بعد مقتل ما يقرب من 18 ألف سوداني ونزوح عشرة ملايين، وخسارة 150 مليار دولار، في الحرب السودانية بين “الجيش السوداني” بقيادة رئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، و”قوات الدعم السريع” بقيادة نائبه السابق، الفريق محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي”، دعت الولايات المتحدة الأميركية إلى مؤتمر للسلام، ومفاوضات بين القوى السودانية المتصارعة في جنيف نهاية تموز/ يوليو الماضي.
وبدأت الحرب السودانية منتصف نيسان/أبريل عام 2023 ومستمرة حتى الآن، ولحقت بالسودانيين القتل والدمار والتشريد والتجويع، ولم يتنازل أي الطرفين، مما دفع المجتمع الدولي للتدخل في هذه الأزمة. ولقي الطرح الأميركي قبولاً من “قوات الدعم السريع”، ولكن وزارة الخارجية السودانية طالبت بعقد المزيد من المناقشات مع الطرف الأميركي، وهذا ما دفعهم إلى إرسال وفد سوداني إلى مدينة جدة بالسعودية، لمناقشة المقترح مع الوسطاء الأميركيين، وانتهى الأمر بإعلان رئيس وفد حكومة السودان، محمد بشير أبو نمو، قبل نحو أسبوع، إن الاجتماعات التشاورية مع الولايات المتحدة بمدينة جدة السعودية انتهت دون التوصل إلى اتفاق على مشاركة وفد حكومي سوداني في مؤتمر جنيف للسلام الساعي لإقامة مفاوضات بين العناصر المتحاربة في السودان.
وأردف أبو نمو في منشور عبر منصة “فيسبوك” أوردته وكالة “رويترز” أن “هناك بالتأكيد تفاصيل كثيرة قادتنا إلى هذا القرار بإنهاء الحوار التشاوري دون اتفاق” دون أن يكشف عنها.
وعلى جانب آخر قال المبعوث الأميركي للسودان توم بيرييلو في مؤتمر صحفي في جنيف: “أجرينا مناقشات معمّقة مع الجيش السوداني لكنهم لم يعطونا تأكيداً بعد فيما يتعلّق بمجيئهم في 14 آب/ أغسطس إلى سويسرا، ولكن سنمضي قدماً في هذا الحدث وهذا ما تمّ توضيحه للطرفين”.
وكان موقف “قوات الدعم السريع” من المفاوضات واضحاً منذ البداية، حيث أعلن قائد “قوات الدعم السريع” محمد حمدان دوقلو قبوله بمفاوضات جنيف، بل دعا عبد الفتاح البرهان والجيش السوداني في كلمة تليفزيونية إلى قيام هذه المفاوضات، والحضور والمضي قدماً نحو وقف إطلاق النار ووقف معاناة المدنيين، وتقديم المساعدات الإنسانية لكافة السودانيين.
عزوف الجيش السوداني عن مفاوضات جنيف
انطلق مؤتمر السلام في جنيف الأربعاء 14 آب/ أغسطس، ولم تحضره حكومة البرهان، ولم يرسل الجيش السوداني من ينوب عنه في هذه المفاوضات. ورأى المبعوث الأميركي توم بيرييلو أن المفاوضات أمر لا مفر منه، ويجب أن تمضي قدماً، ومنحت الإدارة الأميركية الحكومة السودانية مهلة ثلاثة أيام لحضور المفاوضات، والسعي لوقف أنهار الدماء والنزوح.
كما وتؤكد الولايات المتحدة أن أحد أهداف محادثات جنيف هو مناقشة سبل زيادة إيصال المساعدات الإنسانية، وإيجاد آلية مراقبة لضمان تنفيذ أي اتفاق مستقبلي.
ويرفض عبد الفتاح البرهان المشاركة في مفاوضات جنيف قبل تنفيذ اتفاق جدة “إعلان جدة”، وهو أول اتفاق عُقد خلال المفاوضات بين الطرفين في 11 أيار/ مايو 2023، وكان مفاده التزام الجانبين بحماية المدنيين والخروج من الأعيان المدنية.
وقال مجلس السيادة الانتقالي في السودان، عبد الفتاح البرهام، إن الحكومة سترسل وفداً إلى القاهرة لإجراء مباحثات لمناقشة تنفيذ “إعلان جدة” الموقع بين الجيش السوداني و”قوات الدعم السريع”.
وأفاد بيان للمجلس على حسابه بمواقع التواصل، أمس الأحد 18 آب/أغسطس، “بناء على اتصال مع الحكومة الأميركية ممثلة في مبعوثها إلى السودان توم بيرييلو، واتصال من الحكومة المصرية بطلب اجتماع مع وفد حكومي بالقاهرة لمناقشة رؤية الحكومة في إنفاذ اتفاق جدة، عليه سترسل الحكومة وفداً إلى القاهرة لهذا الغرض”.
وكان البرهان قد جدد في لقاء له مع وفد من الإعلامين السودانيين والمصريين، في بورتسودان، السبت 17 من أغسطس/آب، رفضه المشاركة في محادثات جنيف، بمعنى أنه يرفض مناقشة اتفاق جديد لإنهاء الحرب السودانية، وإنما يؤكد بأن الحل الأمثل لإنهاء الحرب هو تطبيق “إعلان جدة”.
كما وشدد البرهان، خلال اتصالين مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، على تنفيذ اتفاق جدة أولاً ومن ثم الانطلاق نحو منبرٍ آخر، وهذا ما يعلنه كسبب لعدم المشاركة في المفاوضات الجارية في جنيف.
وجاء اتفاق جدة حاملاً البيان التالي: “يسر السعودية والولايات المتحدة أن تعلنا أنه في 11 أيار/ مايو 2023 في جدة السعودية، وقع ممثلو القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع على إعلان الالتزام بحماية المدنيين في السودان، سيوجه إعلان الالتزام نشاط القوتين لتمكين إيصال المساعدات الإنسانية بأمان، واستعادة الخدمات الأساسية، وانسحاب القوات من المستشفيات والعيادات، والسماح بدفن الموتى باحترام”.
وما يشدد عليه الجيش السوداني هو انسحاب “قوات الدعم السريع” من المناطق المدنية التي سيطرت عليها، وهذا ما قاله عبد الفتاح البرهان في وقت متأخر من مساء الثلاثاء: “لا وقف للعمليات دون انسحاب وخروج آخر ميلشيا من المدن والقرى التي استباحوها واستعمروا أهلها”. فيما ترفض “قوات الدعم السريع” هذا الانسحاب، وترغب بالحوار مع الطرف المقابل لها. وبطبيعة الحال يحمل غياب الحكومة السودانية عن المفاوضات اعتبارات ورؤى وتفسيرات عديدة، منها تصميمها على الحلول العسكرية والمضي قدماً نحو الحرب، ومن ناحية أخرى وجود دعم لها وتدخلات من بعض الدول، مما يجعلها تعتد بقوتها العسكرية وتكون أكثر ثقة بها.
إذا نجحت القوى الدولية بجلب طرفي النزاع إلى طاولة المفاوضات، فإن إنهاء المفاوضات والتوصل إلى نتائج تؤدي إلى انتخابات توحد السودان من جديد هو أمر بعيد المنال في الوقت الراهن.
وهذا ما صرح به الكاتب الصحفي المختص بالسياسات الدولية هشام النجار لـ”الحل نت” قائلًا: “رأينا الدعم العسكري الإيراني، وهو ما يجعل الجيش يراهن على الحلول العسكرية، إما لتحسين موقفه التفاوضي عبر تعديل الموازين على الأرض، وتعويض بعض الخسائر، أو لأنه لا يمتلك الإرادة السياسية وحرية التحرك والقرار نتيجة عوامل عديدة داخلية متعلقة بتحالفاته في الداخل، وبدون شك فإن أي مفاوضات لن تكون مجدية ومثمرة بدون حضور الطرف الرئيس في الصراع وهو الجيش وبدون جلوس مباشر بين قائد الجيش وقائد قوات الدعم السريع وهو بداية الحل الفعلي للأزمة”.
مسار المفاوضات
إن غياب الطرف الثاني الرئيس عن هذه المفاوضات مؤشر على نهايتها قبل أن تبدأ. فكيف يكون هناك سعي نحو التفاوض وإيقاف الحرب والبحث عن حلول سلمية وهناك طرف لا يقبل بالمثول إلى مائدة المفاوضات بالأساس، والإصرار الأميركي على مواصلة المفاوضات أمر مفهوم في ظل الإطار الكارثي الذي يعيشه السودان اليوم وتأثيره على المنطقة وربما العالم من حوله.
وحسب ما أوضح هشام النجار، فإن ما جرى خلال الفترة الماضية ويجري الآن فما هو إلا تمهيد، ودفع باتجاه الخطوة الأهم؛ وهي عقد مفاوضات مباشرة عقب وقف لإطلاق النار، وإنهاء القتال وإجراء تسوية سياسية وتدشين مرحلة انتقالية، وتقاسم للسلطة والثروة وإجراء انتخابات، ووضع دستور جديد للبلاد برعاية أممية وإقليمية.
ربما تكون رؤية النجار متفائلة كثيراً، ولكنها يبدو بالفعل المسعى الذي تهدف إليه الإدارة الأميركية والأطراف المشاركة في هذه المفاوضات، وهذا ما أوضحه اليوم الأول من المفاوضات حيث انتهى ببيان صدر عن الأمم المتحدة والولايات المتحدة وسويسرا ومصر والإمارات والسعودية والاتحاد الإفريقي يقول: “نعمل بشكل جاد ومكثف في سويسرا في اليوم الأول ضمن الجهود الدبلوماسية التي تهدف إلى دعم السودان ووصول المساعدات الإنسانية ووقف الأعمال العدائية، والامتثال وفقاً لنتائج محادثات جدة السابقة، والمساعي الأخرى، والقانون الإنساني الدولي”.
وأعلنت الدول المشاركة في البيان أنها تعمل بالاستناد لنتائج اجتماعات جدة السابقة والجهود الأخرى والقانون الإنساني الدولي لحل الأزمة في السودان، بيد أن موقف الجيش السوداني يجعل الحل السياسي يبدو معقداً، وعدم الالتزام بالاتفاق السابق أو أي هدنة تم الاتفاق عليها قبل ذلك وتم خرقها، واتهام كل طرفٍ للآخر بخرقها، ينذر بغياب أي ضمان دولي لأي اتفاق يقام، أو ما تفضي إليه المباحثات.
وعلى جانب آخر تسعى “قوات الدعم السريع” للمباحثات الجديدة لتضمن عدم انسحابها من المناطق التي أفضى بها قرار جدة، وبالمقابل لا يسعى الجيش السوداني إلى وقف إطلاق النار والجلوس على مائدة المفاوضات من جديد، ولا يجد بديلاً عن الخيار العسكري. بيد أن المطمئن في الأمر هو الإصرار الدولي على المباحثات حول هذه الحرب، وما يحدث من كوارث إنسانية، وما يمكن أن تقدمه الحرب المستمرة هذه من وجود أكثر من 50 مليون سوداني يعانون الجوع والفقر والتشرد، وما يعنيه هذا بالنسبة للعالم، حيث يمثلون قنبلة موقوتة تهدد العالم أجمع، وليس دول الجوار فحسب.
هذا وقد توقفت محادثات جنيف لوقف الحرب في السودان، السبت الماضي، على أن تُستأنف، اليوم الاثنين، وسط استمرار جهود المساعي الأميركية ومساعي الوسطاء الدوليين والإقليميين لحث قوات الجيش السوداني على إرسال وفدها إلى طاولة المفاوضات.
وبالتالي إذا نجحت القوى الدولية بجلب طرفي النزاع إلى طاولة المفاوضات، فإن إنهاء المفاوضات والتوصل إلى نتائج تؤدي إلى انتخابات توحد السودان من جديد هو أمر بعيد المنال حالياً ويتطلب جهداً كبيراً وترتيبات سياسية ودولية لفترات طويلة.
- مشروع سري روسي لتصنيع طائرات مسيّرة في الصين.. ما التفاصيل؟
- استعمار ثقافي وتبديد هويات وغياب عقد اجتماعي.. التوغل الروسي بسوريا
- شاهد بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف مسؤول المسيّرات بـ”حزب الله”
- اللاجئون في سوريا: أكثر من 20 ألفا عبروا من لبنان وآلاف السيارات تنتظر
- “نتنياهو يرفض”.. ماذا نعرف عن مقترح وقف إطلاق النار بين إسرائيل و”حزب الله”؟
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.