يبدو أنّ خلية العمل الأميركية، التي تم تشكيلها في إسرائيل في أعقاب عملية “طوفان الأقصى”، والتي يتم من خلالها تبادل المعلومات بين الاستخبارات الأميركية ونظيرتها الإسرائيلية، وتحليلها من خلال عدد من الخبراء والمحللين العسكريين، أثمرت عن تحديد مواقع عدد لا بأس به من الرهائن، بواسطة الصور التي التقطتها الطائرات بدون طيار والأقمار الصناعية، إلى جانب شراء العملاء واعتراض الاتصالات.

جدير بالذكر إنه منذ الأيام الأولى بعد هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الفائت، قام الجيش الأميركي بإطلاق طائرات استطلاع بدون طيار، فوق قطاع غزة، للمساعدة في جهود إنقاذ الرهائن، وشاركت واشنطن بما لا يقل عن ست طائرات من طراز MQ-9 ReapersK تابعة لقوات العمليات الخاصة، في مهام جوية لرصد مواقع الرهائن.

وبحسب مسؤولين إسرائيليين، فإنّ الطائرات بدون طيار الأميركية، تمكنت من تقديم معلومات لا تجمعها الطائرات بدون طيار الإسرائيلية. وقال مسؤولون عسكريون أميركيون إن طائرات المراقبة الأميركية بدون طيار، لديها أجهزة استشعار فائقة، وأن إطلاق أعداد هائلة من الطائرات الأميركية، كان الهدف منه مراقبة المزيد من المناطق، بشكل متكرر ولفترات أطول من الوقت.

وكانت عملية تحرير أربعة رهائن إسرائيليين في غزة، خلال هجوم شرس على مخيم النصيرات، في الثامن من حزيران/ يونيو الجاري، جزء من عملية استخباراتية طموحة؛ تهدف إلى استعادة الرهائن الذين تحتجزهم “حماس”، منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. فهل قررت إسرائيل تحرير الرهائن بمفردها، بعيداً عن أي عملية سياسية؟ وهل الأمر بهذه السهولة؟

صراع خفي بين “حماس” وإسرائيل

بحسب مصدر خاص في قطاع غزة، تقوم حركة “حماس”، وفي أعقاب تحرير الرهائن الأربعة، بعملية تمويه كبرى، من خلال تسريب معلومات مغلوطة حول أماكن الرهائن، بينما يجري نقلهم من مكان إلى آخر، ومن نفق إلى آخر تحت الأرض.

فلسطينيون يتفقدون الأضرار والحطام بعد يوم من عملية قامت بها القوات الإسرائيلية في مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة-“أ.ف.ب”

وأضاف المصدر في تصريحات خصّ بها “الحل نت”، أن حركة “حماس” قررت تغيير تكتيكاتها، حيث تسعى حالياً إلى نقل المزيد من الرهائن إلى الأنفاق، بعيداً عن متناول قوات الكوماندوز الإسرائيلية. وبحسب المصدر فإن خان يونس هي الأنسب حالياً، حيث إن شبكة الأنفاق هناك واسعة ومعقدة، بالإضافة إلى أنّها مجهزة بضروريات الحياة الأساسية، ومولدات الطاقة، وأنظمة التهوية.

وتسعى “حماس”، بحسب المصدر ذاته، إلى استغلال طبيعة الأنفاق في منطقة خان يونس، والتي يتوقع أنّها تحتفظ بغالبية الرهائن بها، حيث تتميز معظم أجزاء هذه الأنفاق، باستثناء الغرف الفرعية، بنمط بناء ضيق، بمتوسط ​​عرض متر واحد ومتوسط ​​ارتفاع مترين، وفق تصميم قتالي فريد، تتحقق فعاليته من خلال الأقواس والقوالب الخرسانية، مما يجعلها أكثر مرونة لحركة المقاتلين، وأكثر صعوبة في الاختراق. وبحيث يصبح الحفر أو استخدام المتفجرات، أو الغمر بالمياه غير عملي.

كما أن هناك أنواع مختلفة من الأنفاق، تختلف في الحجم والعمق ومواد البناء، ويتطلب كل نفق نهجاً مختلفاً في التعامل معه، سواء بالاقتحام أو التفجير. كما أن شبكة الأنفاق مجهزة بتقنيات عالية (إيرانية في الغالب)؛ للتخلص من الغازات السامة، وتعطيل موجات أي انفجار.

وتدرك “حماس” في الوقت نفسه، أن الطائرات بدون طيار الإسرائيلية، لا تستطيع رسم خريطة لشبكة الأنفاق الواسعة تحت الأرض، خاصّة في خان يونس، الأمر الذي يجعلها مكاناً مثالياً لنقل الرهائن إليه، إلّا أن عملية تحرير الرهائن من مكان لآخر، في ظل تقنيات المراقبة الدقيقة، ومع استمرار الضغط العسكري، يجعل الأمر شديد الصعوبة.

من جهتها، تستخدم إسرائيل أجهزة استشعار أرضية شديدة الجودة، للقيام بمراقبة الحركة من وإلى الأنفاق، عن طريق رادار يعمل بالأشعة تحت الحمراء؛ يمكنه اكتشاف البصمات الحرارية للمقاتلين أو الأشخاص الآخرين، الذين يدخلون أو يخرجون من مداخل الأنفاق على السطح، لكن تظل فعالية تلك التقنيات قاصرة عند هذا الحد، ولا يمكنها معرفة مسارات التحرك تحت الأرض.

ولعل طبيعة الأنفاق متعددة الطبقات ومتفاوتة الأعماق في مناطق ذات كثافة عمرانية عالية، تفرض على إسرائيل ديناميكية لا تعرفها الحكومة اليمينية الحاكمة، ففي مساحة صغيرة لا تتجاوز 365 كيلومتراً مربعاً، كمساحة قطاع غزة، يعيق القصف الجوي العشوائي على المباني، اكتشاف الأنفاق، حيث تتحول أكوام الركام إلى حاجز إضافي.

تحرير الرهائن عملية استثنائية

تسعى إسرائيل، تحت غطاء الغارات الجوية المكثفة، والغزو البري العنيف، إلى تحويل جزء كبير من الأراضي إلى أنقاض، لا من أجل تفكيك بنية “حماس”، وإنّما بهدف تمشيط أكبر مساحة ممكنة من الأرض، بحثاً عن الرهائن، وتقليص المناطق التي يمكن لـ”حماس” أن تخفي فيها الرهائن، وبالتالي تتزايد فرص اكتشافهم.

لا يبدو أن “حماس” تحتفظ بأرقام دقيقة حول أعداد الرهائن، ولعل ذلك يرجع إلى وجود عدد من الرهائن لدى حركة “الجهاد الإسلامي”، بالإضافة إلى صعوبة الاتصالات بين قيادات الحركة.

وحتى الآن، حررت إسرائيل ما مجموعه سبع رهائن، ولكن اللافت أنّه منذ بدء الحرب، مات عدد أكبر من الرهائن، بفعل النيران الصديقة؛ ففي كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أطلقت القوات الإسرائيلية النار على ثلاثة رهائن فروا من خاطفيهم في شمال غزة. ويذكر أن جميع عمليات التحرير جرت خارج الأنفاق، وسقط فيها قتلى وجرحى بصفوف قوات الكوماندوز.

وبحسب “النيويورك تايمز”، فإنّه على الرغم من نجاح عملية تحرير الرهائن الأخيرة، إلّا أن تعقيد العملية نفسها، والعنف الذي رافقها، يسلط الضوء على التحديات التي تواجه العثور على الرهائن وإخراجهم أحياء. كما يقول المسؤولون الأميركيون والإسرائيليون، إن عمليات الإنقاذ ستكون هي الاستثناء. ولن تتم إعادة غالبية الرهائن المتبقين، إلّا من خلال الوسائل الدبلوماسية. وهو ما يؤكد عليه آفي كالو، وهو مقدم في قوات الاحتياط الإسرائيلية، والذي كان يرأس في السابق قسم المخابرات العسكرية، الذي كان يتعامل مع ملف أسرى الحرب، حيث يقول: “إطلاق سراح الرهائن الأربعة هو في نهاية المطاف إنجاز تكتيكي، لا يغير الجانب الاستراتيجي، ولا يزال لدى حماس عشرات الرهائن، لن يتم إطلاق سراح الغالبية العظمى منهم، إن لم يكن جميعهم، عن طريق العمليات، ولا يمكن إنقاذهم، إلّا كجزء من اتفاق لوقف إطلاق النار”.

وبحسب مصادر مطلعة، كانت إسرائيل على علم بوجود عدد من الرهائن في مخيم النصيرات، وتقرر تحريرهم عبر عملية عسكرية، تأجلت أكثر من مرة، حتى يتثنى جمع معلومات دقيقة من داخل المخيم، حيث سرب أحد الجواسيس معلومات دقيقة حول وجود رهائن في ثلاثة مواقع سكنية داخل المخيم، يتوزعون على ثلاثة منازل مدنية.

الأنفاق في غزة يعقّد الحرب بين إسرائيل و”حماس”-“فرانس24”

وبحسب المصدر، فإنّه مع بدء العمليات العسكرية داخل المخيم، نجحت “حماس” في نقل رهينتين على الأقل بعيداً عن موقع العمليات، واحتفظت بالرهائن الأربعة الباقيين بمنزلين يبعدان عن بعضهما البعض مسافة تبلغ نحو 200 متر.

ويعتقد مسؤولون إسرائيليون أنه تمّ أسر 251 شخصاً خلال هجمات 7 أكتوبر، أطلق سراح 105 منهم في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، ومنذ ذلك الحين، أُعلن رسمياً عن مصرع 43 من الرهائن المتبقين. وتقول إسرائيل إنّه ما زال هناك 120 رهينة لدى “حماس”، بينما تؤكد تقارير أن أقل من 60 رهينة فقط ما زالوا على قيد الحياة.

ولا يبدو أن “حماس” تحتفظ بأرقام دقيقة حول أعداد الرهائن، ولعل ذلك يرجع إلى وجود عدد من الرهائن لدى حركة “الجهاد الإسلامي”، بالإضافة إلى صعوبة الاتصالات بين قيادات الحركة، في ظل اللامركزية التي تفرضها دواعي المراقبة الدقيقة التي تفرضها إسرائيل، بمساعدة الولايات المتحدة وبريطانيا، على الاتصالات في كافة أنحاء القطاع.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات