لا تزال جهود موسكو للتقارب مع السلطة الجديدة في دمشق مستمرة، حيث كشف مسؤولون أوروبيون وسوريون لصحيفة “وول ستريت جورنال” أن روسيا تسعى لإبرام صفقة مع دمشق للاحتفاظ بقواعدها العسكرية في سوريا.

وتضمنت المحادثات بين دمشق وموسكو عددا من المواضيع، منها دفع مليارات الدولارات نقدا واستثمارات في حقول وموانئ الغاز، واعتذار موسكو عن دورها في قصف المدنيين بسوريا، بجانب مسألة تسليم بشار الأسد، لكن ذلك قوبل برفض روسي.

واللافت أن الصحيفة الأميركية قالت أيضا نقلا عن مسؤولين، إن علاقة روسيا مع الحكام الجدد في دمشق اكتسبت زخما بعد الاتصال الأول بين الرئيس السوري للفترة الانتقالية أحمد الشرع والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأن دمشق تريد فتح صفحة جديدة مع موسكو.

مفاوضات جارية بين روسيا وسوريا

لا شك أن محاولات موسكو المستمرة والمحمومة في التقارب مع السلطة الجديدة بدمشق، تثير مخاوف السوريين، إذ تخفي روسيا رغبة مستترة في الحفاظ على امتيازاتهم الأمنية والعسكرية لحماية مصالحها الاقتصادية بسوريا وعلى سواحل المتوسط، وهو ما يباعد بين دمشق وحلحلة الجمود مع الغرب وواشنطن بخاصة في ملف العقوبات.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس السوري المخلوع بشار الأسد يقفون لالتقاط صورة مع الجنود أثناء زيارة بوتين لقاعدة حميميم الجوية في محافظة اللاذقية، سوريا، 11 ديسمبر 2017. “سبوتنيك/عبر محرري رويترز

وواقع الحال، فإن الوجود الروسي والحال هكذا يؤزم من حدوث تلك الانفراجة. فالبيئة الاجتماعية والسياسية يتعين أن تكون بها شروط الانفكاك من نمط النظام القديم “البعثي” وما راكمه من سياسات وحلفاء وظيفيين وبراغماتيين.

وبالعودة إلى الصحيفة الأميركية، فإن العقود الاستثمارية التي عرضتها موسكو على دمشق تتضمن مرحلة جديدة في بناء مرفأ طرطوس، الذي تم تعليقه، وتطوير امتيازات الغاز الطبيعي البحرية العملاقة ومناجم الفوسفات وحقول الهيدروكربون في منطقة تدمر؛ بالإضافة إلى بناء معمل للأسمدة في مدينة حمص وسط سوريا.

ووفق المسؤولين للصحيفة الأميركية، بدأت المباحثات عندما وصل ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي ومبعوث روسيا إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف في كانون الثاني/يناير الماضي.

ووفقا لأشخاص مطلعين على المفاوضات، سعى الروس إلى التفاوض بشأن مستقبل قاعدة حميميم الجوية الروسية وقاعدة طرطوس البحرية، لكن المحادثات توسعت لتشمل علاقات اقتصادية أوسع.

عواقب استمرار الوجود الروسي بسوريا

الصحيفة الأميركية نوّهت لمسألة تسليم روسيا الشهر الماضي ما يعادل 23 مليون دولار بالليرة السورية بأسعار الصرف الرسمية إلى البنك المركزي في دمشق.

هذا فضلا عن أن روسيا طُبعت العملات الورقية لدعم الاقتصاد السوري الذي يعاني من نقص السيولة بعدما رفضت معظم الدول الأخرى القيام بذلك خوفا من العقوبات، وفقا لمسؤولين سوريين وأوروبيين لصحيفة “وول ستريت جورنال”، التي أشارت إلى أن هذه النقاط إحدى أولى الإشارات لتحسن العلاقات بينهما.

وجاء ضخ الأموال في وقت امتنعت فيه قطر والسعودية عن تقديم ملايين الدولارات من المساعدات المالية التي بحثتا تقديمها للإدارة الجديدة، إذ تنتظر الدولتان توضيحا من واشنطن بشأن ما إذا كانت العقوبات الأميركية ضد القادة السوريين الذين يتولون السلطة الآن ستُرفع، كما يقول مسؤولون أوروبيون لـ”وول ستريت جورنال”. 

آليات عسكرية روسية قرب قاعدة حميميم الجوية في ريف اللاذقية- “رويترز”

في المقابل، لا توجد تحفظات لدى روسيا بشأن هذا الأمر، وخاصة أنها تواجه عقوبات أميركية وأوروبية بسبب غزوها لأوكرانيا.

يمكن القول إن استمرار الوجود الروسي في سوريا سيؤدي حتما إلى استمرار السياسات المتشددة تجاه سوريا من الغرب وواشنطن، واستمرار العقوبات.

كذلك، استمرار الوجود الروسي في سوريا يُبعد سوريا عن استحقاقاتها في وضع جديد إقليميا وخارجيا، وعلى المستوى السياسي والأمني ​​والاقتصادي، وهذا لا يمكن أن يتم إلا من خلال البحث عن شركاء استراتيجيين، وتصفية السياسات القديمة ومناطق ارتباطها في الفضائين الروسي والإيراني، والمتسبب في عزلة دمشق دوليا.

ويمكن القول أيضا إن الوجود الروسي السياسي والعسكري والاقتصادي الذي يبحث عن فرص لتعزيزه وجوده مع سلطة الشرع الجديدة بدمشق، تهدد المرحلة الانتقالية وتجعلها أمام تناقضات جمّة لا تحتملها تلك الفترة وهي تحتاج لشروط أكثر توافقية، لتجسير العلاقة بين المكونات كافة، فضلا عن علاقات طبيعية بالأوروبيين وأميركا. 

ولا تبدو جرائم روسيا في حق المدنيين بسوريا وبنيتها التحتية التي دمرتها بطائراتها أقل فداحة عن ما ارتكبه نظام الأسد المخلوع وبراميله المتفجرة. وعليه، فإن استمرار هذا التواجد يبعث بانقسام وغبن شديدين داخل المجتمع السوري الذي يسعى إلى الخروج من الحقبة السابقة، وطي صفحة الماضي، وبناء دولة طبيعية لها سيادتها، ومصالحها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة