تهيمن التطورات الهائلة في سوريا على مجمل أوضاع المنطقة، وبات الملف السوري له أولوية قصوى في باب الحديث السياسي، وذلك لتداعياته المختلفة على الإقليم بأبعاده الاستراتيجية والأمنية، خاصة أن الاحتمالات والآفاق السياسية لم ترتسم بعد حدودها، وما تزال قائمة على نهايات ومآلات عديدة.
وعاودت مجريات الوضع مع وصول فصائل “المعارضة السورية” بقيادة “هيئة تحرير الشام” إلى دمشق، والإطاحة بحكم بشار الأسد الذي فر هاربا من البلاد، الحديث مجددا عن نقاشات قد انطوت صفحتها في مرحلة صعود الإسلام السياسي بعد الربيع العربي، والتمكين السياسي الذي سرعان ما انحسر وأخفق في مصر وتونس والمغرب وقد عرف بـ”عشرية سوداء”.
لقاء أردوغان بأمير قطر
وهذه النقاشات ترافقها استقطابات حادة على المستوى الإقليمي بين المحاور التي بعضها يرفض صعود القوى الإسلاموية ويرى في تمكينها السياسي مخاطر جمة، والبعض الآخر، تبدو ورقة في يده لإدارة مصالحه السياسية والإقليمية والتفاوض بها ميدانيا وتحقيق أجندته.
وقد شهدت مرحلة ما قبل اتفاق العلا بالمملكة العربية السعودية، التي ساهمت في تهدئة، ربما، جاز التعبير عنها، مؤقتة، عام 2021، احتداما وتباعد في الرؤى الخليجية الخليجية بعد سقوط حكم الإخوان في مصر، في حين اصطفت قطر وتركيا إلى جانب الجماعة الأم لقوى الإسلام السياسي ومنحتهم ملاذات آمنة وبعضهم متورط في حوادث إرهابية، وظلت الإمارات والسعودية إلى جانب مصر ضمن “محور الاعتدال” الذي يندد بجرائم التنظيمات المتشددة والمسلحة.
ولهذا مرة أخرى يبرز في المشهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي تلمح وسائل إعلام إقليمية وغربية، بأنه اللاعب الذي ربح من سقوط بشار الأسد، بينما اضطلع بشكل أو بآخر بمهام إدارة عمل وإسناد الفصائل وهي تذهب نحو الفصل الأخير في الأزمة الممتدة لنحو 14 عاما قبل فرار “الأسد”، فضلا عن توغله وتنامي دوره نتيجة الفراغ الإيراني والروسي، وتقويض وجودهما السياسي والعسكري والميداني. وتشهد المحاور الإقليمية نذر صراع مكتوم، ساحات في الإعلام، فتشن إيران حملات إعلامية ضد أنقرة، والعكس صحيح أيضا.
سوريا أمام تحالفات إقليمية جديدة
غير أن المباحثات التي جمعت أردوغان بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد، وضعت المراقبين أمام مقاربة جديدة لمشهد الاستقطاب الإقليمي المماثل للأزمة الخليجية عام 2017، حيث إن تقارب الدوحة وأنقرة عند حدود حكم إسلاموي بخلفية جهادية والذي يبدو وشيكا بل وانفراده بالسلطة من دون عملية انتقال سياسي سلمي على أسس قانونية ودستورية وبناء على عقد اجتماعي جديد تشارك فيه القوى الوطنية والمجتمعية كافة من كل المكونات، يثير تحفظات إقليمية جمة، ومخاوفها، فضلا عن رفضها هذا النمط. ومن أبرز تلك القوى الإقليمية، هي مصر والإمارات.
وقد أثار غضب قطاعات واسعة من المصريين، فضلا عن النخب السياسية والبرلمانية والإعلامية، ظهور أحد الشخصيات المصرية المصنفة على قوائم الإرهاب ومتورط في جرائم عنف، إلى جوار أحمد الشرع المكنى بأبو محمد الجولاني.
وكذا مستشار العلاقات الخارجية في حزب “العدالة والتنمية” التركي، ياسين أقطاي، فيما غرد عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، مصطفى بكري، على منصة التواصل الاجتماعي “إكس“: “الجولاني يستقبل الإرهابي المصري محمود فتحي، قاتل المستشار هشام بركات (النائب العام المصري الأسبق)، ومعه ياسين أقطاي مستشار إردوغان ومحتضن جماعة الإخوان. البداية تكشف عن حقيقة النيات”.
وتابع: “بعد استقبال الجولاني لقاتل الشهيد هشام بركات قرر أن يمنح الإقامة لمن يسميهم المقاتلين الأجانب، أي أن سوريا ستصبح قندهار العرب، يجتمع فيها الإرهابيون لينطلقوا إلى بلدانهم متآمرين مدعومين”.
من جانبه، عبر المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي، الدكتور أنور قرقاش، عن مخاوف تجاه وضع المنطقة وزعزعة استقرارها في ظل هذا التحول الذي قد يسفر عن تمكين سياسي يؤزم الوضع المحلي والإقليمي بدلا من إحداث انفراجة بعد حقبة “المسالخ البشرية”.
وقال قرقاش في “مؤتمر السياسات العالمية” المنعقد في أبوظبي مطلع الأسبوع: “نسمع تصريحات معقولة وعقلانية حول الوحدة، وعدم فرض نظام على جميع السوريين، لكن من ناحية أخرى أعتقد أن طبيعة القوى الجديدة، ارتباطها بالإخوان، وارتباطها بالقاعدة، كلها مؤشرات مقلقة للغاية”.
مساء أمس الثلاثاء، ظهر أردوغان وتميم في زيارة لم يسبق الإعلان عنها، في أنقرة، وهي الثانية منذ منتصف الشهر الماضي تشرين الثاني/ نوفمبر، أي في غضون أقل من شهرين، وبينهما سقط “الأسد”، وما زالت الأحداث تشهد صعودا لأعلى وتنذر بتطورات في أنحاء شتى، بما يجعل المتابعة ملحة وضرورية.

كما تفرض الشكوك ذاتها على طبيعة اللقاءات وما إذا كانت ضمن إطار تنسيقي لبحث مجريات الأحداث بالمنطقة، والوصول لتفاهمات جادة تنهي الأزمات وتصل لنتائج، أم بصدد تحالفات جديدة ثنائية ومن دون مختلف على حساب باقي المنطقة والإقليم، ما يعني تجدد الانقسام والاستقطاب السياسي والإقليمي والوقوع في فخ موجة صراع ونزاعات لا تنفض.
وتأتي زيارة أمير قطر لأنقرة قبل توجه أردوغان إلى القاهرة للمشاركة في قمة “مجموعة الدول الثماني”، التي تستضيفها القاهرة الخميس، والتي من المتوقع، بحسب تقارير إعلامية، أن تشهد لقاء بين أردوغان والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، حول الوضع في سوريا.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة
الأكثر قراءة

وعود حكومية بلا تنفيذ.. هل توقفت بوادر حلول الأزمات السورية؟

وزير النقل السوري يتحدث عن آليات جديدة لتسعير السيارات.. ماذا قال؟

وزير الداخلية السوري: التعاون مع روسيا يخدم دمشق

وزارة الداخلية دفعت محمد الشعار إلى تسليم نفسه.. ماذا قالت؟

وثّقَ تعذيب السوريين بسجون الأسد.. تفاصيل جديدة عن “قيصر”

واشنطن تتحدث عن سحب قواتها من سوريا.. و”قسد” تؤكد عدم تلقيها خططا رسمية
المزيد من مقالات حول سياسة

درعا تُعيد بناء نفسها.. حملة تبرعات للمستشفيات والبدء بإزالة آثار الحرب

الشرع.. أول رئيس سوري يزور إدلب منذ سبعينيات القرن الماضي

طهران تتلقى “رسائل إيجابية” من الشرع.. تفاصيل

الشيباني من باريس يكشف مصير الأسد والعقود الروسية والبعثات القنصلية

السجناء السوريون بلبنان يضربون عن الطعام.. وهذا مطلبهم

وسط استياء شعبي.. روسيا تؤكد استمرار المفاوضات على وجودها العسكري في سوريا

مؤتمر باريس حول سوريا ينتهي دون موافقة أميركية.. ما توجه إدارة ترامب تجاه دمشق؟
