حسام صالح

وقعت محافظة #دير_الزور الواقعة شرق سوريا، والحدودية مع #العراق تحت سيطرة جميع القوى المتحاربة في #سوريا، منذ أن خرجت من تحت سيطرة النظام، مروراً بسيطرة فصائل الجيش الحر عليها، وصولاً إلى الكتائب الإسلامية، إلى أن دخلها تنظيم الدولة “داعش” في عام 2014 وأعلن سيطرته عليها.

سنحاول في هذا التحقيق تسليط الضوء على طرق سيطرة التنظيم على هذه المحافظة وأهميتها الاستراتيجية والعسكرية لديه، وكيف استفاد منها وسخرها في معاركه مع القوى المختلفة.

دير الزور وخزان الذهب الأسود

من المعروف أن تنظيم الدولة الإسلامية #داعش في كل معاركه يركز على المناطق التي تضمن له موارد مالية ثابتة أو مناطق عبور من دولة لأخرى، لتكون صلة وصل يسخّرها في معاركه، وهي نقطة وجدها في دير الزور، والتي تعد أغنى المحافظات السورية بالثروات الباطنية، إضافة إلى موقعها الاستراتيجي مع العراق الذي تمدد فيه التنظيم أيضاً.

في هذا السياق، يشير الخبير الاقتصادي ياسر الحكيم إلى أن “تنظيم الدولة نظّم استثمار النفط في دير الزور عبر ما أسماه (ديوان الركاز)، حيث أن حقول المحافظة تنتج نحو 40% من الانتاج العام في #سوريا، فمن المعلوم أن تلك المنطقة تحتوي على احتياطات كبيرة من النفط، فتضم حوالي 68 بئراً من أصل 114 بئراً في سوريا، إضافة إلى تسخير معمل غاز (كونيكو) الذي يعد من أكبر معامل انتاج الغاز في البلاد لصالحه”.

وأضاف الحكيم أنه “لا توجد إحصائية دقيقة عن أرباح التنظيم من النفط والغاز في تلك المنطقة، إلا أنها وسطياً كانت تقدر بحوالي 2.5  مليون دولار يومياً، حيث يشغل ويدير آبار النفط هناك مجموعة من (المهاجرين) قليلي الخبرة، إضافة إلى مجموعة من المهندسين السوريين، والذين كانوا موظفين سابقين في تلك الحقول، وبعض الأشخاص الذين تعاقد معهم التنظيم لهذه الغاية”.

الخبير الاقتصادي لفت إلى أن “التنظيم ولضمان ولاء بعض العشائر له، ترك عدد من الآبار النفطية الصغيرة له بغية شراء ولاءها”.

أهمية جغرافية وصلة وصل مع العراق

وفي سياق الحديث عن دير الزور، لابد من الإشارة إلى الأهمية الجغرافية لهذه المنطقة، فلا تقتصر أهميتها على سوريا فقط، بل تعتبر صلة وصل مع محافظتي نينوى والأنبار العراقيتين، إضافة إلى الموقع الاستراتيجي لمدينة البوكمال الواقعة جنوب شرق دير الزور، حيث تعمّد التنظيم فصلها عن محافظة دير الزور، وربطها بمدينة القائم العراقية لتشكيل “ولاية الفرات”، وبالتالي يخفف من تعقيدات هذه المنطقة المحاطة بمناطق صحراوية شاسعة ولكي لا يضطر لتشكيلات عسكرية كبيرة للسيطرة عليها.

في دراسة لـ (مركز كارينغي للشرق الأوسط) حول مدينة دير الزور في ظل حكم تنظيم الدولة، جاء أن سيطرة التنظيم على دير الزور شكل موقعاً استراتيجياً له وذلك كونها محاطة بالجبال، ويمر بها نهر الفرات، الأمر الذي يجعلها عصية على أي هجوم بري مفاجئ، كما ولا تجدي الضربات الجوية وحدها.

بنى تحتية مدمرة بشكل شبه كامل

في حديثنا عن البنى التحتية، لابد من الإشارة إلى المؤسسات التي كانت متواجدة قبيل سيطرة التنظيم على دير الزور وما آلت إليه بعد سيطرته، إضافة إلى استغلالها من قبل التنظيم بشتى المجالات المدنية والعسكرية، ويمكن تقسيم تلك المؤسسات وتفصيل كل واحدة على حدى على الشكل التالي:

المدارس

بعدما بسط التنظيم سيطرته على مساحات واسعة من المدينة وريفها، توقفت عجلة التعليم، حيث قام بإغلاق جميع المدارس بحجة مخالفة المناهج التدريسية والتي يدّعي بأنها “مخالفة لأصول الدين الإسلامي”.

يقول منهل الفراتي الذي كان متواجداً داخل دير الزور واستطاع الفرار منها أوائل العام الحالي إن “التنظيم أخلى المدارس واستخدمها في شقين، الأول كمقرات له، والثاني كمأوى لعائلات بعض عناصره، وبعض المدنيين”

وأكد أن “بعض المدارس أعاد التنظيم افتتاحها لكن بمناهج جديدة، ومدرسين خاضعين لدورات شرعية لديه من قبل ما يسمى (هيئة التعليم) لديه”، لافتاً إلى أن “المساجد كانت المركز الأول للعملية التعليمية لديه”.

 المشافي

تعتبر المشافي والمراكز الصحية من الحلقات المهمة والتي عمل التنظيم على استغلالها وتسخيرها في مصلحته، فتنقسم إلى قسمين “المشافي العامة” والتي يقدم فيها التنظيم بعض الخدمات وغالباً تكون لعناصره المصابين، و”المشافي الخاصة” والتي استولى على جزء منها بدعوى وجود أصحابها خارج أراضيه “كمشافي الحماد والشاهر والسعيد”، أو بقيت بأيدي أصحابها لقاء ضرائب تفرض عليهم، بحسب ما أفاد به الشاهد منهل الفراتي.

المساجد

صهيب الجابر (صحفي في شبكة فرات بوست) أوضح لموقع الحل أن “بعض المساجد كانت مراكزاً لدورات شرعية أجبر التنظيم الأهالي على الدوام فيها لعدد من الساعات يومياً إما لـ (تعليم الشريعة) كما وصفها التنظيم، أو لدورات الاستتابة لكل المدنيين، وأيضاً تم استهداف هذه المساجد، والتي كانت أيضاً تستخدم كمقرات عسكرية وتجمع للتنظيم”.

منازل المدنيين

لكن في ذات السياق أوضح الصحفي في شبكة فرات بوست أن “داعش دمر معظم المؤسسات والبنى التحتية فور دخوله لديرالزور، واستعاض عنها بمصادرة منازل وجعلها مراكزاً له، فقد حول عدد من المنازل لسجون، وحول عدداً آخر منها لمعسكرات تدريب (أشبال الخلافة)، ومعسكرات شرعية لعناصره، إضافة إلى مايسمى (دورات الاستتابة)، ولا يخلو الأمر من تمركز التنظيم في بعض المنشآت العمومية، لكنها كانت قليلة جداً نظراً لسهولة استهداف هذه المنشآت من قبل التحالف والطيران الحربي عموماً”.

منشآت مدمرة

جلال الحمد مدير منظمة العدالة من أجل التنمية، تحدث عن المنشآت العامة في ظل سيطرة تنظيم الدولة، حيث أكد أن التنظيم حول المؤسسات إلى مراكز له سواء كانت مدنية أم عسكرية، لكنه قام مع بداية الحملة العنيفة عليه مؤخراً بإخلاء معظم هذه المؤسسات واتخذ أماكن سرية تجنباً لقصف الطيران.

وأردف قائلاً “قصف الطيران ألحق أضرار مادية كبيرة بهذه المؤسسات إضافة إلى المدنيين الذين يحتمون في بعض الأحيان فيها، بعد تدمير منازلهم، حيث وثقت منظمة العدالة من أجل الحياة في شهري آب وأيلول سقوط حوالي 329 مدني كضحية نتيجة القصف على تلك المواقع”.

كلام مدير منظمة العدالة من أجل التنمية في دير الزور عاد وأكده الصحفي الجابر بتأكيده أن “معظم المنشآت العامة تم تدميرها بدعوى أن التنظيم يستتر بها، وفي مدن البوكمال والميادين في الريف الشرقي لم يعد هناك أي منشأة تحت الخدمة، وذلك بعد استهداف النقاط الطبية والخدمية المتبقية، والتي كان آخرها في الميادين مركز الإنعاش ومشفى نوري السعيد والمشفى الوطني”.

كومة ركام

بعد أن أطلقت قوات النظام بمساندة الطيران الروسي من جهة وقوات سوريا الديمقراطية #قسد المدعومة من التحالف الدولي من جهة ثانية معارك السيطرة على مدينة دير الزور، عمد التنظيم وبحسب الناشطين الذين تحدث معهم موقع الحل إلى تفخيخ المباني العالية وتحويلها إلى ركام سواء كانت معامل أو خزانات مياه مركزية أو صوامع، لمنع أي عملية إنزال جوي، إضافة إلى حفر الخنادق.

وبحسب ما رصد موقع الحل، فإن التنظيم أيضاً نقل كامل مقراته إلى تحت الأرض ليعيد السيناريو الذي حصل في كل من الرقة السورية والموصل العراقية، حيث حول دير الزور إلى شبكة من الأنفاق المتصلة ببعضها تجنباً للضربات الجوية.

وبالتالي فإن معركة دير الزور هي الأخيرة للتنظيم والأهم، فأصبحت معارك الكر والفر هي الصبغة السائدة على المشهد، ولا يمكن التنبؤ بعد إن كان التنظيم ينوي الخروج منها بعد أن دمر جميع ما فيها من مراكز ومؤسسات سواء كانت مدنية أم عسكرية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة