عادت مسألة التقارب السوري التركي إلى الواجهة من جديد، وذلك بعد أن خرج مسؤولون أتراك وأدلوا بتصريحات تفيد برغبة أنقرة في التقارب مع حكومة دمشق، والذي قوبل برد فعل إيجابي إلى حد ما من الجانب السوري. ولعل التصريح الأخير للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عندما قال إنه لا يستبعد إمكانية عقد لقاء مع نظيره السوري بشار الأسد، في مسعى لإعادة العلاقات الثنائية بين البلدين، يؤشر إلى قرب انعقاد هذا الاجتماع بالفعل وبوساطة روسية.

لكن إعادة العلاقات بين دمشق وأنقرة، تبدو مسألة صعبة، خاصة في ظل تمسك الطرفين بشروطهما، وتحديداً شرط انسحاب تركيا من الأراضي السورية، وهو ما يستحيل على تركيا تنفيذه، وهذا ما شدد عليه أردوغان في تصريح سابق عندما قال: “للأسف الأسد يطالب بخروج تركيا من شمال سوريا، لا يمكن أن يحدث مثل هذا الشيء لأننا نكافح الإرهاب هناك.. لسنا منغلقين إزاء اللقاء مع الأسد، ويمكن أن نلتقي، لكن المهم هو كيفية مقاربة حكومة دمشق تجاه مواقفنا”.

أردوغان يتقرب من دمشق

وقال أردوغان إن أنقرة ودمشق ربما تتحركان لاستعادة العلاقات، وذلك حينما سأله صحافيون عن تقارير تفيد بأن الأسد قال إن حكومته منفتحة على مبادرات إعادة العلاقات ما دامت تحترم سيادة سوريا وتسهم في مكافحة الإرهاب.

قال أردوغان إن لا نية لدى تركيا للتدخل في الشؤون الداخلية السورية-” سي إن إن عربية”

وأضاف أردوغان “لا سبب لعدم حدوث ذلك”، وأضاف أن لا نية لدى تركيا للتدخل في الشؤون الداخلية السورية. وتابع بعد أداء صلاة الجمعة “أجرينا لقاءات مع السيد الأسد حتى على المستوى العائلي. ليس هناك ما يمنع من حدوث محادثات في المستقبل، فقد تحدث مرة أخرى”.

وقبله بأيام قليلة، أكد الأسد انفتاح سوريا على كافة المبادرات المتعلقة بالعلاقة بين دمشق وأنقرة، لكنه أكد أنها يجب أن ترتكز على “سيادة الدولة السورية على كامل أراضيها من جهة، ومن ناحية أخرى، محاربة الإرهاب بكافة أشكاله وتنظيماته”.

يبدو أن إصرار الجانب التركي لإعادة العلاقات مع حكومة دمشق، كأحد استعدادات أنقرة لاحتمال توسيع الحرب الإقليمية والبحث عن دور تركي فيها، خاصة مع زيادة وتيرة التوترات على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، حيث يسعى أردوغان منذ أن بدأت الحرب في قطاع غزة ما بين إسرائيل وحركة “حماس”، أن يكون موجوداً في الساحة، من خلال إطلاق التصريحات التي تستهدف بشكل مباشر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بجانب خطاباته الشعبوية لدعم فلسطين والقضية الفلسطينية واستضافة قادة حركة “حماس” على الأراضي التركية.

الرئيس التركي الذي عادة ما يصطاد في الماء العكر ويسعى إلى تدشين معاركه السياسية أو العسكرية والميدانية في فترات يتمكن فيها من المواربة والتخفي لإتمام صفقاته، سواء كان ميدانياً فيتملص من الإدانات التي عادة ما تلاحقه إثر جرائم قواته كما في عفرين بشمال سوريا، أو سياسياً حيث لا يتوانى عن ممارسة الابتزاز للحصول على أهدافه، كما سبق واستغل عدة أزمات (فيروس كورونا) ووظف ورقة اللاجئين السوريين لعدة أغراض ضد الغرب و”الاتحاد الأوروبي”.

التقارب مع دول الخليج

في المقابل، يرى بعض الخبراء أن أردوغان يسعى للاستفادة من التقارب مع دمشق، من خلال المبادرة العربية التي قدمت للأسد، خاصة وأن ثمة أنباء تقول بقرب عقد اجتماع للجنة الاتصال العربية بشأن سوريا في العاصمة العراقية بغداد.

ولذلك، إذا ما حدث انفتاح جدي بين دول المنطقة وتحديداً الخليج وحكومة دمشق، ومن ثم الدخول في مرحلة إعادة الإعمار، فإن أردوغان لا يريد أن يكون بمنأى عن هذا الدعم، بغية إخراج بلاده من أزمتها الاقتصادية الحادة، خاصة أنه يذكر الجميع دائماً أنه يستضيف ما يقرب من ثلاثة ملايين ونصف مليون شخص لاجئ سوري، ولذلك يجب أن يتم دعم بلاده بالمال، دولياً وإقليمياً.

استهداف “الوجود الكُردي”

هذا فضلاً عن أن إلحاح أردوغان للتقارب مع دمشق، يؤشر إلى أنه يسعى بشكل براغماتي وتلفيقي إلى مواصلة الانتقام من المناطق الكُردية بشمال شرقي سوريا، وتحديداً من المدنيين الذين هم برأيه “إرهابيين” وجميعهم امتداد لـ”حزب العمال الكردستاني” (PKK). ثنائية “الكُردي/ الإرهابي” كتصنيف له حمولته السياسية الحزبية لدى أردوغان، هدفه تعميم العنف والكراهية ضد الأكراد، وشرعنة استهدافهم وقتلهم وتدمير مناطقهم، حيث يقوم باستهدافهم بين الحين والآخر بحجج الأمن القومي لبلاده، وبالتالي لا يبقى لهم سوى الخضوع والإذعان لأحلام الخليفة العثماني.

من الواضح أن مسألة التطبيع بين دمشق وأنقرة متروك لخطوات جدية من قبل أردوغان نحو حلّ تدخلاته غير الشرعية في سوريا، بما في ذلك الانسحاب الجدي من سوريا.

أردوغان الذي فشل في الحصول على موافقة الأطراف الدولية لشن حملة عسكرية جديدة على مناطق شمال شرقي سوريا، جعله يركض هنا وهناك للتقارب مع دمشق، بغية بدء هجوم جديد على المناطق الكُردية والقضاء على مشروع “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا، بحجة أنهم مجموعة “إرهابيين” ويهددون أمن البلاد، خاصة بعد إعلان “الإدارة الذاتية” عزمها إجراء انتخابات البلدية في مناطقها.

ويسعى أردوغان بتصريحاته هذه إلى تصدير أزماته الاقتصادية وانسداد سياساته، إضافة إلى رغبته في أن يثبت للداخل التركي أنه يعمل على إيجاد حل لأزمة اللاجئين السوريين. وفي المقابل تعتبر هذه ورقة ضغط على الأطراف الإقليمية وكذلك على الجانب السوري، والحملات الأمنية العنيفة التي يتعرض لها اللاجئون السوريون في تركيا اليوم تعزز من هذه الفرضية.

هل يحدث “التطبيع” بين دمشق وأنقرة؟

تحدثت وسائل إعلام سورية محلية، عن وجود تحضيرات لعقد اجتماع مع تركيا في العاصمة العراقية بغداد، لبدء مسار جديد من مفاوضات التطبيع بين دمشق وأنقرة.

ونقلت صحيفة “الوطن” المحلية عن مصادر -لم تسمها- أن بغداد ستشهد اجتماعاً مرتقباً بين دمشق وأنقرة، مضيفة أن هذه الخطوة “ستكون بداية عملية تفاوض طويلة قد تفضي إلى تفاهمات سياسية وميدانية”.

وبحسب الصحيفة المحلية فإن الجانب التركي طلب من روسيا والعراق الجلوس على طاولة ثنائية مع دمشق دون حضور أي طرف ثالث وبعيداً عن الإعلام للبحث في تفاصيل إعادة العلاقات.

بالنسبة للوساطة الروسية، فإنه ربما يحدث لقاء ما بين الأسد وأردوغان وفي روسيا، ولكن لا يبدو أن موسكو ستوصل الجانبان لعقد تطبيع كامل فيما بينهما-” أ ف ب”

وطبقاً للمصادر، فإن إعادة التفاوض بين تركيا ودمشق تلقى دعماً عربياً واسعاً وبشكل خاص من السعودية والإمارات، إضافة إلى دعمهما من روسيا والصين وإيران، مضيفة أن هذه الدول تعتبر أن “الظروف تبدو حالياً مناسبة لنجاح المفاوضات”.

ولا يبدو أن المبادرة العراقية لإحياء العلاقات بين دمشق وأنقرة ستتكلل بالنجاح، بل قد يؤدي إلى التوصل لبعض الاتفاقات المحدودة جداً، نظراً إلى أن دمشق وأنقرة متمسكتان بشدة بشروطهما، في حين أن الجانب العراقي ليس لديه أي إغراءات لحد أن يتنازل أي من الطرفين عن بعض الشروط.

أما بالنسبة للوساطة الروسية، فإنه ربما يحدث لقاء ما بين الأسد وأردوغان وفي روسيا، ولكن لا يبدو أن موسكو ستوصل الجانبان لبر عقد تطبيع كامل بين دمشق وأنقرة، لا سيما وأن موسكو فشلت خلال محادثات سابقة جرت مؤخراً، في تحقيق اختراق باتّجاه إعادة العلاقات.

خلاصة القول، من الواضح أن مسألة التطبيع بين دمشق وأنقرة متروك لخطوات جدية من قبل أردوغان نحو حلّ تدخلاته غير الشرعية في سوريا، بما في ذلك الانسحاب الجدي والكامل من الأراضي السورية، ووقف تمويل وتسليح “فصائل المعارضة”، والوصول إلى إجماع على عودة ملايين اللاجئين السوريين إلى بلدهم وليس استخدامه كورقة ضغط بين الحين والآخر.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة