خطايا عائلية: ماذا تبقّى من “قيم الأسرة العربية” في عصر الاضطراب الاجتماعي واللجوء؟

خطايا عائلية: ماذا تبقّى من “قيم الأسرة العربية” في عصر الاضطراب الاجتماعي واللجوء؟

تغيّرت العلاقات العائلية في عديد من مناطق العالم العربي، في الخمسين سنة الأخيرة، وتبدّلت أنماط الزواج وإنجاب الأطفال وصلات القرابة، نتيجة عوامل اقتصادية وثقافية متعددة، خاصة في العائلات التي أكمل أبناؤها تعليما متوسطا أو عاليا. على أن التغيير الأكبر والأكثر حدة حدث بعد ثورات ما عُرف بـ”الربيع العربي”، وما نتج عنها من ظروف أمنية واقتصادية صعبة، فضلا عن لجوء أفراد أو عائلات بأكملها إلى دول، تتمتع بظروف وثقافة وقوانين مختلفة عن تلك التي اعتادت عليها العائلات العربية.

قبل الانفجار الاجتماعي الكبير، الذي عرفته كثير من الدول العربية مطلع العقد الفائت، تراجع دور الأب في كثير من العائلات، بوصفه المعيل الأوحد، كما ارتفعت مساهمة النساء في إعالة الأسر بشكل غير مسبوق، وانخفضت، في الوقت نفسه، نسبة عمالة الأطفال، ودورهم في تحصيل دخل الأسرة. أدى هذا إلى تغيّر اجتماعي وقيمي كبير، وبروز أشكال غير متوقعة من الروابط الأسرية، دمجت، في كثير من الأحيان، بين نموذج العائلة النووية (أب وأم وأطفالهما) والعائلة الممتدة (العلاقات الأسرية الحميمية الممتدة خارج الأسرة/النواة، وتحوي أكثر من شخصين بالغين). وبالتالي فإن الحديث عن   عن “قيم أسرة” عربية ثابتة يفتقر إلى الدقة بشدة، ولا يلحظ نتائج الدراسات السيسيولوجية الكثيرة، التي رصدت التغيرات الأساسية في أنماط العائلة العربية، وهو أقرب إلى الموقف السياسي والأيديولوجي، الذي يسعى إلى إدامة سلطة أبوية، فقدت كثيرا من أسسها الاجتماعية.

أدت الاضطرابات الاجتماعية والحروب الأهلية إلى تحوّل عديد من النساء إلى المعيلات الوحيدات للعائلة، بعد الملاحقة الأمنية للرجال أو اعتقالهم أو مقتلهم أو مغادرتهم البلاد، وبالتالي اصبحت بعض النساء صانعات قرار في الأسرة. وبالمقابل، ازداد اعتماد كثير من الأفراد على العائلة الممتدة، ما أدى إلى استعادة أشكال كادت تُنسى من التضامن الأهلي والعشائري. أما في دول اللجوء فقد تفككت كثير من الأسر العربية، وارتفعت حالات الطلاق والعنف الأسري، بدرجة أكبر مما كان سائدا في الدول الأصلية.

يمكن القول إنه بات من شبه المستحيل إيجاد تعريفات كلاسيكية لوضع الأسر العربية المعاصر، فلا هي أسر تقليدية، ولا هي نتيجة لعملية تحديث شاملة؛ كما لا تنطبق عليها الخصائص المعروفة العائلة النووية أو الممتدة، مما يجعل التوصّل إلى فهم تقريبي لها معتمدا على دراسات جزئية غير مكتملة، ومقارنات بسياقات اجتماعية أخرى، لا تتمتع بالدقة الكافية. ومع ذلك فلا بد من طرح السؤال، لما له من أهمية اجتماعية وثقافية، وحتى سياسية: كيف تغيّر تشكيل العائلات العربية في أزمنة الحروب والاضطرابات الاجتماعية التي نعيشها؟ ما الظروف التي تواجه كثيرا من العائلات العربية في دول اللجوء؟ وكيف تغيّرت علاقات القوة والسلطة داخلها؟

العائلة البراغماتية: لماذا يعود العرب إلى عشائرهم؟

في دراسته المعنونة “الروابط المترابطة: الأسرة والقبيلة والأمة وصعود الفردية العربية”، يخلص الباحث جون ألترمان، إلى أنه من الخطأ افتراض أن الولاء الأسري يلعب الدور المركزي نفسه في حياة العرب، الذي كان يلعبه قبل جيل. هناك أماكن وظروف ما يزال فيها مهما، لكن الولاء متغير وليس ثابتا، والنزعة الفردية آخذة في الازدياد في المنطقة، مما يؤثر على الطريقة التي يتعامل بها الناس مع السلطة، ومع بعضهم البعض.

يستنتج الباحث أيضا أن الأفراد يقومون باستمرار بحسابات التكلفة والفوائد حول الالتزام بقواعد السلوك المتوقعة. ما يزال معظمهم يريد شبكة أسرية ممتدة، يعتمد عليها في الظروف الحرجة، لكن من المرجح أن يزداد اعتماده على الأصدقاء والزملاء في أوقات السلم والازدهار. ويلاحظ ألترمان أن الناس في العالم العربي أكثر عرضة للاعتماد على القبيلة والعائلة، في الظروف التي يكون فيها الأمن والسلطة الحكومية والقدرة على التنقّل منخفضة. وعموما يظهر الشباب نطاقا واسعا من المواقف تجاه الولاء والالتزام العائلي واحترام كبار السن، بحسب الظروف الاقتصادية والتطور التكنولوجي والوضع الأمني.

هذه النتائج تشير إلى تعامل الأفراد بنوع من البراغماتية مع القيم الأسرية والعشائرية في العالم العربي، إذ تزداد أهميتها في زمن الأزمات، إذا كانت قادرة على توفير غطاء اجتماعي واقتصادي يحمي الفرد؛ فيما يمكن التخلّي عنها، في حال عجزها عن أداء تلك الوظائف. قد يفسّر هذا عودة الروابط العشائرية والعوائل الممتدة في بعض المناطق والدول العربية، وانحلال الأشكال التقليدية للأسرة في أماكن أخرى. فالأساس هو “الوظيفة” الاجتماعية، وليس “القيمة” الأخلاقية الثابتة.

من الملفت في هذا السياق أن هذا التعامل البراغماتي الوظيفي مع الأسرة لا يقتصر على العالم العربي، بل يمكن إيجاد نظائر له، وقت الأزمات، في أكثر دول العالم تقدما.

الكاتب الأميركي المحافظ ديفيد بروكس، نشر مقالا طويلا في مجلة “ذا أتلانتك”، بعنوان “العائلة النووية كانت غلطة“، يلحظ فيه أن الدلائل الحديثة تشير إلى احتمال ظهور نموذج عائلي جديد في الولايات المتحدة، فقد بدأ الناس يعطون الأولوية لأسرهم من جديد، ويختبرون أشكالا جديدة من القرابة والأسرة الممتدة، بحثا عن الاستقرار. يحدث ذلك بدافع الضرورة في أحيان كثيرة، وخاصة بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008، حين دفعت الضغوط الاقتصادية الأميركيين نحو اعتماد أكبر على أسرهم. وبدءا من عام 2012 تقريبا، بدأت نسبة الأطفال، الذين يعيشون مع آباء متزوجين، في الارتفاع. ويتواصل طلّاب الجامعات مع آبائهم أكثر مما كانوا يفعلون قبل جيل مضى. وذلك لأن العملية التعليمية أطول وأكثر تكلفة هذه الأيام، ومن المنطقي أن يعتمد الشباب على والديهم، لفترة أطول مما اعتادوا عليه.

في عام 1980، كان 12 بالمائة فقط من الأمريكيين يعيشون في أسر متعددة الأجيال. لكن الأزمة المالية لعام 2008 أدت إلى ارتفاع حاد في المنازل متعددة الأجيال. يعيش اليوم 20 في المائة من الأمريكيين في ذلك النوع من المنازل، أي 64 مليون شخص ،وهو رقم قياسي.

كان إحياء هذا النمط من الأسرة الممتدة، بحسب الكاتب، مدفوعا إلى حد كبير بعودة الشباب إلى ديارهم. في عام 2014، كان 35 في المئة من الرجال الأميركيين، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاما، يعيشون مع والديهم. فيما يعيش خُمس كبار السن، ممن تجاوزا الخامسة والستين، في منازل متعددة الأجيال.  

لا تؤدي الأزمات إذن إلى تفتت اجتماعي وأسري بالضرورة، بل قد تخلق روابط غير متوقّعه، وربما، في الحالة العربية، ستلعب الأسر الممتدة دورا أكبر في المستقبل، فيما سيتفتت نموذج العائلة النووية الصغيرة، التي حاولت الدول العربية رعايته في أوقات السلم، بناء على سياساتها الاجتماعية، في التحديث وتوزيع الدخل وضبط الزيادة السكانية. ويمكن القول، إلى حد ما، إن العائلة النووية العربية ستضمحل باضمحلال الدول التي دعمتها، فيما ستظهر تركيبات اجتماعية جديدة، ليست مجرد استنساخ للعشائرية القديمة، بل روابط تفرضها الضرورات. وفي هذا السياق لا يمكن توقع كيف سيتغيّر دور المرأة بالتحديد، فنحن أمام عائلات ممتدة بلا كثير من الآباء المعيلين، بل في أحيان معيّنة يزيد فيها عدد النساء عن الرجال، كما في الحالة السورية؛ كما لا يمكن التنبؤ بتأثيرات كل هذا على التشريعات والقوانين في الدول العربية.

ولكن ماذا عن العائلات التي انتزعت من جذورها تماما، واضطرت للتأقلم في بلدان وثقافات ومنظومات قانونية جديدة؟   

اكتئاب الجندر: لماذا لم تعد النساء “مخلصات” في المهجر؟

تؤكد دراسة بعنوان “صراع الأجيال في العائلات العربية“، صادرة عن “مجلة علم النفس بين الثقافات” عام 2016، على أن الهجرة تؤدي إلى تغيير كبير في الأدوار التقليدية في الأسرة، ما يتطلّب من الأفراد تعديل القواعد التي ألفوها في أرض الوطن، وقد تؤدي إلى مزيد من التقارب داخل الأسرة، للتعامل مع بيئتها الجديدة. ينشغل المهاجرون بـ”حماية” أطفالهم من تأثير البيئة الجديدة، من خلال الحفاظ على التقاليد الثقافية والدينية. فيصبح من المتوقع أن تتحول الأسرة “إلى الداخل” ، وتعزل نفسها، عن قصد، عن المجتمع “الأجنبي”، الذي يُنظر إليه على أنه مختلف للغاية أو فاسد للغاية. كما أن الآباء والأمهات المهاجرين، في كثير من الأحيان، يعزفون عن تكوين روابط عاطفية وثيقة خارج الأسرة، بسبب الحواجز اللغوية والثقافية. وفي حالة عدم وجود عائلة ممتدة، أو مجموعة دعم مماثلة ثقافيا، فقد يعتمد الأزواج بشكل مفرط على بعضهم، وعلى أطفالهم، للحصول على الدعم العاطفي. وهذا قد يعني أن نموذج العائلة النووية العربية سيزداد صلابة في ظروف اللجوء والهجرة، نتيجة الاعتماد المتبادل بين أفراد العائلة الصغيرة في محيط غريب. رغم هذا تشير كثير من الأرقام والدراسات إلى تفكك كثير من العوائل في بلدان اللجوء، فما سر هذا التناقض؟

قد يمكن تفسير هذا جزئيا من خلال ما تلحظه الدراسة، عن كون الإناث في العائلات المهاجرة يُبلغن عن صراعات أسرية أكثر بكثير من الذكور، ويتضّح هذا بشكل خاص في مجالات السلوك المحفوف بالمخاطر، والاختيار الشخصي، وتوقعات الأسرة والمواعدة والزواج. ومن المثير للاهتمام أنه لم تظهر فروق مهمة بين الجنسين في مجالات التعليم أو الثقافة أو الدين. وهذا يعني أن النساء يخضن صراعات أكثر بكثير من الذكور، داخل إطار العائلة المهاجرة، رغم عدم تبنيهن لإطار ثقافي أو عقائدي مخالف لقيم الأسرة.

يمكن القول إن العائلات المهاجرة واللاجئة لديها كثير من الأسباب والدوافع الثقافية لمزيد من التماسك، إلا أنها فقدت إطارا شديد الأهمية، كان يحافظ عليها، وعلى علاقات السلطة داخلها، بالشكل المعهود والمعروف، وهو الإطار القانوني العربي، فبمجرد خروج الأسرة من سيادة القوانين العربية، التي تؤمّن سلطة الأب/الذكر، حتى لو لم يكن معيلا، تكتشف الإناث وجود قوانين تتيح لهن التمرّد على أوضاع أسرية واجتماعية غير عادلة، ما يدفعهن لخوض صراعات، تؤدي بالمحصلة إلى انهيار الشكل التقليدي للأسرة العربية. وهذا قد يلقي الضوء على الدور الحاسم، الذي تلعبه أجهزة الدول العربية، القانونية والأمنية، في ترسيخ “القيم الاجتماعية” والأدوار الجندرية. كما قد يثبت أن كثيرا مما نعتبره عُرفا  وثقافة عربية أو “شرقية” جوهرية، ما هو إلا تنظيم حديث، مرتبط بحقبة نشأة الدول العربية في عهد ما بعد الاستقلال، ويمكن للبشر تغييره، بمجرد أن يعيشوا ظرفا جديدا.

لا يبقى أمام كثير من أرباب الأسر سوى العنف العاري للحفاظ على قيمهم، وهو ما ينعكس في زيادة نسب العنف الأسري وجرائم الشرف، إلا أن هذه الممارسات غير مقبولة، وتفتقر إلى الغطاء القانوني في الدول الغربية، ما يجعلها مغامرة غير مأمونة العواقب، ويؤدي إلى شيوع نوع من اليأس والاكتئاب بين كثير من الذكور، الذين تعرّضوا، بشكل مفاجئ، إلى اختلال تصوراتهم الجندرية عن أنفسهم وشريكاتهم وبناتهم وأخواتهم.

إلا أن هذا لا يعني أن أوضاع النساء باتت أفضل بالضرورة في دول اللجوء والمهجر، فاختلال التصورات الجندرية المشار إليه يؤثّر بدوره على الإناث، ويجعلهن يواجهن أزمات اجتماعية وقيمة غير مألوفة بالنسبة لهن، فضلا عن مواجهتهن مشاكل البيئات الجديدة، التي وجدن أنفسهن فيها، بكل ما فيها من صعوبات اقتصادية وعنصرية وعزلة اجتماعية واغتراب.

لا يجد المهاجرون واللاجئون عائلات ممتدة أو عشائر يعودون إليها، لدى انهيار عائلاتهم النواة، أو فقدانهم للمعيل والسند، ويواجهون، بوصفهم أفرادا، عالما غريبا وشديد التعقيد والصعوبة، وهو ما قد يحوّل فرصة التحرر، التي توفرها المنظومات القانونية الأكثر تطوّرا وعدالة، إلى أزمات نفسية ووجودية، يصعب على كثيرين تخطّيها، ولا يمكن القطع الآن بآثارها العميقة على الأطر الاجتماعية والقيمية لعرب الشتات.  

نهاية “العصر الذهبي”: من الفرد إلى العائلة الممتدة

بالعودة للكاتب الأميركي ديفيد بروكس، في مقالته المثيرة للجدل، التي ينتقد بها نموذج التحديث، الذي أدى للعائلة النووية المعاصرة، فإن “تحوّل العائلات الممتدة إلى عائلات نووية أصغر ومنفصلة، أدى في النهاية إلى نظام عائلي يحرّر الأغنياء، ويدمّر الطبقة العاملة والفقراء”. مجادلا بأن العائلات الممتدة، رغم أنها خانقة ومرهقة، وهامش الخصوصية فيها صغير جدا، إلا أنها تقدّم شبكة اجتماعية داعمة، وتمنح مزيدا من الاستقرار للعائلات والأطفال، الذين يكبرون في كنف مجموعة مُحبّة.

 يزعم بروكس أنه في الفترة التي بدت فيها العائلة النووية الأميركية وكأنها “حالة رائعة”، بسبب انخفاض معدلات الطلاق، وارتفاع معدلات الخصوبة، تآمر المجتمع بأسره، بقصد أو بغير قصد، لإخفاء هشاشة شكل العائلة هذا. فغياب الدعم الأسري المتين، أجبر عديدا من النساء على الاستغناء عن وظائفهن، للبقاء في المنزل ورعاية الأطفال. وهذا الوضع لم يكن قابلا للاستمرار على المدى الطويل، إذ سرعان ما تراجعت العائلة النووية، واليوم انخفضت نسبة الأمريكيين الذين لديهم عائلة إلى أقل من أي وقت مضى. فمن عام 1970 وحتى عام 2012، تراجعت نسبة  العائلات المكوّنة من زوجين وأطفال إلى النصف، وأشارت البيانات إلى أنه في العام 1960 لم تتجاوز نسبة العائلات، التي تتكوّن من أب أو أم وحيدين، نسبة 13 بالمئة، فيما وصلت، في العام 2018، إلى 28 بالمئة.

الحل، في عرف الكاتب الأميركي، هو العودة للعائلة الممتدة، التي بدأت تبرز من جديد، كما هو مذكور أعلاه، وهو أمر يبدو غريبا إلى حد ما، فحول العالم يبدو أن البشر يواجهون خيارين: إما الفردانية الشديدة، التي لا ترتبط فقط بظواهر اجتماعية ونفسية، مثل العزلة الشديدة والاكتئاب المرضي، بل أيضا بظواهر اقتصادية، مثل انخفاض مستوى المعيشة والعجز عن إعالة الذات؛ أو العودة إلى “العائلة الكبيرة”، مع كل ما يرتبط بهذا من تغيرات قيمية وثقافية، وتراجع “الحريات الفردية”. وقد رصد علماء الاجتماع حول العالم، وفي مختلف البيئات والثقافات، ظهور ما يشبه “عشائرية” جديدة، ما زالت بنيتها غير واضحة تماما للباحثين.

بكل الأحوال، لا يبدو أن الوضع العربي حالة استثنائية عن سياقه العالمي من الناحية السيسيولوجية، ففي كل مكان تتراجع العائلات وتتفكك، وتتغيّر القيم، ويشيع الاضطراب في الأدوار والأداءات الجندرية والجنسانية. ربما كانت “الخصوصية” العربية والإسلامية الوحيدة هي خصوصية أيديولوجية وسياسية، إذ تتكاثر، مع انهيار البنى المستقرة، الدعوات الحالمة باستعادة عصر ذهبي، كانت فيه الأسر مستقرة، والرجال مسيطرين، والنساء “مكرّمات” في مطابخهن وصالوناتهن؛ فيما يبدو أن ما تبقى من الدول ومشرّعيها عاجزون عن رؤية  التغيرات الهائلة في البنى الاجتماعية، ولا يقدمون أية ابتكارات أو حلول، لمساعدة الأفراد في مواجهة الظروف التي تزداد صعوبة بإطراد.

وإذا كنّا في العالم العربي عاجزين حتى الآن عن انتزاع حقوق بديهية، مثل المساواة في الإرث، ونقل الجنسية من المرأة إلى أبنائها وبناتها، ومواجهة العنف الأسري وجرائم الشرف، فإن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن العالم سيبقى كما كان، وربما كان العجز عن تطوير البنية الحقوقية والثقافية أحد أهم أسباب الاضطراب الاجتماعي الذي نعاني منه، وهو سبب اعتاد المثقفون والمحللون السياسيون على تجاهله، والبقاء في “منطقتهم الآمنة” من البلاغة المكررة.  

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.