة من قبل البنك “المركزي” السوري لإيجاد حلول للأزمة، إلا أن مؤشرات التضخم تواصل الارتفاع بوتيرة غير مسبوقة، لتشكّل تهديداً حقيقياً لمستقبل الاقتصاد السوري. وسط هذا الوضع المتردي، بات السوريون أمام خيارات محدودة للتكيف مع هذه الطفرة الكارثية في الأسعار.

في هذا الصدد، يحاول “المركزي” السوري تقديم تفسيرات وتبريرات للتضخم المتفلت، مشيراً إلى العديد من العوامل التي تساهم في ارتفاع الأسعار، بداية من تراجع قيمة العملة المحلية وصولاً إلى اختلالات في العرض والطلب. لكن هذا لا يغير من حقيقة أن السوريين باتوا أمام كارثة اقتصادية مدمرة.

الاقتصاد الصغير

حذر البنك “المركزي” السوري من الوضع الاقتصادي المتردي الذي تعاني منه البلاد. فقد اعتبر أن الاقتصاد السوري، الذي يُعد “صغيرًا”، قد تعرّض لسلسلة من الأزمات والعقوبات الاقتصادية التي عرقلت تطور قطاعاته الرئيسية، مما أسهم في ارتفاع معدلات التضخم بشكل كبير. وأكد “المركزي” على ضرورة تدخل السياسات النقدية والاقتصادية لمواجهة هذه التحديات.

في سوريا الأغنياء يحولون أموالهم إلى ذهب والفقراء يحركون الأسواق! (2)
سوريون يتسوقون الفواكه والخضروات في سوق في دمشق، يعمل العديد من السوريين في وظيفتين من أجل تغطية نفقاتهم. (تصوير لؤي بشارة/وكالة الصحافة الفرنسية)

وأوضح البنك “المركزي” أن السياسة النقدية تمتلك مجموعة من الأدوات التي تحاول من خلالها التأثير على مستويات التضخم، كقنوات سعر الصرف والفائدة والائتمان. إلا أن الضغوط والظروف العالمية والمحلية الصعبة تعيق انتقال هذه السياسات بالشكل الأمثل. 

كما شدد “المركزي” السوري على أن هذه القنوات وحدها غير كافية لمعالجة مسألة التضخم المتفاقم، مؤكدًا الحاجة إلى تدخل كبير وفعّال ومتكامل من أدوات السياسة الاقتصادية الأخرى.

في هذا السياق، دعا “المركزي” السوري إلى تضافر الجهود على كافة المستويات للتصدي لهذه التحديات الاقتصادية الكبرى. فالاقتصاد الصغير في سوريا بحاجة ماسة إلى إجراءات فعالة وشاملة لإنقاذه من هذا الوضع الحرج، وإعادة إطلاق عجلة النمو والتطور التي باتت متوقفة منذ سنوات.

ارتفاع أسعار السلع

في دراسة حديثة أعدها البنك “المركزي” السوري، تم تسليط الضوء على مدى تأثير التضخم المرتفع على فاعلية السياسة النقدية في الأسواق الناشئة. 

لافتة تحمل صورة الرئيس السوري بشار الأسد معلقة على جدار في سوق الحميدية في دمشق في 20 سبتمبر/أيلول 2023. (تصوير لؤي بشارة/وكالة الصحافة الفرنسية)

بيَّن التقرير أن معدلات التضخم قد ارتفعت إلى مستويات غير مسبوقة في العديد من الاقتصادات، مدفوعة بعوامل عدة أبرزها اضطراب سلاسل التوريد المرتبطة بجائحة “كوفيد-19″، وصدمات أسعار السلع الأساسية الناتجة عن الحرب الروسية-الأوكرانية.

وكشف البنك “المركزي” أن ارتفاع أسعار السلع الأساسية عالميًا لا يؤثر فقط على الاقتصاد السوري، بل يضعف أيضًا من نقل أثر السياسة النقدية في السوق الماليزي والأسواق الناشئة الأخرى. 

بالمثل، فإن تشديد السياسة النفطية العالمية يُعد مكملاً للجهود المحلية الرامية إلى تحقيق استقرار الأسعار من خلال إحداث انكماش اقتصادي عالمي.

“المركزي” السوري أفاد بأن انتقال السياسة النقدية يتأخر ويضعف في ظل بيئة تضخمية مرتفعة، مما قد يدفع صنّاع السياسات إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة واستباقية للتصدي لهذه التحديات. وأشار إلى أن هذا الوضع يفرض ضغوطًا كبيرة على الاقتصاد السوري، الذي يعاني بالفعل من ويلات الأزمات المتتالية.

واقع الانهيار

في تصريحات مثيرة للاهتمام، كشفت الدكتورة مها عبد الرحمن، أمس الاثنين، معاون حاكم بنك “سوريا” المركزي، أن نسبة التضخم السنوي في شهر نيسان/أبريل الماضي بلغت 122 بالمئة. 

أسعار الخضار والفواكه في سوريا.. لغز لا حل له! (3)
صورة التقطت في 11 يناير/كانون الثاني 2022 لبائع سوري يعرض في متجره الصغير. (تصوير عمر حاج قدور/وكالة الصحافة الفرنسية)

وعلى الرغم من أن عبد الرحمن اعتبرت هذا الرقم “كبيراً”، إلا أنها أكدت أن البلاد لم تصل بعد إلى مرحلة التضخم الجامح.

وأوضحت عبد الرحمن أن أسباب التضخم المرتفع في سوريا متنوعة وشديدة التعقيد. فهناك عوامل خارجية كالعقوبات المفروضة على البلاد والصراعات في دول المنطقة، إضافة إلى انعدام السيطرة التامة على الحدود، مما يؤدي إلى استمرار عمليات التهريب. 

أما العوامل الداخلية فتتمثل في ضعف الإنتاج ومشكلات مزمنة كعجز الميزان التجاري والتمويل بالعجز.

في هذا السياق، حذرت مسؤولة البنك “المركزي” السوري من خطورة هذه المعطيات على الاقتصاد السوري، الذي يواجه تحديات متزايدة في ظل هذا التضخم المرتفع.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات