حسام موصللي

تعِبَ القلبُ من إسفاف التحايل على تفاصيل الجريمة، وباتَ شعارُ المرحلة: “غضُّ البصر عن كلّ ما هو سلبي في سبيل أهداف أسمى” جَريمةً أخرى في حدّ ذاته. خصوصاً وأن ما ألمَّ من انحدار شديد في الخط البياني لصورة الراهن السوري خلال مُدّة قصيرة في حياة الشعوب ونضالاتها- خمس سنوات عجاف فقط- هو أمر غير مَسبوق على كافة الأصعدة؛ من حراك ثوري شعبي ناصع البياض، يُطالبُ بالحرية والكرامة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة ورفع سيف الظلم عن الرقاب، وصولاً إلى حالة مُزرية على نحو استثنائي، يُسيطرُ فيها الرعب ولا يُحصّل فيها الإنسان أدنى مُقومات الحياة الكريمة، فضلاً عن التدنّي المُزري على صَعيد الوعي الجمعي الذي وصل إلى درجة أنّ يتّخذ العديد من المثقفين مَوقف المُدافعين عن وجود ما يُسمّى بـ #الهيئات_الشرعية وأحكامِها التي تُنافي مَنطق التطور الحضاري؛ هذا في حال أننا افترضنا جدلاً أنّ فيها من الإنسانية شيءٌ مازلنا نجهله، لحكمة إلهية، رُبّما!

 

باختصار، ودونما مواربة أو غموض أو تحايل على الكلمات، يَحكُم تنظيم الدولة الإسلامية (#داعش) باسم الإسلام، ويزيد الطين بلّة امتلاكُه لترسانة ممّا يُطلَق عليهم “علماء” #الجهادية #السلفية؛ هؤلاء الذين لديهم القدرة على إضفاء شرعية دينية على أقبح الجرائم وأفظع انتهاكات حقوق الإنسان؛ وبالتالي، تطبيق السلطة المطلقة التي لا يجوزُ لأحد أن يُفكّر بمجرّد مُناقشة أحكامِها التي صارت في حُكمِ الإلهية.

في الأيام القليلة الماضية، تداولَت مواقع التواصل الاجتماعي صوراً ومقاطع فيديو تظهرُ فيها نساءٌ يُزغردن فرحاً بعد أن فررنَ بصحبة عائلاتهنّ من “ديار الخلافة الإسلامية”، وهُنّ يرتدين جلابيب سوداء، ما لبثنَ أن خلعنَها فور توقفهنّ بُعَيد حدود سلطة التنظيم.

لم يطغ فرحهنّ على مأساوية الصورة؛ بل زادها قتامةً كتلك التي تُضفيها أعلام التنظيم الإرهابي أينما وجِدَت. هُنا، يفرضُ المنطق المُجرّد سؤالاً ربّما يكون نظريّاً، ولكّنه أصيلٌ حتماً ويصيبُ لبّ المشكلة: “هل كان على تلك النسوة أن يفرَحنَ بخَلعِ ما فَرِض عليهنّ من سواد، أم بغد زاهٍ كألوان ثيابهن؟” ولستُ هُنا في صدد تحديد المسؤولين المتبجحين عمّا يجتاحُ #سوريا من كوارث لن تكون هذه الحادثة بالتأكيد آخرها أو أكثرها قسوة، فأولئك باتوا أعلاماً الآن، وإنما أريدُ فقط أن أشيرَ إلى الانخفاض الحاد في سقف المطالب الاجتماعية، وكارثيّة الوضع الذي لن يكون من المستغرب فيه أن يخرج مثلاً أحد القساوسة على الشاشات ليشكُر #جبهة_النصرة لأنّها اكتفَت بأخذ الجزية ولم تُمارِس سُنّة السبي!

مع ذلك، لا تُختصَرُ مُشكلتنا في سوريا بالأنظمة الكولونيالية المُتصارعة على الأرض فقط؛ #الإسلام و #الأسد، بل في الحقيقة إن المسؤولية بصورة كاملة تقع على عاتق ما يدعى بدول العالم الحر، تلك التي اختارت أن تحيل سوريا إلى #أفغانستان أخرى بدلاً من اتّخاذ أي تدابير لإنقاذ سكّانها من وحوش الرجعية، وكان أول ما تبادر إلى ذهني فور مُشاهدة مشهد نسوة سالف الذكر هو صورة اللاجئين السوريين في رحلات الموت إلى #أوروبا، وتحديداً في تلك اللحظة التي يتجاوزُ أولئك فيها حدود غابات #مقدونيا بعد أن فقدوا في الرحلة من فقدوا؛ سجناً وضرباً وخطفاً، بل ولدغاً في أحيان كثيرة! يا لقسوة الكتابة وأنت تُدرِكُ أن كلّ هؤلاء الناس هُم أبناء وطنك، وأنّ معظمهم من ذوي الأحلام البسيطة التي عادةً ما تُثير شفقة الغرب وفوقية المُثقّفين. لقد كُتبَ على أولئك الضُعفاء، مُسَحاءُ العصر، أن يتحمّلوا وزر السمة الأبرز لدى الأقوياء؛ الانحطاط الأخلاقي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة