موقع “تانكر تراكرز”، المتخصص في تتبع حركة السفن في البحار وشحنات النفط الخام العالمية وإصدار تقارير عنها، وثّق إرسال روسيا ناقلة محملة بمليون برميل من النفط الخام إلى سوريا. 

وتؤشر هذه الخطوة إلى أن التواصل المستمر بين دمشق وموسكو قد يُفضي إلى اتفاق ما في الفترة المقبلة، إذ إن هدف روسيا الرئيسي هو الحفاظ على قواعدها العسكرية في سوريا، والذي هو عكس رغبة الشعب السوري.

ومما لا شك فيه أن محاولات موسكو المستمرة والمحمومة في التقارب مع السلطة الجديدة بدمشق، تثير مخاوف السوريين، إذ تخفي روسيا رغبة مستترة في الحفاظ على امتيازاتها الأمنية والعسكرية لحماية مصالحها الاقتصادية بسوريا وعلى سواحل المتوسط، وهو ما يباعد بين دمشق وحلحلة الجمود مع الغرب وواشنطن بخاصة في ملف العقوبات.

وواقع الحال، فإن الوجود الروسي والحال هكذا يؤزم من حدوث تلك الانفراجة. فالبيئة الاجتماعية والسياسية يتعين أن تكون بها شروط الانفكاك من نمط النظام القديم “البعثي” وما راكمه من سياسات وحلفاء وظيفيين وبراغماتيين.

تقارب بين موسكو ودمشق

بحسب وسائل إعلامية نقلا عن موقع “تانكر تراكرز”، من المتوقع وصول الناقلة الروسية في 3 نيسان/أبريل المقبل. وهي ثالث ناقلة روسية موثقة منذ سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر الماضي.

ناقلة النفط “SABINA” التي تتوجه إلى سوريا حاملة النفط من روسيا (Marine Traffic)

وطبقا لـ”تانكر تراكرز“، فإن ناقلة النفط “سابينا” (9524451)، المدرجة على القائمة السوداء لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأميركي (OFAC)، مكلفة بتسليم شحنة الوقود إلى سوريا وانطلقت من ميناء مورمانسك الروسي.

موقع “تانكر تراكرز”، يقول إن روسيا تستخدم الوقود كدخل لتأمين وجودها العسكري المستمر في ميناء طرطوس السوري.

وناقلة النفط “سابينا” ترفع علم باربادوس وتتبع لأسطول الظل الروسي، طبقا لذات المصدر.

في السادس من آذار/مارس الجاري كشف مسؤولون أوروبيون وسوريون  لصحيفة “وول ستريت جورنال” أن روسيا تسعى لإبرام صفقة مع دمشق للاحتفاظ بقواعدها العسكرية في سوريا.

وتضمنت المحادثات بين دمشق وموسكو عددا من المواضيع، منها دفع مليارات الدولارات نقدا واستثمارات في حقول وموانئ الغاز، واعتذار موسكو عن دورها في قصف المدنيين بسوريا، بجانب مسألة تسليم بشار الأسد، لكن ذلك قوبل برفض روسي.

واللافت أن الصحيفة الأميركية قالت أيضا نقلا عن مسؤولين، إن علاقة روسيا مع الحكام الجدد في دمشق اكتسبت زخما بعد الاتصال الأول بين الرئيس السوري للفترة الانتقالية أحمد الشرع والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأن دمشق تريد فتح صفحة جديدة مع موسكو.

وبحسب الصحيفة الأميركية، فإن العقود الاستثمارية التي عرضتها موسكو على دمشق تتضمن مرحلة جديدة في بناء مرفأ طرطوس، الذي تم تعليقه، وتطوير امتيازات الغاز الطبيعي البحرية العملاقة ومناجم الفوسفات وحقول الهيدروكربون في منطقة تدمر؛ بالإضافة إلى بناء معمل للأسمدة في مدينة حمص وسط سوريا.

ووفقا لأشخاص مطلعين على المفاوضات، سعى الروس إلى التفاوض بشأن مستقبل قاعدة حميميم الجوية الروسية وقاعدة طرطوس البحرية، لكن المحادثات توسعت لتشمل علاقات اقتصادية أوسع.

لقاء أحمد الشرع مع الوفد الروسي في العاصمة دمشق- “إنترنت”

في ضوء ذلك، يمكن القول إن ثمة اتفاقات محددة تتم بين دمشق وموسكو، ولا يُفصح عنها أيٌّ من الطرفين. إلا أن كل ذلك يُشير إلى بدايات اتفاق يلوح في الأفق القريب.

وعليه، فإن استمرار الوجود الروسي في سوريا سيؤدي حتما إلى استمرار السياسات المتشددة تجاه سوريا من الغرب وواشنطن، واستمرار العقوبات.

كما أن استمرار الوجود الروسي في سوريا يُبعد سوريا عن استحقاقاتها في وضع جديد إقليميا وخارجيا، وعلى المستوى السياسي والأمني ​​والاقتصادي، وهذا لا يمكن أن يتم إلا من خلال البحث عن شركاء استراتيجيين، وتصفية السياسات القديمة ومناطق ارتباطها في الفضائين الروسي والإيراني، والمتسبب في عزلة دمشق دوليا.

ولا تبدو جرائم روسيا في حق المدنيين بسوريا وبنيتها التحتية التي دمرتها بطائراتها أقل فداحة عن ما ارتكبه نظام الأسد المخلوع وبراميله المتفجرة. وعليه، فإن استمرار هذا التواجد يبعث بانقسام وغبن شديدين داخل المجتمع السوري الذي يسعى إلى الخروج من الحقبة السابقة، وطي صفحة الماضي، وبناء دولة طبيعية لها سيادتها، ومصالحها.

من يزود دمشق بالنفط؟

وفق تقارير صحفية، وصلت أحدث ناقلات النفط الروسية إلى سوريا في 12 آذار/مارس الجاري، بما في ذلك ناقلة تحمل الغاز وأخرى تحمل مادة المازوت، وكلاهما من روسيا.

وقال رئيس دائرة المحطات البحرية في الشركة السورية للنفط، مجد الصيني آنذاك إن دائرة المصب البحري قامت بربط ناقلة الغاز “غاز كاتلينا” التي تحمل 4 آلاف طن من الغاز المنزلي، وناقلة المازوت “بروسبيريتي” التي تحمل نحو 34 ألف طن، وفق وكالة “سانا” المحلية.

بينما وكالة “تاس” الروسية، أفادت في وقت سابق بأن روسيا نظمت عملية تسليم الناقلتين، وأن وقود الديزل تم تحميله من ميناء بريمورسك الروسي في شباط/فبراير الفائت.

وبحسب وكالة “سانا“، فقد وصلت وصلت ناقلة محملة بمادة المازوت إلى مصب ‏بانياس، في 27 شباط/فبراير الفائت، وهي ناقلة النفط الروسية الأولى التي وصلت إلى سوريا منذ سقوط نظام الأسد.

وقالت وكالة “سانا”، آنذاك، إن الكمية المحملة على الناقلة تبلغ 29794 طنا متريا وهي جاهزة للربط والتفريغ.

آليات عسكرية روسية قرب قاعدة حميميم الجوية في ريف اللاذقية- “رويترز”

ولا تعلن السلطات السورية الجديدة عن مصدر شحنات الطاقة إلى الموانئ الساحلية السورية، وتكتفي بالإعلان عن وصول ناقلات محملة بإمدادات الطاقة دون تحديد المصدر أو تفاصيله.

وفي وقت سابق قال وزير النفط السوري في الحكومة الانتقالية المهندس غياث دياب، لقناة “CNBC عربية”، إنه “قد يتم فتح المجال للقطاع الخاص لاستيراد المواد البترولية وليس التوزيع والاستيراد”، مشيرا إلى أنه سيكون متاحا لجميع الجهات الدولية والتجارية والشركات والدول.

وتابع وزير النفط السوري: “بدأنا بالاستيراد بحوالي 3 ناقلات بحمولة 15 ألف طن طرح مناقصات لاستيراد النفط لدول أو شركات والأفضل سنتعاقد معه”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات