شاركت سوريا للمرة الأولى منذ أكثر من أربعة عقود، في “اجتماعات الربيع” لصندوق النقد ومجموعة البنك الدوليين لعام 2025 التي انعقدت في واشنطن، في وقت تواجه فيه دمشق تحديات العقوبات المفروضة منذ عهد الأسد البائد، وغياب الاعتراف الدولي بها، كما تُضاف إلى هذه التحديات احتياجات إعادة إعمار البلاد.
وحاول الوفد السوري خلال مشاركته أن يحقق بعض المكتسبات على الصعيد الاقتصادي وإعادة الإعمار، في وقت تسعى خلاله الإدارة السورية الجديدة إلى إعادة بناء علاقات سوريا في المنطقة وخارجها، والحصول على الدعم لجهود إعادة الإعمار.
السوريون يترقبون
“اجتماعات الربيع” تعد تجمعًا لوزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية للدول الأعضاء، إلى جانب شخصيات بارزة من القطاع الخاص والمنظمات الدولية، وتكتسب هذه المشاركة أهمية استثنائية، ليس فقط من الناحية الاقتصادية، بل أيضاً باعتبارها أول زيارة رسمية لمسؤولي الإدارة السورية الجديدة إلى الولايات المتحدة بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد.
علق السوريون، الذين يعيش أكثر من 90 بالمئة منهم تحت خط الفقر، آمالًا كبيرة على مشاركة بلادهم في اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين، مترقبين أن تسفر عن خطوات عملية وقرارات فعالة تُحدث أثرًا مباشرًا وسريعًا في حياتهم اليومية، وسط تساؤلات متزايدة حول مدى واقعية تحقيق هذه التطلعات.

من خلال المشاركة في الاجتماعات، عادت سوريا من جديد إلى النظام الاقتصادي والمالي العالمي بشكل رسمي، حيث شهدت الاجتماعات عقد طاولة مستديرة مخصصة لدعم الاقتصاد السوري بحشد من المملكة العربية السعودية وبحضور مؤسسات التمويل الدولية والإقليمية وعدد من الدول.
وأكد وزير المالية السوري، محمد يسر برنية، على سعي بلاده لإجراء إصلاح اقتصادي بلا قروض يعتمد على الدعم الفني المقدم من المؤسسات التمويلية الدولية والدول الصديقة، وفق تصريحات نقلها عنه موقع “بلومبيرغ الشرق”.
وكشف وزير المالية السوري، أنه من المنتظر وصول بعثات دولية لسوريا، الأحد، لتبدأ عملها على أن تصل بعثات أخرى الأسبوع القادم وخلال الأسابيع المقبلة في مختلف المجالات لتقييم الوضع واقتراح خطط عمل وبرامج وفقاً لاحتياجات البلاد وأولوياتها.
التوافق الدولي على دعم السوريين
على هامش اجتماعات الربيع تناولت طاولة مستديرة رفيعة المستوى الشأن السوري، والتي حضرها وزراء مالية وشركاء دوليين ومؤسسات مالية متعددة الأطراف إلى جانب الوفد السوري.
وبحسب بيان مشترك أصدره وزير المالية السعودي ورئيس اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية في صندوق النقد الدولي، محمد الجدعان، مع المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا، ورئيس مجموعة البنك الدولي، أجاي بانغا، فإن هذا الاجتماع شكّل امتدادًا لسلسلة من اللقاءات الدولية الداعمة لسوريا، من بينها مؤتمر باريس في شباط/ فبراير الماضي، واجتماع العلا، ومؤتمر بروكسل التاسع، مما أتاح فرصة للوقوف على التقدم المحرز والخطوات المستقبلية.
هناك توافقًا دوليًا على أولوية دعم الشعب السوري من خلال إعادة بناء المؤسسات، وتعزيز الحوكمة، وتطوير السياسات العامة، فضلاً عن تشجيع القطاع الخاص، وخلق فرص العمل.
البيان المشترك
ودعا المشاركون كلاً من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي إلى الإسهام في دعم سوريا ضمن ولاياتهما المؤسسية، وبالتنسيق مع الشركاء الدوليين، في حين جددوا التأكيد على أهمية تمكين سوريا من الاندماج مجدداً في المجتمع الدولي، والحصول على الموارد اللازمة لتحقيق تعافٍ شامل ومستدام.
واختُتم البيان بالتطلع إلى عقد اجتماع متابعة خلال الاجتماعات السنوية المقبلة في أكتوبر (تشرين الأول) 2025، لمراجعة التقدم وتعزيز التعاون الدولي دعماً لتعافي سوريا وازدهار شعبها.
الدعم السعودي
مشاركة سوريا في اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين حظيت باهتمام وترحيب كبيرين من قبل المؤسسات الإقليمية، كما أن اهتمام الدول الشقيقة والصديقة فاق التوقعات، بحسب تأكيدات وزير المالية السوري.
ووصف وزير المالية السوري الطاولة المستديرة التي نُظمت حول بلاده بأنها “حدث غير مسبوق” في ظل مشاركة رئيس مجموعة البنك الدولي ومديرة صندوق النقد الدولي ووزراء من مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى ووزراء المالية بعدد من الدول العربية ورؤساء من مؤسسات إقليمية ودولية وأيضاً الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، “الذين أظهروا حرص ودعم المشاركين لتقديم الدعم لإعادة إعمار سوريا”.

كما أشاد برنية بالدعم السعودي خلال الاجتماعات، وخاصة عقد اجتماع الطاولة المستديرة بشأن سوريا، حيث قام وزير المالية محمد الجدعان بجهود كبيرة في حشد كل هذه المنظمات والدول لدعم سوريا.
في سياق متصل، أكدت مصادر مطلعة أن السعودية قامت بدفع متأخرات مستحقة على سوريا بقيمة نحو 15 مليون دولار لصالح “البنك الدولي”، مما يفتح الطريق أمام دمشق للاستفادة مجددًا من منح وقروض البنك، ويدعم إدماجها التدريجي في المنظومة الاقتصادية الدولية.
وعلى سوريا متأخرات بنحو 15 مليون دولار للبنك الدولي، ويجب سداد هذا المبلغ قبل أن يتمكن بنك التنمية متعدد الأطراف من الموافقة على المنح وتقديم أشكال أخرى من المساعدة.
“صندوق النقد” والتحرك الحذر
فيما يخص مفاوضات سوريا مع صندوق النقد الدولي، أوضح برنية أن بلاده لا تسعى لطلب قروض من المؤسسات الدولية، إذ يتم التركيز على الحصول على الدعم الفني وبناء القدرات ونقل المعرفة، للمساهمة في دعم جهود الإصلاح الاقتصادي واستعادة مسار التعافي.
من جانبها سلطت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغيفا، الضوء على لقاء مسؤولين من الصندوق ومن البنك الدولي ودول رئيسية مع مسؤولين من سوريا هذا الأسبوع لبحث الجهود المبذولة لإعادة إعمار البلاد بعد الحرب، مؤكدين على الحاجة إلى بيانات اقتصادية موثوقة.
إعادة بناء “مصرف سوريا المركزي” وتوسيع قدرة البلاد على توليد الإيرادات من القضايا الرئيسية الأخرى التي تمت مناقشتها خلال اللقاء الذي عقد خلال اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن.
المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغيفا
وأشارت إلى أن المناقشات مع المسؤولين السوريين ركزت على البدء في مراجعة المؤسسات والقدرات المتعلقة بالسياسات في سوريا، والعمل على تحسين مصداقية البيانات، وإعادة بناء المصرف المركزي، وقدرة سوريا على توليد إيرادات.
وبيّنت أن التحرك في سوريا لابد أن يكون “بحذر” مع الانخراط في العمل، مشيرة إلى أن صندوق النقد الدولي عيّن رئيساً لبعثته إلى سوريا للمساعدة في توجيه عمل الصندوق هناك.
تعيين رئيس لبعثة “صندوق النقد” إلى سوريا
في أول خطوة من نوعها منذ اندلاع الثورة السورية، عيّن صندوق النقد الدولي رئيسا لبعثته إلى سوريا، وهو ما يُعد تحوّلا لافتا في العلاقة بين دمشق والمؤسسات المالية الدولية، حيث تم تعيين الاقتصادي المخضرم، رون فان رودن، رئيسا لبعثة الصندوق إلى سوريا.
ووصف وزير المالية السوري هذه الخطوة بأنها خطوة مهمة تمهّد الطريق لحوار بنّاء بين صندوق النقد وسوريا، بهدف مشترك يتمثل في دفع عجلة التعافي الاقتصادي وتحسين معيشة الشعب السوري.

وعكس هذا التعيين بداية التحول في العلاقة بين سوريا والمؤسسات المالية الدولية، لا سيما وأن سوريا لم يكن لها أي تعاملات رسمية مع المؤسسة خلال الأربعين عامًا الماضية، وكانت آخر بعثة زارت دمشق في أواخر عام 2009، أي قبل اندلاع الاحتجاجات المناهضة للرئيس المخلوع بشار الأسد، بحسب الموقع الرسمي لصندوق النقد الدولي.
برنية أشار إلى أن هناك “تفهم كبير” من قبل الدول والمؤسسات الدولية لرؤية الحكومة السورية بشأن مستقبل سوريا والحاجة القصوى لرفع العقوبات، وقال إنه رغم تخفيف العقوبات، خاصةً من قبل بريطانيا والاتحاد الأوروبي، إلا أن هذا ليس كافياً، حيث أن المسوغات السياسية والأخلاقية والاقتصادية لم تعد موجودة لاستمرار هذه العقوبات.
تأثير محدود لرفع العقوبات
كانت رفعت المملكة المتحدة العقوبات عن مصرف سورية المركزي و23 كياناً اقتصادياً، بينها 13 شركة في قطاع الطاقة في خطوة تأتي ضمن نهج تدريجي بدأته بعض الحكومات الغربية بعد سقوط نظام الأسد في كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
كما وافق الاتحاد الأوروبي على تعليق جزئي لعدة عقوبات تطال صناعة الطاقة السورية، بما في ذلك إلغاء الحظر على استيراد النفط الخام من البلاد، وتصدير التكنولوجيا إلى صناعة النفط والغاز.
وفي كانون الثاني/ يناير، أصدرت الولايات المتحدة إعفاءً لمدة ستة أشهر لبعض العقوبات بهدف تشجيع المساعدات الإنسانية، لكن هذا كان له تأثير محدود.
تسعى الحكومة السورية بقيادة الرئيس المؤقت أحمد الشرع، إلى حشد الدعم الدولي لتوفير احتياجات إعادة الإعمار والتعافي، والتي قد تتكلف مئات المليارات من الدولارات، لكن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يعترف بتلك الحكومة رسميًا بعد، بينما تُعقِّد العقوبات هذه الجهود بشكل كبير.
- المؤتمر الكُردي بسوريا: بين رهانات وحدة الصف والاختبارات الإقليمية
- “لوموند”: فيديوهات موثقة تثبت تورط عناصر من النظام الجديد في مجازر العلويين
- “المجلس العسكري في السويداء” يفعّل حرس الحدود.. ورامي مخلوف يعلن عودة “قوات النخبة” في الساحل
- كيف تتواطؤ بكين مع “الحوثيين” عبر الأقمار الصناعية؟
- بين مطامع الملاك وغياب الرقابة.. الأسعار الخيالية تضع سوق العقارات السورية في مأزق
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة
الأكثر قراءة

واشنطن تتسلّم رد دمشق على متطلبات تخفيف العقوبات.. تفاصيل

هل تحمل زيارة وزير الخارجية الأردني لدمشق رسائل بعد حلّ “اللواء الثامن” بدرعا؟

مسؤول أميركي: لا ثقة بدمشق حتى الآن وهذه أولوياتنا في سوريا

مرهف أبو قصرة: من حقول حلفايا لوزارة الدفاع السورية.. رحلة مثيرة للجدل!

محمد البشير: من حكومتي الإنقاذ وتصريف الأعمال إلى وزارة الطاقة.. السيرة الكاملة

مباحثات أوروبية حول إمكانية تخفيف العقوبات عن سوريا
المزيد من مقالات حول اقتصاد

بين مطامع الملاك وغياب الرقابة.. الأسعار الخيالية تضع سوق العقارات السورية في مأزق

الحكومة الانتقالية والتوسع غير المدروس في الاستيراد.. كيف يتأثر المُزارعين؟

أبرز نتائج مشاركة سوريا في “اجتماعات الربيع” بواشنطن.. هل كُسرت العقوبات؟

السعودية وقطر تتكفلان بسداد ديون سوريا لدى “البنك الدولي”.. ما دلالات تلك الخطوة؟

احتجاز شاحنتين أردنيتين في السويداء: هل تتأثر حركة النقل بين البلدين؟

خبير يحل اللغز.. لماذا ترتفع أسعار المواد المحلية السورية أمام المستوردة؟

الوزير العائد: هل ينجح يعرب بدر في ترميم شرايين النقل السوري؟
