بعد سقوط نظام بشار الأسد، الحليف الرئيسي لموسكو، ظهرت تقارير ودلائل تشير إلى قيام روسيا بإخلاء معداتها العسكرية من ميناء طرطوس صوب ليبيا، ويبدو أن هذا ما يحدث حاليا، حيث بدأت موسكو بإعادة تقييم أهدافها الاستراتيجية في البحر الأبيض المتوسط وإفريقيا، مع تحول تركيزها إلى ليبيا كقاعدة عمليات جديدة محتملة، بحسب موقع Military Africa “ميليتاري أفريكا” المتخصص في مراقبة الأنشطة العسكرية في القارة الإفريقية، استنادا إلى معطيات دقيقة.
وبحسب ما أشار الخبراء لـ”ميليتاري أفريكا“، يوم أمس الأحد، فإن المصدر يراقب منذ أسابيع طائرات شحن عسكرية روسية من طراز “أنتونوف” AN-124 في قاعدة حميميم الجوية بسوريا، وهي تقوم بتحميل المعدات العسكرية تمهيدا لنقلها إلى ليبيا.
روسيا.. الانسحاب التدريجي من سوريا
لطالما كانت القاعدة الجوية الروسية في الساحل السوري بمثابة جسر لروسيا إلى إفريقيا. وقد زاد معدل الرحلات الجوية اليومية بين سوريا وليبيا، مع بحث المسؤولين الروس عن مواقع بديلة بعد فقدان نفوذهم في دمشق، وطبقا لموقع “ميليتاري أفريكا”.

وبحسب صور الأقمار الصناعية، يقوم الروس ببناء وتوسيع قواعد لوجستية في جنوب ليبيا بالقرب من الحدود مع تشاد والسودان.
في السابق، كانت روسيا تدير ميناء عسكريا وقاعدة جوية على الساحل السوري، لدعم عملياتها في البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط وجنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا – وخاصة في منطقة الساحل والسودان وجمهورية إفريقيا الوسطى. ومع ذلك، فإن التغيير في القيادة السورية عطل خطط موسكو.
وعلى الرغم من أن الزعيم السوري الجديد، أحمد الشرع، اعترف بروسيا باعتبارها “دولة مهمة” وأعرب عن رغبته في استمرار العلاقات، إلا أن المشهد السياسي المتغير دفع روسيا إلى البحث عن استراتيجيات بديلة، طبقا لـ”ميليتاري أفريكا”.
وأقامت روسيا علاقات مع ليبيا من خلال المشير خليفة حفتر و”جيشه الوطني الليبي”. وقد زودت روسيا “الجيش الوطني الليبي” بمرتزقة من مجموعة “فاغنر” وطائرات هجومية وأسلحة. وحتى وقف إطلاق النار في عام 2020، انخرط “الجيش الوطني الليبي” في حرب أهلية استمرت ست سنوات ضد حكومة الوفاق الوطني ومقرها طرابلس، والتي كانت مدعومة من تركيا.
في الثامن عشر من كانون الأول/ديسمبر، نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مسؤولين ليبيين وأميركيين أن روسيا نقلت رادارات وأنظمة دفاع من سوريا إلى ليبيا، بما في ذلك منظومات الدفاع الجوي إس-300 وإس-400 المضادة للطائرات، في خطوة قال إنها تؤكد تحوّل تركيزها نحو شمال إفريقيا.
هذا وأظهرت صور الأقمار الصناعية في وقت لاحق تخزين معدات عسكرية في ميناء طرطوس، لكن صورا جديدة نشرتها شركة Planet Labs، (بلانيت لابس)، يوم الأربعاء الماضي، أظهرت أن الكثير من المركبات والحاويات اختفت، وذلك بعد مغادرة سفينتين روسيتين الميناء.
وبحسب الـ”بي بي سي”، فإن الأدلة تشير إلى أن موسكو قررت الآن نقل معدات قيمة بعيدا عن الميناء. كما أظهرت صور الأقمار الصناعية نقل معدات روسية من قاعدة “حميميم” الجوية القريبة لعدة أسابيع.
في 21 من كانون الثاني/يناير الجاري، رست سفينتا “سبارتا” و”سبارتا 2″ في القاعدة الروسية بطرطوس، بعد أسابيع من الانتظار في البحر الأبيض المتوسط.

لم يتضح بعد إلى أين تتجه السفن الروسية بالضبط. لكن الخبير البحري فريدريك فان لوكيرن، وهو ملازم سابق في البحرية البلجيكية ومحلل، رجح لـ”بي بي سي” إنها قد تكون في طريقها إلى ليبيا، حيث يتمتع “الكرملين” بالفعل بحضور عسكري كبير هناك.
وفي الأسبوع الماضي، أخبرت الاستخبارات العسكرية الأوكرانية برنامج “فيريفاي” التابع لهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” أن الرحلات الجوية الروسية نقلت أفرادا ومعدات عسكرية من القاعدة الروسية الأخرى في سوريا “حميميم” إلى قواعد جوية في ليبيا 10 مرات على الأقل منذ منتصف كانون الأول/ديسمبر.
بدعم من الجنود السوريين الفارين
وفي أعقاب سقوط الأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024، حدثت زيادة كبيرة في الموارد العسكرية الروسية التي يتم شحنها إلى ليبيا من بيلاروسيا وروسيا، بما في ذلك نشر القوات، وفق تقرير “ميليتاري أفريكا”.
ونقلا عن تقارير استخباراتية، فإن عدد القوات الروسية في ليبيا ارتفع من 800 جندي في شباط/فبراير 2024 إلى 1800 جندي بحلول أيار/مايو من العام نفسه.
وفي كانون الثاني/يناير الماضي، منح القائد الليبي حفتر القوات الروسية السيطرة على قاعدة “معطن السارة” الجوية قرب الحدود مع تشاد والسودان.
وتعيد القوات الروسية بناء القاعدة، التي استخدمت سابقا في الحرب الليبية التشادية في ثمانينيات القرن الماضي، بحسب الموقع ذاته.
وتشمل هذه التحركات الروسية ترميم البنية التحتية والمدرجات والمستودعات لتزويد مناطق مثل مالي وبوركينا فاسو والسودان، وهو ما يشير إلى تزايد نفوذ روسيا في إفريقيا بعد الانتكاسات في سوريا.
وطبقا لتقرير “ميليتاري أفريكا”، تدير روسيا حاليا أربع قواعد جوية رئيسية في ليبيا، وهي: قاعدة الخادم (الخرُوبة) التي تقع شرق ليبيا وتُستخدم منذ 2016.

فضلا عن قاعدة الجفرة وسط ليبيا، وتعد من أهم المواقع الاستراتيجية، إلى جانب قاعدة براك الشاطئ في جنوب غرب البلاد، إضافة لقاعدة القرضابية بمنطقة سرت.
قاعدة السارة أقصى جنوب ليبيا، وهي آخر القواعد التي تشير تقارير استخباراتية أن القوات الروسية بدأت الانتشار فيها.
وبحسب ما ورد في تقرير “ميليتاري أفريكا”، ستستضيف قاعدة الخادم “الفيلق الإفريقي” الروسي، وهو بديل لشركة “فاغنر”، مع وجود ضباط سوريين سابقين بين صفوفه.
“ليبيا بديلا لسوريا”
وفي الثالث من كانون الثاني/يناير، قالت الاستخبارات الأوكرانية إن روسيا تخطط لاستخدام سفينتي الشحن “سبارتا” و”سبارتا “2 لنقل المعدات العسكرية والأسلحة إلى ليبيا.
ويشير الخبراء إلى أن تحول روسيا يمثل سعيا إلى الاستمرارية في استراتيجيتها الإقليمية. وتوفر ليبيا فرصة لتعطيل المصالح الغربية وتوسيع نفوذ موسكو في إفريقيا.
وبحسب المحلل عماد الدين بادي من “المجلس الأطلسي”، فإن ليبيا “قد تخدم غرضا استراتيجيا مماثلا لسوريا في عهد الأسد بالنسبة لروسيا. إذ يوفر حفتر لموسكو وسيلة لتحدي النفوذ الغربي، واستغلال الانقسامات السياسية في ليبيا، وتوسيع نطاق نفوذها في إفريقيا”.

لكن روسيا تواجه تحديات في تكرار عملياتها التي حصلت في سوريا، في ليبيا. فالبيئة السياسية في ليبيا أكثر تعقيدا، مع تورط العديد من الفصائل والقوى الخارجية.
فضلا عن ذلك، تفتقر ليبيا إلى مرافق الموانئ العميقة مثل تلك الموجودة في طرطوس بسوريا، وهو ما يعقد العمليات اللوجستية البحرية الروسية. وسوف تتطلب طبرق الليبية تطويرا كبيرا لاستيعاب الأصول البحرية الروسية الأكبر حجما. ويتعين على “الكرملين” أيضا أن يبحر في علاقاته مع لاعبين مؤثرين آخرين في ليبيا.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة

“خطوة للتقارب مع دمشق”.. ناقلة نفط روسية متجهة إلى سوريا

أوكرانيا تواصل إرسال القمح لسوريا.. ماذا عن دور روسيا بعد الأسد؟

تواصل مباشر بين الجيش الأميركي ومكتب الشرع.. والعقوبات لن ترفع قريبا أو تُعلّق

منع الصحفيين الأجانب من دخول الساحل السوري.. وعدد الضحايا يقترب من 1500
الأكثر قراءة

وصفت بـالتاريخية لحظة تصديق الشرع على الإعلان الدستوري

هل تستفيد المصارف السورية من تعليق العقوبات عن “البنك المركزي”؟

هجوم لفلول النظام على حاجز للأمن العام بدمشق

نزوح الآلاف من الساحل السوري باتجاه لبنان.. تفاصيل

ميليشيات عراقية تعتدي على سوريين وتعتقلهم

ميليشيا عراقية تعتدي على السوريين.. دمشق تندّد والسوداني يأمر باعتقال المتورّطين
المزيد من مقالات حول سياسة

“قتل وحرق ودمار”.. شهادات جديدة توثق مجازر الساحل السوري

استمرار الاعتصام المفتوح لموظفي شركة كهرباء السويداء.. ما المطالب؟

وزيرة الخارجية الألمانية في دمشق: بداية سياسية جديدة؟

بعد موجة انتقادات.. وزارة الشؤون الاجتماعية توضح التعميم 28

انتشار سيارات “الدعوة” في شوارع دمشق يثير الجدل والتوترات

“لبحث تنفيذ الاتفاق”.. قائد “قسد” يجتمع مع لجنة من الإدارة السورية

“خطوة للتقارب مع دمشق”.. ناقلة نفط روسية متجهة إلى سوريا
