منار حدّاد

في مثل هذه الأيام من عام 2014، كانت #جبهة_النصرة الذراع السوري لتنظيم القاعدة، تقوم بالإجهاز على فصيل #جبهة_ثوار_سوريا التي قادها آنذاك جمال معروف، وبعد أن انتهت منها قضت على مجموعة فصائل في المعارضة السورية أيضاً، لتتمكّن من فرض هيمنتها على جزء كبير من محافظة إدلب شمالي #سوريا، وأجزاء من محافظتي #حلب و #حماة.

بعد أن وطّدت هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) حكمها في إدلب، اتهجت للقضاء على الفصائل الأخرى التي قد تنافسها على النفوذ، فخاضت حرباً ضد “حركة أحرار الشام” ثم “حركة نور الدين الزنكي”.

نجاح هيئة تحرير الشام في جميع معاركها، لم يكن محض صدفة، وإنّما بسبب الطاقات البشرية الكبيرة التي تمتلكها، وتحرّكها لمشروع النفوذ في شمالي سوريا، إذ تٌشير الإحصاءات إلى أن عدد مقاتلي الهيئة يقدّر بـ 20 ألف مقاتل، وبالتأكيد انخفض هذا الرقم بعد أن شهدت سلسلة انشقاقات، أبرزها انشقاق “حركة نور الدين الزنكي”.

أساليب كثيرة تستخدمها “فتح الشام” في تعبئة الشباب في #سوريا وتجنيدهم في صفوفها، ليكونوا أوفياء لمشروع زعيمها “أبي محمد #الجولاني” الساعي لتوطيد حكمه في محافظة #إدلب ضمن إمارة مصغّرة.

دور الائتلاف والحكومة المؤقتة السلبي

يُعتبر الإهمال الذي تعرّضت له فصائل المعارضة المسلّحة عندما كانت ضمن الجيش السوري الحر، أحد أبرز مسببات التحاق مقاتلي هذه الفصائل بفتح الشام بعد تبدّد فصائلهم وفق ما يقول المحلل العسكري العقيد حاتم الراوي في حديث للحل السوري: “بمنتهى الصراحة، مسؤولية التحاق المقاتلين السوريين بالجبهة، تقع على كاهل الحكومة المؤقّتة والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، وتحديداً في الفترة الواقعة بين نهاية 2013 وبداية 2014”.

وأضاف الراوي: “في تلك الفترة اجتمعت مع عدد من الشخصيات القائمة على القرار لمدّة خمس أيام وتجوّلت معهم من #تل_أبيض إلى البوكمال، وكنت أعاين الوضع بأم عيني وأخبرتهم أنّهم سيكونون مسؤولين عن التطرّف القادم كونهم جفّفوا ينابيع الدعم عن الجيش الحر”.

وأوضح الراوي أن “جبهة النصرة جاءت إلى المناطق الشمالية والشرقية تحمل الدولارات بسيارات البيك آب فيما كان مقاتلو الجيش الحر يقبعون في العراء دون طعام أو لباس، وفي بعض الأحيان دون أسلحة كونهم باعوا أسلحتهم ليأكلوا”.

وتسائل، “ماذا من الممكن أن يفعل هذا المقاتل، كونه لا يستطيع الرجوع إلى حياته العادية عند النظام وتقطّعت فيه كل السبل؟، فكان الحل الوحيد هو الانضمام لجبهة النصرة حينها التي استقطبت خيرة المقاتلين والعقول النيّرة السورية”.

وأشار الراوي إلى أنه اجتمع بمسؤولين سوريين في أحد فنادق غازي عنتاب قبل عدّة سنوات، وأخبرهم بناءاً على مشاهداته أنه في حال استمر قطع الدعم عن الجيش الحر سيقوم عناصر الأخير بالتدفّق إلى النصرة، وبيّن النصرة احتوت المقاتلين الذين هربوا من “فقر” الجيش الحر، بينما استخدمت سياسية “الابتلاع” ضد الفصائل التي كانت عصية على التفكيك.

الحوافز المادية

تمكّنت “فتح الشام” من إبراز أموالها في الوقت الصحيح، عندما كانت الفصائل تُعاني من شحٍّ بالدعم انعكس على واقع حياة المقاتلين.

وعمدت “فتح الشام” إلى الهيمنة على مراكز الثقل الاقتصادي في سوريا، ولا سيما المعابر والمؤسّسات التي تحقّق لها الربح كالكهرباء والقمح والمواصلات وغيرها، ما جعلها تحظى بالكثير من الأموال والتي كرّستها في سحب خيرة المقاتلين من الفصائل الأخرى.

وفي هذا السياق يقول الباحث في الجماعات الإسلامية عبّاس شريفة: “إن حرب هيئة تحرير الشام ضد فصائل المعارضة الأخرى لم يكن بهدف سحب مقاتلي هذه الفصائل إلى طرفها، لأن المقاتلين في هذه الفصائل زاد حقدهم على الهيئة وانتقلوا في مرحلة لاحقة إمّا للتنحّي عن القتال أو السفر إلى دول أخرى”، موضحاً أن الهدف الحقيقي خلف حرب الهيئة على الفصائل الأخرى يتمثّل في انتزاع الموارد التي تسيطر عليها هذه الفصائل بالدرجة الأولى لتأمين دخل يحقّق لها استقراراً اقتصادياً بحيث تتمكّن من تقديم الرواتب باستمرار لمقاتليها وتكسب ودّهم، وحتّى تكون “برّ الأمان” للمقاتلين الذين فقدوا فصائلهم ويبجثون عن مصادر آخر للقتال ضد النظام، وتحصيل كسب يؤمّن لهم حياتهم في ظل عدم قدرتهم على العودة إلى المدنية.

بدوره يوضّح الناشط الإعلامي أحمد ابراهيم “اسم مستعار كونه مقيم في إدلب”، أن هيئة تحرير الشام لاحظت قبل أشهر خطر هيمنة “حركة أحرار الشام” على الأمور الخدمية التي تدرّ أرباحاً لها، ولا سيما معبر باب الهوى وقطاع الكهرباء، فسارعت لقتالها بغية تفرّدها بهذه القطاعات وهو ما حدث فعلاً، مشيراً إلى أن معظم الإدارات المدنية الموجودة في محافظة إدلب بما في ذلك إدارة معبر باب الهوى هي ليست إلّا واجهة لهيئة تحرير الشام.

المقاتلين الأجانب

لعب المقاتلون الأجانب الذي يُسمّون بـ “المهاجرين” ضمن “فتح الشام”، دوراً بارزاً في تعبئة المقاتلين ودفعهم للانضمام إلى الهيئة دون غيرها من الفصائل.

وفي هذا السياق يفنّد الباحث في الجماعات الإسلامية عباس شريفة دور الجهاديين الأجانب في انضمام السوريين لـ “فتح الشام” بنقطتين، الأولى بتحريضٍ منهم والثانية دون معرفتهم.

أمّا الأولى بحسب شريفة، فهي عمليات الخطب والدعوات التي كان يوجّهها هؤلاء المقاتلين للانضمام لتنظيم “هيئة تحرير الشام”، ودورهم الكبير في دفع الشباب نحو تلميع صورة الهيئة.

وقال شريفة: “توجد نواة صلبة داخل هيئة تحرير الشام، تقوم باللعب على الدوافع العقيدية، وأنّ الجهاد معها هو الخيار الأفضل للثائرين ضد النظام كونها تمثّل وجه الإسلام الصحيح والجهاد الصادق”، موضحاً أن هؤلاء الأجانب لعبوا دور ضخ “الأكشن والدعاية” في صفوف الشباب السوريين ليقوموا بالالتحاق في صفوف الهيئة، واعتبر أن الهيئة لا تختلف إطلاقاً عن تنظيم #داعش في استهواء الشباب، ضارباً مثالاً على الداعية السعودي “عبد الله المحيسني” بأنّه ظاهرة إعلامية على الساحة الجهادية لاستقطاب الشباب.

أمّا الدور الثاني للجهاديين وفقاً لشريفة، فإنّهم قاموا بأدائه دون معرفتهم، إذ أنّهم قاموا بتعويم الهيئة عندما قطعوا دولاً بعيدة ومسافات طويلة بغرض الانضمام لهذا الكيان تحديداً دون غيره، ما يجعل قابلية بعض الشبان السوريين للتصديق باستقلالية وصدق الهيئة كبيراً ، مع وجود من يقطعون مسافات طويلة للفوز بالالتحاق به.

ويقول شريفة: “لدى السوريين تأثّر بتلك الشخصيات، حيث هرع الكثير منهم للانضمام إلى الهيئة عندما تأثّروا بتلك الشخصيات، وضرب مثالاً في هذا السياق، عن وجود شباب سوريين كانوا يعيشون حياتهم الطبيعية وعندما انضموا إلى الهيئة قاموا بتقليد أنفسهم بأسماء جهادية مثل أبو القعقاع، أبو دجانة…الخ، علماً أنّهم قبل فترة صغيرة كانوا يعيشون حياةً طبيعية، وهو ما يثبت مدى تأثّرهم بتلك الشخصيات”.

شراسة “فتح الشام” بقتال النظام

منذ بدايات اتجاه الاحتجاجات السوري نحو التسليح ضمن فصائل معارِضة سورية، برز اسم “جبهة النصرة” كملحمة هوليودية، فهي تهاجم حواجز القوات النظامية دون أي تردّد أو خوف أو رحمة، تنسف النقاط العسكرية بالانتحاريين وتهاجمها لتقوم بسمحها عن بكرة أبيها، ولعلّ هذه واحدة من الأفكار التي تم تسويقها عن جبهة النصرة أمام الشباب السوريين ولا سيما الثائرين منهم، وسط تخفّي إعلامي للجبهة وعدم ظهورها إلّا في مناسبات محدّدة.

ويوضّح الناشط أحمد ابراهيم، أنه في قبل عام 2014، أي قبل أن تبدأ “فتح الشام” معاركها الحقيقية ضد الفصائل، كانت هي من الفصائل السبّاقة للهجوم، وكان وجودها يقلب الموازين في أي معركة تشارك فيها، ولكنه عاد وأشار إلى أن مشاركاتها في المعارك لم تكن دائماً بما يخدم أهداف الثورة عسكرياً، بل إنّها كان لها حساباتها الخاصة في كلّ معركة، حيث تشارك أو تمتنع عن المشاركة وفقاً لحساباتها.

وأوضح أن الوجه الشرس بالقتال، الذي قدّمت به فتح الشام نفسها، دفع الكثير من المقاتلين السوريين للاستماتة للالتحاق في صفوفها، حيث كان الترويج دائماً يٌشير إلى أنّها الأكثر قدرة على قهر قوات النظام وترويعهم.

شيطنة المعارضة

قبل أشهر، وفي مدينة الدانا في ريف إدلب، حصل تلاسن من باب المزاح بين أحد المدنيين وبين عنصر من “حركة أحرار الشام”، وقد شهد على هذه الملاسنة عنصر من “فتح الشام” فصاح بالمدني: “لا تآخذوا على حكيو.. هاد ترباية أحرار ما بيتواخذ”.

وعلى غرار هذا العنصر، فإنَّ قيادات الصف الأول في “فتح الشام” عمدت إلى شيطنة فصائل المعارضة السورية وتقديمها في أقذر الصور، سواء أمام المدنيين والرأي العام، أو أمام مقاتليها ومواليها، وكرّست لذلك آلة إعلامية جبّارة.

ويوضّح الباحث عباس شريفة، أن هيئة تحرير الشام منذ أن ثبّتت نفوذها في مناطق المعارضة السورية، “عملت على شيطنة المعارضة وتقديمها بشكل العميلة الخارجية التي تخدم أجندة الاستخبارات العالمية وتنفّذ مخطّطاتها الخارجية”.

وأوضح أن الهيئة تستند في ذلك إلى أن المعارضة تتلقّى دعماً خارجياً وأنّهم “عبارة عن مجموعة عملاء وغرفة موك وغرفة موم التي طبختها مطابخ السي آي أيه (جهاز الاستخبارات المركزية الأمريكية)”.

وكشف شريفة أيضاً عن وجود أحد الأسباب المثيرة للجدل، التي تدفع السوريين للانضمام إلى “فتح الشام” قائلاً: “إن هناك الكثير من العائلات الموالية للنظام ولا سيما في أعوام 2011 و2012، وهذه العائلات تتواجد في الشمال السوري وأخذت موقفاً سلبياً من المعارضة السورية لأنّها تخالفها بالرأي، وعندما وجد هؤلاء أن فتح الشام تحارب المعارضة انضموا لها أو دعموها للانتقام من الفصائل والمعارضة” حسب تعبيره.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة