في حين لا يزال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في وضع حرج نتيجة التوغل المباغت للقوات الأوكرانية في روسيا وسيطرتها على عدة مناطق في كورسك قبل نحو شهر، ظهر فصل جديد من فصول الفساد بين بعض المسؤولين العسكريين الروس، حيث أمرت السلطات الروسية باعتقال مسؤول عسكري روسي سابق بتهمة الاحتيال واختلاس ملايين الدولارات، قبل أيام قليلة.
ويعد اعتقال مسؤول عسكري رفيع المستوى اليوم ضمن أحدث قضايا الفساد التي باتت تهز روسيا منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، وفي ما يبدو أنه تحقيق شامل في إساءة استخدام المنصب على أعلى مستويات السلطة القيادة العسكرية بالبلاد، حسبما أفادت وكالة “أسوشيتد برس”.
قضية فساد جديدة بين جنرالات بوتين
أفادت وكالات الأنباء الروسية الرسمية، 29 آب/أغسطس الفائت، أن نائب وزير الدفاع السابق، بافيل بوبوف، يواجه عقوبة السجن لمدة تصل إلى 10 سنوات إذا تم اتهامه وإدانته بعد احتجازه للاشتباه في ارتكابه احتيالا.
وتتعلق القضية المرفوعة ضد بوبوف بأنشطة تجارية في متنزّه باتريوت بارك مترامي الأطراف في موسكو، الذي يسمى أحيانا “ديزني لاند العسكري” في روسيا.
وبحسب ما نقلته صحيفة “الشرق الأوسط” عن الوكالة الأميركية، تم تصميم باتريوت بارك، وهو مشروع مفضل لوزير الدفاع الروسي السابق سيرغي شويغو، لإلهام الوطنية في الأجيال الشابة بروسيا، حيث تُعرض فيه الأسلحة السوفياتية والروسية.
يحتوي المتنزه على ميدان رماية، وقاعدة جوية، ومتاحف، ومركز مؤتمرات، وكاتدرائية ضخمة باللون الكاكي للقوات المسلحة الروسية، والتي تتميز بفسيفساء للجنود السوفيات والروس.
وطبقاً لـ”الكرملين”، تبرع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصيا بالمال لتكليف الأيقونة الرئيسية للكنيسة.
نهب أموال الدولة
ترتبط القضية المرفوعة ضد نائب وزير الدفاع السابق، بافيل بوبوف، بأنشطة تجارية في متنزه باتريوت في موسكو. وقد تم إنشاء هذا المتنزه لتعزيز الروح الوطنية بين الشباب الروس، ويضم قاعدة جوية ومتاحف وكاتدرائية للقوات المسلحة الروسية.
يعد بوبوف الآن ثامن شخصية عسكرية رفيعة المستوى يتم اعتقالها بتهم تتعلق بالرشوة والاحتيال وإساءة استغلال السلطة في الأشهر الأخيرة، بما في ذلك نائب وزير الدفاع تيمور إيفانوف، الذي تم اعتقاله بتهمة الرشوة قبل عدة أشهر.
كان بوبوف مسؤولا عن تطوير حديقة باتريوت. وهو متهم بالاحتيال إلى جانب مدير المنتزه، واللواء فلاديمير شيستيروف، نائب قسم الابتكارات بوزارة الدفاع الروسية، وكلاهما محتجز بالفعل، وفقا لوسائل الإعلام الروسية الرسمية. كما يُتهم أيضا بإجبار المقاولين على القيام بأعمال له مجانا.
وقالت سفيتلانا بيترينكو، من لجنة التحقيق الروسية، لوكالة أنباء “تاس” الرسمية، إن بوبوف أجبر مقاولي باتريوت بارك على العمل في “شقق خارج المدينة دون دفع ثمنها”.
وقال بيترينكو إن ممتلكات بوبوف المتنوعة تبلغ قيمتها 5.5 مليون دولار، وأن بوبوف وعائلته يمتلكون “كثيرا من العقارات في مناطق مرموقة بموسكو ومنطقة موسكو ومنطقة كراسنودار” جنوب روسيا. ويحاول المحققون تحديد ما إذا كان قد تم الحصول عليها بشكل قانوني.
هذا وشغل بوبوف منصب نائب وزير الدفاع من عام 2013 حتى حزيران/يونيو 2024 عندما تم إقالته بموجب مرسوم رئاسي. ويأتي اعتقاله بعد وقت قصير من اعتقال نائب وزير الدفاع السابق الجنرال دميتري بولغاكوف بموسكو في تموز/يوليو.
وبحسب وكالة “تاس” الروسية، فإن بولغاكوف متهم بالاختلاس على نطاق واسع. وبحسب ما ورد، أشرف بولغاكوف على إنشاء نظام لتوريد حصص غذائية منخفضة الجودة للقوات الروسية بأسعار مُبالغ فيها. وإذا ثبتت إدانته، فإنه يواجه عقوبة تصل إلى 10 سنوات في السجن.
وكان بولغاكوف نائبا لوزير الدفاع من عام 2008 إلى أيلول/سبتمبر 2022، عندما تم فصله. وكان مسؤولا عن الخدمات اللوجستية بالجيش في ذلك الوقت.
فساد جنرالات بوتين
واقع الأمر، فإن بوبوف يعد الآن ثامن شخصية عسكرية رفيعة المستوى يتم اعتقالها بتهم تتعلق بالرشوة والاحتيال وإساءة استغلال السلطة في الأشهر الأخيرة، بما في ذلك نائب وزير الدفاع تيمور إيفانوف، الذي تم اعتقاله بتهمة الرشوة في نيسان/أبريل ثم فصل من منصبه.
وقد بدأت الاعتقالات قبل وقت قصير من استبدال بوتين لوزير الدفاع سيرغي شويغو بخبير اقتصادي، أندريه بيلوسوف. ويشير المحللون إلى أن الاعتقالات هي علامة على أن الفساد الأكثر فظاعة في وزارة الدفاع لن يتم التسامح معه بعد الآن، وفق الصحيفة اللندنية.
في الـ 23 من أيار/مايو الفائت، اعتقل القضاء العسكري رئيس إدارة الاتصالات في الجيش الروسي نائب رئيس هيئة الأركان العامة الفريق فاديم شامارين لمدة شهرين على ذمة التحقيق بتهمة الرشوة، ووافقت المحكمة على طلب من النيابة العامة العسكرية بتوقيفه لمدة شهرين على ذمة التحقيق بتهمة تلقي رشاوى بمبالغ كبيرة.
إلا أن اعتقاله جاء ضمن سلسلة اعتقالات شملت عددا من كبار المسؤولين العسكريين في روسيا، من بينهم تيمور إيفانوف، نائب وزير الدفاع، ورئيس دائرة شؤون الموظفين في الإدارة العسكرية، يوري كوزنتسوف، والقائد السابق للجيش الثامن والخمسين للمنطقة العسكرية الجنوبية إيفان بوبوف، وفقاً لوكالة “نوفوستي” الروسية.
وبحسب ما تناقلته وسائل الإعلام الروسية، فإن شامارين اتّهم بتلقي رشاوى بمبلغ 36 مليون روبل (نحو 400 ألف دولار) في الفترة من نيسان/أبريل 2016 إلى تشرين الأول/أكتوبر 2023 من شركة مصنعة للهواتف.
واعتُقل إلى جانب شامارين كل من مدير الشركة والمحاسب، ولأن التهمة تتعلق بـ”رشوة كبيرة”، فمن المتوقع، بموجب المادة 290 من القانون الجنائي للاتحاد الروسي، صدور أحكام ضد المتهمين الثلاثة قد تصل إلى السجن 15 عاما.
وفي نيسان/أبريل عام 2023، ألقي القبض على نائبة وزير الثقافة السابقة أولغا ياريلوفا ووجهت إليها تهمة اختلاس أكثر من 200 مليون روبل (2.2 مليون دولار).
وتخضع ياريلوفا، التي شغلت منصبها من عام 2018 إلى عام 2022، حالياً للمحاكمة وتواجه احتمال الحكم عليها بالسجن لمدة سبع سنوات.
وقبلها حكم على وزير الاقتصاد السابق أليكسي أوليوكاييف بالسجن ثماني سنوات في 2017 لقبوله رشوة بقيمة مليوني دولار من أحد كبار مساعدي بوتين، وفق تقرير لقناة “العربية“.
إلا أن أوليوكاييف البالغ من العمر 68 عاما الآن، والذي اعتبرت قضيته بمثابة صراع بين أجنحة “الكرملين” أطلق سراحه باكرا في أيار/مايو 2022
ما أسباب هذا الفساد المستشري؟
تصاعدت حدة قضايا الفساد داخل الحكومة الروسية، وخاصة الجناح العسكري، بشكل كبير في السنوات الأخيرة، ويوضح مادة مطولة أجرته “إندبندنت عربية” أسباب هذا الفساد المستشري في أروقة حكومة بوتين، بالقول إن بوتين يتربع على عرش السلطة في روسيا منذ 24 عاما، بغض النظر عن المنصب الذي يشغله، كرئيس للجمهورية أو رئيس للوزراء فهو الحاكم الفعلي للبلاد الشاسعة.
وبالتالي فإن النظام السياسي الحالي في الاتحاد الروسي، بما في ذلك الفساد الذي يعشعش في أقبيته ودهاليزه و”قدس أقداسه” وزارة الدفاع وجنرالاتها، يحمل الطابع المميز لأسلوب ونهج حكم بوتين الشخصي المباشر.
زاد الفساد بدءا بأعلى المستويات في الحكومة الروسية وصولا إلى أدناها، ومرورا بهياكلها الأمنية والعسكرية والاستخباراتية، وذلك عائد من بين أمور أخرى، لعدم وجود منافسة سياسية ذات معنى في عهد بوتين.
يعتمد هذا النظام الذي يتزعمه بوتين بكليته وفي مختلف مستوياته على نظام أبوي شرقي، أكثر مما هو نظام ديمقراطي شعبي، إذ تتمحور السلطات المركزية والإقليمية والمحلية تحت السيطرة الشخصية للحاكم الفرد. وبسبب غياب المؤسسات الحكومية المنتخبة ديمقراطيا، لا يميز القائمون على هذا النظام الأبوي بين ملكية الدولة والملكية الخاصة، وفق “إندبندنت عربية“.
وبحسب “إندبندنت عربية”، فقد زاد الفساد بدءا بأعلى المستويات في الحكومة الروسية وصولا إلى أدناها، ومرورا بهياكلها الأمنية والعسكرية والاستخباراتية، وذلك عائد من بين أمور أخرى، لعدم وجود منافسة سياسية ذات معنى في عهد بوتين. فكل الانتخابات الفيدرالية والإقليمية والمحلية التي جرت خلال حكم بوتين بصورة أساسية، أسفرت عن برلمان وحكام إقليميين ومحافظين خاضعين لرغبات السلطة التنفيذية، ومتحدرين من حزب السلطة “روسيا الموحدة”، الذي يعد وكرا لرجال الأوليغارشية القائمة والصاعدة، ولكل الانتهازيين والمتملقين وشذاذ الآفاق والباحثين عن فرص لتحقيق ثروات سريعة مجهولة المصدر.
وبالنظر إلى كمية الفساد المستشري داخل الحكومة الروسية، وخاصة في عهد بوتين، يمكننا أن نفهم أن الفساد في أعلى مستويات السلطة يبدأ من الرأس. ولذلك تشير مصادر متعددة إلى أن بوتين نفسه قد جمع ثروة شخصية تبلغ عدة مليارات من الدولارات، معظمها محتفظ به في حسابات مصرفية سرية وشركات وهمية يديرها أصدقاؤه الأكثر ثقة.
كما وتحدثت تقارير روسية مكثفة، بحسب “إندبندنت عربية”، حول فساد بوتين، نشرها خصومه السياسيون، وعلى رأسهم الراحل بوريس نيمتسوف وفلاديمير ميلوف وفلاديمير ريجكوف وتلقي الضوء على الدخل الجانبي الوفير المرتبط بالوجود في السلطة ولكن الأهم بكثير هو الأموال والأصول التي اكتسبها بوتين سرا وأخفاها عن الجمهور والتي يمكن العثور عليها، وعلى سبيل المثال في الكتاب الذي نشر أخيرا تحت عنوان “حكومة بوتين الفاسدة” من تأليف كارين داويشا، ومع ذلك، في روسيا نفسها، غالبا ما يعد الصحافيون والمحللون أنه من الخطورة التطرق إلى هذا الموضوع.
- 🛑تغطية مباشرة: الجيش الإسرائيلي يعلن رسميا اغتيال حسن نصرالله زعيم “حزب الله”
- إغلاق مكتب تجنيد لـ”حزب الله” بدمشق: سوريا تنأى بنفسها وبداية تحجيم “الحزب”؟
- إيواء لاجئين لبنانيين في منازل مهجورة بحمص: بداية تغيير ديموغرافي؟
- قائد ميليشيا “المقاومة الإسلامية” العراقية يهدد بقصف الإمارات
- استمرار الاستهدافات بين إسرائيل و”حزب الله”.. “الحوثيون” يدخلون خط المواجهة
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.