دراسة: د. عبد الصمد اسماعيل

لم يكن النفط يوماً بعيداً عن أية صراعات حدثت وما تزال تحدث في منطقة الشرق الأوسط التي اكتسبت أهمية استثنائية لما تتمتع بها من ثروة نفطية هائلة، حيث تختزن في باطن أراضيها أكثر من نصف احتياطي العالم من النفط، وتساهم بأكثر من ثلث إنتاجه عالمياً، كل ذلك كان كافياً أن يجعل من هذه المنطقة مسرحاً للصراعات الجيوبولوتيكية الدولية، كون #النفط يشكل السلعة الأكثر استراتيجية في الاقتصاد العالمي، وهو يلعب دوراً هاماً في دعم الاقتصادات الوطنية من خلال تأمين حاجة السوق المحلية من المشتقات النفطية التي تعتبر المحرك الأساسي لعجلة التنمية الاقتصادية، فضلاً عن كونه المورد المالي الأكثر إدراراً للدول والمناطق النفطية لذلك فقد استأثرت هذه السلعة على جل اهتمام الحكومات سواء في الدول المنتجة لها أو في تلك المستهلكة على حد سواء.

صراع الطاقة في سوريا

شكلت المناطق السورية التي تحتوي على النفط أو #الغاز وما تزال تشكل مسرحاً للكثير من المعارك والمواجهات العسكرية بهدف السيطرة على منابع الطاقة المتوفرة في البلاد، بدءاً من حقول #الرميلان في الجزيرة السورية مروراً بحقول #الفرات الأدنى في #دير_الزور وحقل #الشاعر الغازي في تدمر، وانتهاء بالحصول على حقوق البحث والتنقيب عنه في الساحل السوري، ومياهه الإقليمية، لما توفره هذه السلعة من موارد مالية ومحروقات للآليات العسكرية، ولاستمرارية الحياة الاقتصادية لتلك الجهات التي تسيطر على المناطق النفطية.

ومن هنا وبالرغم من عدم اعتبار سوريا بلداً نفطياً بالمطلق فهي لم تنتج في أحسن الأحوال أكثر من 600 ألف برميل نفط يومياً، إلا أنها وبلا شك بلد منتج للنفط لا محال، وبذلك فقد لعبت قضايا النفط والطاقة دوراً محورياً في سير الصراع الدائر، فالنظام السوري الذي خسر الكثير من عائدات التصدير بعد انهيار إنتاجه النفطي وفقدانه السيطرة على مناطق الإنتاج النفطي لصالح القوى الأخرى لا سيما تنظيم الدولة الإسلامية #داعش في دير الزور وريف حمص، بدأ يعاني من شح كبير في المنتجات النفطية ضمن مناطق سيطرته، وتوجه نحو الاعتماد على الواردات بنسبة متزايدة عبر خطوط ائتمان فتحتها مع بعض الدول الحليفة وخاصة #إيران. وبذلك فقد انخفض الإنتاج النفطي في سوريا خلال سنوات الأزمة بنسبة 96% ويعتبر هذا القطاع أكثر مداخيل النظام السوري تضرراً جراء فرض المجتمع الدولي قيوداً على تمويل واستيراد وتصدير المواد الخام والسلع والتقنيات لهذا القطاع، فضلاً عن سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على أكبر حقول النفط السورية في منطقة دير الزور، والتراجع الكبير في الإنتاج من المناطق التي وقعت تحت سيطرة وحدات حماية الشعب الكردية في محافظة #الحسكة، خاصة بعد المعارك التي خاضتها مع بعض التنظيمات المسلحة كجبهة النصرة وسيطرتها على حقول الرميلان بالكامل في آذار من العام 2013.

وإذ كان النفط يلعب دوراً هاماً في الاقتصاد السوري كأحد أهم مصادر تمويل التنمية، فقد كان يوفر جزءاً كبيراً من المدخلات اللازمة للعملية الإنتاجية المتمثلة بالوقود والمحروقات التي تعتبر المحرك الأساسي لعملية التنمية الاقتصادية في قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات والمواصلات والاستخدام المنزلي، بالإضافة إلى إنتاج كمية من الطاقة الكهربائية في البلاد من جهة، ومن جهة ثانية شكلت العوائد المالية الناجمة عن الصادرات النفطية مورداً رئيسياً للقطع الأجنبي داخل الاقتصاد الوطني، كل ذلك كان يساهم في تمويل المشاريع الاستثمارية والتنموية في سوريا، لذلك كانت الحقول النفطية وآبارها هدفاً لكل الجهات المتصارعة في البلاد لتأمين مورد مالي هام لها.

رميلان مدينة الذهب الأسود

توجد في سوريا منطقتان نفطيتان الأولى تم اكتشافها في أواخر 1959 في المنطقة الواقعة حوالي السويدية والرميلان بريف محافظة الحسكة والمعروفة باسم قره تشوك، وكانت تنتج بحدود 100 ألف برميل يومياً من النفط الثقيل قبل 2011، وتشغلها الشركة السورية للنفط. والثانية تمتد من وادي الفرات إلى الحدود العراقية تم إنتاج نفطها في أواسط الثمانينات من القرن الماضي بعد الاكتشافات الضخمة لشركة نكتون الذراع الأمريكي لشركة شل الهولندية ووصل إنتاجها من النفط في أواسط التسعينات لأكثر من 400 ألف برميل يومياً من النفط الخفيف.

وتعتبر مديرية حقول نفط الحسكة في الرميلان من أكبر مديريات الشركة السورية للنفط فضلاً عن أنها تشكل أهمية استثنائية فيها وذلك للأسباب التالية:

  • نتيجة قيامها بمعظم أعمال البحث والتنقيب واستثمار النفط والغاز في جميع الحقول التابعة لها وأهم هذه الحقول “سويدية، دبيسان، جنوب قره تشوك، الباردة، ناعور، باب الحديد، معشوق، عليان، وغيرها”.
  • ضخامة الاحتياطيات النفطية المكتشفة فيها والمقدرة حتى الآن بحدود 70 مليار برميل واحتياطيات غير مكتشفة تقدر بـ 315 مليار برميل بحسب تقرير أعدته مجلة ذه ناشيونال أنتريست الأمريكية حول الواقع النفطي لحقول الرميلان عام 2013.
  • وجود معمل لاستثمار الغاز المرافق وتعبئة أكثر من 16 ألف أسطوانة غاز منزلي يومياً لإمداد السوق المحلية بحاجتها من الغاز.
  • تنفيذ مشاريع إنتاج وتطوير الطاقة الكهربائية وإمداد مناطق واسعة بحاجتها من الكهرباء حيث تتبع 6 عنفات غازية تنتج الكهرباء لمديرية حقول الرميلان بمعدل 20 ميغا واط ساعي لكل عنفة.
  • القيام بأعمال العمرات والصيانة الدورية للآبار والحقول النفطية والمعدات والأجهزة المستخدمة فيها وبخبرات محلية تابعة للمديرية ذاتها.

هذا وتشغل مدينة الرميلان السكنية والعمالية التي بنيت عام 1960 مساحة تقدر بحوالي 500 هكتار من الأراضي التي تحيط بها الحقول والآبار النفطية التي تتجاوز مساحتها بدورها 6500 كم2.

 

الإنتاج النفطي لحقول الرميلان

بلغ إنتاج حقول مديرية نفط الرميلان أكثر من 90 ألف برميل نفط يومياً عام 2010 وكان خطة الإنتاج تقضي برفع هذا الرقم عام 2011 إلى حوالي 160 ألف برميل إثر تحسن عمليات الإنتاج والانتهاء من تطوير بعض الحقول، وإعادة تأهيل العديد من الآبار المتوقفة عن الإنتاج سابقاً. إذ بلغ عدد الآبار المنتجة للنفط 1322 بئراً قبل عام 2011 إلا أن هذه الآبار أصبحت وجهة الكثير من المجموعات المسلحة ولا سيما تنظيم جبهة النصرة حينذاك، حيث نشبت على إثر لك معارك ومواجهات مسلحة بين الجبهة وبين وحدات حماية الشعب الكوردية المعروفة باسم “YPG”، وانتهت بسيطرة هذه الوحدات على كامل الحقول النفطية التابعة لمديرية حقول الرميلان بعد التوصل إلى تفاهمات واتفاقات مع جهات متعددة في المنطقة تمثلت بالعشائر العربية من جهة، وبحكومة النظام السوري من جهة ثانية، كان مقتضاها أن “النفط ثروة وطنية وهي حق لكل السوريين مع ضمان حق هذه الوحدات ومن ورائها الإدارة الذاتية (وهي السلطة الإدارية الحاكمة في المنطقة) بالسيطرة على هذا المورد الاقتصادي الهام ولكن بالتقاسم مع تلك الجهات المذكورة”.

إلا أن الأمر الأكثر خطورة من الجانب الاقتصادي كان الخراب والدمار الذي لحق بمحطة الضخ الرئيسية للنفط في “كر زيرو” وتعطيل خط الأنابيب الرئيسية لنقل النفط من هذه المحطة إلى المصافي السورية في الداخل مما تسبب بتوقف الكثير من الآبار النفطية عن العمل ليصل عدد الآبار المنتجة الآن إلى حوالي 200 بئر فقط تنتج ما يقارب 15 إلى 20 ألف برميل نفط يومياً، وبذلك يكون الإنتاج النفطي لهذه الحقول التابعة لرميلان قد تراجعت بنسبة تزيد عن 83% عما كانت عليه، لتخسر البلاد بذلك موارد اقتصادية ومالية كبيرة أثرت بشكل سلبي واضح على سيرورة نشاط الاقتصاد الوطني وإنتاجيته لما كان لهذا العامل الاقتصادي الهام من دور رئيسي في تنشيط دورة الدخل القومي ورفع حجم الناتج المحلي الإجمالي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة كما أوضحنا هذا الدور سابقاً.

مصافي كهربائية بدلاً من الحراقات البدائية

بعد إعلان وحدات حماية الشعب الكوردية مدينة الرميلان “مدينة محررة” في آذار من العام 2013، بادرت هيئة الطاقة التابعة للإدارة الذاتية بعد تشكلها إلى استثمار النفط من الحقول التابعة لمديرية نفط الحسكة في الرميلان بعد الإيعاز لجميع العاملين في حقول الرميلان بالبقاء على رأس عملهم مع استمرار تسليم حكومة النظام السوري رواتبهم بالليرة السورية، وذلك بهدف تنظيم عميات الإنتاج والتكرير والتسويق وتجارة النفط، بعد الانتشار العشوائي الكبير لمئات الحراقات البدائية لتكرير النفط، الأمر الذي ألحق أضراراً بيئية وصحية جسيمة بالمنطقة، ناهيك عن الهدر الكبير المرافق لعملية التكرير البدائية تلك، وفي هذا السياق أصدرت الإدارة الذاتية قراراً يمنع عمل تلك الحراقات، وقامت باستيراد أكثر من 20 مصفاة تعمل على الكهرباء بدلاً من آلية الحرق بالفيول وتوطينها في مناطق بعيدة عن المناطق الآهلة بالسكان وبذلك استطاعت أن تسد حاجة السوق المحلية نسبياً لما يعرف بـ “مقاطعة الجزيرة التابعة للإدارة الذاتية” بدءاً من العام 2014 بعد شتاء قارس وقاس أمضاه سكان هذه المنطقة قبل ذلك التاريخ بلا وقود أو أية محروقات بسبب انقطاع الطرق الواصلة بينها وبين الداخل السوري من جهة، وانهيار الإنتاج النفطي، وانقطاع الإمدادات النفطية من محطة “كرزيرو” أو ما تعرف بتل عدس في منطقة الرميلان نتيجة التعطيب الذي لحق بشبكة الأنابيب الرئيسية الواصلة بينها وبين المصافي السورية.

 

كمية استهلاك المشتقات النفطية في المنطقة

تؤمن هذه المصافي حالياً حاجة سكان المنطقة من مادتي البنزين والمازوت، إضافة إلى الغاز المنزلي، والتي تصل لحدود 850 ألف لتر يومياً من المازوت في أوقات ارتفاع الطلب وخاصة في الشتاء، ومع بداية المواسم الزراعية، وتتوزع استخدامات المازوت الذي يشكل الدم في شريان الحياة الاقتصادية والمعاشية لسكان المنطقة بين ما يلي:

  • وقود التدفئة حيث يعتبر المازوت المادة الرئيسية في استخدامات التدفئة وتدخل ضمن الثقافة الاستهلاكية لسكان المنطقة.
  • استخدامه في معظم العمليات الخاصة بالإنتاج الزراعي هذا القطاع الذي يشكل العمود الفقري لاقتصاد المنطقة ومعيشة سكانها.
  • استخدامه كوقود لمولدات توليد الكهرباء في المدن والقرى التابعة للمحافظة والتي تنتشر بشكل واسع وتعتبر المصدر الرئيسي للطاقة الكهربائية في هذه المناطق في الفترة الحالية وتحتاج المولدة الواحدة التي تنتج ما بين 400 – 500 أمبير حوالي 5000 لتر من المازوت شهرياً.
  • استخدامه في قطاع المواصلات وسير المركبات الآلية المدنية منها والعسكرية.

وكان ليتر المازوت يباع بـ 35 ليرة فقط في محطات الوقود التابعة للمقاطعة إلى أن تم رفع السعر لـ 40 ليرة منذ حوالي الشهرين.

أما مادة البنزين التي يتصاعد سعرها بحسب جودتها من 60 إلى 75 ثم 150 ليرة سورية فتبلغ حاجة الاستهلاك المحلي منها حوالي 100 ألف لتر يومياً بحسب رئيس هيئة الطاقة التابعة للإدارة الذاتية الذي صرح أن المصافي التابعة للهيئة تنتج أكثر من 80% من احتياجات المنطقة من المحروقات بأنواعها لتؤمن الحراقات الأهلية النسبة الباقية والتي كانت تتصرف بها بطريقتها قبل أن تعلن الإدارة أن جميع عمليات إنتاج وتوزيع وبيع المحروقات يجب أن تكون عبر شركة توزيع محروقات الجزيرة المعروفة اختصاراً بـ “KSC”.

إضافة إلى ذلك يؤمن معمل الغاز تعبئة 5000 أسطوانة غاز يومياً والذي يعتمد على الغاز المرافق بالدرجة الأولى ويسد حاجة المنطقة تماماً من هذه المادة حيث لم تشهد السوق المحلية منذ أكثر من سنتين أية اختناقات قوية في الطلب على الغاز المنزلي والذي تباع الأسطوانة منه بسعر 2100 ليرة سورية للمواطنين.

 

اتفاقات وتفاهمات مبهمة بين الإدارة الذاتية والنظام السوري

في معرض حديثنا عن الاتفاقات النفطية بين حكومة النظام السوري والإدارة الذاتية في “مقاطعة الجزيرة” والتي لم تصدر أية وثيقة رسمية توضح مدى هذا التعاون أو نسب التقاسم، إلا أن الملاحظ على أرض الواقع خلال الفترة الماضية أن عملية استثمار وإنتاج النفط وبيعه سواء في الداخل أو في الخارج لم تكن بعيدة عن إرادة السلطات النفطية في #دمشق، إذ صرحت الحكومة السورية في أكثر من مناسبة أن تصدير النفط من المناطق الكوردية في شمال شرق البلاد لا بد أن يكون بموافقة الحكومة السورية، خاصة بعد تحدث الكثير من التقارير عن تصدير نفط الرميلان عبر كردستان العراق إلى ميناء جيهان التركي، هدفت الإدارة الذاتية من وراء ذلك تأمين موارد مالية بالقطع الأجنبي تجاوزت 10 مليون دولار شهرياً وفق تقارير غير رسمية، الأمر الذي نفاه مسؤولون في الإدارة الذاتية في أكثر من مناسبة.

وعن قنوات صرف هذه الإيرادات العائدة من بيع المشتقات النفطية أو النفط الخام في السوق المحلية أو بيعها في الداخل السوري أو تصديرها إذا ثبت القول، يقول أحد القياديين في منظومة المجتمع الديمقراطي المعروفة بـ “TEV-DEM” أنها تستخدم في تغطية الإنفاق الأمني والخدمي والعسكري لمناطق سيطرة وحدات الحماية الكوردية أو مناطق نفوذ الإدارة الذاتية. ومن ناحية ثانية فقد عمدت الإدارة الذاتية خلال فصل الشتاء الحالي إلى إرسال شحنات متلاحقة من النفط الخام ومن مادة المازوت بواسطة صهاريج تعهد بإيصالها التجار إلى المصافي السورية ولا سيما مصفاة #بانياس على خلفية اتفاقات وتفاهمات معينة بينها وبين حكومة النظام السوري لم تصدر عنها أية تفصيلات أو معلومات رسمية إلا أن هذه العملية كانت حقيقة رائية للأعين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة