تصريحات تتبادلها دمشق وموسكو من حين لآخر، تؤشر كلها إلى أن مسار المفاوضات بينهما يسير “بشكل جيد”، وبالتالي فإن احتمال استمرار التواجد الروسي في سوريا هو الأرجح، أي عكس رغبة الشارع السوري.

فبعد أن صرح وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال السورية، مرهف أبو قصرة، لـ”واشنطن بوست” أن بلاده منفتحة على استمرار الوجود العسكري الروسي في قاعدتي طرطوس وحميميم، ما دام ذلك يخدم المصالح السورية، قالت موسكو إن لديها قناة تواصل مع دمشق.

وأضاف السفير الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا في مقابلة مع وكالة “ريا نوفوستي” الروسية، اليوم الاثنين أن بلاده مستعدة لمساعدة سوريا في مرحلة إعادة الإعمار.

موسكو ودمشق على تواصل

وبيّن نيبينزيا أن روسيا تحتفظ بـ “قناة تواصل” مع السلطات السورية الجديدة، كما أنها على اتصال مع رئيس البعثة السورية لدى الأمم المتحدة.

آليات عسكرية روسية قرب قاعدة حميميم الجوية في ريف اللاذقية- “رويترز”

وأشار نيبينزيا إلى أن المحادثات الأخيرة بين روسيا وسوريا أكدت التزام الطرفين بمواصلة بناء تعاون ثنائي متعدد الأوجه على أساس “مبادئ الصداقة التقليدية والاحترام المتبادل”.

وأردف نيبينزيا بالقول: “إن الصداقة بين روسيا والشعب السوري تم اختبارها بمرور الوقت ولا تعتمد على الوضع السياسي؛ موسكو مستعدة لمساعدة شعب الجمهورية العربية السورية في إعادة الإعمار بعد الأزمة في البلاد”.

ولفت نيبينزيا إلى أن “روسيا مقتنعة بأن الشعب السوري قادر على التعامل بشكل مستقل مع التحديات التي تواجهه، دون تدخل خارجي”.

كما أعرب نيبينزيا عن اهتمام روسيا بأن تلعب الأمم المتحدة دورا إيجابيا في دعم العملية السياسية في إطار حوار شامل بمشاركة كافة أطياف القوى السياسية والمجموعات العرقية والدينية في سوريا.

ضرورة مغادرة روسيا سوريا

كما نوّه إلى أنه “بعد تغيير السلطة في سوريا، استمر الوجود الدبلوماسي الروسي هناك”، موضحا أن السفير الروسي يواصل عمله في العاصمة دمشق، بحسب وكالة “ريا نوفوستي”.

وتطرق نيبينزيا كذلك إلى الزيارة الأخيرة التي قام بها نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف إلى دمشق، حيث التقى بممثلي السلطات السورية الجديدة.

في ضوء ذلك، يبدو أن دمشق تتجه نحو إقامة علاقات وطيدة مع موسكو، والغموض السائد يدور فقط حول تنسيق شكل الوجود الروسي. أما الشعب السوري فهو ضد أي تواجد أو إقامة علاقات مع روسيا، نظرا لجرائمها بحق السوريين خلال دعمها لنظام بشار الأسد المخلوع.

وفي هذا الصدد، قال المحلل السياسي الروسي، فاتسلاف ماتوزوف، إنه في ظل التطورات الراهنة، يبرز عدد من النقاط التي تدعو إلى أن يتبنى السوريون موقفا معارضا لهذه السياسة، والذي يُنظر فيه إلى استمرار التواجد العسكري الروسي ليس كعامل استقرار بل كمصدر للمشكلات والعبء على سيادة الدولة ومصالح شعبها.

وبحسب رأيه في وقت سابق لـ”الحل نت”، يُشكل قبول وجود القوات الروسية خطوة إلى الوراء في مجال استعادة السيادة الوطنية السورية، فمنذ بداية التدخل الروسي في سوريا، بات واضحا أن موسكو تسعى إلى تحقيق أهدافها الجيوسياسية والاستراتيجية في المنطقة على حساب استقلالية الدولة. فإذا سمحت دمشق بأن تظل القواعد الروسية قائمة، فإنها بذلك تُضعف قدرتها على اتخاذ قرارات حرة ومستقلة، وتخضع نفسها لسياسات خارجية لا تعكس مصالح الشعب السوري، بل مصالح جهة خارجية تسعى للتأثير في مصير البلاد، وهذا بدوره يعزز الانقسام الداخلي ويحد من قدرة القوى الوطنية على بناء دولة ديمقراطية تضمن حقوق مواطنيها.

ضرورة انفكاك دمشق عن موسكو- “وكالات”

كما أن الاتفاق مع موسكو في ظل هذا السياق يفتح الباب أمام تدخلات مستقبلية لا محالة أن تكون أكثر خطورة، إذ إن الاعتماد على دعم خارجي قد يؤدي إلى خلق ديناميكية تدخلات متكررة تُضعف المؤسسات الوطنية.

وشدّد ماتوزوف، على أن تصريح وزير الدفاع السوري بتسوية مصلحة سياسية قصيرة المدى، يظهر أنه يخلو من الرؤية الوطنية التي تراعي مصالح الشعب السوري واستعادة السيادة الكاملة. إن تبني مثل هذا الموقف يُعتبر انعكاساً لانحدار في المسار السياسي، ويُفتح الباب أمام استمرار الاستغلال الخارجي والتدخل المستمر في الشؤون الداخلية.

من هنا، يتعين على الولايات المتحدة كما الأوروبيين دفع السلطة الجديدة بدمشق نحو بناء سياسات جديدة ومغايرة، وذلك من خلال عدم إحداث فراغ تملء وجوده روسيا، بل توفير فرص جادة وعملية في سوريا لبناء شراكة واستثمارات يتم فيها تبادل المصالح والعلاقات على أسس استراتيجية، الأمر الذي سوف يساهم في قطع الطريق على موسكو ومحاولاتها لإعادة بناء قوة إمبراطورية في الشرق الأوسط.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات