في سياق الأزمة المندلعة بين الصومال وإثيوبيا، تعتزم حكومة جيبوتي عرض الوصول الحصري لإثيوبيا إلى ميناء جديد لنزع فتيل التوترات التي أشعلتها طموحات الدولة الحبيسة جغرافياً للحصول على طريق مباشر إلى البحر الأحمر.
هذا وقد أثارت إثيوبيا خلافاً دبلوماسياً في كانون الثاني/ يناير الماضي عندما كشفت عن اقتراح للاعتراف بدولة “أرض الصومال” التي تتمتع بحكم شبه ذاتي كدولة ذات سيادة، مقابل الوصول إلى ميناء على خليج عدن.
في حين عارضت الصومال، التي تعتبر “أرض الصومال” جزءًا من أراضيها، الخطة وتدهورت العلاقات بين البلدين منذ ذلك الحين.
لخفض التوترات بين إثيوبيا والصومال
قال وزير الخارجية الجيبوتي محمد علي يوسف، في مقابلة مع إذاعة “بي بي سي” بثتها يوم الجمعة الفائت إن بلاده، التي تشترك في الحدود مع إثيوبيا و”أرض الصومال”، على وشك أن تقترح على إثيوبيا طريقاً بديلاً إلى خليج عدن.
وتابع يوسف حديثه مع الإذاعة البريطانية بالقول: “نحن نعرض إدارة بنسبة 100 بالمئة لميناء في الشمال، وهو ممر جديد تم بناؤه بالفعل في تاجورة على الساحل”.
وأردف يوسف أن الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيلة طرح الاقتراح “لإيجاد طريقة للحوار” من أجل وقف التصعيد في التوترات بمنطقة القرن الإفريقي، حيث يعتزم الرئيس جيلة لقاء زعماء المنطقة في منتدى التعاون الصيني – الإفريقي الذي سيعقد في بكين الأسبوع المقبل لمناقشة هذه القضية، وفق ما نقلته وكالة “بلومبرغ” للأنباء.
وذكر يوسف أن جيبوتي، التي تقع على نقطة اختناق شحن عالمية تربط البحر الأحمر وقناة السويس بخليج عدن والمحيط الهندي، تشعر بالقلق إزاء التوترات المتزايدة في المنطقة.
واستطرد في حديثه “رغم أن جيبوتي دولة مستقرة وآمنة تماماً، فإننا لا نستطيع أن نقول إن التوترات في الدول المجاورة لا تؤثر علينا”. مضيفاً أنه إذا تصاعدت الأزمة في المنطقة، فستكون مصدر قلق كبير.
إثارة التوترات بين مصر وإثيوبيا
في المقابل، ردت الصومال على المواجهة مع إثيوبيا بتوقيع اتفاقية تعاون عسكري مع مصر في وقت سابق من هذا الشهر. وبدأت القاهرة بعد ذلك في توريد الأسلحة إلى الصومال كما ستوفر تدريباً لقواتها، وفقاً للحكومة الصومالية، وفق وكالة “بلومبرغ“.
ويعتبر إرسال مصر معدات عسكرية للصومال كجزء من استعدادات القاهرة للمشاركة في قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي في الصومال، المعروفة باسم “أميصوم”، والتي ستستبدل بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية الحالية “أتميس” في كانون الأول/يناير المقبل. وبذلك أيضاً ستكون مصر أولى الدول التي تنشر قوات لدعم الجيش الصومالي، بعد انسحاب قوات الاتحاد الإفريقي الحالية، وفق تقارير صحفية.
وبالعودة إلى وزير الخارجية الجيبوتي محمد علي يوسف، فإنه أضاف أن جيبوتي، التي تطل على مضيق لممر شحن عالمي يربط البحر الأحمر وقناة السويس بخليج عدن والمحيط الهندي، تشعر بالقلق إزاء التوترات المتزايدة في المنطقة.
وأشار إلى أنه “على الرغم من أن جيبوتي بلد مستقر وآمن إلى حد كبير، لا يمكننا القول إن التوترات في الدول المجاورة لا تؤثر علينا”. وأردف الوزير أن تصاعد الأزمة في المنطقة سيكون “مصدر قلق رئيسي”.
ونظراً لوجود خلافات سابقة بين مصر وإثيوبيا بسبب أزمة “سد النهضة”، فقد أدى الدعم العسكري المصري للصومال إلى زيادة التوترات بين البلدين، وهو ما قوبل برد من أديس أبابا التي أغلقت أبواب “سد النهضة”، وهو ما يعني وقف تدفق مياه نهر النيل إلى دول المصب مصر والسودان.
وبالتالي وجّه وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي خطاباً إلى رئيس “مجلس الأمن الدولي” إثر التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء الإثيوبي حول المرحلة الخامسة من ملء “سد النهضة”.
إثيوبيا تحركت في الاتجاه الخاطئ منذ البداية من خلال سعيها لإبرام اتفاق باطل قانوناً مع إقليم “أرض الصومال” الانفصالي، الذي لا يتمتع بالأهلية القانونية لإبرام اتفاقيات أو مذكرات تفاهم على هذا المستوى.
وأكد وزير الخارجية المصري، وفق وسائل الإعلام، رفض بلاده القاطع للسياسات الأحادية الإثيوبية المخالفة لقواعد ومبادئ القانون الدولي، والتي تشكل خرقاً صريحاً لاتفاق إعلان المبادئ الموقّع بين مصر والسودان وإثيوبيا في عام 2015، والبيان الرئاسي لمجلس الأمن الصادر في 15 أيلول/سبتمبر 2021.
وشدد على أن تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد حول حجز كمية من مياه النيل الأزرق هذا العام واستكمال بناء الهيكل الخرساني للسد الإثيوبي، تُعد غير مقبولة جملة وتفصيلا للدولة المصرية، وتمثل استمراراً للنهج الإثيوبي المثير للجدل مع جيرانها والمهدد لاستقرار الإقليم.
هذا وقبل أن تعين أديس أبابا، الخميس الماضي، سفيراً لدى “أرض الصومال”، غير المعترف بها دولياً، صدر بيان من الأخيرة، أعربت خلاله عن “الاعتراض بشدة على الانتشار الأخير للقوات العسكرية المصرية في مقديشو”، وحذر وزير الخارجية الإثيوبي، تاي أصقي سيلاسي، في مؤتمر صحافي، الجمعة، من “تحركات حكومة الصومال مع جهات (لم يسمها) لا تريد الاستقرار للمنطقة”.
موقف مصر من عرض جيبوتي
بعد أن عرضت جيبوتي ميناء تجارياً على إثيوبيا، من أجل نزع فتيل التوتر مع الصومال، أثار ذلك تساؤلات حول إمكانية قبول إثيوبيا المقترح والتراجع عن الاتفاق مع “أرض الصومال”، وانعكاس الأمر أيضاً على القاهرة التي تدخلت عبر إرسال معدات عسكرية للصومال، ومن ثم تقديم خطاب إلى “مجلس الأمن” بشأن الخلافات حول أزمة “سد النهضة”.
ورداً على هذه التساؤلات، تحدث خبراء لصحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية، ورأوا بأن هذا المقترح يجب أن ترد عليه إثيوبيا أولاً، خاصة أنها هي المعنية بالأمر، بينما القاهرة سترد عليه إذا كان هناك تهديد لأمنها القومي، شأنها شأن أي دولة متضررة من أي اتفاق.
وقال رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير محمد العرابي للصحيفة اللندنية، إن “مصر لا تضع قيوداً على تصرفات أو تحركات أي دولة”، غير أنه أكد أن “الأوضاع في القرن الإفريقي لا تتحمل هيمنة أحد، ومصر تفصل تماماً ما بين الأوضاع في القرن الإفريقي والسد الإثيوبي”.
في حين يرى عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، اللواء مجدي القاضي، أن إثيوبيا هي من تسعى لـ”تعكير صفو العلاقات”، وتظن أنها قادرة على أن تسيطر على ميناء مطل على البحر الأحمر لتؤثر على مصالح مصر، مؤكداً أن القيادة السياسية وجميع الأجهزة بمصر قادرة على تقييم الأمور بشكل موضوعي وحفظ الأمن القومي بشكل جاد وحاسم، وفق صحيفة “الشرق الأوسط”.
أما السفير صلاح حليمة، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، فيعتقد أن إثيوبيا تحركت في الاتجاه الخاطئ منذ البداية من خلال سعيها لإبرام اتفاق باطل قانوناً مع إقليم “أرض الصومال” الانفصالي، الذي لا يتمتع بالأهلية القانونية لإبرام اتفاقيات أو مذكرات تفاهم على هذا المستوى، مما يعتبر تدخلاً من جانب إثيوبيا في شؤون الصومال، وهو دولة ذات سيادة، وأيضاً تهديداً لوحدته وسلامته الإقليمية، بما ينعكس على تهديد الأمن والاستقرار في منطقة البحر الأحمر التي تعد أحد أهم محاور الأمن القومي المصري والعربي والإفريقي، وفق ما قاله لصحيفة “الشرق الأوسط”.
ويتفق معه اللواء القاضي بأن إثيوبيا “ناورت كثيراً في ملف (سد النهضة)، فكيف يمكن أن نطمئن لها في أي وجود آخر يهدد أمن مصر؟!”، مؤكداً أن من حق مصر أن تتخذ أي موقف يحفظ أمنها القومي سواء في ملف السد أو غيره، وعلى إثيوبيا أن تثبت نيات حسنة بدلاً من إدخال المنطقة في دوامة توترات.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.