برزت جماعة “الحوثي” كلاعب يسعى لتثبيت أقدامه على رقعة الشرق الأوسط المضطربة منذ اندلاع أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر الفائت في فلسطين، إذ لم تضيع جماعة “الحوثيين” لحظة واحدة في محاولة لفت الأنظار إلى قدرتها على التأثير في المشهد الإقليمي المتقلب.

وكأنها تتحرك وفق استراتيجية “وحدة الساحات”، تمكنت الجماعة من تفعيل السياسات الإيرانية، مستهدفة أهدافًا استراتيجية على مستويين: الأول، التفاعل مع القوى الدولية الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، خاصة فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني الشائك. والثاني، ممارسة ضغوط مباشرة على الدول الإقليمية في الشرق الأوسط.

هذا التحرك الدقيق يبدو وكأنه يأتي استجابة لرؤية أكبر، تتبلور في أروقة بيت المرشد الإيراني. فالهدف النهائي، كما يبدو، هو كسر طوق العزلة المفروض على إيران. وهنا يثور السؤال: هل ستنجح هذه المناورات السياسية في تحقيق أهدافها؟ وما هو الثمن الذي قد تدفعه المنطقة مقابل هذه التحركات؟

تضامن حقيقي!

ثلاث ليال لا أكثر وكانت ماكينة التصريحات “الحوثية” فاعلة في مسار تسخين مسرح الأحداث، وربط جبهة “الحوثي” بعملية “طوفان الأقصى” واستمر الوضع هكذا حتى شهر تموز/ يوليو الجاري. ولا ينتظر أن تخرج من دائرة التفاعلات استجابة لفكرة دعم جماعات إيران الولائية وسياسة طهران الاستراتيجية بالأساس، فضلاُ عن مصالح “الحوثي” الذاتية في الداخل اليمني وعمقه الاستراتيجي في البحر الأحمر.

ماذا يعني تهديد "الحوثي" بقطع كابلات الإنترنت البحرية؟
أشخاص يتجولون على ظهر السفينة التجارية جالاكسي ليدر، التي استولى عليها الحوثيون اليمنيون الشهر الماضي، قبالة ساحل الصليف، اليمن، في 5 ديسمبر/كانون الأول 2023. تصوير: خالد عبد الله – رويترز

نحو ذلك نشر المتحدث باسم “الحوثيين” في اليمن، العميد يحيى سريع، نهاية الشهر الماضي، ما قال إنها لقطات لاستهداف “الحوثيين” لسفينة في البحر الأحمر، بزعم خرقها قرار حظر وصول السفن إلى الموانئ الإسرائيلية. 

ونشر العميد سريع في منشور عبر حسابه الرسمي على منصة “إكس” (تويتر سابقا)، ما أعلن أنها “مشاهد استهداف الحوثيين لسفينة ترانس وورلد نافيجيتور التابعة لإحدى الشركات المخالفة لقرار حظر دخول السفن إلى موانئ (فلسطين) بزورق (طوفان المدمر)، بتاريخ الثالث والعشرين من شهر حزيران/ يونيو، مع مناورة ومعلومات للزورق المسير طوفان المدمر الذي يكشف عنه لأول مرة”. 

هذا وقد كشف “الحوثيون”، عن زورق “طوفان المدمر”، وقالوا إنه “يتميز بقدرة تدميرية عالية وتكنولوجيا متقدمة”، حسبما أوردت وكالة “سبأ” اليمنية للأنباء التابعة لـ”الحوثيين”.

من جانبه قال الجيش الأميركي، إنه دمر ثلاثة زوارق مسيرة لجماعة الحوثي اليمنية خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية في البحر الأحمر في إطار “اشتباك للدفاع عن النفس”. فيما قالت القيادة المركزية الأميركية في منشور على موقع “إكس”، “تقرر أن الزوارق (المسيرة) تمثل تهديداً وشيكاً للقوات الأميركية وقوات التحالف والسفن التجارية في المنطقة”.

يلفت العميد الركن محمد الكميم، مستشار وزير الدفاع اليمني، بقوله إنه منذ أحداث غزة في فلسطين، وتصاعد منسوب التوتر في الشرق الأوسط من خلال كافة التحركات للجماعات الولائية لنظام إيران سيما جماعة “الحوثيين”، من أجل حلحلة الاستقرار في نقاط الجغرافيا السياسية، وتهديد الدول العربية خاصة المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر والمملكة الأردنية. فضلاً عن تصور جماعة “الحوثي” بأهمية فرض وجودها ومعادلة القوة والهيمنة في الداخل اليمني أيضًا.

يؤكد العميد الركن محمد الكميم في تصريحات خص بها “الحل نت”، أن جماعة “الحوثي” ذراع إيرانية في الشرق الأوسط تتحرك في النقاط الساخنة والمؤثرة لمؤازرة بنك الأهداف الاستراتيجية للنظام الإيراني، وكذا “الحوثي” يبدو أمام الجميع المسؤول المباشر عن تسخين جغرافيا البحر الأحمرـ مما يعكس الخطر الكبير الذي يمثله على اليمن من جهة، وعلى منطقة الشرق الأوسط من جهة أخرى ووصولا لتداعيات ذلك على مصالح العالم واستقرار النظام الدولي.

مظلة “الحوثيين”

اليوم ووفقاً لمستشار وزير الدفاع اليمني محمد الكميم ومن خلال هجمات “الحوثيين” في البحر الأحمر، تعمل إيران على توصيل رسالة للمنطقة تبرز نفوذها الإقليمي وقدرة الجماعة، أن تؤذي العالم عبر البحر الأحمر وتوظف قضية غزة وقضية فلسطين وتحوير عدالها حتى يستطيع مواصلة استهدافات المنطقة بدعوى إسناد قضية غزة ودعم الميلشيات التابعة لإيران وكذا التأكيد على قوته الذاتية وقدرته على تنفيذ بيانات عملية في مسرح الأحداث. 

إن ضرورة مواجهة “الحوثيين” وتقويض قدراتهم العسكرية، هو الملاذ الآمن الذي ينبغي أن تنتبه له القوى الفاعلة دوليا ومدى خطورة استمرار تلك العمليات مع ارتفاع منسوب التوتر على النظام الاقتصادي، وسلاسل التوريد وأسعار السلع وسلامة وآمن الممرات الدولية.

العميد الركن محمد الكميم، مستشار وزير الدفاع اليمني

يؤكد مستشار وزير الدفاع اليمني، أن أكثر الدول تضرراً من هجمات “الحوثيين” هي الدول المتاخمة للبحر الأحمر بدرجة رئيسية، حيث تضاعفت تكاليف الشحن وتكاليف تأمين الحاويات بالإضافة إلى ميناء العقبة في الأردن، ونعلم أن الأردن يعتمد بشكل مباشر على هذا الميناء وأيضا قناة السويس حيث انخفضت إيرادات القناة بنحو خمسين في المائة. 

وبالتالي هذا المشروع الإيراني في المنطقة والمتمثل من خلال جماعاته وميلشياته يعبثون بأمن واستقرار النظام الإقليمي، ويسعون نحو فرض معادلات وتوازنات جديدة لا ينبغي أن تستقر لصالح طهران ومشروعها السياسي.

عودة الحوثي لقوائم الإرهاب تكتيكات أميركية جديدة لردع إيران؟ (2)
يلوح أنصار جماعة “الحوثي” الأعلام الفلسطينية وهم يهتفون بشعارات معادية لإسرائيل ومكافحة الولايات المتحدة. (وكالة الأنباء الفرنسية)

وأيضاً رداً على تزايد الهجمات الحوثية، أوقفت شركة “إيه بي مولر ميرسك” الدنماركية منتصف كانون الأول/ديسمبر الماضي جميع شحنات الحاويات عبر باب المندب حتى إشعار آخر، وقال المتحدث باسم خط الحاويات الألماني هاباج لويد، إنه قد يفعل الشيء نفسه، بعد ساعات من ذلك. 

وذكرت أن إحدى سفنها تعرضت لهجوم بالقرب من اليمن. وقالت شركة “إم إس سي” السويسرية أنها ستعيد توجيه بعض الخدمات حول رأس الرجاء الصالح في الطرف الجنوبي لإفريقيا، مما يضيف أياماً إلى أوقات إبحار السفن المحجوزة لعبور قناة السويس.

أجندة خفية

يطرح اللواء دكتور سيد غنيم الأستاذ الزائر بـ”حلف الشمال الأطلسي” (الناتو) والأكاديمية العسكرية الملكية ببروكسل تصوره نحو أهداف “الحوثيين”، حيث حددهما بهدفين استراتيجيين بشكل عام، وثلاثة أهداف عملياتية في البحر الأحمر بشكل محدد في الوقت الحالي. 

أولاً: بالنسبة الأهداف الاستراتيجية: هي أن يُنظر العالم لـ”الحوثيين” على أنهم اليمن الحقيقي الوحيد ولا يمثله أي كيان آخر وذلك من خلال إظهار القوة والدور الفعال، بشكل متزايد ومستمر، في أحد أهم القضايا المصيرية للمجتمعين العربي والإسلامي. ثم فرض شيء من النفوذ في البحر الأحمر، كجسر للمحور الجنوبي الشرقي لإيران، في خريطة المنطقة الجديدة. 

أما الأهداف العملياتية الحالية في البحر الأحمر، فيقول غنيم لـ”الحل نت”، إنها تتمثل في زيادة الضغط على قوات التحالف في البحر الأحمر في تنسيق مع إيران لصالح “حزب الله”، مما يمنح إيران المزيد من الوقت وأوراق الضغط الفعالة في ظروف شديدة الحرج. 

أعلنت جماعة “الحوثي” اليمنية، أمس الخميس، تنفيذ عملية عسكرية ضد سفينة حاويات – غيتي

وأيضا إثبات القدرة على البقاء والنشاط في البحر الأحمر والبحار المحيطة في المنطقة مع الاستخدام التدريجي للقوة في إطار التصعيد المتتالي. ويمنح ما سبق لـ”الحوثيين” إظهار القدرة على إدارة التصعيد وبما يمكن أن يحقق (النصر المعنوي) بعدم جعل العدو أن يفرض إرادته عليهم.

هروب من الاستحقاقات المحلية

يشير الدكتور ثابت الأحمدي، مستشار رئاسة الجمهورية اليمنية، بقوله إن كانت جماعة “الحوثي” في بداية أمرها خطراً على منطقة صعدة شمال اليمن فقط، ثم أصبحت خطراً على كل اليمن بعد انقلابها على الدولة في العام 2014، وبعد تغليب الرؤى البراغماتية لبعض الدول الكبار معها أصبحت خطراً على المنطقة العربية بكامل جغرافيتها، ومؤخراً أصبحت خطراً على العالم كله.

يتابع الكاتب والسياسي اليمني الأحمدي تصريحاته لـ”الحل نت”، أن “الحوثيين” بكافة مغامراتها المحسوبة لصالح مؤسسة بيت المرشد تدرك جيداً أنها حاصرت الشعب اليمني أولاً، ثم تسببت بأضرار كبيرة على إقليم الشرق الأوسط، ومؤخراً وصل ضررها نحو العالم. وهذه أصلاً طبيعة الجماعات الأيديولوجية وأذرعها المسلحة.

“الحوثيون” لا ريب ذراع إيران في المنطقة، وهم ينفذون ما يمليه عليهم أسيادهم ملالي إيران من سياسة في المنطقة، وأهم هذه السياسات الإضرار بالدول الكبار في المنطقة كالمملكة العربية السعودية، ومصر، والأردن، إلى جانب اليمن. “الحوثيون” اليد الطويلة لإيران لا أكثر. 

الدكتور ثابت الأحمدي، مستشار رئاسة الجمهورية اليمنية

“الحوثيون” وفقاً لمستشار رئاسة الجمهورية اليمنية، فروا إلى القضية الفلسطينية بعد أن وجدوا أنفسهم أمام استحقاقات شعبية وإقليمية واسعة، لعل أهمها الانتقال إلى عملية السلام؛ لأن هذه الجماعة لا تعيش ولا تنتعش إلا في ظل الحروب، ولا علاقة لها بالسلام أساسا، وكلما وجدت نفسها أمام فصل جديد من فصول السلام فتحت جبهة جديدة للحرب. 

على أية حال وبحسب السياسي اليمني ثابت الأحمدي لا يمكن الوصول مع هذه الجماعة إلى نقطة وسط بالسلام والحوار والتفاوض، لا بد من كسرها عسكريا واجتثاثها نهائياً من أجل سلام اليمن وسلام المنطقة بشكل عام، وتسع سنوات سابقة كافية للتجربة معها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات