لا تزال تركيا تواصل تشكيل المرتزقة والمسلحين في المناطق التي تسعى إلى بناء نفوذها السياسي والميداني فيها. لكن الملفت للنظر هو تحول القوات الموالية لأنقرة في شمال سوريا، والتي تُعرف بفصائل ما يعرف بـ”الجيش الوطني السوري”، إلى قاعدة أمنية عسكرية تركية، وبالتالي حشد تلك العناصر الميلشياوية وبعثها إلى مناطق أخرى.

فبعد أن أرسلت تركيا مرتزقة من هذه الفصائل ضمن ما يعرف بـ”الجيش الوطني” في شمال سوريا، إلى ليبيا وناغورني كاراباغ في أذربيجان، تقوم اليوم شركة أمنية تركية بتجنيد مقاتلين سوريين كـ”مرتزقة” لإرسالهم للقتال في النيجر، بحسب تقرير حقوقي حديث صادر عن “منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”.

وسبق تقرير منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” العديد من التقارير والتحقيقات الإعلامية التي وثقت ما تقوم به تركيا من تجنيد مقاتلين سوريين كـ”مرتزقة” للقتال في النيجر، ومن بينها “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، قناة “بي بي سي عربي“، ومجلة “المجلة“.

تركيا تجند سوريين في النيجر

تقول منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” إنها حصلت نهاية عام 2023 على شهادات حصرية تشير إلى أن شركة أمنية تركية مقربة من حكومة “حزب العدالة والتنمية” الحاكم، بدأت بإرسال دفعات جديدة من المقاتلين من صفوف “الجيش الوطني السوري” إلى النيجر كمرتزقة؛ وكانت “سوريون” قد آثرت عدم الكشف عن المعلومات الواردة فيها إلى حين التحقق من صحتها تماماً والحصول على شهادات إضافية ومقاطعة المعلومات فيما بينها، نظراً لقلّة الأدلة الكافية وتضارب جزء من المعلومات الواردة والمنشورة لاحقاً عن عمليات التجنيد الجديدة آنذاك.

عابد، مقاتل سوري موالي لتركيا يبلغ من العمر 30 عامًا ويستخدم اسمًا مستعارًا، وقد نزح مع عائلته لأكثر من عقد من الزمن، يجلس ومعه بندقية هجومية بالقرب من أطفاله داخل مأوى عائلتهم في مخيم للنازحين بسبب الصراع في سوريا. محافظة حلب شمال سوريا في 26 أبريل 2024. في الأشهر الأخيرة، تم إرسال ما لا يقل عن 1000 مقاتل سوري موالٍ لتركيا إلى النيجر “لحماية المشاريع والمصالح التركية”، كما يقول المرصد السوري لحقوق الإنسان- صورة من تحقيق “أ ف ب” بعنوان (مرتزقة سوريا الموالين لتركيا يتوجهون إلى النيجر لكسب المال)

وقد بات تجنيد المقاتلين السوريين كمرتزقة ممارسة شائعة لدى جهات مرتبطة بالسلطات التركية، حيث سبق وأن استخدمت تلك الجهات المقربة من الأجهزة الأمنية التركية، عناصر سوريين من فصائل تدعمها وتتحكم بها، كمرتزقة في نزاعاتٍ مسلحة لا تمت لهم بأي صلة، وتخدم بصورة خاصة علاقتها مع أطراف معينة في هذه الصراعات، لتكون النيجر هي الوجهة الجديدة بعد ليبيا وأذربيجان. وبالمثل قامت روسيا بتجنيد مقاتلين سوريين كمرتزقة إلى ليبيا ولاحقاً أوكرانيا.

وفيما تهدف عمليات التجنيد الحديثة إلى “حماية مشاريع ومصالح تركية فيها بينها مناجم” في النيجر، قال ثلاثة مقاتلون التقت بهم “فرانس 24″، أنهم وقعوا عقود تجنيد مدتها ستة أشهر مع شركة “سادات الدولية للاستشارات الدفاعية” الخاصة، وأكد أحدهم أنه وقع العقد بحضور ضباط من الشركة نفسها.

وفي سياق نشاطات شركة “سادات”، تناول “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير” في تقريره “جيوش الظل (2)”، نقلاً عن موقع “أفريكا انتلجنس” الفرنسي، أن الشركة “قامت بتدريب مقاتلي المعارضة السوريين، وأن المجموعات المسلحة التي دربتها الشركة قد تعزز فيها الولاء لتركيا وأردوغان على حساب سوريا“.

وكان مليح تانريفردي، رئيس مجلس الشركة، قد اعترف عام 2021، بأن الشركة على تعاون مع جهاز الاستخبارات الوطنية التركية (MiT)، وأنها تنسق مع الدبلوماسيين مسؤولي الدفاع الأتراك. وفي العام 2021 أيضاً،  قال مؤسس الشركة، عدنان تانريفردي، أن الغرض من تأسيس الشركة هو “تقديم خدمة للدول الإسلامية التي لا تستطيع القوات المسلحة التركية الوصول إليها“، فيما تؤكد الشركة أن “الربح ليس الغرض الوحيد”، وإنما “خدمة المثل الأعلى المتمثل في تغيير ميزان القوى لصالح الإسلام“.

مطلع أيار/ مايو الفائت، قام موقع “الحل نت“، بنشر تحليل بعنوان (من كاراباغ للنيجر وتأزيم الوضع بسوريا.. “الجيش الوطني” قاعدة عسكرية لتركيا) وذلك بالاستناد إلى تقرير “المرصد السوري” الذي قال إن تركيا قامت بـ”انطلاق الدفعة الثانية من المرتزقة السوريين من فصائل “الجيش الوطني السوري” الموالي لتركيا والتي تُشرف الاستخبارات التركية على نقلهم إلى النيجر.

وبالتالي فإن هذا ليس جديداً أو مفاجئاً في السياسة التركية، فقد شكلت من قبل “مرتزقة ومسلحين” في مناطق تتحرى بناء نفوذ سياسي وميداني فيها، إذ سبق لتركيا أن قامت بإرسال المرتزقة من هذه الفصائل، إلى ليبيا وناغورني كاراباغ، أثناء الصراع المحتدم بين أرمينيا وأذربيجان، حيث إن أنقرة لا تتوقف عن توظيف تلك الفصائل بغية تحقيق مصالح أو حماية مصالح الرئيس رجب طيب أردوغان في عدة مناطق، كما تقوم قوات “فاغنر” لحساب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

إرسال أكثر من 1000 مقاتلٍ

وفقاً لمصادر عسكرية سورية معارضة مطلعة قابلتها “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” لغرض هذا التقرير، فقد أرسلت فصائل عدّة بارزة في “الجيش الوطني السوري”، منخرطة في عمليات التجنيد بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية التركية، ما لا يقل عن 1000 مقاتلٍ سوري إلى النيجر على ثلاث دفعات، خرجت عبر معبر حوار كلس الحدودي، شمال غرب سوريا، إلى مدينة كلس التركية، على متن باصاتٍ للجيش التركي.

يُشترط أن يكون المقاتل الذي يتم تجنيده للقتال في النيجر قد تلقى تدريبات عسكرية سابقة في الداخل التركي وألا يتجاوز عمره 35 سنة، وأن يكون من المقاتلين المحترفين باختصاصات معينة، وفق منظمة “سوريون”.

وبحسب أحد المصادر، غادرت الدفعة الأولى الأراضي السورية في النصف الأولى من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2023، ووصلت إلى النيجر بداية كانون الثاني/يناير 2024؛ فيما غادرت الدفعتان الثانية والثالثة البلاد سويةُ في النصف الأول من نيسان/أبريل 2024، لتصل إلى النيجر في النصف الثاني من ذات الشهر.

هذا وتدفع الظروف المادية الصعبة بالكثير من المقاتلين السوريين لقبول عروض التجنيد بالرغم من المخاطر التي قد تحيط بهم في بلد الوجهة ومنها الموت خلال الأعمال القتالية؛ حيث زود أحد مصادر التقرير “سوريون”، بقائمة تضم أسماء 17 مقاتلاً، قتلوا في النيجر في شهر أيار/مايو 2024.

آليات وشروط التجنيد

في هذا التقرير، تكشف “سوريون” عن تفاصيل مقتل هؤلاء المقاتلين، بالإضافة إلى آليات وشروط التجنيد، المبالغ التي وعد بها المقاتلون لقاء توجههم إلى النيجر، المهام الموكلة إليهم، وكذلك سبل نقلهم من شمال سوريا، إلى تركيا، ومن ثم إلى النيجر.

يستند التقرير إلى أربع إفاداتٍ تفصيلية جمعها الباحثون الميدانيون في “سوريون” بين شهري كانون الثاني/يناير وتموز/يوليو 2024، عبر مقابلتين مع مصدرين عسكريين في “الجيش الوطني”، أحدهما مقاتل وصل إلى النيجر بداية العام، ومقابلة مع والد أحد المجندين القتلى، وقريب لأحد المجندين في النيجر، كانت قد وصلت جثته إلى الشمال السوري حديثاً.

يُشترط أن يكون المقاتل الذي يتم تجنيده للقتال في النيجر قد تلقى تدريبات عسكرية سابقة في الداخل التركي وألا يتجاوز عمره 35 سنة، وأن يكون من المقاتلين المحترفين باختصاصات معينة-“إنترنت”

سبقت عمليات إرسال دفعات المقاتلين إلى النيجر، اجتماعين رئيسيين عقدا خلال شهر أيلول/سبتمبر 2023، وفق ما أفاد “يوسف المحمد”، وهو قيادي في فرقة “السلطان مراد” التي يقودها فهيم عيسى.

بحسب المصدر، حضر الاجتماع الأول، المنعقد بتاريخ 5 أيلول/سبتمبر 2023 في مدينة كلس السورية، ممثلين عن السلطات التركية مع قياديين من فصائل “الجيش الوطني السوري”، كان من بينهم فهيم عيسى، ومحمد الجاسم (أبو عمشة) قائد قرفة “السلطان سليمان شاه” (العمشات)، وسيف أبو بكر قائد فرقة “الحمزة/الحمزات”.

بعد الاجتماع مع الأجهزة الأمنية التركية، عقد قادة من “الجيش الوطني” اجتماعاً آخر داخل مقر أركان فرقة “السلطان مراد” في مدينة عفرين، شمل بالإضافة إلى كل من فهيم عيسى، ومحمد الجاسم، وسيف أبو بكر، عدداً من قادة الصف الأول في الفيلق الثاني، والمرافقات الخاصة بكل قائد عسكري، بحسب منظمة “سوريون”.

بعد هذين الاجتماعين اتفق القادة على الإعلان بشكل داخلي عن تشكيل دفعة من المقاتلين للسفر إلى النيجر. وهنا يقول يوسف: “اتفق المجتمعون على تكليف قادة الكتائب التابعة للفصائل بالإعلان عن تجهيز عناصر لا يتجاوز عددهم 500 مقاتل للذهاب إلى النيجر كدفعة أولى (…) وفق شروط محددة، لكن الإعلان جرى بشكل داخلي ضمن غرفة العمليات المشتركة، وليس عن طريق المعرفات الرسمية أو وسائل الإعلام وما شابه”.

وبحسب التقرير الحقوقي، فقد ضم إعلان التجنيد شروط محددة للقبول بالمقاتلين الذين سيتم إرسالهم إلى النيجر. وبحسب يوسف لـ”سوريون”: يُشترط أن يكون المقاتل قد تلقى تدريبات عسكرية سابقة في الداخل التركي وألا يتجاوز عمره 35 سنة، وأن يكون من المقاتلين المحترفين باختصاصات معينة (مثل: طواقم المدرعات – القناصين – الاقتحاميين المشاة – رماة المدفعية المتوسطة)، لحماية قواعد واستثمارات تركيا داخل النيجر بالاشتراك مع قوات روسية”.

وعن رواتب المقاتلين الذين سيقاتلون في النيجر، قال يوسف: يحصل العنصر من الدرجة الأولى “قائد الكتيبة” على راتب قدره 2500 دولار، أما العنصر من الدرجة الثانية “مقاتل” فيحصل على 1500 دولار، في حين يحصل العنصر من الدرجة الثالثة “مسؤول داخلي ضمن المقرات” على 1000 دولار”.

وبحسب يوسف فإن سوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في الشمال السوري شكل دافعاً للعديد من العناصر للذهاب إلى النيجر: “تشجع كثير من العناصر للذهاب إلى النيجر بسبب الفقر في المنطقة، وتعلقهم بالوعود التي قدمها القادة لهم بتأمين كافة رواتبهم، بالإضافة الى الحماس المتزايد للوصول أولاً ليكون لهم جزء كبير من “الغنائم” كما حصل في ليبيا، مثل الذهب والأموال”.

أغلبهم من دمشق وحلب ودير الزور

بحسب مصادر “سوريون”، فقد بدأ العمل على تجهيز مقاتلي الدفعة الأولى بعد 10 أيامٍ تقريباً من اجتماع قادة الفصائل، وبلغ عددهم حوالي 420 مقاتلاً، أغلبيتهم من محافظات: حلب ودمشق ودير الزور، اختيروا من فصائل عدة، فرقة “السلطان محمد الفاتح”، بقيادة دوغان سليمان (أبو إسلام)، ولواء “سمرقند”، بقيادة ثائر معروف، و“لواء الوقاص”، بقيادة سعد عباس، وفرقة “السلطان مراد” وفرقة “السلطان سليمان شاه” (العمشات) وفرقة “الحمزة/الحمزات”، والفيلق الثاني من “الجيش الوطني”.

أحمد، مقاتل سوري موالي لتركيا يبلغ من العمر 30 عامًا، يجلس مع ابنه في أحد الحقول بمحافظة حلب. © – / AFP

وعن طريق هؤلاء المقاتلين من شمالي سوريا إلى النيجر، قالت منظمة “سوريون”: “جرى نقل العناصر من مقرات الجيش الوطني في مدينة إعزاز إلى مدينة كلس التركية، أوائل تشرين الثاني/نوفمبر 2023، وبعدها بفترة قصيرة جرى نقلهم إلى مطار غازي عنتاب، ثم إلى مطار إسطنبول، نهاية كانون الأول/ديسمبر عام 2023“.

وبحسب التقرير الحقوقي، فإن مسؤول الارتباط الأمني بين جهاز أمني تركي وقادة الفصائل كان قد صادر هواتف جميع المقاتلين، مع تقديم وعود بتسليمها للأمانات في كل فصيل، منوهاً أن: “تمكن عدد من المقاتلين من الحصول على هواتف عند وصولهم إلى النيجر، وتحدثوا مع أصدقائهم من مقاتلي الجيش الوطني المتواجدين في سوريا، وأخبروهم أنهم وصلوا إلى النيجر بداية كانون الثاني/ يناير 2024”.

وبحسب ما حصلت عليه “سوريون” على معلوماتٍ إضافية عن آلية التجنيد من ثائر العلي، وهو مقاتل في فرقة “السلطان مراد” وكان من ضمن العناصر الذين أرسلوا إلى النيجر، فإن “آلية التسجيل كانت عن طريق مجموعات واتساب خاصة بألوية فرقة “السلطان مراد”، ثم ترفع الأسماء إلى مكتب الذاتية التابع للفرقة، وجرى تسجيل 800 مقاتل ضمن صفوف الفرقة، لكن مع تكتم كامل ومن دون ذكر أي تفاصيل عن مدة العقد والمهام التي ستوكل إلى العناصر في النيجر، حتى اسم القيادي الذي سيتولى قيادة الدفعة هناك جرى إخفاءه. أما الرواتب، فهي 1500 دولار أميركي، يحصل المقاتل على 1000 دولار، و500 تعود لقيادي الفصيل”.

يمكن القول إن النيجر على وجه التحديد والتي تبعث لها أنقرة قوات من المرتزقة تابعين لـ”الجيش الوطني السوري”، هو أمرٌ مرتبط بعدة انعطافات سياسية وأمنية واقتصادية، وهذا الفراغ المعقّد يفتح المجال واسعاً أمام تنامي التنافس بين عدة تكتلات سياسية إقليمية.

وبحسب ثائر لـ”سوريون”، فإن “فهيم عيسى” قائد فرقة “السلطان مراد”، عيّن الملازم “عرابة إدريس”، مسؤولاً عن ملف التجنيد، وقام الأخير بدوره بالتواصل مع باقي قادة الألوية واستلم منهم ذاتية المقاتلين الذين سيجري إرسالهم إلى النيجر.

ويشغل “عرابة إدريس”، موقع قائد “اللواء 123” في الفرقة، وسبق وأن انخرط في عمليات إرسال المقاتلين إلى ليبيا وأذربيجان، وكذلك في عمليات تجهيز عناصر من الفرقة لإرسالهم إلى أوكرانيا (دون أن تتم عملية الإرسال الفعلية بسبب التفاهمات التركية الروسية آنذاك ورغبة تركيا في لعب دور الوسيط في الحرب الروسية الأوكرانية). ووفقاً للمعلومات الواردة في قاعدة بيانات “سوريون”، تورط عدد من العناصر الذين أشرف عليهم في ليبيا بانتهاكات عديدة.

أكد ثائر أن مغادرة الشمال السوري كانت عبر معبر حوار كلس على متن بولمانات تركية، مضيفاً أنه وخلال الرحلة سحبت جميع أجهزة الجوال الخاصة بالمقاتلين من قبل ضباط أتراك مرافقين لهم.

الدفعات الثانية والثالثة من المقاتلين

استكمالاً لتقرير “سوريون”، فقد جرى استكمال تجهيز الدفعتين الثانية والثالثة من المقاتلين داخل معسكر مغلق لفرقة “السلطان مراد” في مدينة عفرين، ثم أرسلوا إلى النيجر، باستعمال طائرات شحن بضائع، بحسب يوسف (أحد مصار سوريون)، الذي أضاف: “تم ارسال الدفعتين الثانية والثالثة (معاً)، منتصف نيسان/أبريل عام 2024، إلى المهاجع العسكرية في ولاية كلس التركية بإشراف فهيم عيسى وسامي أبو عبدو، ليتم نقلهم إلى مطار غازي عنتاب عبر باصات النقل السياحي، ومن ثم إلى مطار إسطنبول، وصولاً إلى النيجر عبر طائرات شحن بضائع”.

وعن أعداد الدفعتين الثانية والثالثة واختصاصاتهم، قال يوسف: يتألف عدد الدفعتين من 610 مقاتل متنوعي المهام العسكرية (كتيبة ردع – كتيبة مشاة – سرية قناصين)، وكانت حدود مهمتنا كترفيق لهم فقط إلى مطار غازي عنتاب، وتسلمنا أماناتهم الشخصية، من مبالغ مالية وهويات عسكرية وهواتف محمولة.. إلخ”.

وبحسب يوسف، بعد عدة أيام من انطلاق المقاتلين وصلت معلومات تفيد بوصولهم إلى القاعدة التركية في النيجر: “جاءتنا معلومات إلى مقر الأركان العسكرية لدينا بوصول الدفعات المقاتلة الى القاعدة التركية في دولة النيجر، بتاريخ 16 من نيسان/أبريل عام 2024، عن طريق مسؤول التنسيق الأمني التركي كمال. ت، حيث كان في زيارة لنا داخل مقر الأركان التابعة للقائد فهيم عيسى على الحدود السورية التركية القريبة من معبر كلس العسكري”.

وحضر الاجتماع المذكور مع كمال، عدة قيادات من “الجيش الوطني”، هم: فهيم عيسى-محمد الجاسم (أبو عمشة)-سيف أبو بكر-عرابة إدريس-سامي أبو عبدو، وهو قائد هيئة الأركان في فرقة “السلطان مراد”-مأمون كبصو ( أبو الفرات تل رفعت)، قائد اللواء 102 في الجيش الوطني-الجبهة الشامية-آسيد التركماني، قائد عسكري ضمن الفيلق الثاني من “الجيش الوطني”، ومقرب من فهيم العيسى.

ويعد القياديون السبعة، أبرز الشخصيات التي تعتمد عليها تركيا في دفع عجلة الارتزاق في مناطق سيطرة “الجيش الوطني” وتجنيد المقاتلين وإرسالهم إلى خارج سوريا.

في الساحل الإفريقي، تتسارع عدة قوى إقليمية ودولية مثل المغرب وتركيا وإيران والصين وروسيا منذ انسحاب فرنسا إلى بناء تواجدٍ بالمنطقة الغنية بالموارد الطبيعية- إنترنت”

وقال يوسف إن القادة والمسؤول التركي اتفقوا في هذا الاجتماع على تجهيز دفعة رابعة من المقاتلين: “تم النقاش حول تجهيز دفعة جديدة من المقاتلين يبلغ تعدادها 1000 مقاتل، ليتم إلحاقهم بالدفعات السابقة في قواعد القتال في النيجر؛ و(تم الاتفاق) على تدريب وتجهيز الدفعة هذه المرة في المعسكر التدريبي في ريف مدينة تل أبيض، داخل القاعدة التركية ببلدة المكسورة، بإشراف عرابة ادريس، وآسيد التركماني، وعدد من الضباط الأتراك العسكريين”.

وتابع المصدر: “بعد عدة أيام (من الاجتماع)، بتاريخ 26 من نيسان/ أبريل 2024، تم تجهيز ما يقارب الـ 700 مقاتل من قوات “الجيش الوطني” بأوامر من قياداتهم المذكورة أعلاه، وتم نقلهم بباصات نقل سياحية بعد تجمعهم في المعسكر التدريبي في مدينة عفرين، إلى ولاية كلس التركية وصولاً إلى القاعدة التركية في بلدة المكسورة بريف مدينة تل أبيض”.

وحتى تاريخ توثيق هذه الإفادة في الـ15 من أيار/مايو 2024، كانت هذه الدفعة ما تزال تتلقى تدريباتها ويجري تجهيزها لتكون الدفعة الرابعة التي ستذهب إلى النيجر في بداية شهر حزيران/يونيو عام 2024، طبقاً لذات المصدر.

قُتل العديد من المجندين “المرتزقة”

تحدثت “سوريون” إلى مازن الخطيب، وهو والد أحد المقاتلين المرسلين إلى النيجر، وكان قد تلقى بتاريخ 13 أيار/مايو 2024، خبر مقتل ابنه هناك مع مقاتلين آخرين، مضيفاً أن ابنه كان مقاتلاً في فصيل “الحمزة/الحمزات” وقد خاض معارك داخل سوريا وخارجها، حيث “شارك قبل عامين بالقتال في ليبيا، وعاد سالماً بعد سنة تقريباً من سفره”.

يمكن اعتبار رؤية التحرك التركي الجديد أنها تأتي في إطار عسكرة مصالحه الجيواستراتيجية في غرب إفريقيا.

وعلى مدار شهرين منذ سفر محمد، حاولت العائلة معرفة أخباره في النيجر، لكنها لم تتمكن من الحصول على معلومات دقيقة، لأن الاتصالات صعبة للغاية ومحصورة بالقيادة ومرافقتهم، حتى جاءهم خبر مقتل محمد مع جنود آخرين في كمين محكم.

توجه الأب على الفور إلى المكتب العسكري لأركان فرقة “الحمزة/الحمزات”، وطلب اللقاء بأحد القادة العسكريين المسؤولين عن ملف المقاتلين في النيجر، فطلب منه أحد العناصر الانتظار خارج المكتب إلى حين وصول قيادي من الصف الأول في فرقة “الحمزة/الحمزات” يُدعى “البتار”، وقال المصدر:

“بعد ثلاث ساعات من الانتظار (…) أدخلني الحاجب إلى مكتب (البتار)، وأكد لي المسؤول مقتل ابني في النيجر، وقال إنه استشهد في كمين مع عدة عناصر، ولم تتمكن قوات “الجيش السوري الوطني” من سحب جثثهم لأن المنطقة منطقة حرب طاحنة، ولا يستطيعون التقدم إلى مكان الكمين أبداً، فصدمت من الخبر وجلست أبكي وأتحسر على ولدي”.

وعن الإجراءات والتعويضات بعد اعتراف فرقة “الحمزة/الحمزات” بمقتل محمد، قال المصدر: “أخبرني “البتار” أنه سوف يسلّمني الأمانات الخاصة بولدي (محمد) لأنهم قاموا باستلام جميع أغراض العناصر قبل سفرهم إلى النيجر، وبالفعل طلب من الحاجب أن يأتي بالأمانات وتسلمت حقيبة ولدي وفيها جهازه الموبايل، وهويته المدنية، ومسدسه الخاص فقط”.

وذكر المصدر أن “البتار” شدد عليه بألا يظهر على الإعلام وألا يكشف عن أي معلومات متعلقة به أو بولده، وذلك “لكي لا أتعرض للمساءلة يوماً ما”.

وبحسب المعلومات في قاعدة بيانات “سوريون”، شارك “البتار” في معارك ليبيا وأذربيجان، وكان مسؤولاً عن التنسيق بين الضباط الأتراك وضباط فرقة “الحمزة/الحمزات” في تلك المعارك.

أحمد، مقاتل سوري مؤيد لتركيا يبلغ من العمر 30 عامًا يستخدم اسمًا مستعارًا، يجلس مع ابنه في حقل في موقع بمحافظة حلب شمال سوريا في 26 أبريل 2024. في الأشهر الأخيرة، قُتل ما لا يقل عن 1000 مقاتل سوري موالٍ لتركيا وتم إرسالهم إلى النيجر “لحماية المشاريع والمصالح التركية”، بحسب ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان. (تصوير وكالة فرانس برس).

كان اسم محمد ضمن قائمة من 17 اسماً، قال المصدر يوسف أنها تعود لمقاتلين سوريين قتلوا في النيجر في شهر أيار/مايو 2024، موضحاً: “بتاريخ 9 أيار/مايو 2024، تواصل سليمان الشيخ قائد كتيبة المشاة في الدفعة الأولى بالنيجر، عن طريق وساطة أحد الضباط الأتراك العسكريين في القاعدة التركية وأخبره بأنه استشهد لديه عدد من المقاتلين وعددهم 17 مقاتلاً، بكمين عن طريق الألغام الأرضية، في أثناء ذهابهم للتحصين وحفر الخنادق على خطوط التماس، وأنه لم يستطع استرجاع جثثهم لأن المنطقة مرصودة بحزام ناري مكثف، وأن المقاتلين النيجر جمعوا الجثث وأحرقوها ليلاً بعد سكب مواد مشتعلة على أجسادها”.

فيما وصلت جثة، “أحمد د.” (29 عاماً)، أحد مقاتلي فرقة “السلطان سليمان شاه” (العمشات) في النيجر إلى الشمال السوري في الـ7 من تموز/يوليو 2024، وفقاً لحسام رزق، أحد أقارب المجند المتوفى، الذي أضاف أن الفصيل تسلم الجثة من معبر إعزاز العسكري، المتاخم لمدينة حوار كلس. وعن سبب الوفاة، روى حسام ما يلي:

“منذ ثلاثة أيام أخبرنا عنصر في فرقة “السلطان سليمان شاه” (العمشات)، أنه سمع من مرافقة أبو عمشة (قائد الفرقة) أن أحمد قد توفي بجلطة قلبية، بسبب أخذ جرعة زائدة من مواد مخدرة، وأن أبو عمشة يكثف تواصلاته مع الأتراك ومع فهيم عيسى من أجل احضار جثة أحمد، كون أحمد من المقربين منه وأحد أقربائه و من أبناء منطقته”. 

موطئ قدم في النيجر

في الساحل الإفريقي، تتسارع عدة قوى إقليمية ودولية مثل المغرب وتركيا وإيران والصين وروسيا منذ انسحاب فرنسا إلى بناء تواجدٍ بالمنطقة الغنية بالموارد الطبيعية فضلاً عن موقعها الجيواستراتيجي، ولهذا كان وزير الخارجية التركي السابق مولود تشاويش أوغلو، الشخصية الأولى دولياً التي تحضر والتقى بالمجلس العسكري في مالي بعد الأحداث التي شهدتها في انقلاب آب/ أغسطس عام 2020. وقد سبق للمجموعة الفكرية الإيطالية “إيسبي” أن قالت بأن تركيا لديها موقف غير تصادمي مع المجلس العسكري للنيجر، نظراً لأهميتها لا سيما وهي تتاخم الحدود الجنوبية لليبيا.

ومن هنا يمكن القول إن النيجر على وجه التحديد والتي تبعث لها أنقرة قوات من المرتزقة تابعين لـ”الجيش الوطني السوري”، هو أمرٌ مرتبط بعدة انعطافات سياسية وأمنية واقتصادية، وهذا الفراغ المعقّد يفتح المجال واسعاً أمام تنامي التنافس بين عدة تكتلات سياسية إقليمية، فتزامنت خطوة تركيا مع انسحاب عدة دول من “الإيكواس” الذي يُعد تكتل اقتصادي لدول غرب إفريقيا، فضلاً عن التوتر السياسي والأمني ما بين الانقلابات العسكرية والإرهاب، ولذلك تمثّلات مختلفة، كما هو الحال في النيجر وقد جاءت سيطرة الجيش بالنيجر قبل عام والأمر ذاته في مالي عام 2020، وفي بوركينافاسو قبل عامين.

ومع نهاية العام الماضي وفي النيجر تحديداً التي كان متبقياً فيها نحو 1500 جندي وطيار، شكّل الانسحاب النهائي لفرنسا من غرب إفريقيا، فراغاً جديداً وفتح شهية قوى عديدة لملء هذه الرقعة وبناء مصالح وشراكات متعددة، ومن هناك تحركت تركيا كما روسيا بالإضافة إلى آخرين.

بالتالي يمكن اعتبار رؤية التحرك التركي الجديد أنها تأتي في إطار عسكرة مصالحه الجيواستراتيجية في غرب إفريقيا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات