3 ملايين صاحب احتياج خاص خلال 6 سنوات.. سوريا بلد الإعاقات الجسدية والنفسية

3 ملايين صاحب احتياج خاص خلال 6 سنوات.. سوريا بلد الإعاقات الجسدية والنفسية

حسام صالح

يوماً بعد يوم وعاماً بعد عام تكشَف المزيد من الإحصائيات والأرقام عما خلفته الحرب السورية من أضرار على كافة المستويات المادية والبشرية، وإن كان البناء الذي تدمَّر، والأرض التي أحرقت يمكن إصلاحها وتعويضها، إلا أن من بترت ساقه أوفقد عينه أو أي جزء من جسده جراء صاروخ أو قذيفة أو حتى طلقة طائشة يعتبر الخسارة الأكبر، فأولئك المصابون باتوا بمئات الآلاف، وقد قالت منظمة الصحة العالمية مع بداية العام 2018 أن “هناك 30 ألف مصاب كل شهر بسبب الحرب في سوريا، بعد أن خلفت مليون ونصف المليون مصاب بإعاقة دائمة من أصل 3 ملايين شخص أصيبو منذ العام 2011”.

هذه الأرقام وعلى الرغم من ضخامتها بالنسبة للمجتمع السوري، إلا أنها بنظر العدد من المنظمات الدولية والمحلية ليست دقيقة فربما تكون أكثرمن ذلك، ناهيك عن المعتقلين في سجون النظام والذين لايعرف عنهم شيء، وجيل جديد من الأطفال الذين يعانون من اضطرابات نفسية وعصبية وحتى ولادية جراء الأسحلة المستخدمة في الحرب وخصوصاً السلاح الكيماوي الذي ثبت استخدامه من قبل النظام السوري عدة مرات، والذي يحتاج لسنوات للتخلص من آثاره.

3 ملايين صاحب احتياج خاص خلال 6 سنوات

في تقرير لمنظمة الصحة العالمية حول أصحاب الاحتياجات الخاصة في سوريا، بلغت نسبتهم في سوريا 10% من تعداد السكان في العام 2010، وحينها قال المختصون إن الرقم مفاجئ وإن صاحب الاحتياج الخاص في سوريا يعاني عادة من نظرة الأهل التي عادة ما تتراوح بين الشفقة والتحنن، وبين الخجل منه، لتصل في حالات كثيرة إلى حد عدم الاعتراف بوجوده داخل الأسرة، حيث يتم إخفاؤه عن أنظار المجتمع وكأنه عار.

مع بدء الثورة السورية تزايدات أعداد المعاقين في سوريا شيئاً فشيئاً مع زيادة وتيرة المعارك واشتداد القصف على المدن والمناطق السكنية، فظهرت إحصائية مع نهاية العام 2014 فقالت منظمة الصحة إنه يوجد في سوريا حوالي مليون إنسان من ذوي الاحتياجات الخاصة بدرجات متفاوتة، لكن مع نهاية العام 2016 تضاعف الرقم، فأكد تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن 1.8 مليون سوري يعانون من إعاقة جسدية دائمة بسبب الاشتباكات.

وقال تقرير صادر عن الأمم المتحدة والذي تناول احتياجات الشعب السوري لعام 2017 “يتعرض 30 ألفاً في سوريا شهرياً لصدمة نفسية جراء الصراع، ومعاناة 2.8 مليون شخص من إعاقة جسدية دائمة، منهم 86 ألف شخص أفضت إصابتهم إلى بتر أطرافهم”، مشيرة إلى أن الصراع الدائر هناك يحتدم باستخدام أسلحة متفجرة في المناطق المأهولة بالسكان.

ولعل الأطفال هم الفئة الأكثر عرضة للإعاقة حسب قول المدير الإقليمي لليونيسيف في الشرق الأوسط خيرت كابالاري الذي أشار إلى أن “3.3 ملايين طفل داخل سوريا يتعرضون لمخاطر المتفجرات على اختلاف أنواعها”.

مستويات الإعاقة

معظم الأبحاث الطبية المتعلقة بأصحاب الاحتياجات الخاصة تؤكد أن نسبة الإعاقة تزداد في ظروف الحرب بنسبة 30%، كما أن الإعاقة ترتفع مع تقدم العمر، وبالتالي فإن مستويات الإعاقة في سوريا في ارتفاع مستمر مع استمرار العمليات العسكرية على الأرض، وفي هذا الصدد يشير الدكتور أحمد الكفري الذي يعمل في مستشفى في مدينة أنطاكيا على الحدود السورية التركية إلى أن “للإعاقة مستويات، فالمستوى الأول هم المعاقون أصلاً ما قبل نشوب الحرب، وهم أشخاص متعايشون مع المرض أو الإعاقة، والمستوى الثاني المعاقون نتيجة الحرب كمن فقد أحد أطرافه أو تسببت الحرب بإعاقة مستديمة له، وأصبح عددهم بالملايين بعد 6 سنوات من الحرب والمشكلة الكبرى تكمن في وجودهم بمناطق محاصرة أو يصعب الوصول إليها، كما هو الحال مع أهالي الغوطة الشرقية اليوم”.

وأضاف “المستوى الثالث يسمى بالإعاقة النفسية، وغالباً ناتجة عن ظروف الحرب من إحباط وصعوبات اجتماعية، وتكثر عند الأطفال بشكل كبير خاصة الذين كبروا أثناء الحرب وأصبحت طباعهم أكثر عدوانية وغرابة”.

الإعاقات الجسدية هي الأكبر

من الممكن أن نستدل على حجم الإعاقات الجسدية في سوريا من خلال تصريح رئيس الأطباء الدوليين “مولود يورت ستفن” الذي قال إن “نسب إصابات الساق وبتر الأذرع في سوريا هي الأكبر منذ الحرب الحرب العالمية الثانية”.

في السياق ذاته أكدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن  “ما لا يقلّ عن ١٫١ مليون شخص أصيبوا في سوريا منذ آذار ٢٠١١ ما لا يقلّ عن 45٪ منهم نساء وأطفال، ومابين ١٠ ٪ إلى ١٥ ٪ من الإصابات تتحول إلى حالات إعاقة أو بتر للأعضاء”.

وتعتبر مسألة الحصول على طرف صناعي في الداخل السوري أمراً صعباً، فالدعم المقدم لمراكز الأطراف الصناعية محدود، وعملية تصنيعها تتم بكميات قليلة، كما أن مسألة شراء الطرف الصناعي تعتبر معضلة في الوقت الذي يكلف فيها الطرف الصناعي الواحد بين 800 إلى 1500 دولار”.

محمد العلبي طبيب يعمل بمركز في مدينة إدلب للأطراف الصناعية، يشير إلى أن “التعامل مع مصابي الحرب يكون بعدة مستويات، هي تأمين الطرف الصناعي للمريض، وتأهيله نفسياً واجتماعياً”، لافتاً  في تصريح لموقع الحل إلى أن “المراكز الموجودة تتواصل مع المجالس المحلية لتأمين الاأطراف والمواد اللازمة لصناعتها، بعد أن بدأ الدعم يقل من قبل المنظمات الإنسانية الأجنبية، ونقل العديد منهم نشاطاته إلى دور الجوار بسبب سوء الأوضاع الأمنية داخل سوريا”.

المشروع السوري للأطراف الصناعية، كان أحد هذه المشاريع الذي بدأ العمل فيه خلال العام 2013 في مدينة الريحانية التركية، بدعم من جمعيات (سيريا ريليف، وسيما، وايفري سيريا)، كما تتبع له العديد من المراكز داخل الأراضي السورية، إلا أنه وبحسب التقارير السنوية لعدد الحالات التي تم تركيب أطراف صناعية لها نجد أنها لاتتجاوز الـ7 آلأف طرف صناعي مقارنة بعشرات الآلاف من الحالات الموجودة.

إعاقات نفسية

“لعل أبرز ما يواجه القطاع الطبي النفسي في سوريا هو الإهمال وعدم وجود مراكز كافية لتأهيل المصابين نفسياً، إضافة إلى عدم تفهم المجتمع للأمراض النفسية ومحاولة إخفائها بطريقة أو باخرى، وهو ما يجعل عملية العلاج في المستقبل أصعب للمريض”، بهذه الكلمات يصف الدكتور حسين الوردي الذي يعمل في مركز للتأهيل والدعم النفسي في ريف حلب واقع الحال بالنسبة للأمراض النفسية في المناطق المحررة.

الدكتور حسين أضاف في حديثه لموقع الحل “النسب الأكبر من حالات الاكتئاب تصيب الفئة الشابة، لكون هذه الاعمار تملك توقع أفضل عن المستقبل والأمل، الكثير من الحالات ونتيجة عدم متابعتها ينتهي بها الأمر إما للانتحار أو الإدمان أو حمل أفكار عدوانية تجاه المجتمع، علماً أن حوالي 75% من حالات الاكتئاب غير مشخصة ولا يراجع فيها الطبيب، مما يصعّب إحصاء نسبتهم في سوريا”.

وأكد أن “هناك قلة في الكوادر والمراكز المختصة بالأمراض النفسية في المناطق المحررة بشكل عام، ويوجد عدم اهتمام بهذا الجاتب، ودائماً ياتي التبرير بأن الالتفات إلى المعوقين جسدياً كالذي فقد أحد أطرافه في الحرب، أو الذي يعاني من مرض معدٍ هو أولوية في الوقت الراهن”.

الصم والبكم مهمشون !

في مقابل ما سبق، توجد فئة أخرى قد تكون مهمشة أو لايتم الحديث عنها كثيراً في وسائل الإعلام وهي فئة “الصم والبكم”، وفي بحثنا عن المراكز التي تعنى بهذا النوع من الإعاقة وجدنا عدة مراكز في مناطق متفرقة خترجة عن سيطرة النظام السوري وجميعها أقيمت بجهود بسيطة وتفتقد إلى الكثير من التجهيزات، تقول الدكتور ندى من مركز التأهيل للصم والبكم بريف درعا “أكثر مانستطيع تقديمه للصم والبكم هنا تعليمهم لغة الإشارة ومساعدتهم في الاندماج مع المجتمع، لاتوجد لدينا أجهزة طبية لفحص الحالات بشكل دقيق، فضلاً عن عدم تمويل المركز بشكل مستمر، فهناك حالات لايستطيع المركز مساعدتها”.

وقالت الدكتوة ندى “تعتبر مشكلة الحصول على بطاريات لسماعة الحلزون الصناعي هي الأكبر التي تواجهنا، فسعر علبة البطاريات يبلغ 2500 ليرة وتكفي المريض لمدة شهر، وفي بعض الأحيان تنقطع ويصل سعرها لـ15 ألف ليرة وتكون قادمة من العاصمة دمشق، وأحياناً من لبنان ويصل سعرها لـ45 ألف ليرة، إضافة إلى أن عملية تركيب الحلزون الصناعي تكلف مبلغ كبير يصل لـ10 ملايين ليرة”.

ماذا عن دول الجوار وأوروبا؟

تعتبر دول الجوار وخصوصاً #تركيا و #الأردن الملاذ الجيد للاجئين السوريين ممن أصيبو في الحرب وتمكنوا من الدخول لتلقي العلاج هناك، لكن هذا الأمر كان في السنوات الأولى للحرب، حالياً وعلى سبيل المثال في تركيا هناك مُحدّدات لإدخالهم، إذ لا يسمح بدخول أكثر من 30 مصابًا يوميًا، وسط وجود كثير من الحالات المرضية المزمنة، إلى جانب الإصابات الحربية، كمرضى القلب والسرطان، فتحاول بعض المنظمات إمداد المصابين، بمستلزماتهم الضرورية للحركة، كالكراسي والعكاكيز، إلا أن كثرة الأعداد تحول دون وصولها إلى الجميع.

في مقابل ذلك، فتحت مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ملف إعادة التوطين لفئة من الأشخاص في كل من أوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية، والمعيار يكون متعلقاً بالحالات الطبية الخطيرة التي يعاني منها اللاجئون، حيث كان العدد المتفق عليه بحسب المفوضية 100 ألف مواطن سوري، لكن العدد الفعلي أقل بكثير بحسب الموقع الرسمي للمفوضية.

شادية فتاة سورية من ريف حلب تعرضت بلدتها #الأتارب لقصف من قبل طيران النظام وفقدت على إثرها عينها، وحدث لها تشوه في وجهها ولازالت هناك شظية دخلت جمجمتها، تروي لموقع الحل قصتها في العلاج فتقول “بعدما أصبت تم إسعافي إلى أحد المراكز الطبية وكانت حالتي خطرة، بعدها قدمت أوراقي للعلاج في تركيا بناء على تقرير طبي لكن تم إدخالي إلى تركيا بعد 6 أشهر، وحينها خضعت لعدة عمليات جراحية في عيني وتم تركيب عين صناعية بدل من التي فقدتها في مدينة الريحانية الحدودية، ولكن للأسف لم تكن مناسبة وكنت أعاني من آلام في الرأس نتيجة الشظية”.

وتتابع حديثها “تم تحويلي بعدها إلى مدينة اسطنبول كي أكمل علاجي في مشافٍ أكثر تخصص، وهناك في المشفى الذي قاموا بتحويلي إليه صادفت شاباً سورياً فقد يده ويقوم بالحصول على التقارير الطبية التي تثبت ذلك بعد تعرفه على منظمة ألمانية لديها مكتب في اسطنبول تقوم بتأمين سفره وتكاليف علاجه في ألمانيا، فحصلت على العنوان وقمت بتقديم أوراقي أيضاً، فكان الرد أنه خلال 6 أشهر سيتم نقلي إلى ألمانيا والحصول على العلاج هناك”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.