بينما تمضي ميلشيات “الحوثي” نحو استهداف سفن الشحن في البحر الأحمر وتوتير تلك النقطة الهامة في ملف الأمن والسلام الدولي والإقليمي، أفادت وكالة “تسنيم” الإيرانية، نهاية الأسبوع الماضي، بأن طهران زوّدت “الحوثيين” في اليمن بصاروخ باليستي من طراز “قادر” الذي يُطلق من البحر. 

واعتبرت الوكالة الإيرانية أن الصاروخ “قادر” يشكل تحديات خطيرة لمصالح أميركا وإسرائيل في المنطقة. موضّحة في تقريرها أن إنتاج صاروخ “قادر” من مرحلة من الفكرة إلى المنتج، تعود إلى حسن طهراني مقدم. وكان طهراني مقدم رئيس منظمة “الجهاد” التابعة لـ”الحرس الثوري” قد قتل في شهر تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2011، إثر انفجار كبير في منشأة الصواريخ بمنطقة بيدكنه ملارد.

هذا الكشف أثار العديد من التساؤلات، لا سيما وأن طهران تعهدت للرياض خلال المصالحة التي رعتها بكين، بتقليص التهديدات في المنطقة، ولكن ما هي قصة صاروخ “قادر” الإيراني الذي وصل إلى “الحوثيين”؟ ولماذا تسعى إيران لتزويد “الحوثيين” بصواريخ بحرية متطورة؟

صاروخ “قادر” الإيراني

جدير بالذكر أن إيران تمتلك ثلاثة أنواع صواريخ من طراز “قادر” وهي “إتش” و”إف ” و”إس”، ويستخدم صاروخ “قادر إف” الباليستي الوقود السائل وهو تجسيد لجهود طهران في ترقية صاروخ “شهاب 3”. 

شاحنة تحمل صاروخًا باليستيًا إيرانيًا أسرع من الصوت من طراز “فتاح” خلال العرض العسكري السنوي بمناسبة ذكرى الحرب مع العراق، في طهران في 22 سبتمبر 2023. (تصوير وكالة فرانس برس)

ويستطيع صاروخ “قادر” ضرب أهداف من بُعد ألفي كيلومتر بدقة كبيرة كما يبلغ وزنه 17 طنا وطوله 15 مترا وقطره 1.25 متر وهو قادر على حمل رأس حربية تزن نحو 640 كيلوغراما. 

هذا وقد أشارت وكالة استخبارات الدفاع الأميركية (DIA)، إلى أن إيران زوّدت الحوثيين بـ”ترسانة متنوعة” من الأسلحة، بما في ذلك الصواريخ الباليستية قصيرة ومتوسطة المدى و”كروز” منذ العام 2015.

وأوضحت الوكالة في تقرير نشرته في شهر شباط/فبراير الماضي، تفاصيل استخدام “الحوثي” لتلك الأسلحة حيث ذكرت أنه “بين عامي 2015 و 2023 اعترضت الولايات المتحدة وشركاؤها 18 سفينة إيرانية على الأقل كانت تحاول تهريب أسلحة إلى الحوثيين”.

سموم إيرانية

في هذا السياق يشير العميد الركن محمد الكميم، مستشار وزير الدفاع اليمني، قائلاً: “متى ما نتكلم عن البحر الأحمر وكذا اليمن والمحددات الجغرافية والجيوسياسية البحر الأحمر، ينبغي أن ندرك أهمية اليمن من ناحية الجغرافيا السياسية، وخطورة وجود الحوثي في البلاد وارتباطها العضوي بمخططات إيران في الشرق الأوسط”.

استولت الولايات المتحدة على “الأسلحة التقليدية المتقدمة” المهربة لجماعة الحوثي اليمنية الأسبوع الماضي بالقرب من ساحل الصومال في المياه الدولية في البحر العربي في 11 يناير 2024. (غيتي)

يؤكد مستشار وزير الدفاع اليمني محمد الكميم في تصريحات خصّ بها “الحل نت”، أن اليمن في موقع جغرافي من أهم المواقع الجغرافية في العالم، حيث يطلّ اليمن على البحر الأحمر وعلى مضيق باب المندب الذي يعتبر من أهم المضايق العالمية، باعتبار أن البحر الأحمر تمرّ منه نحو 12 بالمئة من من التجارة العالمية. 

إضافة إلى موقع اليمن المطل على البحر العربي وخليج عدن. ولذلك موقع اليمن الجغرافي كان دائما ما يسبب لها المشاكل والحروب وتكون مطمعاً لكثير من دول العالم باعتبارها دولة مؤثرة لأي استراتيجية أمنية عالمية.

ولذلك، فإيران استغلت هذا الموقع الجغرافي الهام على الخارطة العالمية وبدأت بإدخال “سمومها” المتمثلة بعناصر “الحوثي” إلى اليمن، ثم دفعت أموالاً طائلة وقدمت أسلحة هائلة لميلشيا “الحوثيين” حتى أسقطت العاصمة صنعاء وحوّلت هذا “الشرطي الوظيفي” لخدمة مشروعها الخبيث في المنطقة.

يتابع مستشار وزير الدفاع اليمني العميد الركن محمد الكميم تصريحاته، حيث يلفت إلى أن اليمن تحولت بفعل ذلك كله إلى جغرافيا تابعة لإيران بحيث أصبحت اليمن “منصة إطلاق صواريخ ومنصة إطلاق متقدمة للعديد من الأسلحة، لأن الحوثي استغل الجغرافيا اليمنية الاستغلال الأمثل”.

“طرق خبيثة” تستخدمها إيران

عمل “الحوثي” على تخزين أسلحته واستطاعت إيران “بخبثها ودهائها أن تستغل أيضاً الساحل اليمني الكبير حيث تتمتع اليمن بأكبر ساحل في الشرق الأوسط، يصل نحو أكثر من ألفين وخمسمائة كيلو متر ساحل بحري فقط. وهناك آلاف الثغرات في هذا الساحل. لإنزال الأسلحة وإمداد “الحوثي” بالسلاح مع وجود ضعف في خفر السواحل اليمنية خاصة فيما بعد أحداث العام 2011. 

هجوم مدمر قواعد ميليشيا الحوثي تنهار تحت وطأة الصواريخ الأميركية والبريطانية (3)
لقطة الشاشة هذه التي تم التقاطها من مقطع فيديو تظهر استيلاء المقاتلين الحوثيين اليمنيين على سفينة “غلاكسي” في ساحل البحر الأحمر قبالة الحديدة، في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 في البحر الأحمر، اليمن. (تصوير جماعة الحوثي/غيتي)

جماعة “الحوثي” وإيران استغلت هذه الثغرات وعملت من خلالها على إرسال الأسلحة عبر مواقع الإنزال السمكي عن طريق الصيادين. بحيث إنها ترسل السفن إلى عرض البحر ثم يتم تفريغ تلك السفن بقوارب صيد صغيرة، ويلفت مستشار وزير الدفاع اليمني أن ذلك كان في فترة سابقة.

أما اليوم، والحديث للمصدر ذاته، جماعة “الحوثي” أصبحت لديها ميناء الحديدة بالكامل وتحت قبضتهم، خصوصا بعد إلغاء آلية المراقبة على هذه السفن، ولديه ميناء الصليف ولديه رأس عيسى والكثيب. بالتالي؛ فـ”الحوثي” يعمل بكل جهده لاستلام هذه الأسلحة وتعمل إيران، بكل جهدها لتدفّق الأسلحة الإيرانية إلى اليمن. 

واستطاعت إيران أن ترسل الكثير من أسلحتها التي بدأت تجربتها في اليمن، منها استخدام الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية المتعددة وكذا الأنظمة التكنولوجيا المتواجدة في هذه الطائرات وهي قريبة جداً من الطائرات والصواريخ الباليستية الإيرانية، بل إنها نسخة منها في بعض الصواريخ حتى اليوم. 

عندما يتحدث “الحوثي” عن استهداف البحر الأحمر فهو أيضا يستخدم جزء منها من الأسلحة الخاضعة التي كانت البحرية اليمنية السابقة، وهي أسلحة بسيطة إضافة إلى استخدام الصواريخ والطائرات المسيرة واستخدام الصواريخ المضادة للسفن كـ صواريخ “كروز”.

ويختتم العميد الركن محمد الكميم مستشار وزير الدفاع اليمني حديثه قائلاً، إنه نظراً لكافة الاعتبارات السابقة فإن طهران استطاعت أن تمرر عديد الأسلحة لـ”الحوثيين” خاصة صاروخ “قادر” المضاد للغواصات، الأمر الذي يضع أمن وسلامة البحر الأحمر كواحد من أهم الممرات المائية في خطر يهدد التجارة الدولية واستقرار النظام الدولي والإقليمي.

كيف وصل “قادر” لليمن؟

وصف مسؤول في الإدارة الأميركية، خلال حديثه لوسائل إعلام عربية، جماعة “الحوثي” بأنهم “خطرون” ليس فقط لأن لديهم الصواريخ والمسيرات التي سيطروا عليها في صنعاء أو وصلتهم من إيران بل بسبب الإصرار المستمر لدى “الحوثيين” على متابعة التهديد المتوالي للملاحة الدولية واستهداف السفن المدنية والعسكرية.

الشرق الأوسط على شفا حرب إقليمية شاملة بسبب إيران ووكلائها؟ (1)
عرض صواريخ وهمية خلال معرض أقيم تضامناً مع الفلسطينيين في 03 يناير 2024 في صنعاء، اليمن. قال المتحدث العسكري باسم جماعة الحوثي اليمنية إن قواتهم هاجمت سفينة تابعة لإسرائيل في البحر الأحمر. (تصوير محمد حمود/ غيتي)

نحو ذلك تعمل واشنطن عبر عديد الإجراءات السياسية والدبلوماسية مع الجانب الإيراني للضغط والتأثير على “الحوثي” لوقف الهجمات فضلا عن الضربات القوية والمتعددة التي تنفذها واشنطن وبريطانيا ضد القيادات “الحوثية” والمراكز الخاصة بهم. وقال الجيشان الأميركي والبريطاني إنهما شنّا ضربات ضد أهداف لـ”الحوثيين” في اليمن الخميس الماضي في مسار عمل ممتد لبلوغ حدّ الردع للجماعة اليمنية عن مواصلة استهداف الملاحة في البحر الأحمر.

كانت القيادة المركزية الأميركية أعلنت في أيار/مايو الماضي، أن القوات الأميركية والبريطانية نفذت ضربات استهدفت ثلاثة عشر موقعاً تابعاً لميليشيات “الحوثي” في مدن صنعاء والحديدة وتعز. وتوجه الولايات المتحدة وبريطانيا ضربات جوية على مواقع لـ”الحوثيين” رداً على استهدافهم سفناً تجارية في البحر الأحمر وخليج عدن.

وبسؤال الدكتور ثابت الأحمدي مستشار مكتب رئاسة الجمهورية اليمنية، حول كيف وصل صاروخ “قادر” المضاد للغواصات إلى ميليشيا “الحوثي”؟ أشار الأحمدي إلى أنه “في الواقع وصلت أنواع عديدة من الصواريخ والأسلحة والعتاد الحربي للحوثيين عن طريق التهريب، وليس هذا الصاروخ المشار إليه فحسب. وليس من السنوات الأخيرة فقط، ولكن من سنوات طويلة مضت، عن طريق التهريب، ولن ننسى هنا جيهان 1، و جيهان 2 اللتين تم الإعلان عنهما رسميا قبل أكثر من عشر سنوات، من قبل الرئيس السابق عبدربه منصور هادي”.

يردف الأحمدي في حديثه لـ”الحل نت”، أن الجميع يعرف أن إيران حاضرة في الضفة الغربية للبحر الأحمر، وتحديداً في ثلاث جزر في أرخبيل دهلك، استأجرتها إيران من إريتريا، ومن هناك يتم التهريب، إلى الضفة الشرقية للبحر الأحمر، وسرعان ما يتلقف “الحوثي” تلك الأسلحة التي تصله إلى غربي حجة التي سيطر عليها من وقت مبكر، والتي ترتبط جغرافيا بمناطق غرب صعدة. 

إضافة إلى ذلك ثمة منفذ جديد للتهريب عن طريق المهرة، وقد تأكد لنا وفق تقارير رسمية عدة قضايا تهريب من هذا المنفذ. وإضافة إليهما اليوم السفن التجارية تبحر عبر البحر الأحمر من مختلف دول العالم، وبواسطتها يتم التهريب إلى الحديدة، وخاصة بعد رفع الحظر، ولـ”الحوثيين” أسلحة كثيرة في محافظة الحديدة، بحرية وغير بحرية.

 هل تتصاعد المواجهة في اليمن؟

الجدير بالذكر هنا، أن الطائرات الإيرانية المسيّرة والصواريخ البالستية والبحرية جميعها يشرف عليها خبراء إيرانيون، مقيمون في اليمن في الوقت الحالي، وإن ادّعى “الحوثي” أنها بيده، وأنه من يتحكم فيها.

أعلنت جماعة “الحوثي” اليمنية، أمس الخميس، تنفيذ عملية عسكرية ضد سفينة حاويات – غيتي

البحر الأحمر منطقة صراع دولي منذ قديم الزمن، وليس من اليوم، وما من إمبراطورية تعملقت وامتدت مصالحها إلى خارج محيطها إلا وسيطرت على البحر الأحمر، كليا أو جزئيا، منذ الحميريين القدماء إلى المصريين إلى الآشوريين إلى اليونان إلى البرتغاليين في العصر الحديث فالبريطانيين فالفرنسيين وحتى الصراع الحاصل اليوم. 

من يتأمل في المنطقة الجغرافية للبحر الأحمر يجد مختلف دول العالم اليوم موجودة فيه، ولكن بصراع هادئ إن صح التعبير، المياه الدولية في البحر الأحمر تمتلئ بالأساطيل الحربية للدول الكبرى. وكل ذلك لحماية مصالحها.

ومع ازدياد حدة الصراع بين اللاعبين الكبار تزداد أهمية هذه البقعة المائية، كانت في الزمن القديم طريقاً للمر واللبان، السلعة الاقتصادية الكبرى، ثم أصبحت بعد ذلك طريقاً للحرير، ثم ممرا للبن الذي كان يتم تصديره من اليمن إلى أنحاء أوروبا مطلع التاريخ الحديث، وحتى بداية القرن العشرين، ومؤخرا صار ممراً لأهم سلعة عالمية وهي البترول. وهكذا يكتسب البحر الأحمر أهميته من أهمية السلع التجارية، ومن أهمية الدول الكبرى المتصارعة اقتصادياً وعسكرياً أيضاً.

باختصار الصراع في البحر الأحمر لم يتوقف يوماً واحداً عبر التاريخ. ويرتبط البحر الأحمر بواحد من أهم المضايق العالمية، وهو مضيق باب المندب، من جنوبه، كما يرتبط أيضا بقناة السويس وخليج العقبة، والأولى ترتبط بالبحر الأبيض المتوسط الرابط بين آسيا وأوروبا، ومنه تمر نسبة كبيرة من التجارة العالمية يوميا. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة