ويبدو أن بعض الأحزاب أو البرلمانيين في دول الاتحاد الأوروبي يريدون سحب الثقة الجزئية التي منحوها للحكام الجدد في سوريا فيما يتعلق بتخفيف العقوبات على دمشق، نظرا لأن الأخيرة لم تف بالوعود التي قطعتها لنفسها بشأن حماية الأقليات أو مشاركة كافة المكونات السورية في إدارة البلاد.
وفي هذا الصدد، صوّت البرلمان الهولندي لصالح مذكرة تدعو الحكومة إلى الدفع داخل الاتحاد الأوروبي من أجل إعادة فرض العقوبات التي تم رفعها مؤخرا على سوريا، وذلك “في حال استمرار تدهور حقوق الأقليات في ظل سلطات الأمر الواقع”.
سوريا وإعادة فرض العقوبات
واستندت المذكرة بحسب ما نشره الأكاديمي والباحث غير المقيم في معهد “نيولاينز”، ومدير الأبحاث في “مركز بحوث السياسات والعمليات”، كرم شعّار، إلى أحداث العنف الأخيرة في الساحل السوري والإعلان الدستوري الإقصائي.
وقد حظيت مذكرة البرلماني الهولندي بدعم ائتلاف متعدد الأحزاب، وحذرت من أن رفع العقوبات على سوريا يجب ألا يتيح المجال لمزيد من القمع.
في حين لم تُبدِ الحكومة الهولندية أي اعتراض حيال المذكرة، ما أتاح تمرير المذكرة بدعم واسع.
وحول ذلك، قال كرم شعّار إنه في أي منطق يُعدّ من المقبول إعادة فرض عقوبات فرضت في الأصل بسبب جرائم ارتكبها نظام مضى وانتهى؟
وأردف شعّار عبر صفحته على منصة “الفيسبوك”، إن “ثمة مسارا واحدا يتوافق مع القانون الدولي، وهو العقوبات المفروضة بسبب سلوك نظار بشار الأسد المخلوع يجب أن تُرفع بعد سقوطه بشكل فوري وغير مشروط”.
وتساءل الخبير الاقتصادي السوري: “ألا ينبغي للعالم أن يقلق من سلوك الحكومة الجديدة في دمشق؟ بالطبع نعم، كما أنا قلق كمواطن سوري. ولكن هل العقوبات التي فرضت خلال عهد الأسد هي أفضل أداة سياسية؟ قطعا لا!”.
تداعيات الخطوة الهولندية
من جانبه، قال المحامي والحقوقي السوري، المعتصم الكيلاني، إن مذكرة البرلمان الهولندي تُعدّ مؤشرا خطيرا يُهدد شهورا من الجهود الدبلوماسية، مشيرا إلى أن استئناف العقوبات على سوريا خطوةٌ من شأنها إعادة إنتاج الأزمة، وقد يكون عدم اعتراض الحكومة الهولندية على المذكرة مؤشرا على استعداد أوروبي أوسع للنظر في إعادة فرض العقوبات على سوريا. وهذا يُمثل انتكاسة حقيقية لجميع الجهود المبذولة لإثبات عدم شرعية هذه العقوبات، لا سيما بعد أن انقضت المبررات التي بُنيت عليها أصلا، على حد قوله.
وأردف الحقوقي السوري عبر حسابه الشخصي على منصة “فيسبوك“، أن إعادة فرض العقوبات على سوريا، في حال اعتماد الاتحاد الأوروبي لهذه التوصية، لن يكون لها أي تأثير على الأطراف السياسية المتنازعة، بل ستكون ضربة قاسية للمواطن السوري الذي يعاني أصلا من أزمة اقتصادية خانقة. هذه العقوبات، التي أثبتت مرارا وتكرارا تأثيرها المباشر على الشعب السوري، وليس على أي طرف سياسي محدد، ستفاقم معاناة الفئات الأكثر ضعفا، وستساهم في إطالة أمد الأزمة بدلا من المساهمة في إيجاد حلول مستدامة.
وأكد الكيلاني على ضرورة التحرك الدبلوماسي العاجل لمواجهة هذا التطور الخطير، والضغط على الاتحاد الأوروبي لمنع إعادة فرض العقوبات، فضلا عن ضرورة تحرك رسمي ومجتمعي لتوضيح العواقب الكارثية لمثل هذه القرارات، والتأكيد على أن الشعب السوري لم يعد يتحمل المزيد من العقوبات التي تعيق عملية التعافي وإعادة الإعمار.
إلى جانب التحرك الدبلوماسي، لا بد أن تتخذ الحكومة السورية خطوات ملموسة لتعزيز العدالة ومكافحة الإفلات من العقاب، وهو ما يشكل أحد أبرز المطالب الدولية. ويشمل ذلك، وفق الكيلاني، وضع خطط واضحة لمحاسبة مرتكبي الجرائم والانتهاكات، سواءً في الساحل السوري أو في أي منطقة أخرى، وتطبيق آليات العدالة الانتقالية التي تضمن إنصاف الضحايا وتحقيق المصالحة الوطنية. كما يجب إشراك السوريين في صنع القرار، بما يعزز نهج الشراكة الوطنية ويؤسس لمرحلة جديدة من بناء سوريا على أسس عادلة ومستدامة.
تخفيف العقوبات الأوروبية
منذ عام 2011، فرض الاتحاد الأوروبي سلسلة من العقوبات على سوريا ردا على سياسة النظام البائد العنيفة تجاه الاحتجاجات الشعبية السلمية.
وتضمنت هذه العقوبات حظر الأسلحة، وحظر استيراد النفط والمنتجات النفطية السورية، والقيود المالية، بما في ذلك تجميد أصول “البنك المركزي السوري” ومنع المؤسسات المالية من فتح فروع في أوروبا، فضلا عن القيود المفروضة على تصدير المعدات والتكنولوجيا التي يمكن استخدامها للقمع الداخلي أو لمراقبة الاتصالات.
بالإضافة إلى ذلك، استهدفت العقوبات الأوروبية مئات الأفراد والكيانات المرتبطة بالنظام السوري السابق، وشملت تجميد الأصول وحظر السفر.
لكن بعد سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، قال الاتحاد الأوروبي إنه سيسعى إلى تخفيف العقوبات لمصلحة الشعب السوري، وبالفعل أعلن الاتحاد الأوروبي في 24 شباط/فبراير 2025، تعليق العقوبات التي تؤثر على قطاعات الطاقة والمصارف والنقل.

وأوضح مجلس الاتحاد آنذاك في بيان أنه قرر “تعليق الإجراءات التقييدية في قطاعات الطاقة، بما في ذلك النفط والغاز والكهرباء والنقل”.
كذلك، قرر المجلس “رفع 5 جهات هي المصرف الصناعي، ومصرف التسليف الشعبي، ومصرف الادخار، والمصرف الزراعي التعاوني، ومؤسسة الطيران العربية السورية، من قائمة الجهات الخاضعة لتجميد الأموال والموارد الاقتصادية”، بجانب السماح بوضع الأموال والموارد الاقتصادية (لتلك الجهات) تحت تصرف البنك المركزي السوري”.
وتقول الدول الأوروبية إن رفع العقوبات سيكون تدريجيا، مع الإبقاء على بعض العقوبات المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان، وتهريب المخدرات، والأسلحة.
خطوة غربية للوراء
أعلن قادة الاتحاد الأوروبي، الخميس الماضي، أن الاتحاد سيواصل النظر في تمديد تعليق العقوبات على سوريا، مع مراقبة الوضع في البلاد عن كثب.
وأدان قادة الاتحاد الأوروبي أعمال العنف الأخيرة في الساحل السوري، وحثوا القادة السوريين على “ضمان حماية جميع المدنيين”.
من جانبه، قال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، مؤخرا إنه اقترح خلال اجتماع للتكتل فرض عقوبات على الضالعين في شن هجمات على العلويين في سوريا.
تعهد المانحون في “مؤتمر بروكسل” بدفع 5.8 مليار يورو (6.3 مليار دولار) لمساعدة احتياجات الشعب السوري والدول المجاورة التي تستضيف اللاجئين السوريين.
يبدو أن الأحداث الدموية التي شهدتها سوريا في ساحلها، لم تكن أمرا عاديا، بل شكّلت نقطة تحول على عدة مستويات، وتحديدا على مستوى المجتمع الدولي ولدى الولايات المتحدة، حيث إن مشاهد العنف القصوى قد غيرت مزاج عدة أطراف إقليمية ودولية تجاه حكام سوريا الجدد، والسلطة الانتقالية التي يقودها الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، لا سيما أن الحوادث التي راكمت نظرة سلبية في السجل الحقوقي لدمشق مرة جديدة بعد سقوط بشار الأسد، أعادت النظر في احتمالات عدم وفاء القوى الجديدة بالوعود المختلفة بشأن حماية الأقليات، والقطيعة مع ميراث العنف والاستقطاب على أساس طائفي، كما هو الحال في حقبة “الأسد” المريرة.
يمكن اعتبار المجازر والانتهاكات التي وقعت في الساحل السوري انعطافة جذرية، وسيحدد مسارها مدى التزام الحكام الجدد في دمشق بوعودهم، وسط إدانات دولية وأممية لمقتل عائلات علوية بأكملها على يد فصائل سورية محسوبة على الإدارة السورية الجديدة.

من ثم، يُمكن القول إن الشرع يتحمل مسؤولية هذه المجازر والانتهاكات، ويجب أن يُحقق العدالة ومحاسبة المسؤولين عن هذه الأعمال الدموية وتحقيق الاستقرار في البلاد، وإلا فسيواجه هو وسلطته عقبات كثيرة في كسب ثقة وشرعية الدول الخارجية.
الشرع اليوم مطلوب منه تحقيق مشاركة الجميع في العملية السياسية، أي تشكيل حكومة جامعة وشاملة بعيدا عن الإقصاء والتهميش لأي مكون سوري، وليس كما ورد في الدستور الذي وقعه قبل أسابيع ومنحه استحقاقات عديدة تبدو وكأنها فوق دستورية وحصنه من المسائلة وكذا وزراء حكومته.
وبالتالي، فإن شروط الدول الغربية واضحة ومباشرة ولا سيما واشنطن، وهي متمثلة في مشاركة جميع المكونات بالحكم وحماية الأقليات وحقوق المرأة، فإذا كان هذا صعب التحقيق على الشرع وسلطته، فإن العقوبات الأوروبية لن ترفع كاملة، ولن تغير واشنطن من موقفها السلبي والمتحفظ تجاهه من حيث استمرار العقوبات الأميركية، وبالتالي الوضع في سوريا سيبقى على ما هو عليه، معقد وفوضوي وغير آمن لا سياسيا ولا اجتماعيا ولا اقتصاديا.
- الخطر الذي يتسلل مجدداً.. عن احتمالات عودة “داعش” إلى سوريا
- هيئتان لـ العدالة الانتقالية والمفقودين… ما المطلوب لضمان عمل مستقل؟
- “الليرة الجديدة”.. هل تنقذ الاقتصاد السوري أم تعمّق أزمته؟
- هل أصبحت سوريا مؤهلة لتلقي التمويلات الجديدة؟.. البنك الدولي يجيب
- وزير الدفاع يعلن دمج كافة الوحدات العسكرية.. ما دور بريطانيا بإعادة هيكلة الجيش؟
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة
الأكثر قراءة

هل تكون العملة الجديدة حلا سحريًا لاستعادة الثقة في الليرة السورية؟.. خبير يوضح

هل تستطيع سوريا النجاة من نيران الطائفية؟

نتائج زيارة الوزير الشيباني إلى نيويورك: بين الخلط والفشل!

محمد رمضان يتجاهل محاكمته بتُهمة إهانة العَلم المصري بأسلوب استفزازي!

ماهر مروان: سيرة مشبوهة وقرابة نافذة بالشرع.. ما أهليّته لقيادة دمشق؟

لا قرار رسمي.. نقل مراكز الامتحانات يثير مخاوف طلبة الحسكة
المزيد من مقالات حول سياسة

هيئتان لـ العدالة الانتقالية والمفقودين… ما المطلوب لضمان عمل مستقل؟

وزير الدفاع يعلن دمج كافة الوحدات العسكرية.. ما دور بريطانيا بإعادة هيكلة الجيش؟

“سوريا لا تقبل وصاية”.. الشيباني يطلق رسائل خلال القمة العربية ببغداد

القمة العربية تقف مع سوريا.. تفاصيل

وزارة الداخلية تكشف عن خطة أمنية لإدارة سوريا.. تفاصيل

“العفو الدولية” تطالب دمشق بمنع وقوع المزيد من الانتهاكات ومحاسبة المتورطين بمجازر الساحل

المقاتلون الأجانب.. كيف ستتعامل دمشق مع هذا الملف الحسّاس؟
