السيادة الافتراضية: مَن يملك الإنترنت في عصر نزع العولمة؟

السيادة الافتراضية: مَن يملك الإنترنت في عصر نزع العولمة؟

تُعتبر زيارة الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون إلى جمهورية الصين الشعبية في العام 1972 حجر الأساس، الذي حدد ملامح العولمة بشكلها الحالي، المعروفة بـ”عولمة ما بعد الحرب العالمية الثانية”، والتي ارتكزت أساسا على توسيع وحماية حركة التجارة بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، وبقية دول العالم فيما بعد.

معالم التجارة الدولية الجديدة، التي ظهرت ما بعد اجتماع نيكسون و ماو تسي تونغ، تبلورت اليوم بعدة أشكال، منها حماية الملاحة البحرية، وتأمين سهولة التنقّل بين الدول، وغيرها من الأمور التي تُعتبر من المسلمات حاليا. إلا أن تأثير العولمة الحديثة لم يصبح واضحا للعامة إلا بعد ولادة الإنترنت، بالشكل الذي نعرفه، في العام 1983، أي بعد أحد عشر عاما من الاجتماع الشهير، وذلك عندما قررت وزارة الدفاع الأميركية فتح الشيفرات المصدرية والأوراق البحثية المؤسِّسة لشبكة تبادل المعلومات، التي قامت الوزارة ببنائها في العام 1960. و بدأت الدول تنضمّ إلى الشبكة تباعا وصولا الى يومنا هذا، الذي صار فيه الإنترنت عماد التجارة الدولية والمحلية في كل دول العالم، وجسرا هاما للربط الثقافي بين الشعوب المختلفة.

وللإنترنت، بشكله التجريدي، طبقتان رئيسيتان: الأولى يشكّلها المستخدمون؛ والثانية هي البنية التحتية. يمكن تقسيم المستخدمين إلى فئتين، الأولى الأشخاص العاديون، الذين يستعملون الإنترنت بشكل يومي، إن كان للحصول على المعلومات، أو لشراء منتجات؛ والفئة الأخرى هي صانعو المحتوى وبائعو المنتجات. أما عن البنية التحتية، فهي نظام متكامل ومعقد لوسائل نقل المعلومات وإرسالها، من أسلاك وأبراج اتصال وأقمار صناعية وأجهزة تخديم. سابقا كان لكل شركة بنيتها التحتية، مثل المخدّمات التي تستضيف مواقعها الإلكترونية وتطبيقاتها العاملة على الإنترنت.

إلا ان طبقة جديدة بدأت بالتبلور في آخر خمسة عشر عاما، ألا وهي حوكمة الإنترنت. أي “تنظيم” عمل الشبكة والمشاركين فيها من ناحية القوانين والسياسات الوطنية الناظمة، والتي بدورها أطلقت الذراع السياسية لكل دولة كي تتحكّم بشكل الإنترنت، ومكان تخزين المعلومات، وشكل البنية المعمارية للشبكة، وغيرها من التفاصيل، التي حوّلت الإنترنت إلى جسد مثقل بالقيود والقوانين.

على سبيل المثال، يعتبر ممنوعا اليوم أن تقوم شركة معينة بحفظ معلومات المواطنين الأوروبيين على بنية تحتية لتخزين المعلومات الرقمية خارج الحدود السياسية للاتحاد الأوروبي، والهدف من ذلك منع الشركات التقنية الكبرى من استخدام بيانات المواطنين الأوربيين، وفرض حالة تنظيمية قد تساعد دول الاتحاد الأوروبي على مواجهة الهجمات والجرائم السيبرانية. وقد تبنّت دول عديدة هذا النوع من السياسة، التي أُطلق عليها اسم “السيادة الرقمية على البيانات”، وعليه تم بناء حدود افتراضية لمكان تخزين ومعالجة المعلومات لكل دولة حول العالم. في مثال اخر، لم يعد من الممكن أن تقوم شركة أوروبية بتأسيس موقع بيع منتجات على الإنترنت يستهدف السوق الصينية، على الشركة ان تقوم بترخيص عملها أولا داخل الصين، عبر العمل مع شركاء محليين، كما أن موقعها يجب أن يكون مستضافا على البنى التحتية الصينية، ناهيك عن نظم الدفع الإلكتروني، وغيرها من القيود الافتراضية.

قد تبدو شبكة الإنترنت متصلة، وهي كذلك على المستوى التقني حتى اللحظة الراهنة، إلا أن الحدود الافتراضية تتزايد يوما بعد يوم، وبدأت تنعكس بشكل أو بآخر على البنية التقنية للشبكة في بعض الأقاليم حول العالم.

بات الإنترنت مختلفا اليوم من دولة الى أخرى، والسبب يكمن في الحوكمة وتداخل المسائل السياسية والأمنية والحواجز الوطنية في شكل وآليات عمل الإنترنت. ما يدفع كثيرين للحديث عن “نزع عولمة الإنترنت”، بكل ما قد يبدو في هذه العبارة من تناقض، إذ أنه من الصعب تخيّل الإنترنت بالانفصال عن العولمة وتجاوز الحدود السياسية والثقافية، فلهذه الغاية نشأت “الشبكة” أصلا، وفي الوقت نفسه يزداد على المستوى العملي التوجه نحو الإنترنت “الوطني”، أو بالأصبح الخاضع لسيادة الدول القومية.  

وعلى الرغم من أن  حرية الإنترنت اعتُبرت بالتدريج معيارا رئيسيا لتقييم مستوى الحريات في دول العالم، كما هو الحال في تصنيف مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ووزارة الخارجية الأميركية، إلا أن النزعة “الوطنية” التي تنتاب الإنترنت حاليا،  تُترجم في أحيان كثيرة بقمع الحريات على الشبكة، عبر الحظر والمراقبة وتقييد الوصول، وغيرها من الممارسات، التي تغيّر طبيعة الفضاء الافتراضي بالتدريج. فهل بتنا في مرحلة نزع عولمة الإنترنت فعلا؟ وما تأثيرات التغيرات التي تعرفها الشبكة على الاقتصاد العالمي وأنماط الحياة المعولمة؟ وهل انتقلنا من مرحلة “الشبكات الحرة” إلى تقسيم الفضاء الافتراضي إلى مساحات وإقطاعيات للسيادة الوطنية والامتيازات الخاصة؟

“صاحب السيادة” في الإنترنت

“مَن يملك الإنترنت؟” هذا السؤال الذي كان يوجّه إليّ في بعض الأحيان كان يلاقى ابتسامة ساخرة خفيفة، مع  رد مختصر: “لا أحد”، إلا أن الواقع تغّير بعد العام 2015. تتحكّم اليوم خمس شركات تقنية بمعظم شبكة الإنترنت حول العالم، بسبب تكنولوجيا الحوسبة السحابية، التي وفّرت بدائل أرخص وأكثر عملية للبنية التحتية للإنترنت. سابقا كان من الممكن لكل شركة وضع مخدّم في مقرها وربطه بالإنترنت، واستضافة مواقعها الالكترونية عليه، إلا أن عالم أمازون وغوغل و مايكروسوفت للحوسبة السحابية حوّل الإنترنت لبيئة مركزية مشدّدة، فباتت مراكز البيانات المحدودة المنتشرة حول العالم لتلك الشركات تستضيف ما يزيد عن 90 بالمئة من الإنترنت.

جيف بيلكناب، رئيس قسم أمن المعلومات في موقع “لينكد إن”، عبّر عن شدة مركزية الإنترنت الحالية في العام 2020، عندما غرّد على “تويتر”: “لا أستطيع كنس منزلي بالمكنسة الكهربائية، لأن مركز البيانات الخاص بشركة امازون في الساحل الشرقي الأميركي متوقف عن العمل”.

تغريدة بيلكناب تشير إلى مدى ارتباط كثير من مفردات حياتنا، بما فيها “الأدوات الذكية”، مثل المكنسة الكهربائية المتطورة التي يمتلكها، بمراكز البيانات الخاصة بأمازون، والتي إن تعطلت، أو تم حجبها لأي سبب من الأسباب، فإن جانبا مهما من حياتنا سيتعطّل معها.

تمتلك شركات الحوسبة السحابية فعليا من القوى ما لا تمتلكه أي حكومة أو هيئة ناظمة للإنترنت، ما يعطيها إمكانية للضغط السياسي، وتأثيرا على الجهات الناظمة لحوكمة الإنترنت. وحتى بدون تأثير سياسي، تستطيع تلك الشركات أن تلغي من تشاء، وتمنع انتشار أي خطاب أو أفكار تتناقض مع سياساتها، فالصفحات والمنشورات والمنتجات التي لا تظهر على شبكات التواصل الاجتماعي ومحركات البحث، التي تدير معظمها تلك الشركات نفسها، ليست موجودة على الإنترنت العمومي بكل بساطة، وبالتالي فربما لن تكون موجودة في “العالم” المعاصر كله.

وبالتالي فإذا كانت أهمية مسألة السيادة على الإنترنت تزداد بشكل مطرد، فإن أهم “صاحب سيادة” حاليا هو بالضبط تلك الشركات الخمس. إلا أن لـ”السيد” معارضون جديّون وأقوياء، وهم أصحاب السيادة على النمط القديم، أي الدول الوطنية والتكتلات الإقليمية.  

أشكال نزع عولمة الإنترنت

قد تكون النزعات القومية والوطنية، المرتبطة بمواجهة نفوذ شركات الحوسبة الكبرى، الدافع الرئيسي للتحريض على نزع عولمة الإنترنت، ولذلك فإن نمط السيادة الوطنية، ديمقراطية كانت أم سلطوية، يلعب دورا مهما بتحديد مستقبل شبكة الإنترنت.

شكّلت تجربة الاتحاد الأوروبي بصياغة “قانون النظام الأوروبي العام لحماية البيانات” (GDPR)، أحد أهم الأمثلة لنزع عولمة الإنترنت في العالم الديمقراطي. بالمختصر، النظام يعمل على تقييد حركة البيانات الرقمية الخاصة بالمستخدمين الأوروبيين، أما الخدمات التي لا تلتزم بالشروط المعقدة للقانون فسيتم عزلها عن الإنترنت الأوروبي، ومحاسبتها في بعض الحالات. دفع هذا القانون كثيرا من الشركات و المخدّمات غير الأوروبية لمغادرة السوق الأوروبية نهائيا، او إنشاء شركات ضمن حدود الاتحاد، لإدارة اعمالها محليا، بمعزل عن الشركات الأم المتواجدة خارج الاتحاد الأوروبي.

أما في الدول غير الديمقراطية، فيعتبر مشروع “الجدار الناري الصيني العظيم” (Great Firewall)،  أفضل مثال للشكل الراديكالي لنزع عولمة الإنترنت. المشروع، الذي تأسس في العام 2003، ركز على قومنة الإنترنت، وتحويله إلى منتج صيني بحت بهدف “وقف البروباغندا الأجنبية”، إلا أن للمشروع أبعاد اقتصادية وأمنية أكبر.

في العام 2007 زرت الصين لأول مرة، وبعد وصولي إلى الفندق حاولت الدخول إلى بريدي الإلكتروني، إلا ان موقع البريد المجاني الذي كنت استخدمه لم يعمل، ولم أستطع الوصول إلى بريدي، ومن ثم تبيّن أن الصين تمنع مزودي البريد الإلكتروني غير الصينيين من العمل داخل الأراضي الصينية، وتمنع الوصول إلى مواقع أولئك المزودين، وتوجّه المستخدمين لشركات ترضخ لقوانينها الأمنية والسياسية. الشيء ذاته ينطبق على المواقع التجارية ومواقع الألعاب وغيرها.

ما يميز تجربة الصين في نزع عولمة الإنترنت هي أن منع الوصول للموارد غير الصينية على الشبكة يتم على مستوى البنية التحتية، أي أن الوصول إلى الموارد الأجنبية غير ممكن تقنيا من الأساس، مما يجعل الإنترنت الصيني عالما آخر للإنترنت، من الصعب للموجودين خارجه تصفّح ما بداخله، ومن المستحيل لمن بداخله تصفّح ما يقع وراء الجدار الناري العظيم.

المثال الأهم على ذلك هو تطبيق “تيك توك”، المملوك من شركة “بايت دانس” الصينية: “تيك توك” خارج الصين لا يشبه النسخة الصينية منه، وهي “دويان”، والتطبيق الذي يعرفه غير الصينيين لا يعمل داخل الصين، فيما لا يعمل تطبيق “دويان” خارج الصين، البنية التحتية منفصلة تماما، كما أن القوانين الناظمة مختلفة، في داخل الصين ممنوع على الأطفال استخدام “دويان”، بينما خارجها ما يزال موضوع استخدام الأطفال لـ”تيك توك” في إطار النقاش العام.

عولمة العصابات والإرهابيين

خلال عملي سابقا في شركة “ياهو”، كنت ضمن فريق ساهم بإلقاء القبض على شبكة تقوم باستغلال الأطفال جنسيا في دولة الفليبين. التحقيق استغرق ما يقارب ستة أعوام، وتكلّل بالنجاح بسبب قرار السلطات الفليبينية التعاون مع فريق التحقيق في ياهو والسلطات القضائية في الولايات المتحدة؛ وقرار السلطات الأميركية بتسليم أحد المتهمين الأميركيين للمحاكمة في الفليبين. إلا أن هذا النوع من التعاون العابر للحدود نادر، وينحصر في نادي الدول الديمقراطية، والتي تمتلك سلطة قضائية قوية.

الشيء الذي جعل من الإنترنت ابتكارا عظيما هو ذاته نقطة ضعفه: البيانات تنتقل من نقطة ما حول العالم إلى نقطة أخرى بأجزاء من الثانية، بالمقابل تنتقل الهجمات السيبرانية والجرائم الإلكترونية بالسرعة نفسها.

كثير من الدول تعتمد على الإنترنت في قطاعات حيوية، مثل تشغيل الخدمات المالية، وحتى التحكّم بالبنى التحتية الحساسة ومنها شبكات الكهرباء، مما يجعل تلك الخدمات والبنى عرضة للهجمات بشكل مستمر، وهو ما يحصل دائما. عدم قدرة الجهات الأمنية على محاسبة مرتكبي الجرائم الإلكترونية بمعظم الحالات يجعل الإنترنت المعولم مصدرا لتهديد الأمن القومي للدول، وعرضة للانتقادات بشكل مستمر.

كما أن من أخطر مظاهر الجريمة الإلكترونية ما يسمى “عصابات الفدية”، الناشطة من خلال “برامج الفدية” Ransomware، التي تقيّد الوصول إلى نظام الحاسوب الذي تصيبه، وتطالب الجهة المستهدفة بدفع فدية مقابل استعادة إمكانية الوصول للملفات. تعمل عصابات الفدية في معظم الأحيان من دول لا تتعامل مع الأنتربول، ولا تجيب على طلبات السلطات القضائية من دول أخرى. وهذه العصابات تمثّل أقصى استغلال لعولمة الإنترنت، فهي تعتمد على الإنترنت لإيجاد الأهداف واستهدافها، كما تستخدم التقنيات الحديثة، المطوّرة لحماية خصوصية المستخدمين على الإنترنت، لتشفير ملفات الضحايا، ومن ثم استخدام شبكات التحويل المالي، بوصفها أداة عمل رقمية للحصول على الفدية. في العام 2021 تعرّضت شركة “كولونيال بايبلاين”، المالكة لأهم خط للوقود في الساحل الشرقي لأميركا، لهجمة فدية، مما أدى إلى توقف عملها لمدة يومين، وازدياد أسعار المحروقات، وانتشار الهلع بين المواطنين، مما دفع البيت الأبيض لسن أمر تنفيذي يصنّف عصابات الفدية بوصفها مجموعات إرهابية.

يزداد عدد العصابات الإلكترونية يوما بعد يوم، و تستغلّ تفاصيل الإنترنت المعولم لصالحها بشكل مستمر، فهل نشهد يوما ما عزل دولة معينة عن الشبكة بسبب عدم التزام جهاتها الأمنية بالتعاون مع جهات دولية، لإجراء تحقيقات تخصّ هذا النوع من الجرائم؟

إلا أن الأمر لا يقتصر على تلك الدول، فازدياد قوة الجهات السياسية في حوكمة الإنترنت أدى لقيام بعض الهيئات السياسية بسن قوانين تمنع تشفير البيانات المنتقلة عبر الإنترنت. في استراليا على سبيل المثال ما يزال النقاش مستمرا حول سن قوانين تمنع التشفير بحجة محاربة الإرهاب، بينما توجد قوانين في الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي تلزم مقدمي خدمات الإنترنت بتشفير المعلومات. لا يمكن للشركات الكبرى الدولية، والتي تمثل محور عولمة الإنترنت، أن تحافظ على أعمالها في دولة مثل استراليا إذا تم إقرار قانون منع التشفير، لأنه بكل بساطة لن يمكن عندها مثلا إنشاء مكالمة عبر “واتس أب” تربط شخصا موجودا في استراليا مع شخص موجود في ألمانيا، لاختلاف التشريعات بين بلد يمنع التشفير (استراليا) وآخر يصرّ عليه (ألمانيا)، وبالتأكيد لا يمكن تقنيا إنشاء مكالمة نصف مشفّرة، أو مشفّرة من جهة واحدة. وبهذه الحالة قد نشهد تجزيئا للإنترنت يعكس الحدود السياسية للدول. والاستبعاد والعزل عن الشبكة لن يطال الدول “المارقة” أو القمعية فحسب، بل دولا في قلب “العالم الحر” مثل استراليا.

انقطاع السلسة الأطول

تبنّت السوق الرأسمالية الأميركية سياسة التوسّع العالمي في العقدين الأخيرين، وكان الإنترنت أحد أهم محاور التوسّع. تركز توسّع شركات كبرى، مثل أمازون وغوغل ومايكروسوفت، على تأسيس البنى التحتية وإهمال الأرباح مؤقتا، لكون التوسّع مكلفا، ويزيد من قيمة أصول تلك الشركات. إلا أن الواقع الاقتصادي العالمي الجديد بدأ يفرض عليها التوقف عن التوسّع، والتركيز على توليد الأرباح، وعليه قد تبدأ بعض الشركات بإجراء تقييمات لكلف التشغيل مقابل الأرباح، لتقرير فائدة الاستمرار بسياسة التوسّع.

يكلّف بناء مركز للبيانات (Data Center) شركة أمازون ما يقارب 2.4 مليار دولار، وقد قامت مؤخرا ببناء عدة مراكز بيانات في دول ذات اقتصادات ناشئة، وقدرات مواطنين شرائية أضعف من مثيلاتها في الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي. لذا يبقى السؤال مفتوحا حول إمكانية أمازون وغيرها على الاستمرار في التوسّع.

تقسيم الإنترنت بناء على القدرة الشرائية لمواطني دولة معينة قد يعني توقف “فيس بوك” عن العمل في دول قد لا توّلد النقرات فيه أرباحا كمثيلاتها في الولايات المتحدة، أو أي دولة ذات ناتج قومي عالٍ لمواطنيها، لكون الكلفة التشغيلية ستصبح أعلى من الأرباح التي يتم توليدها. كما أن عدم القدرة على مجاراة القوانين المحلية الناظمة لحوكمة الإنترنت، أو “الإنترنت غير المعولم”، قد يدفع كثيرا من الشركات لاختيار الانكفاء على الذات وعدم التوسّع. و من الأمثلة على ذلك خروج شركات مثل غوغل وياهو من السوق المحلية الصينية.

سيكون لكل هذا تأثيرات جذرية على الاقتصاد العالمي، وقد يساهم بزيادة التوجّه إلى أنماط الإنتاج المحلية والإقليمية. بعبارة أخرى فإن أزمة سلاسل التوريد والإنتاج الطويلة، التي يشهدها العالم اليوم، قد تستفحل مع نزع عولمة أطول السلاسل وأكثرها مرونة، أي شبكة الإنترنت.  

يبدو أن الآمال والأحلام التي ارتبطت بالإنترنت مع بدء انتشاره قد أمست تنتمي إلى عصر مضى، فبعد أن اعتبر كثيرون أن تواصل البشر على شبكة واحدة سيساهم بنشر الحرية والديمقراطية والانفتاح في كل العالم، وسيزيل الحدود القديمة والأفكار المتحجّرة، باتت الشبكة اليوم تشبه العالم الذي تربطه: مجزّأة؛ مليئة بالحدود؛ الميول القومية والإقليمية؛ النزاع على السيادة والهيمنة؛ الرقابة والسيطرة والتحكّم؛ الجريمة والإرهاب والعنف؛ الاحتكار والامتيازات الخاصة لقلّة من أصحاب النفوذ.

توضيح: المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي لكاتبها، ولا تمثّل التوجهات الرسمية لشركتي”ياهو” التي عمل بها سابقا، و”أمازون” التي يعمل بها حاليا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.