في السياسة، يظل الانتقال من حال إلى حال آخر هو الثابت، وليس ثمة معنى للجمود طالما قد تتبدد الأوضاع بما يخلق معها ديناميات سياسية جديدة ورؤى ومقاربات مغايرة، خاصة مع السيولة التي تشهدها ملفات الشرق الأوسط الساخنة، ومنها سوريا، حيث إنه مع وصول فصائل “المعارضة السورية” لدمشق والتطورات المتسارعة منذ إعلان السيطرة على حلب ثم حماة وأخيرا حمص والعاصمة السورية، فرض وجود أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) قائد “هيئة تحرير الشام” في إدارة العمليات العسكرية، موقفا أخف وطأة يتجاوز فقط حصره على قائمة الإرهاب، وتصنيفه في هذا الحيز. 

فيما تتخوف قوى دولية منها الولايات المتحدة وأوروبا من حدوث انتهاكات على يد فصائل “المعارضة” تجاه الأقليات في سوريا، وتترقب وضع الملف الحقوقي بشدة، وما إذا كانت الفصائل بخلفياتها الإسلامية سوف تتجه إلى ممارسة خروقات أو قمع وتضييق في هذا الجانب أم ستتحرى تشكيل معادلة جديدة تشتمل على مشاركة كافة القوى والفئات الاجتماعية بالعملية السياسية لإعادة البناء والتشاركية، بحيث تضمن المكونات كافة تمثيلها السياسي والاجتماعي وعدم إهدار حقوقها المواطنية والمدنية الحقوقية. 

وضع “الهيئة” في سوريا

ولهذا، لم تتردد الولايات المتحدة كما بريطانيا وفرنسا وألمانيا في الإعلان عن مراجعتها تصنيف “هيئة تحرير الشام” على قوائم الإرهاب.

وألمحت إلى سيناريوهات أخرى تتصل بإمكانية إنهاء وضعها داخل القوائم، وذلك بناء على مراقبتها كيفية إدارة ملف الأقليات، وقد ذكر الناطق بلسان الخارجية الألمانية أن سلوك “الهيئة” وسياساتها في التعاطي مع الأقليات بسوريا هو ما سوف يحدد موقف الحكومة في برلين منها.

https://twitter.com/sawtinews/status/1865780537685856504

وتابع “في الأشهر والسنوات الماضية، سعت هيئة تحرير الشام إلى النأي بنفسها عن أصولها الإسلامية المتشددة وعملت على بناء هياكل مدنية”.

بينما قال وزير بريطاني، وفق وسائل الإعلام: “سنعيد النظر في تصنيف (هيئة تحرير الشام) جماعة إرهابية ولم نتخذ قرارا بعد”.

في حين أن وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، قال إنه ناقش مع الرئيس إيمانويل ماكرون، ورئيس الحكومة، تطورات الأحداث في سوريا، لافتا إلى تواصله مع نظرائه في المنطقة، تحديدا البلدان المتاخمة لسوريا، للوقوف على أقرب الحقائق وتبادل وجهات النظر وتقديرات الموقف، ومن ثم تحديد سبل التعامل مع الموقف. 

وبينما أكد باور عدم وجود اتصالات مع “الهيئة” حتى اللحظة، فقد عاود التذكير بموقف بلاده المتشدد والذي لم يتغير تجاه نظام بشار الأسد “الإجرامي”، موضحا أن الموقف الفرنسي يحظى “باحترام كافة القوى السياسية بسوريا”.

وتابع: “ومع ذلك، لدينا مبعوث خاص إلى سوريا يقوم بزيارات منتظمة ويتواصل مع جميع الأطراف، وهو حاليا في المنطقة وسيكون في سوريا في الأيام المقبلة”.

ولفت وزير الخارجية الفرنسي إلى انفتاحه على عدد من الآراء والمقاربات في إطار نقاشات سياسية إقليمية مع القوى بالمنطقة، والتي يضطلع بها بشكل مباشر وشخصي، مشير إلى أنه قد أجرى “محادثات مع (نظرائه) الإسرائيليين والأردنيين والأتراك، وما ظهر من هذه المحادثات هو الإرادة المشتركة بأن تضمن المرحلة الانتقالية السياسية تمثيل جميع الأقليات ومشاركتها”.

وفي ما يخص بوضع الرعايا الفرنسيين بدمشق، قال باور: “أولا، أود أن أطمئن الجميع بأننا نتابع عن كثب أوضاع مواطنينا، هناك بضع مئات من الفرنسيين الموجودين في سوريا، ونحن نتابع أوضاعهم عبر السفارة الرومانية في دمشق ومن خلال سفارتنا في بيروت”. 

وأردف: “الدعم الذي ستقدمه فرنسا لهذا الانتقال السياسي في سوريا سيعتمد على احترام المطالب التالية، انتقال سياسي شامل يحترم الأقليات، ويصون حقوق الإنسان والقانون الدولي”.

“موقف حذر”

من ثم، يبدو أن الموقف في فرنسا كما في ألمانيا يتابع الوضع في سوريا بحذر ودقة شديدين، واضعا أولوياته أن يتم تأمين حقوق كافة السوريين بالأخص الأقليات، ومنع تعرضهم لقمع أو تهميش، خاصة مع الانتهاكات التي طاولتهم على يد التنظيمات المتطرفة و”داعش”، وترقى إلى حد “الإبادة” وفق تقييم وتوصيف المنظمات الحقوقية، فيما تبحث البلدان ضرورة أن تبدأ مرحلة انتقالية سياسية، تخفف من حدة التوترات والصدامات التي تؤدي لسيولة أمنية حادة تتسبب في فوضى، والانخراط في عمل سياسي بالضرورة سيمهد إلى حل سياسي لا تنفرد به سلطة أو طرف على حساب باقي القوى. 

احتمالية إزالة “هيئة تحرير الشام” من قوائم الإرهاب- “إنترنت”

وأكد وزير الخارجية الفرنسية أن “المكانة التي ستُمنح للنساء، وللأقليات المسيحية والدرزية والكُردية، هي التي ستحدد قدرة سوريا على العيش بسلام وأمان في منطقتها”.

وقال إن “الإشارات الأولى تُظهر إرادة من هذه المجموعات لاستبعاد التجاوزات التي اعتادت بعض الجماعات الإسلامية أو الجهادية على ارتكابها، واستبعاد بعض السلوكيات التي قد تُظهر رغبة للهيمنة”. 

غير أنه لم يخف حذره وقال “لكننا نتحلى بحذر كبير، وأقولها، إن دعم فرنسا سيكون مشروطا باحترام حقوق الأقليات وحقوق الإنسان، وهذا أمر يُقيّم على المدى الطويل”.

وفي هذا السياق، برزت مواقف مماثلة من مسؤولين بالولايات المتحدة، ألمحوا إلى اعتزام واشنطن الانخراط مع “الهيئة” باعتبارها مظلة لقوى معارضة متنوعة، بما يخدم مصالح الأمن القومي الأميركي، كما أنها سوف تتواصل مع كافة القوى.

ونقل مراسل “الحرة” عن مسؤول أميركي تحفظ عن ذكر اسمه قوله إن “السلطات الأميركية، عملت خلف الكواليس خلال الأسبوع الماضي على تسهيل خروج آلاف المدنيين السوريين من شرق سوريا”.

وفي ما يبدو أن واشنطن، بقدر ما تلمح إلى احتمالية حذف الهيئة من قوائم الإرهاب، فإنها تشترط الاستقرار في سوريا، وجاء في صحيفة “نيويورك تايمز” أن الولايات المتحدة حذرت عبر تركيا فصائل “إدارة العمليات” من أي تعامل أو تحالف مع تنظيم “داعش” الإرهابي. وبحسب صحيفة “نيويورك تايمز” فقد بعثت الفصائل بتطمينات في هذا الجانب للطرف الأميركي.

كما ونقلت صحيفة “واشنطن بوست”، اليوم الاثنين، عن مسؤول أميركي القول إن واشنطن لا تستبعد حذف “هيئة تحرير الشام” من قائمة الإرهاب “لنتعامل معها من أجل استقرار سوريا”.

الصحيفة الأميركية نقلت عن المسؤول الأميركي القول إنه “يجري حاليا تقييم جدي عن مدى استقلال “هيئة تحرير الشام” عن تركيا”.

كافة السيناريوهات قائمة

وكان الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد قال في وقت سابق للصحفيين، حول جماعات “المعارضة السورية”: “سنبقى يقظين”، مشيرا إلى أن “بعض جماعات التمرد لديها سجل في الإرهاب”. وأضاف: “نتابع تصريحات القادة السوريين الجدد وهي تبدو جيدة حتى الساعة ونراقب أفعالهم أيضا”.

https://twitter.com/7alpress/status/1866100483816857744

وأضاف الرئيس بايدن أن ثمة “فرصة لمستقبل أفضل لسوريا، وعلى مجموعات المعارضة أن يكون لها دور في سوريا والبرهنة على سيادة القانون وحماية الأقليات”.

وحتى اتضاح الأفق الذي ستعمل من خلاله “الهيئة” مع الوضع في سوريا، والحقائق التي سوف تسفر عنها النتائج على المستوى السياسي والميداني في جوانبه المختلفة، الحقوقية والمدنية والاجتماعية، تظل السيناريوهات كافة قائمة، وتترقب المجتمع الدولي وواشنطن السياسات التي سوف تبدد مخاوفها وتنهي هواجسها في سوريا، حتى تساهم في عملية الاستقرار وكذا منح الشرعية الدولية للأطراف والانخراط معها في العملية السياسية. 

وقد باشرت واشنطن جهودها واستبقت محاولات أو احتمالات انبعاث “داعش” من جديد، ونفذت ضربات جوية طاولت التنظيم الإرهابي داخل سوريا بالتزامن مع سقوط الأسد ووصول الفصائل لدمشق.

وجاء في بيان القيادة المركزية الأميركية “سنتكوم”، إنه قد تم تنفيذ “عشرات الغارات الجوية الدقيقة التي استهدفت معسكرات وعملاء معروفين لتنظيم “داعش” وسط سوريا، يوم 8 كانون الأول/ ديسمبر”، لجهة “منع الجماعة الإرهابية من القيام بعمليات خارجية وضمان عدم سعي “داعش” إلى الاستفادة من الوضع الحالي لإعادة تشكيل نفسه في وسط سوريا”.

وقال القائد بالقيادة المركزية الجنرال مايكل إريك كوريلا إنه “لا ينبغي أن يكون هناك شك في أننا لن نسمح لداعش بإعادة تشكيل نفسه، والاستفادة من الوضع الحالي في سوريا، ويجب أن تعلم جميع المنظمات في سوريا أننا سنحاسبها إذا تعاونت مع (داعش) أو دعمتها بأي شكل من الأشكال”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات