عمار الحلبي – دمشق:

إذا كنتَ تظن أن زراعتك لـ”كلية” في #سوريا سينهي مأساتك، فأنت لا تعرف شيئاً عن قصة غياث الحموي “56 عام”، الذي زرع كلية له “بمشفى أمراض الكلية” بـ #دمشق قبل 8 أشهر، لكنه مهدد اليوم بإعادة قطفها، بسبب دواءٍ ادعت #وزارة_الصحة، أنها استوردته حديثاً بعد فحصه والتأكد من فعاليته لتثبيط #الكلية بمرحلة ما بعد الزراعة.

 

أدوية #هندية تعرف باسم ” #البانغراف و #المايسبت” حلت محل #الأدوية الأوروبية المعروفة باسم “البروغراف والسلسبت”، التي غابت عن المشافي السورية بموجب العقوبات الاقتصادية المفروضة على #النظام_السوري، الذي كان يستورد الأدوية #الأوروبية ويوزعها مجاناً على المواطنين في المشافي الرسمية، لكن الأحداث التي اندلعت وما تبعها من عقوبات اقتصادية شملت هذه الأدوية، دفع السلطات السورية لاتخاذ قرار باستيراد الدواء الهندي “البانغراف والمايسبت” ، لتقديمه مجاناً، وعلى المواطن استخدامه على مسؤوليته، أو شراء الدواء الأصلي من الأسواق السوداء.

قبول بعد رفض الاستيراد

لاتزال “أميرة جليلاتي” من منطقة الميدان بحلب تعاني من وخذات ليلية في كليتها التي تبرع بها شقيقها، رغم مرور عام كامل على زراعتها، تقول والدتها في اتصال هاتفي، أن الطبيب المشرف عليها اختصر الحالة وطلب منها شراء الدواء الأصلي على نفقتها الخاصة إذا كانت ترغب أن تتماثل للشفاء، إذ أنه جذم علتها في الدواء الهندي.

أميرة نازحة مركز إيواء بمنطقة الفرقان بحلب وغير قادرة على تحمل تكاليف الدواء الأصلي باهظ الثمن.

وزارة الصحة في حكومة النظام، استوردت #الدواء_الهندي وطرحته في مشافيها، بعد أن أعلنت العام الماضي “أن جميع الأدوية المستوردة تخضع لشروط التسجيل المعتمدة لديها أصولاً، وتتضمن شروط تداول المستحضر من بلد المنشأ”، هذاالتصريح ما لبثه أن نفاه الواقع، بعد إعطاء جرعة من الأدوية لمرضى زرعوا كلى حديثاً، لكنهم لم يحققوا أي تقدم بعملية “التثبيط”.

وتثبيط الكلية هو مصطلح يشير إلى تلائمها مع طبيعة الجسم، فالكلية المزروعة حديثاً حتى لو تناسبت مع زمرة الدم والأنسجة، يحتاج المستفيد منها لتناول الأدوية المثبطة طيلة حياته بغية زيادة قابلية الجسم للكلية.

يقول موظف باللجنة القانونية لوزارة الصحة في حديث لموقع #الحل_السوري ” إن الوزارة رفضت استيراد الدواء الهندي، ثم ما لبست أن عادت لاستيراده دون توضيح سبب رفضه في بداية الأمر”.

هذه الشكوك التي باتت تحوم حول فاعلية الدواء لم يلبث الطبيب “موسى خزندار” حتى يجزمها بأن الدواء غير صالح طبياً، يستند الخزندار لكلامه بعد أن جرب الدواء على 17 مريض ولم يجد أي تقدم ملحوظ بوضع الكلية المزروعة حديثاً وهو ما يهدد بفشل عملية الزراعة كلياً، يتابع الطبيب: “لا يمكن مقارنة الدواء الهندي بالأصلي نهائياً”.

سوء الوضع الاقتصادي

خيارين، أحلاهما مرّ، يقف المريض أمامهما، إما أن يستخدم الدواء الهندي مجاناً “على مسؤوليته” أو أن يشتري الدواء الأجنبي على نفقته الخاصة، حيث يلجأ الأطباء لهذا الخيار كنوع من “تبرأة الذمة”، كونهم متأكدون من عدم فاعلية الدواء الهندي بعد أكثر من عام على تجريبه.

ويبلغ ثمن العبوة الواحدة من “البروغراف” التي تكفي لمدة شهر، حوالي 170 #دولار “90 ألف #ليرة”، علماً أنه لا يوجد مركز معتمد لبيعها سواء بالصيدليات أوالأسواق السوداء، لذلك يصعد الرقم ولا يهبط على سلّم الدولار المستمر بالصعود.

هذا الواقع أحبط أمل المرأة الستينية “ياسمين الخطيب”، “اضطررت لاستدانة مليون ليرة لدفع تكاليف عملية الزراعة وأنا اليوم عاجزة عن شراء الدواء الأصلي، الطبيب طلب مني أن أرمي الدواء المجاني في سلة المهملات لأن حالتي الصحية آخذة بالتدهور” تقول ياسمين.

يشير الطبيب عماد الباشا المختص بزراعة الكلى في دمشق، أن حوالي 90% من المرضى يقبلون على الدواء الهندي المجاني كون ظروفهم الاقتصادية لا تسمح لهم باقتناء الدواء الأصلي، فيما يلجأ قلة منهم لشرائه على نفقتهم الخاصة.

زراعة ثانية

من النتائج المقيتة لعدم تثبيط الكلية بعد زراعتها، أن يحتاج المريض لقطفها وإعادة زراعة كلية ثانية، وبالتالي البحث عن متبرع جديد ودفع تكاليف العملية الجراحية ثانية، وهو ما حصل مع زينب مرادي “46 عام”، 9 أشهر من المعاناة بعد الزراعة، لجأت زينب لاستخدام الدواء الأصلي على نفقتها الخاصة لمدة 3 أشهر، غير أن ارهاقها مادياً دفعها للانتقال إلى الدواء المجاني، لكن عدم التثبيط الكافي، إضافة لرفض جسمها الكلية الجديدة في ظل غياب التثبيط وصل بها إلى أن عملية الزراعة فشلت وهي بحاجة إلى كلية جديدة.

تقول زينب البالغة من العمر 46 عام، إن ثلاثة أطباء بمشفى الكلية خيّروها بين الحصول على الدواء الهندي مجاناً على مسؤوليتها، أو شراء الدواء #الأوربي على نفقتها.

على أنها لم تتمكن من الصمود أكثر من ثلاثة أشهر أمام الدواء الأصلي بسبب غلاء سعره، أقدمت على تناول جرعات الدواء المجاني، في الأسبوع الثالث بعد تناوله بدأت تشعر بوخذات متكررة مكان الكلية، راجعت الطبيب المشرف عليها بأخبرها أن الكلية تحتاج إلى مزيد من التثبيط لزيادة قابلية الجسم لها وطلب منها المزيد من الوقت، بعد خمسة أشهر من المعاناة،، ازداد الحال سوءاً وتدهور وضعها الصحي، فكانت الإجابة أن عملية الزراعة نجحت في البداية، لكنها فشلت بسبب عدم التثبيط.

تحدّثنا إلى طبيبها عبر تطبيق “واتس أب” فأكد لنا أن عملية الزراعة نجحت 100%، بعد أن تم إجراء سلسلة فحوصات لمطابقة الكلية مع جسم وأنسجة المريضة، غير أن المشكلة تكمن بمرحلة تثبيط الكلية، إذ أنها لم تحصل على الجرعات الكافية.

وفيما يخص الدواء الهندي قال الطبيب الذي رفض كشف هويته، إن #الأدوية_المجانية لا تحتوي على أي ضرر صحي، لكن الجرعة المثبطة فيها منقوصة، داعياً لإعادة تحليل الدواء والتأكد من فعاليته.

لا اعتراف عالمي

في أول رد رسمي على وثوقية الدواء الهندي، قالت رانيا الديراني مديرة #مشف_ الكلية_الجراحي، أن عدد حالات زراعة الكلية انخفضت من 100 إلى 50 حالة سنوياً، ففي عام 2007 وحده وصل عدد الزراعات إلى 350 مريض بالمرتبة الأولى عربياً، فيما بلغ عدد الكلى التي زرعها المركز منذ تأسيسه علم 2001 وحتى الآن حوالي 1060 حالة.

ووفقاً لصحية محلية، قالت ديراني: “من الممكن أن يحتاج المريض إلى زرع للمرة الثانية وأحياناً ثالثة لذلك يجب أن يأخذ أدوية مثبطة للمناعة أكثر قوة وفعالية، ووسطي عمر الكلية يتراوح ما بين 10– 15 سنة لكن هناك حالات يصل فيها عمر الكلية إلى 25 عام، وهو متعلق بالتحضير الجيد للمريض والتوافق النسيجي، علماً أن نسبة نجاح عملية زراعة الكلية يتراوح بين 95-97%.

وتتابع ديراني: “من الضروري أن يكون الدواء المستخدم بعد الزرع موثوقاً تماماً وهذا عكس ما يحصل مع “البانغراف والمايسلت” اللذين غير مسجلين عالمياً، لكن تم تسجيلهما فيما بعد وأصبحت وزارة الصحة ترسله لنستخدمه.

وبينت ديراني  أنه على مدى عامين من استعمال الدواء لاحظت إدارة المشفى أن عمل الكلية في جسم المريض ليس كما كان سابقاً، حيث تم رفع كتب ومذكرات لوزارة الصحة من قبل الأطباء ذكروا فيها التغيرات التي حصلت على مستخدمي الدواء الهندي فكان رد وزارة الصحة: “إن الدواء جيد”

إنذار الدواء الخاطئ

يقول الطبيب منذر الحسين، المختص بجراحة الكلية في #حلب، أن الدواء غير الفعّال تظهر آثاره على المريض مباشرةً، وذلك من خلال نسبة “#الكرياتينين”، فعندما ترتفع نسبته في البول، إلى أكثر من الوضع الطبيعي “0.9” فهناك مشكلة في الدواء المثبط.

وتابع الحسين، أن المرضى الذين يستخدمون الدواء الهندي وصلت نسبة الكرياتينين عندهم إلى 1.2 في بعض الأحيان، وهي نسبة مخيفة جداً وتنذر بأن الكلية المزروعة حديثاً ليست على ما يرام، وأضاف: “المريض الذي يستخدم الدواء الأصلي “البروغراف” يحصل على النتائج التي نتوقعها بدقة، لكن عندما يستخدم الدواء الهندي “البانغراف” فإننا لا نحصل على هذه النتائج الدقيقة، وهذا ما يشكك الطبيب في بعض الأحيان بأن المرضى تعرضوا لأحد أنواع السموم خلال إجراء العمل الجراحي أو أن آلية الاستجابة في جسمه بطيئة جداً، ولكن عندما أصبحت هذه الظاهرة عامة بدأت الشكوك تحوم حول الدواء الهندي الجديد، الذي يتوقع أن يكون سبب المشكلة بنسبة 90%.

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.