في زيارة رسمية إلى روسيا، أجرى أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، مباحثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث تطرّق الجانبان إلى عدد من الملفات الإقليمية، ومن بينها الوضع السوري.

ووصل أمير قطر اليوم الخميس إلى العاصمة الروسية موسكو، برفقة وفد رسمي ضم رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية، الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني.

الشرع والعلاقات مع روسيا

وفي مستهل المحادثات مع بوتين، أكد أمير قطر حرص الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع الذي تحدث معه قبل عدة أيام، على بناء علاقة مع روسيا تقوم على “الاحترام ومصالح الشعبين”، وفق قناة “روسيا اليوم“.

أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني خلال لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قصر الكرملين الكبير بموسكو اليوم الخميس- “أ.ب”

وأشار أمير قطر خلال اللقاء إلى أن سوريا تمر بمرحلة “دقيقة وحساسة”، مؤكدا أن من مصلحة قطر والمجتمع الدولي دعم الجهود الرامية إلى الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وتعزيز السلم الأهلي، في ظل التحديات التي تواجهها البلاد خلال المرحلة الانتقالية.

من جانبه، أكد بوتين استعداد موسكو لبذل كل ما بوسعها لضمان سيادة سوريا ووحدة أراضيها واستقلالها.

وقال بوتين: “ناقشنا القضايا المتعلقة بتطورات الوضع في سوريا. وهذا أيضا له أهمية كبيرة بالنسبة لنا. ونحن نعتزم بذل قصارى جهدنا لضمان بقاء سوريا دولة ذات سيادة مستقلة تتمتع بوحدة أراضيها”.

واقترح بوتين على أمير قطر مناقشة تقديم المساعدة للشعب السوري، وقال: “نود أيضا أن نناقش معكم إمكانية تقديم المساعدة للشعب السوري، بما في ذلك المساعدات الإنسانية. ولا تزال (سوريا تواجه) مشاكل كثيرة، سواء على المستوى السياسي أو من حيث ضمان الأمن، أو من الناحية الاقتصادية البحتة”.

هل ثمة وساطة قطرية؟

منذ سقوط نظام بشار الأسد، وروسيا تحاول أن تحافظ على مصالحها في سوريا، لا سيما قواعدها العسكرية بالساحل. وعليه لم ينقطع التواصل بين دمشق وموسكو، لكن ثمة حذر روسي واضح من تغيّر مراكز القوى والنفوذ داخل سوريا، خصوصا إذا ما انفتحت القيادة السورية الجديدة على تحالفات عربية أو غربية.

وزيارة أمير قطر لروسيا اليوم وتطرقه للملف السوري والقول بأن أحمد الشرع حريص على العلاقة مع روسيا، يؤشر إلى محاولة قطرية لأن تؤدي أدوار وساطة إقليمية بين دمشق وموسكو.

أمير قطر ورئيس سوريا للمرحلة الانتقالية- “الديوان الأميري القطري”

إذ إن الدوحة تضطلع من خلال هذه الوساطة، بدور يعزز من موقعها الجيوسياسي في المعادلات الجديدة والمتغيرة بالمنطقة والعالم، وأن تجمع ملفات إقليمية تجعل أقدامها داخل الخرائط التي تتشكل في “شرق أوسط” يعاد تشكيله، ذلك ما يضمن حماية لمصالحها السياسية والخارجية، إلى جانب إعادة الإعمار مستقبلا، مع الأخذ في الاعتبار أهمية إبعاد إيران وأن تكون دمشق في محيطها العربي بموافقة روسية. ومن هنا، تبرز رهانات الدوحة على الدبلوماسية والمال والمرونة السياسية في المرحلة القادمة بسوريا.

وعليه، يمكن القول إن العلاقة السورية–الروسية تسير حاليا في مرحلة اختبار وتفاوض ناعم، لكن مستقبل العلاقة بين البلدين سيتوقف على مدى تقبّل الشرع للوجود الروسي طويل الأمد، فضلا عن قدرة قطر والدول العربية تقديم بدائل اقتصادية وأمنية متوازنة بديلا عن الغرب.

تداعيات التواجد الروسي بسوريا

خلال الشهر الماضي، دعا النائب بات فالون (جمهوري من تكساس)، عضو لجنة الاستخبارات والخدمات المسلحة في “مجلس النواب الأميركي”، إلى طرد روسيا من سوريا. 

وقال في منشور عبر منصة “إكس”: “إذا أردنا سلاما دائما في أوكرانيا، فلا يمكننا السماح لروسيا باستغلال الفوضى في سوريا والحفاظ على السيطرة على قواعدها الجوية”.

وتابع: “إن وجود روسيا في سوريا يفيد وكلاء إيران الإرهابيين، الذين يسعون إلى زعزعة استقرار المنطقة وتقويض مصالح الأمن القومي الأميركي”.

مما لا شك فيه أن استمرار الوجود الروسي في سوريا يُعقّد أي انفراج في الوضع السوري، إذ يُبعد السلطات في دمشق وحلحلة الجمود مع الغرب وواشنطن، بخاصة في ملف العقوبات. 

كما أن التواجد الروسي بسوريا يُثير قلق واشنطن وأوروبا لأسباب عدة، منها أنه يشكل تحديا للسياسة الخارجية الأميركية والأوروبية، حيث يسعى الروس لتعزيز نفوذهم في المنطقة عبر سوريا.

إلى جانب أنه يشكل تحديا أمنيا للولايات المتحدة وحلفائها، خاصة مع استمرار تأزم الوضع في سوريا وتداعياتها الإقليمية. كما أنه يثير المخاوف من زعزعة الاستقرار في سوريا، وبالتالي في المنطقة ككل.

ولا يخفى على أحد أن روسيا لعبت دورا محوريا في تعقيد المشهد السوري خلال السنوات الماضية، حيث شكّل تدخلها العسكري والسياسي، منذ ما يقارب عقد من الزمان، أحد العوامل الأساسية في تأزيم الأوضاع وتصعيد الصراع السوري، مما أدى إلى دمار شبه كامل وتدهور الأوضاع السورية على جميع المستويات.

التواجد الروسي في سوريا- “وكالات”

كما أن استمرار الوجود الروسي في سوريا يُبعد سوريا عن استحقاقاتها في وضع جديد إقليميا وخارجيا، وعلى المستوى السياسي والأمني ​​والاقتصادي، وهذا لا يمكن أن يتم إلا من خلال البحث عن شركاء استراتيجيين، وتصفية السياسات القديمة ومناطق ارتباطها في الفضائين الروسي والإيراني، والمتسبب في عزلة دمشق دوليا.

ولا تبدو جرائم روسيا في حق المدنيين بسوريا وبنيتها التحتية التي دمرتها بطائراتها أقل فداحة عن ما ارتكبه نظام بشار الأسد المخلوع وبراميله المتفجرة. وعليه، فإن استمرار هذا التواجد يبعث بانقسام وغبن شديدين داخل المجتمع السوري الذي يسعى إلى الخروج من الحقبة السابقة، وطي صفحة الماضي، وبناء دولة طبيعية لها سيادتها، ومصالحها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات