سامي صلاح

أثارت مشاهد دخول قوات موالية للجيش السوري النظامي إلى #عفرين ولاحقاً تسليم مناطق أخرى بمحافظة #حلب للنظام سخطاً واستغراباً لدى شريحة كبيرة من السوريين المعارضين، رافضين تبريرات وحدات حماية الشعب التي تقول إن حكم #بشار_الأسد “أسوأ الأمرّين”، في إشارة إلى الحملة التركية التي تشنها #أنقرة بدعم من فصائل سورية معارضة.

التقسيم

تشير كافة التطورات الأخيرة إلى أن سوريا المنقسمة تتجه إلى “التقسيم”، إلا أنها لن تكون دولة سنية مقابل دولة علوية كما اعتقد كثيرون مع بداية الحراك، ولا دولة تحت حكم الأسد مقابل أخرى تحت حكم الجيش الحر، بل ربما دولة تحت نفوذ روسي مقابل أخرى تحت نفوذ أمريكا.

أمريكا وروسيا

نجحت أمريكا عبر دعمها لقوات سوريا الديمقراطية بالسيطرة على معظم الأراضي السورية شرق نهر #الفرات، باستثناء بعض الجيوب التي من المفترض أن “تحررها” من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) خلال الفترة القادمة.
وفي المقابل، #روسيا التي وضعت رهاناً على بشار الأسد وصفه كثيرون بـ “الأحمق”، يبدو أنها فعلاً نجحت في أن تحظى بنفوذ كبير في منطقة استراتيجية تقدم لها منفذاً على البحر المتوسط، وقاعدة عسكرية في منطقة “ساخنة” تعد مركز العالم، من الناحية الجغرافية على الأقل.

شرق الفرات

أمريكا التي ساعدت بخجل المعارضة لقلب النظام في الفترة الأولى من الحراك، انسحبت بوضوح مع قدوم الرئيس الأمريكي “الجديد” دونالد ترامب من مساندة المعارضة، وزادت بقوة دعمها لقوات سوريا الديمقراطية، واستطاعت بالفعل القضاء على تنظيم داعش، بتكلفة باهظة دفع ثمنها أهل الرقة ودير الزور.
المشروع الأمريكي يهدف إلى السيطرة على المناطق النفطية في سوريا، ومسؤولون أمريكيون أكدوا أن المناطق شرق نهر الفرات -التي تضم معظم النفط السوري- ستكون تحت سيطرة قسد ويمنع للأسد أو غيره من القوى المتحاربة الدخول إليها، وهو ما كان واضحاً مؤخراً عندما نفذت أمريكا ضربة على قوات سورية (مدعومة بمرتزقة روس) حاولت العبور لشرق الفرات، وقتلت أكثر من مئة منهم، فيما لم تحرك ساكناً تجاه ما يحدث في عفرين، رغم أن الحلفاء الأكراد نفسهم من يسيطر على المنطقتين.
وقال وزير الدفاع الأمريكي (جيمس ماتيس) إن بلاده تنوي إرسال موظفين أمريكيين غير عسكريين إلى مناطق قسد شرق الفرات، وتحدث مسؤولون في إدارته إلى أن ذلك سيعني أن واشنطن تتجه إلى “الاعتراف الدبلوماسي” بتلك المناطق.
وتحتوي دير الزور على أكبر الحقول النفطية في سوريا، وهو حقل العمر، وفيها أيضاً حقل التنك، أكبر الحقول بعد العمر، وحقول الورد والتيم والجفرة وكونكو، وهي باتت فعلياً جميعهاً تحت نفوذ الولايات المتحدة بعد انتزاعها من داعش.
ولشرق الفرات أهمية أخرى لدى الولايات المتحدة، فالحدود السورية العراقية التي تمتد مسافة 600 كم تقريباً كانت تشكل ممراً للعناصر المتشددة وفي بعض الأحيان ملاذاً آمناً لهم، فهي مساحة صحراوية خالية يتحركون فيها بحريّة، لكن الخطة الأمريكية الجديدة لتدريب 25 ألف مقاتل حرس حدود سيعملون تحت نفوذ قسد، ربما ستنهي هذه المشكلة، أو تحد منها إلى حد كبير.
ويقطع وجود النفوذ الأمريكي بمنطقة شرق الفرات الطريق على #إيران، حيث يمنعها من تشكيل هلال يربط بين #طهران وبيروت، عبر مناطق في العراق تقع تحت حكم ميليشيات موالية لإيران، ونظام الأسد، ولبنان الخاضعة لسلطة حزب الله.
وذكر نائب رئيس مجلس الأمن الروسي مطلع هذا الشهر أن الولايات المتحدة “باتت تمتلك 20 قاعدة عسكرية في سوريا في مناطق قوات سوريا الديمقراطية”.

غرب الفرات

لا يستطيع الموالون لوحدات حماية الشعب أخلاقياً تبرير تسليم المواقع غرب الفرات للنظام، وخصوصاً مع ما يحدث في الغوطة، لكن استراتيجياً، فإن الوحدات أمام خيارين، إردوغان أو الأسد، الأول سيقضي عليها حتماً، أما الآخر -الذي سلب حق الأكراد لخمسين عاماً- فربما سيمنحهم اليوم بعض الميزات إذا لبوا فروض الطاعة.
يتواجد اليوم في مناطق غرب الفرات 5 قوى رئيسية، هي النظام، والأكراد، والقوات الإسلامية، والجيش الحر المنخرط ضمن غصن الزيتون، والجيش الحر الذي كان بالأمس حليف القوات الإسلامية لكنه اليوم يعتبر نفسه جهة مستقلة تقاتل الإسلاميين “المتشددين” والنظام وتعادي بالوقت ذاته الوحدات ولا تنخرط ضمن الحملة التركية.
وجود وحدات حماية الشعب غرب الفرات لن يدوم طويلاً بحسب ما هو واضح، وخصوصاً بعد إعلان الرئيس التركي أن قرار مجلس الأمن بشأن وقف العمليات العسكرية في كامل الأراضي السورية -وهو قرار رحبت به أنقرة- لن يشمل عفرين، مؤكدةً أن العمليات العسكرية فيها ستستمر، ومن المتوقع أن تسري وجهة النظر تلك على منبج، التي تعهدت أنقرة بدحر الوحدات منها بعد عفرين.
وبالنسبة للفصائل العاملة ضمن الحملة التركية فإن المصير سيكون مشابهاً، وخصوصاً بعد تصريحات إردوغان التي أبدى فيها قبولاً لوجود النظام بدل الوحدات، ما يعني أن “غصن الزيتون” ستنتهي وإعادة فرض النظام نفوذه على مناطقها ستكون مسألة وقت بوجود تقارب كبير بين الأتراك، والروس الداعمين للأسد.
فصائل المعارضة السورية (غير المنضوية تحت الجيش التركي) بدأت بالفعل تأكل بعضها، حركة نور الدين الزنكي التي كانت تقاتل حركة أحرار الشام منذ أشهر، باتت اليوم حليفتها في قتال هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) بالتعاون مع صقور الشام، وغداً ربما تختلف الأسماء لكن النتيجة ستكون نفسها.
سيناريو اقتتال المعارضة تكرر في معظم المناطق بسوريا، وحال إدلب اليوم لا يختلف عن باقي المناطق التي انتظر الأسد الفصائل حتى تصبح منهكة وهزيلة ليدخل ويسيطر عليها دون قتال يذكر، لكن نشطاء أكثر تفاؤل يرون في الاقتتال صحوة ضد “توابع تنظيم القاعدة”، ربما تغير الموقف الدولي بشأن وجود مناطق خاضعة لنفوذ المعارضة معترف بشرعيتها.
ويتيح النفوذ الروسي في منطقة غرب الفرات لموسكو تحقيق مصالح اقتصادية وعسكرية كبيرة في سوريا وخصوصا القاعدة العسكرية التابعة للبحرية الروسية في مدينة طرطوس، والموجودة هناك منذ فترة الاتحاد السوفييتي.
ووقع النظام السوري مع موسكو في 18 كانون الثاني من عام 2018 اتفاقية هامة تقضي ببقاء القاعدة الروسية في مدينة طرطوس السورية لمدة 49 عاماً قابلة للتمديد، وتحديثها وتوسعتها لاستيعاب حاملات الطائرات والغواصات النووية. ويعطي الاتفاق “حصانة كاملة” للقاعدة الروسية من القوانين السورية، وينص أنه “لا يسمح للسلطات السورية بدخولها”، كما يمنح روسيا القدرة على “نشر مواقع عسكرية متحركة لها خارج نطاق القاعدة بهدف حمايتها والدفاع عنها”.
واستطاعت موسكو بفضل مد نفوذها بالمنطقة التأكيد للعالم أنها مازالت قوة كبرى، تتمتع بأسلحة قوية استعرضتها “للزبائن المستقبليين” خلال السنوات الماضية على حساب الشعب السوري.
وقال الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) مطلع شهر آذار 2018 إن العملية الروسية في سوريا “أظهر قدرات موسكو الدفاعية والعالم كله بات يعرف أسماء أسلحتنا”.

المنطقة الجنوبية

يبقى سيناريو المنطقة الجنوبية (الواقعة غرب الفرات) غير واضح، لكن التقارير الأخيرة تشير إلى احتمالية أن تنضوي عدة فصائل تحت نفوذ أردني-إسرائيلي، لـ “تأمين المنطقة وحدود البلدين”، لتكون بمثابة عناصر حماية ربما تنخرط مع قوات النظام بوقت لاحق.
وقالت المحللة إليزابيث تسوركوف في مقال لصحيفة هآرتس الإسرائيلية إن عشرات من عناصر المعارضة في المنطقة الجنوبية أبلغوها أن “ما لا يقل عن سبعة فصائل سنية ثائرة في الجولان السوري تتلقى الآن أسلحة وذخائر من إسرائيل، إضافةً إلى الأموال لشراء أسلحة إضافية”.
وكان اتفاق وقف التصعيد لجنوب سوريا الذي وقعته أمريكا والأردن وروسيا أواخر العام الماضي قد نص على وجوب بقاء إيران والميليشيات الشيعية التي تدعمها بعيدةً عن حدود إسرائيل من جهة الجولان مسافة 20 كم تقريباً، وعلى بعد 5 كم فقط من “الجولان السوري الشمالي” الواقع تحت سيطرة النظام.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.