مع استمرار تدهور الوضع المعيشي في سوريا، واستحالة اعتماد السوريين على الوظائف الحكومية التي أصبح راتبها لا يكاد يكفي الموظف أجور مواصلات وصوله إلى مكان عمله، تظهر بعض الوظائف التي يتفاجأ السوريون بحجم رواتبها، فما هي هذه الوظائف ومن هي الفئة التي تعمل ضمنها.

راتبٌ يصل إلى 14 مليون ليرة سورية (ما يعادل نحو ألف دولار أميركي)، هو الرقم الذي كشفت عنه صحيفة “الوطن” المحلية في تقرير نشرته الثلاثاء، وهو أعلى راتب يصل لموظف يعمل ضمن المؤسسات الحكومية أو الخاصة، ورغم أن هذا الرقم يُعتبر كبيرا مقارنة بأجور معظم الموظفين في سوريا، لكن يمكن اعتباره أقل من الطبيعي إذا ما تحدّثنا عن قيمته الحقيقية بعيدا عن الليرة السورية.

هذا الراتب يحصل عليه دكتور جامعي، وبالطبع ليس ذلك الدكتور الذي يعمل في الجامعات الحكومية، حيث لفت تقرير الصحيفة إلى أن 99 بالمئة من الأساتذة في الكليات الطّبية ضمن الجامعات الحكومية يدرّسون في الجامعات الخاصة ضمن سياق الإعارة الكلية أو الجزئية ومنهم من يستلم مناصب إدارية.

الملجأ الأخير قبل الهجرة

الجامعات الخاصة أصبحت مؤخرا الملجأ الأخير للدكاترة الجامعيين، للحيلولة دون إقدامهم على الهجرة للعمل خارج البلاد، فالراتب الذي يحصل عليه أستاذ الجامعة الحكومية في سوريا، لا يكاد يصل للحد الأدنى من تكاليف معيشة أسرة سورية، وهو الذي يبلغ حوالي 600 ألف ليرة سورية.

“نعم هناك فئة تحصل على رواتب بهذه الأرقام”، قال أستاذ جامعي يدرّس اختصاص الهندسة المدنية (رفض الكشف عن اسمه)، مشيرا إلى أن الرواتب تختلف من اختصاص لآخر، حيث يحتل أساتذة الكليات الطّبية المرتبة الأولى من حيث الرواتب، كما أن بعض المناصب تلعب دورا في تحديد الرواتب في الجامعات.

المدرّس الجامعي أضاف في اتصال هاتفي مع “الحل نت”، “أنا حصلت على عقد إعارة باختصاص الهندسة المدنية، وراتبي المبدئي بناء على قوانين الجامعة يبلغ 5 ملايين، صحيح أن الرواتب هنا عالية مقارنة بباقي الجامعات، لكنها قليلة كذلك إذا ما تحدثنا عن أستاذ جامعي بخبرات واسعة ويستطيع العمل بدول أخرى براتب أعلى بكثير”.

بحسب حديث أستاذ الهندسة المدنية، فإن غالبية المدرّسين الجامعيين يعتمدون بشكل أساسي على الجامعات الخاصة، في حين تحوّل العمل في الجامعات الحكومية لوسيلة “من أجل الحفاظ على البريستيج وتسوّق الدكتور لنفسه من أجل الحصول على فُرص في الجامعات الخاصة”.

كذلك فقد أكد أن بعض الأساتذة قد لا يحصلون على هذه الفرصة، وبالتالي فإن خيار الهجرة هو الخيار الأنسب لهم، في ظل عدم جدوى العمل في الجامعات الحكومية.

بالعودة إلى تقرير الصحيفة المحلية، فقد برّرت منح الرواتب العالية للأساتذة في الكليات الطبية، إلى وجود رغبة في رفد الكوادر الطبية في سوريا، في ظل ضعف الكوادر الطبية الذي تعاني منه سوريا منذ سنوات، فضلا عن قلّة  عدد مدرّسي هذه الاختصاصات.

هجرة الخبرات والأدمغة من سوريا، أصبحت مؤخرا كارثة على المجتمع السوري بمختلف القطاعات، حيث يعاني أصحاب الخبرات والشهادات العليا، من قلّة الفرص المناسبة، فالطبيب لا يجد راتبا مناسبا ولا بيئة عمل، وكذلك الأستاذ الجامعي، حيث فضّل معظم هؤلاء الهجرة عن البقاء في سوريا بلا جدوى مستقبلية.

قد يهمك: الأخطاء الطبية.. هل تحولت المشافي السورية إلى شبح يخوّف السوريين؟

بعض الأستاذ يعتقد كذلك أن الجهات المعنية مهما حاولت رفع رواتب الموظفين، فإن ذلك لن ينعكس على خفض معدلات الرغبة بالهجرة، خاصة وأن الانهيار الاقتصادي الذي تعيشه البلاد لا يقف عند حدّ معين، بل هو مستمّر بشكل دوري، خاصة فيما يتعلق بالقوة الشرائية للعملة المحلية، وبالتالي فإن “راتب الملايين لم يعد يشكل عامل إغراء للجميع من أجل البقاء”.

خلال الأشهر القليلة الماضية، سجّلت سوريا أعلى وتيرة من ارتفاع معدلات التضخم، حتى أصبح متوسط الدخل السوري عاجزا أمام المستويات الدنيا من الحاجات الأساسية للمواطن، حيث عانى الأهالي  في مختلف مناطق البلاد من ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار مختلف السلع الأساسية الضرورية.

الحكومة بدورها فشلت عبر قراراتها في الحدّ من هذا الانهيار، بل العكس فقد كانت القرارات الحكومية بمثابة الضربة القاضية التي فجّرت أسعار السلع والمواد الأساسية في البلاد، ففي وقت رُفعت فيه الرواتب مئة بالمئة في محاولة لزيادة دخل موظفيها، كانت آثار هذا القرار كارثية على الأسواق، لما تسبب من ارتفاعٍ لمعدلات التضخم.

تكاليف المعيشة في سوريا

تقرير لصحيفة “قاسيون” المحلية، أفاد أنه “مع انقضاء تسعة شهور من عام 2023، عانى السوريون من ارتفاعات غير مسبوقة في الأسعار ليرتفع وسطي تكاليف المعيشة لأسرة سورية مكوّنة من خمسة أفراد، وفقا لمؤشر قاسيون لتكاليف المعيشة، ويقفز إلى أكثر من 9.5 مليون ليرة سورية”.

بحسب تقرير الصحيفة، فإن الحد الأدنى لتكاليف معيشة الأسرة السورية، وصل إلى نحو 6 ملايين ليرة سورية، والحد الأدنى لتكاليف الغذاء 3.5 مليون، ذلك في وقت بلغ الحد الأدنى للأجور في المؤسسات الحكومية بعد الزيادة الأخيرة إلى 185 ألف ليرة سورية فقط.

المؤشر الذي اختارته الصحيفة، يركّز على طريقة محددة في حساب الحدّ الأدنى لتكاليف معيشة أسرة سورية من خمسة أشخاص. وتتمثل هذه الطريقة بحساب الحد الأدنى لتكاليف سلة الغذاء الضروري بناء على حاجة الفرد اليومية إلى حوالي 2400 سعرة حرارية من المصادر الغذائية المتنوعة، ولهذا الهدف اعتمدت “قاسيون” على حساب الوجبة الأساسية للفرد خلال اليوم الواحد، على اعتبار أن تكاليف الغذاء هذه تمثّل 60 بالمئة  من مجموع الحد الأدنى لتكاليف معيشة الأسرة، بينما تمثل الـ 40 بالمئة الباقية الحاجات الضرورية الأخرى للأسرة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات