حمزة فراتي

شَهِدَ القِطاع الزراعي في #دير_الزور كغيره من القطاعات الأخرى، تراجعاً كبيراً، نتيجة العمليات العسكرية الدائرة منذ عام 2011 وحتى العام الجاري، إضافة لعدة أسباب أخرى منها تردي الوضع الأمني وصعوبة المواصلات، وتعطل عمليات النقل بين المناطق وعزلها، بسبب سيطرة قوى مختلفة تحد من سهولة نقل مستلزمات العمليّة الزراعيّة والمنتجات، بين مواقع الإنتاج وأسواق الاستهلاك في مناطق أخرى، وغياب الجهات المعنيّة بالعمل الزراعي إضافة إلى الارتفاع الكبير بأسعار البذور والأدوية ومستلزمات الإنتاج.

سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية #داعش، على أجزاء واسعة من المحافظة فاقم الأمر سوءاً، خاصة بعد قيامهم بفرض قوانين وإجراءات عدة، أدت إلى تخوف الفلاحين وعدم رغبتهم في زراعة أراضيهم وهروب بعضهم إلى خارج المنطقة.

حقول زراعية أصبحت ساحات للمعارك

الحاج موسى الخلف أحد المزارعين (من قرية المريعية بريف دير الزور الشرقي ونازح في مخيم السد) أجبرته ظروف الحرب الأخيرة على ترك منزله وأرضه الزراعية والتي تعد مصدر عيشه الوحيد، والهرب إلى مخيمات النزوح بريف الحسكة، يقول لموقع الحل “لقد هربنا بعوائلنا وأرواحنا إلى مخيمات النزوح عند اشتداد المعارك بين التنظيم وقوات النظام وخاصة بعد سيطرة الأخير على القرية خلال الأشهر القليلة الماضية والتي كانت محاذية تماماً للمطار العسكري.

يتابع حديثه “اليوم نعيش حياة قاسية في المخيمات وقد كنا في العام الماضي في مثل هذا الوقت نعمل بحقولنا التي نزرعها بالحنطة والشعير، ونتهيأ لموسم الحصاد مع اشتداد حرارة الجو في حدود الشهر الخامس، فقد كانت حقولنا مصدر رزقنا الوحيد حيث حولتها الحرب الأخيرة إلى ساحات للمعارك، فلم يعد بوسعنا الرجوع إليها وخاصة بعد سيطرة النظام على القرية، فاثنان من أولادي ضباط منشقين، منذ بداية الأحداث وقتلا فيما بعد أثناء دخول التنظيم وسيطرته على المنطقة، والنظام معروف بوحشيته تجاه المنشقين وعوائلهم”.

ولا يخفي الحاج موسى، معاناة الفلاحين في قرى ريف دير الزور الشرقي المتاخمة للمطار عند خروج النظام منها وسقوطها بيد فصائل المعارضة، يقول “أصاب الجفاف العديد من الحقول الزراعية في المنطقة أثناء سيطرة كتائب الجيش الحر بسبب توقف مشروع الري الذي يغذي أغلب الأراضي الزراعية في قرى المريعية والبوعمر وموحسن، لقلة مياهه وعدم توفر الكهرباء نتيجة استهداف محطات التوليد من قبل طيران ومدفعية النظام، ما أجبر عدداً من الفلاحين على حفر آبار خاصة بهم لأجل سقاية أراضيهم ، بينما قسم آخر توقف عن العمل وترك أرضه بوراً بدون زراعة”.

ولفت الحاج إلى قيام النظام بمنع أصحاب الأراضي الزراعية القريبة من نقاطه العسكرية من الاقتراب منها تحت طائلة العقاب التي تصل إلى حد القتل، بذلك خسر العديد من مزراعي المنطقة أراضيهم الزراعية وخاصة المجاورة للمطار العسكري.

من جهته قال المهندس الزراعي علي الحمد (من ريف ديرالزور الشرقي) لموقع الحل “إن أغلب سكان المحافظة يعملون في الزراعة، حيث يعتبر النشاط الزراعي من أهم الأنشطة الموجودة نظراً لامتلاك المحافظة جميع المقومات اللازمة للنهوض بالإنتاج الزراعي، وهذه المقومات هي أراض زراعية وثروة حيوانية وأيدي عاملة، فعلى الرغم من التغييب والتهميش الممنهج الذي عاشته من قبل النظام إلا أنها حافظت على تفوقها في المجال الزراعي وخاصة زراعة القمح وهو المحصول الإستراتيجي لسوريا وكذلك زراعة الأقطان والذرة الصفراء والشوندر السكري وغيرها من المحاصيل الزراعية”.

ظلم وتهميش للفلاح عبر عقود طويلة

كان للفلاح السوري النصيب الأكبر من الظلم والتهميش عبر عقود طويلة على الرغم من الدور الكبير له في المجتمع . فلم يكن له صوت يصل إلى أصحاب القرار، وكان يقع تحت رحمة القوانين الزراعية المجحفة وأسعار المواد الزراعية والبذور، كذلك كان للفساد المستشري في الجمعيات الفلاحية الأثر الكبير في معاناة الفلاح، بحسب الحمد .

تراجع الثروة الحيوانية

يتابع الحمد حديثه لافتاً إلى المشاكل التي واجهت الثروة الحيوانية في المنطقة، يقول”أرقام الثروة الحيوانية قد تراجعت بشكل كبير، بسبب قلة عدد المربين واتجاههم لأعمال أخرى، وذلك لغلاء الأعلاف وزيادة الضرائب التي كانت تفرضها حكومة النظام، كل هذه الأسباب أدت لتراجع القطاع الزراعي بشقيه الزراعي والحيواني، حيث ازدادت بشكل كبير أيضاً، مع بداية أحداث 2011وخروج مناطق عدة من سيطرة قوات النظام لتزداد معها معاناة الفلاحين أكثر وأكثر” على حد وصفه.

أسباب ساهمت في تآزم القطاع الزراعي

ذكر الحمد عدة أسباب كان لها الأثر الأكبر في تراجع القطاع الزراعي وازدياد في معاناة الفلاحين ومنها مقتل عدد كبير من المزارعين نتيجة القصف الذي تعرضت له المنطقة خلال خمس سنوات مضت، والتحاق العدد الآخر منهم بصفوف الكتائب المعارضة للنظام ، مما ترك أراضيهم بوراً، ومن المعروف أن الأرض تفقد خصوبتها شيئاً فشيئاً إذا لم يتم الاهتمام بها، وفق تعبيره.

ومن الأسباب الأخرى خروج معظم محطات الرّي وقنوات الرّي عن الخدمة بسبب الاستهداف الممنهج لها من قبل قوات النظام، حيث تم تدمير العديد من محركات الضخ في مناطق ريف دير الزور الشرقي والغربي وخروجها عن الخدمة، وبالتالي عدم وصول مياه الري للأراضي الزراعية وغالباً ما يتم هذا الاستهداف في منتصف الموسم حتى يكون الفلاح قد خسر ثمن البذار والسماد وغيرها من متطلبات العملية الزراعية ثم لاتصل مياه الري إليها فيموت المحصول وتكون خسارته مضاعفة.

إلى جانب ذلك، الغلاء الفاحش في أسعار البذار والأسمدة ، التي كانت تجلب من مناطق سيطرة النظام، وغلاء المشتقات النفطية التي أدت إلى ارتفاع أجور المكننة الزراعية وبنسبة عالية جداً.

قوانين داعش وتأثيرها على الزراعة في المنطقة

فرض التنظيم المتشدد عند بسط نفوذه على المنطقة عدة إجراءات صارمة كان لها التأثير الأكبر على المزراعين، حيث قام بتشكيل مايسمى بديوان الزراعة وهو المسؤول عن العملية الزراعية ومع تشكيل هذا الديوان بدأ بإصدار جملة من القرارات كان أغلبها على شكل فرض ضرائب أثقلت كاهل الفلاح الذي يعاني من مشقات عدة أساساً، بحسب الحمد، والذي ضرب مثالاً عن الضرائب التي فرضها التنظيم على الري، علماُ أن التنظيم لم يقم بأي عمل من أجل توفير المياه فقد كان الري لايزال عن طريق القنوات التي كانت تعمل منذ أيام النظام، بل إن ديوان الزراعة كان يعتمد على المجهودات الفردية لبعض المتطوعين ممن يملكون الخبرة من أجل إصلاح أعطال قنوات الري وآلياته، حيث كان يقوم بعض المهندسين والعمال السابقين بذلك، وفي أغلب الأحيان بدون أجر،  وبلغت ضريبة ري الأراضي مابين الألف والألف وخمسمائة ليرة سورية على الدونم الواحد من الأرض، وهي تختلف باختلاف نوع المحصول، على حد قوله.

ديوان الزكاة سبب آخر لمعناة الفلاحين

يطالب ديوان الزكاة الفلاحين بزكاة ما أنتجته أرضهم رغم أن ما أنتج لا يسد رمق الفلاح وأبناءه، يقول خليفه الأحمد ( مزراع من ريف دير الزور الغربي ) لموقع الحل “نحن لا نمنع الزكاة فهي فرض من فروض الإسلام لكن كثرة الضرائب وغلاء الأجور والمواد الأولية من بذار ودواء وأسمدة أثقلت كاهلنا، فقد أصبح أحدنا يعمل ويتعب ليدفع ما أنتجه كضرائب وخسائر، وتستمر معاناة الفلاحين خاصة بعد منعهم من فلاحة أراضي البادية بحجة أنها أراضي المسلمين، ما أثّر على أغلب مزراعي المنطقة بشكل كبير جداً”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة