بعد ستة أشهر من سيطرة طالبان على أفغانستان، تتبلور الظروف التي تسهل التشدد الإسلامي. وقد نشرت “الأمم المتحدة” أول تقرير لها عن الإرهاب منذ انسحاب الولايات المتحدة في أوائل شباط/فبراير الحالي، حيث سلط التقرير الضوء على بعض التنظيمات الناشئة، مشيرا إلى أن أفغانستان أصبحت مجددا أرضا خصبة للإرهابيين المحليين والأجانب.

رغم تعهد حركة “طالبان” عدم السماح للمسلحين الأجانب بالإقامة في البلاد، إلا أن تنظيمات مثل “القاعدة” و”الحركة الإسلامية لأوزباكستان” و”داعش خراسان” والعديد من المجموعات الأخرى لا تزال موجودة في البلاد، وفق ما أفاد به تقرير نشره موقع “ذا ديبلومات” وترجمه موقع “الحل نت”.

ورغم ادعاء قيادة “طالبان” مرارا وتكرارا عدم وجود مقاتلين من القاعدة في أفغانستان، إلا أن “الأمم المتحدة” قيمت وجود هذا التنظيم في أفغانستان في حوالي 15 محافظة. في الوقت نفسه، يواصل “داعش خراسان” إعادة تجميع صفوفه ويقوم بتنفيذ هجمات متكررة أكثر من أي وقت مضى. وبناءا على تقرير “الأمم المتحدة”، تضاعف عدد أعضاء “داعش” خراسان منذ آب/أغسطس الماضي، وتتلقى المجموعة أيضا أموالا من تنظيم “داعش” في سوريا.

وتشير جميع الدلائل، مع ازدياد قوة “داعش خراسان”، إلى احتمال واضح بأن التاريخ سيعيد نفسه مجددا في أفغانستان، فالمؤسسات ضعيفة في عهد “طالبان” والاقتصاد ينهار. يأتي كل هذا وسط أزمة إنسانية متصاعدة ونزوح جماعي للأفغان المتعلمين، أو الذين يملكون فرصة لتحقيق حياة أفضل في الخارج.

كل ذلك من شأنه ترك البلاد عرضة للانزلاق مرة أخرى نحو الاقتتال الداخلي بين الجماعات الإسلامية المختلفة، والتي ينقسم بعضها حسب خطوط عرقية أو ببساطة حسب إيديولوجيات مختلفة، وبالتالي، يمكن القول إن الظروف في أفغانستان مواتية لتتحول تماما إلى أكثر ما يخشاه الجميع؛ أرضا خصبة وملاذا آمنا للتنظيمات الإرهابية.

ربما تبذل طالبان جهودا أقل لاسترضاء الولايات المتحدة أو الوفاء بتعهداتها التي قطعتها لواشنطن، إلا أن الحركة تحاول بالتأكيد التوافق مع الصين، وربما تكون بكين أفضل فرصة لحصول “طالبان” على التمويل والشرعية الدولية. فتاريخ علاقاتهم البراغماتية يشكل أساس مفيد لعلاقاتهم النامية. ورغم امتناع بكين حتى الآن عن الاعتراف الصريح بحكومة طالبان، إلا أن وسائل الإعلام الصينية انتهزت الفرصة لتسليط الضوء على الفرص الاقتصادية التي توفرها القيادة الإسلامية الجديدة للصين، لاسيما بالنسبة لتعدين الليثيوم والذي يبدو الآن في طليعة العلاقات النامية بينهما. ومع ذلك، أوضحت الصين أن مصالحها الأمنية تقع في قلب تفاعلها مع الحركة، ويبدو أن “طالبان” استجابت.

“لا توجد مؤشرات حديثة بأن طالبان قد اتخذت أي خطوة للحد من أنشطة المقاتلين الإرهابيين الأجانب في البلاد”، بحسب “الأمم المتحدة”، ومع ذلك، أورد تقرير المنظمة الأممية تفاصيل تشير إلى خلاف ذلك وإلى أن طالبان تضع قيودا ثقيلة على جماعات لها أهميتها الخاصة لدى الصين، “الحزب الإسلامي التركستاني”. وبحسب الدول الأعضاء المذكورة في التقرير، تم نقل هذه المجموعة الإسلامية الأيغورية من معقلها التقليدي في محافظة بدخشان على الحدود مع الصين إلى أجزاء أخرى من أفغانستان وهي بغلان وتخار ومحافظات أخرى.

مع ذلك، لا تزال مسألة ما إذا كانت “طالبان” قادرة على احتواء “الحزب الإسلامي التركستاني” والوفاء بوعدها للصين بعدم مساعدة أي تشدد أيغوري في الأراضي الأفغانية محل شك. فـ “الحزب الإسلامي الأيغوري” لا يزال يواصل تدريباته العسكرية، ويخطط لشن هجمات إرهابية ضد المصالح الصينية.

على وجه التحديد، تزعم بعض الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن المجموعة تتعاون مع “القاعدة” و”حركة طالبان” الباكستانية لتنفيذ هجمات في باكستان. وفيما قد يكون تطورا ضارا للعلاقات بين الصين و”طالبان”، ورد في التقرير أن بعض أعضاء “الحزب الإسلامي التركستاني” ما زالوا عازمين على “العودة إلى شينجيانغ من أجل الجهاد”.

وفي علامة أكثر إثارة للقلق، يمثل نهوض “داعش خراسان” التحدي الأكبر لـ “طالبان” عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على السيطرة على تشدد “الأيغور”. فـ”داعش خراسان” تنظر إلى “طالبان” على أنها غير أصولية بما فيه الكفاية، ولذا تحاول تقويض شرعية الحركة وحكمها. وفي الواقع، هناك دلائل بالفعل على أن “داعش خراسان” كان يحاول الاستفادة من الظروف المأساوية في أفغانستان، فقد تم تجنيد مقاتلي “الحزب الإسلامي التركستاني” تحت قيادة “فريق الأيغور”.

من جانب آخر، فإن هذا ليس مفاجئا، كون تنظيم “داعش خراسان” يتعامل مع سياسة الصين في شينجيانغ كقضية حشد في دعايته منذ العام 2017 على الأقل، وبالإضافة إلى ذلك، ربما أدرك التنظيم أن ضرب الصين من أفغانستان سوف يكلف “طالبان” أحد أقوى حلفائها ويقوض شرعيتها بشدة، وهو الهدف الذي تحاول جاهدة تحقيقه. لذا، فإن السؤال هو ما إذا كانت “داعش خراسان” قادرة فعلا على تجسيد طموحاتها في التشدد الأيغوري.

وبالعودة إلى التاريخ، فإن هذا ليس مستحيلا على الإطلاق، فمع تعزيز صداقة “طالبان” لبكين أكثر من أي وقت مضى، هناك فرصة أن يجد بعض مقاتلو “الحزب الإسلامي التركستاني” هذا الأمر محبطا، ويقررون الانضمام إلى خصم “طالبان” الرئيسي المتمثل بـ”داعش خراسان”. مع ذلك، في مثل هذا السيناريو، لن تكون الصين الوحيدة التي ستعاني من العواقب، فبحسب ما يوحي به التاريخ، نادرا ما يبقى ما يجري في أفغانستان ضمن حدودها، والأرجح أنه سيكون له عواقب على المشهد الجهادي العالمي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة