مصعب النميري

“لا أحد يسمعك.. لا أحد يهتمّ لأمرك.. لن تستفيد شيئاً من هذا”، هذا ما قاله فرانك أندروود ( كيفن سبيسي – الذي يمثل دور عضو في مجلس الشيوخ الأمريكي، صاحب نفوذ وسلطة، في مسلسل بيت الأوراق – house of cards )، للرجل الفقير وعاثر الحظ، الذي حاول اقتحام الكونغرس، بهدف الاحتجاج على حاله البائس، لكن عناصر الشرطة قيّدوه، وأوثقوه بعمود الكهرباء، قبل أن يأتي أندروود ويقول ما قاله، بأقصى ما يستطيع من البرود، ناظراً عيناً لعين إلى الرجل المقيّد، الذي تحوّل غضبه العارم إلى حالة تشبه الشلل، بعد أن سمع ذلك الكلام “الصريح”، والمفاجئ.

 

أندروود (بطل المسلسل)، لم يذهب دون أن يقدم عرضاً للرجل المسكين، حيث استدرك كلامه وعرض على الرجل أن يقوم عناصر الشرطة بإيصاله إلى المنزل، حتى لا يُتعب نفسه أكثر من ذلك، قائلاً للحرس، أصحاب السلاح المجعّب: “غطوه.. فإن الجو بارد هذه الليلة”. هكذا قام أندروود (الذي يمثل السلطة في عمل درامي، قال كثيرون أنه يحاكي الواقع في الولايات المتحدة)، بإسكات الرجل الغاضب، الذي ارتد عليه صراخه، وقضت على كلماتِه كلماتٌ تجعل ألمه رماداً.

لم يكن واضحاً بالضبط ما الذي أراده الرجل المحتجّ من محاولة اقتحام الكونغرس في ذلك المشهد، وما بدا هو أنه كان يحاول إيصال صوته، إلى “الجهات المعنية”، بعد أن فقد الأمل.

هذا المشهد، بقساوته الفجّة، يذكر بخسمة أعوام من مأساة السوريين، الذين سعوا بشتى الوسائل حتى تصل أصواتهم إلى الضفاف الأخرى.. الضفاف التي لم تسمع الأصوات، ففوجئت بأصحاب الأصوات الميتين على رمالها. ويُحيل أيضاً إلى أسواق الخضرة التي سقطت عليها البراميل تِباعاً (على الباعة ثم على من أسعفوهم)، وإلى صراخ أهالي #الحولة قبل تهوي على رقابهم سواطير الجيران الغرباء، وإلى أطباء فتحوا عيونهم ذات صبيحة على مئات من الأطفال خطف #السارين أنفاسهم، وإلى آلافٍ محاصرين يجوبون الحقول بحثاً عن عشب للوجبة التالية، وإلى مقاتلين على تخوم القرى أقعدهم شحّ الرصاص، إلى نساء خرجن من الزنزانة بخيط دم ينزّ على ربلة الساق، وإلى رجال يصرخون فوق ركام الدّور بملء أفواههم.. كانوا يصرخون جميعاً ويسألون: “أين العدالة في هذا العالم”.

فرانك أندروود، في مشهد ثانٍ، سيطلب من عضو آخر في الكونغرس (بيتر روسو – يعرف أندروود نقطة ضعفه مثلما يعرف نقاط ضعف جميع من حوله)، أن يُغلق حوضاً لبناء السفن في مقاطعته، وهو ما سيحوّل 12000 موظف في تلك المقاطعة إلى عاطلين العمل بجرّة قلم واحدة. وحين رفض روسو ذلك واحتجّ سائلاً عن السبب، قال له أندروود:.. “إنها السياسة”.

وتزامناً مع ذلك، كانت زوجة أندروود (كلير – مديرة منظمة غير ربحة) تطلب من مسؤولة الموارد البشرية في المنظمة ترشيح لائحة بأسماء نصف الموظفين، لفصلهم من العمل واستبدالهم بطاقم جديد، لأسباب عدة. وفعلت الأخيرة ذلك بعد جدال طويل، حيث كانت ترفض الفكرة رفضاً قاطعاً لأن ذلك عمل غير إنساني، وأسباب الإقدام عليه لا تكفي لتبريره.

المسؤولة المترددة، قبلت بذلك في نهاية الأمر، وسرّحت نصف الطاقم، ليتبين فيما بعد أن كلير ستطلب منها، بعد أن نفذت المهمة، أن تقدم استقالتها هي أيضاً. وما لم يكن مفهوماً، هو لماذا أمرتها كلير بتسريح الموظفين، إذا كانت تريد تسريحها بعد ذلك؟  لماذا يُظنّ أن كاهل الناس في المراتب الأدنى حمّالٌ هكذا؟

الغاية من إسقاط هذا العمل الدرامي على ما نعيشه اليوم، هو أن ما تثيره الشخصيات المغلوبة على أمرها خلف الشاشة من أسئلة، هي ذات الأسئلة التي يسألها السوريون لأنفسهم دوماً.. لماذا على الضعفاء أن يتألموا عوضاً عن أولئك الذين يأخذون قراراتهم خلف الزجاج؟  لماذا ثمة في هذا العالم المليء بالضحايا من شرقه إلى غربه، من يسمع أصوات العويل، ويحث المظلومين على الهدوء قبل الدخول إلى السيارة المصفّحة؟. لماذا ثمة من يحوّل شعباً كاملاً إلى مسجل خطر، فيما تدور المفاوضات (التي تفشل دوماً) حول مصير شخص قتل مئات الآلاف علانية، وغالباً ما تنتهي بطمأنته؟. لماذا لا يُعرض على أصحاب المأساة إلّا ما لا يعينهم على الخروج منها؟.. ولماذا، أيضاً، هناك من لا تعنيه هوية الضحية إلا إذا كانت ملقاة قرب ضحية أخرى؟.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.