لا يزال الاتحاد الأوروبي يدرس تخفيف العقوبات المفروضة على سوريا، إذ يبدو أن سقوط نظام بشار الأسد غير كافٍ لرفعها بالكامل. بل يربط الاتحاد الأوروبي العقوبات بعدة شروط أساسية، منها غياب انتقال سياسي حقيقي أو ضمانات لحقوق الأقليات، وخاصة بعد المجازر التي حصلت في الساحل السوري بحق الطائفة العلوية.

وصرحت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، اليوم الاثنين، بأن الاتحاد الأوروبي سيناقش اليوم إمكانية تخفيف العقوبات عن سوريا.

إمكانية رفع العقوبات عن سوريا

وفي تصريحات صحفية قبيل اجتماع مجلس الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي، قالت كالاس إنه سيكون هناك نقاش حول الشرق الأوسط وما إذا كان ينبغي المضي قدما في تخفيف العقوبات على سوريا.

مبنى وزارة الخارجية السورية في العاصمة دمشق بعدسة “الحل نت”

ومن المقرر أن يناقش وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الحرب الروسية على أوكرانيا، وتضامن الاتحاد الأوروبي مع أوكرانيا، والدعم العسكري الأوروبي لكييف. 

كذلك، سيناقشون الوضع في الشرق الأوسط، وموقف الاتحاد الأوروبي من هذه القضايا، والدعم الإنساني للفلسطينيين، والوضع في سوريا، من بين قضايا أخرى.

وتأتي هذه الخطوة بعد أشهر قليلة من تخفيف الاتحاد الأوروبي للعقوبات عقب سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر الماضي.

العقوبات الأوروبية على سوريا

نذ عام 2011، فرض الاتحاد الأوروبي سلسلة من العقوبات على سوريا ردا على سياسة النظام البائد العنيفة تجاه الاحتجاجات الشعبية السلمية.

وتضمنت هذه العقوبات حظر الأسلحة، وحظر استيراد النفط والمنتجات النفطية السورية، والقيود المالية، بما في ذلك تجميد أصول “البنك المركزي السوري” ومنع المؤسسات المالية من فتح فروع في أوروبا، فضلا عن القيود المفروضة على تصدير المعدات والتكنولوجيا التي يمكن استخدامها للقمع الداخلي أو لمراقبة الاتصالات.

بالإضافة إلى ذلك، استهدفت العقوبات الأوروبية مئات الأفراد والكيانات المرتبطة بالنظام السوري السابق، وشملت تجميد الأصول وحظر السفر.

لكن بعد سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، قال الاتحاد الأوروبي إنه سيسعى إلى تخفيف العقوبات لمصلحة الشعب السوري، وبالفعل أعلن الاتحاد الأوروبي في 24 شباط/فبراير 2025، تعليق العقوبات التي تؤثر على قطاعات الطاقة والمصارف والنقل.

وأوضح مجلس الاتحاد آنذاك في بيان أنه قرر “تعليق الإجراءات التقييدية في قطاعات الطاقة، بما في ذلك النفط والغاز والكهرباء والنقل”.

ربما يكون من الضروري تأجيل رفع العقوبات الغربية إلى حين التحقق بشكل ملموس من التقدم في تحقيق انتقال ديمقراطي سلمي في سوريا- “رويترز”

كذلك، قرر المجلس “رفع 5 جهات هي المصرف الصناعي، ومصرف التسليف الشعبي، ومصرف الادخار، والمصرف الزراعي التعاوني، ومؤسسة الطيران العربية السورية، من قائمة الجهات الخاضعة لتجميد الأموال والموارد الاقتصادية”، بجانب السماح بوضع الأموال والموارد الاقتصادية (لتلك الجهات) تحت تصرف البنك المركزي السوري”.

أسباب عدم رفع العقوبات “كليا”

وتقول الدول الأوروبية إن رفع العقوبات سيكون تدريجيا، مع الإبقاء على بعض العقوبات المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان، وتهريب المخدرات، والأسلحة. وقد اتفق وزراء خارجية دول التكتل على خارطة طريق لتخفيف العقوبات الأوروبية على سوريا.

وخلال آذار/مارس الماضي، أعلن قادة الاتحاد الأوروبي، أن الاتحاد سيواصل النظر في تمديد تعليق العقوبات على سوريا، مع مراقبة الوضع في البلاد عن كثب.

وأدان قادة الاتحاد الأوروبي أعمال العنف الأخيرة في الساحل السوري، وحثوا القادة السوريين على “ضمان حماية جميع المدنيين”.

ويبدو أن بعض الأحزاب أو البرلمانيين في دول الاتحاد الأوروبي يريدون سحب الثقة الجزئية التي منحوها للحكام الجدد في سوريا فيما يتعلق بتخفيف العقوبات على دمشق، نظرا لأن الأخيرة لم تف بالوعود التي قطعتها لنفسها بشأن حماية الأقليات أو مشاركة كافة المكونات السورية في إدارة البلاد.

وخلال آذار/مارس الفائت، صوّت البرلمان الهولندي لصالح مذكرة تدعو الحكومة إلى الدفع داخل الاتحاد الأوروبي من أجل إعادة فرض العقوبات التي تم رفعها مؤخرا على سوريا، وذلك “في حال استمرار تدهور حقوق الأقليات في ظل سلطات الأمر الواقع”.

واستندت المذكرة بحسب ما نشره الأكاديمي والباحث غير المقيم في معهد “نيولاينز”، ومدير الأبحاث في “مركز بحوث السياسات والعمليات”، كرم شعّار، إلى أحداث العنف الأخيرة في الساحل السوري والإعلان الدستوري الإقصائي.

وقد حظيت مذكرة البرلماني الهولندي بدعم ائتلاف متعدد الأحزاب، وحذرت من أن رفع العقوبات على سوريا يجب ألا يتيح المجال لمزيد من القمع. في حين لم تُبدِ الحكومة الهولندية أي اعتراض حيال المذكرة، ما أتاح تمرير المذكرة بدعم واسع.

يبدو أن الأحداث الدموية التي شهدتها سوريا في ساحلها، لم تكن أمرا عاديا، بل شكّلت نقطة تحول على عدة مستويات، وتحديدا على مستوى المجتمع الدولي ولدى الولايات المتحدة، حيث إن مشاهد العنف القصوى قد غيرت مزاج عدة أطراف إقليمية ودولية تجاه حكام سوريا الجدد، والسلطة الانتقالية التي يقودها الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، لا سيما أن الحوادث التي راكمت نظرة سلبية في السجل الحقوقي لدمشق مرة جديدة بعد سقوط بشار الأسد، أعادت النظر في احتمالات عدم وفاء القوى الجديدة بالوعود المختلفة بشأن حماية الأقليات، والقطيعة مع ميراث العنف والاستقطاب على أساس طائفي، كما هو الحال في حقبة “الأسد” المريرة.

تقول الدول الأوروبية إن رفع العقوبات سيكون تدريجيا- “إنترنت”

يمكن اعتبار المجازر والانتهاكات التي وقعت في الساحل السوري انعطافة جذرية، وسيحدد مسارها مدى التزام الحكام الجدد في دمشق بوعودهم، وسط إدانات دولية وأممية لمقتل عائلات علوية بأكملها على يد فصائل سورية محسوبة على الإدارة السورية الجديدة.

شروط الدول الغربية واضحة ومباشرة ولا سيما واشنطن، وهي متمثلة في مشاركة جميع المكونات بالحكم وحماية الأقليات وحقوق المرأة، فإذا كان هذا صعب التحقيق على الشرع وسلطته، فإن العقوبات الأوروبية لن ترفع كاملة، ولن تغير واشنطن من موقفها السلبي والمتحفظ تجاهه من حيث استمرار العقوبات الأميركية، وبالتالي الوضع في سوريا سيبقى على ما هو عليه، معقد وفوضوي وغير آمن لا سياسيا ولا اجتماعيا ولا اقتصاديا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة