نحو عدد من المرشحين المحتملين الذين سيخضعون لمحددات حاسمة يصيغ قوانينها المرشد والدولة العميقة في إيران، ويقوم بتنفيذها مجلس صيانة الدستور وذلك مع إغلاق السلطات الإيرانية باب التسجيل لخوض الاستحقاق الانتخابي على منصب الرئيس في الانتخابات الرئاسية الإيرانية بعد مصرع إبراهيم رئيسي في حادث سقوط طائرة مع عدد من مرافقيه. 

ذكرت وكالة “تسنيم” للأنباء الإيرانية أن سبعة وخمسين شخصاً تقدموا بطلبات التسجيل يوم الأحد الثاني من حزيران/ يونيو الجاري. غير أنه لم يتم تسجيل سوى عشرين شخصاً فقط.

أعلنت وزارة الداخلية الإيرانية أمس الأحد، أسماء ستة مرشحين للانتخابات الرئاسية بعد قرار مجلس صيانة الدستور الانتهاء من قائمة المؤهلين للترشّح من بين قرابة 80 إيرانيا، تقدموا بطلبات ترشحهم للاقتراع الرئاسي المقرر في الثامن والعشرين من الشهر الجاري.

الإعلان الأخير أثار العديد من التساؤلات، منها كيف تتحكم الكتل الصلبة في إيران مسار الانتخابات الرئاسية؟ وهل ستعكس نتائج الانتخابات الإيرانية إرادة الشعب أم إرادة النظام؟

 مجرد مسرحية؟

استبعد مجلس صيانة الدستور مرة أخرى الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد من سباق الانتخابات الرئاسية الإيرانية بينما تم اختيار ستة مرشحين للرئاسة هم: مصطفى بور محمدي، سعيد جليلي، محمد باقر قاليباف، علي رضا زاكاني، أمير حسين قاضي زاده هاشمي و مسعود بزشكيان.

هجوم وقح ماذا كشف الرد الإيراني على إسرائيل؟ (1)
المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي يحضر احتفالاً مشتركاً للجيش في طهران. (تصوير حسين فاطمي/وكالة الأنباء الفرنسية)

وقال المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور، هادي طحان نظيف، إن “المجلس أرسل نتائج دراسة أهلية المرشحين للانتخابات الرئاسية إلى وزارة الداخلية”.

وكتب نظيف، في تغريدة له على منصة “إكس” (تويتر سابقا)، أنه “مع الانتهاء من التحقّق في أهلية المرشّحين للفترة الرابعة عشرة للانتخابات الرئاسية في مجلس صيانة الدستور، تم إرسال قائمة المرشحين المؤهلين إلى وزارة الداخلية”.

بدوره قال رئيس لجنة الانتخابات الإيرانية: “سيكون هناك 60 ألف مركز انتخابي للانتخابات الرئاسية في أنحاء البلاد. وفي حال عدم حسم نتيجة الانتخابات الرئاسية ستكون هناك جولة ثانية في يوم الجمعة التالي خلال يوم الخامس من شهر تموز/يوليو القادم”.

من جانبه قال وزير الداخلية أحمد وحيدي، إن الوزارة سجلت 80 طلباً في نهاية عملية تسجيل المرشحين. ووافقت الوزارة على 37 طلباً حتى نهاية اليوم الرابع (الأحد الماضي). وفي آخر أيام التقديمات، تقدم 43 مرشحاً للانتخابات. إذ يتعين على مجلس صيانة الدستور المكوّن من اثنى عشر عضواً يشرف عليه المرشد على خامنئي، أن يحسم القائمة النهائية للمرشحين الرئاسيين في الحادي عشر من شهر حزيران/ يونيو الجاري.

خليفة قاسم سليماني

ووفق التقارير الإيرانية، يمكن أن يتراوح عدد المرشحين المؤهلين من حوالي أربعة إلى أكثر من عشرة، بناءً على الاستحقاقات الانتخابية السابقة. في تلك الأثناء سيضحى أمام المرشحين المختارين حملة انتخابية تمتد نحو أسبوعين قبل موعد الاستحقاق الرئاسي في نهاية الشهر الجاري. وفي حال عدم حسم أي من المرشحين التصويت بالأغلبية (أكثر من 50 بالمئة)، ستجرى انتخابات الإعادة في الخامس من شهر تموز/يوليو المقبل.

النساء في إيران الإيرانيات سجن نرجس محمدي النظام الإيراني المرأة الإيرانية
متظاهر يحمل صورة ماهسا أميني خلال مظاهرة لدعم أميني، وهي امرأة إيرانية شابة توفيت بعد أن اعتقلتها شرطة الأخلاق في طهران في طهران. (تصوير أوزان كوسي / وكالة الصحافة الفرنسية)

وينصّ قانون الانتخابات الرئاسية الإيرانية على أن يكون عمر المرشح بين 40 و75 عاماً ويحمل شهادة الماجستير أو ما يعادلها كحدّ أدنى، وأن يكون من رجال الدين والسياسة ويحمل الجنسية الإيرانية. 

بينما يشترط القانون على من يتقدم بطلب الترشح أن يكون شغل مناصب إدارية في البلد مدة أربع سنوات كحد أدنى وألا يكون سبق الحكم عليه بعقوبة جنائية أو في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة.

كما يذهب مراقبون إلى أن الصراع على منصب الرئيس القادم، قد لا يكون بين التيار الإصلاحي أو الأصولي وفقاً لمحددات مؤسسات بيت المرشد الذي ينظر عميقا نحو تهيئة كافة الأمور لتسمية المرشد القادم مما يعني بالضرورة أن يكون الرئيس الرابع عشر من داخل الأصوليين والمقربين لمؤسسة الحكم أيضا. 

إذ إن من أبرز الشخصيات الذين سجلوا في الانتخابات الرئاسية الإيرانية الرابعة عشرة في الأيام الماضية يمكن الإشارة إلى علي لاريجاني، ومحمود أحمدي نجاد، وسعيد جليلي، ووحيد حقانيان، وعلي رضا زاكاني، وعبد الناصر همتي، إضافة إلى النائب السابق وحيد جلال زادة الذى أعلن ترشحه لخوض الانتخابات الرئاسية بعد حضوره إلى المقر. وأعلن نائب الرئيس الإيراني السابق، إسحاق جهانيغيري فضلا عن رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، ترشحهما كذلك.

ووفق وكالة “أسوشييتد برس” الأميركية، رئيس البرلمان الإيراني يعد أبرز مرشح من داخل النظام في السباق لخلافة الراحل إبراهيم رئيسي الذي قتل في حادث تحطم مروحية الشهر الماضي. وسجل قاليباف البالغ من العمر 62 عاماً وتربطه علاقات وثيقة بـ”الحرس الثوري” ترشحه لدى وزارة الداخلية أمام حشد من الصحفيين. 

وفي حديث لاحق لوسائل الإعلام قال إنه سيواصل السير على نفس طريق رئيسي والجنرال الراحل في “الحرس الثوري” الإيراني قاسم سليماني. وكان المرشد الإيراني ألقى خطابا ألمح فيه إلى صفات تنطبق على قاليباف وربما أشار إلى دعمه لرئيس البرلمان وفق الوكالة الأميركية.

بقلم المرشد

يشير الباحث في الشأن الإيراني حسن فحص، إلى أنه قد يكون من المبكّر حسم الحديث عن شخصية الرئيس المقبل في الانتخابات الرئاسية الإيرانية نظراً لغلق باب الترشّح للانتخابات الرئاسية مساء الاثنين الماضي. 

المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي يحضر حفل تخرج طلاب القوات المسلحة الإيرانية في أكاديمية الإمام علي للضباط في طهران، إيران في 10 أكتوبر 2023. (تصوير المكتب الصحفي للمرشد الأعلى الإيراني/ غيتي)

وتابع فحص تصريحاته لـ”الحل نت”، أن الأسماء التي قدمت ترشيحها حتى الآن وبلغت نحو 38 شخصية، فهي جميعها تعتبر من الشخصيات الأساسية التي تمثل التيار المحافظ بكل أجنحته من أقصى الاعتدال إلى أقصى التشدد.

حتى اللحظة لا يمكن حسم الأسماء التي يمكن أن تكون مشاركة في السباق الانتخابي. وفي أحسن التقديرات، فإن مجلس صيانة الدستور، سيبدأ بدراسة أهلية المرشحين، الذين من المتوقع أن يرتفع عددهم حتى غلق باب الترشّح ، ومن ثم يقوم بإعلان لائحة الأسماء التي استوفت الشروط المطلوبة، ومن المتوقع أن يتراوح عددهم ما بين 8 إلى 10 مرشّحين. 

هذا يعني أن إمكانية استبعاد أو إقصاء أسماء من بين الشخصيات الأبرز قائماً ومحتملاً بناء على المصلحة والآليات التي يحددها هذا المجلس، وهو ما حدث فعلا.

ومن الطبيعي بحسب فحص أن لا يكون رأي مجلس صيانة الدستور من دون التشاور والتنسيق مع المرشد الأعلى للنظام ومنظومة السلطة أو بالأحرى الدولة العميقة التي تتشارك مع المرشد في رسم مستقبل النظام والدولة والسياسات الداخلية والخارجية. لذلك فإن الشخصيات التي ستكون ضمن اللائحة النهائية، ستحدّدها النتيجة التي ستخرج عن هذه المشاورات مع المرشد وحينها سيبدأ الاستحقاق الانتخابي.

كل الأسماء التي قدمت أوراق ترشّحها للسباق الرئاسي، تعتبر نفسها الأقدر على تنفيذ توجيهات المرشد الأعلى والسياسات التي يرسمها للدولة، وقد يكون هناك استثناء بين هؤلاء، كالرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، الذي تجاوز كل الخطوط الحمراء في علاقته مع المرشد وتحدى قراراته في الكثير من المراحل. 

ولعل مخالفته لقرار المرشد بعدم الترشّح في الانتخابات الرئاسية الإيرانية السابقة، وأدت إلى إقصائه ومنعه من الترشح من قبل مجلس صيانة الدستور، كانت من أبرز محطات علاقته المتوترة مع المرشد، لذلك فإن إقصائه هذه المرة محتملة كانت مرجحة، بالإضافة إلى أن هدف ترشّحه في هذه الانتخابات، يهدف في الأساس إلى منع المرشح علي لاريجاني من أن يكون قريباً من الفوز، فضلاً عن تقليل حظوظ المرشح سعيد جليلي من ذلك أيضاً، خاصة أن الأخير استطاع في السنوات الأخيرة من وضع مسافة بينه وبين أحمدي نجاد.

الأهم في تقديري، والحديث للمصدر ذاته، بالنسبة للمرشد والدولة العميقة، أو “الحرس الثوري”، أن يكون الرئيس المقبل قادراً على الالتزام بالتوجهات العامة والسياسات الاستراتيجية للنظام، بالإضافة إلى عدم الذهاب إلى خيار تشكيل حكومة تصادمية غير قادرة على وضع الخطط المطلوبة لإخراج إيران من عنق الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي تمرّ بها نتيجة العقوبات، بالإضافة الى قدرته على تنفيذ سياسة الانفتاح على المستويين الإقليمي والدولي.

إرادة الشعب أم إرادة النظام

ثمة منطق أن الرئيس الإيراني القادم للبلاد سيواجه تحديات عميقة، لا سيما على مستوى الأزمات الاقتصادية التي عانى منها الاقتصاد الإيراني خلال السنوات الأخيرة والتي كانت السبب وراء الاحتجاجات الشعبية المتزايدة في العام الماضي، إذ كشفت الإحصائيات أنه تم تنظيم 560 مسيرة احتجاجية في 81 يوماً من جميع أنحاء البلاد بدعوى التحديات المعيشية، الأمر الذي يفرض ذلك التحدي في ذهنية المرشد ومؤسساته حين يرسمون ملامح الرئيس الإيراني القادم.

صورة المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي خلال احتجاجات داخل إيران.

من جانبه يلفت الكاتب والمحلل السياسي مصطفى النعيمي، إلى أن المشهد الانتخابي في إيران سيخضع لإرادة المرشد الأعلى والمؤسسات التابعة له حصراً. وحسب أولويات المرحلة القادمة خاصة على المستوى الداخلي وتحسين حياة المواطنين. 

يشير النعيمي في تصريحاته لـ”الحل نت” بقوله: إنه ينبغي التأكيد كون تركيبة الحكم في إيران لن تتغير إطلاقاً، كنتائج وليس كأشخاص بمعنى أكثر توضيحاً: هؤلاء الأشخاص الذين سيشغلون تلك المناصب سيتحركون وفقاً لإرادة المرشد الحالي وكذا “الحرس الثوري” الذي يحافظ على هيكلة الحكم، ثم استيعاب مناطق النفوذ والهيمنة في الشرق الأوسط.

وبسؤاله كيف ينبغي أن يفكر المرشد و”الحرس الثوري” في مواصفات الرئيس القادم؟ يجيب: “أعتقد بأن دائرة الحرس الثوري الإيراني حتى هذه اللحظة لم تتأثر بشكل مباشر بالرغم من الضربات الكبيرة التي تكبدها في كل من سوريا والعراق ولبنان واليمن. بيد أن الحرس الثوري الإيراني ما زال يمارس سياسة الضغط القصوى على المنظومة الدولية في الممرات والمضائق المائية، لا سيما في مضيق هرمز ومضيق باب المندب، إضافة إلى محاولة الحرس الثوري الإيراني الاستيلاء على جزء كبير من بانياس وبناء رصيف بحري لخدمة المشروع الإيراني بعيدا عن سيطرة ما تبقى من النظام السوري”.

وبالتالي، نتحدث اليوم أن مؤسسة “الحرس الثوري” الإيراني، ربما هي أهم المؤسسات التي لم تتعرض لمخاطر كبيرة تؤدي إلى زعزعة مركز القيادة والسيطرة، بالرغم من فقدانها الكثير من القيادات الميدانية والعسكرية، مما يفضي نحو استمرارها صوب تحقيق أهداف استراتيجية بعيدة الأمد.

إذاً هذه المؤسسة تُعتبر من أهم المؤسسات في ذهنية المرشد وصانع القرار في طهران، والتي من خلالها يعتمد على تحقيق أهداف سياسية بأدوات عسكرية، الغاية منها استثمار “الكروت الرابحة” من خلال تقدم هذه المؤسسة في “الحريق الإقليمي” واستثمار ذلك للضغط على المنظومة الدولية للرضوخ إلى شروط إيران للعودة إلى الملفات التفاوضية العالقة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات