عاد إلى واجهة التداول الإعلامي والسياسي خلال الأسابيع الفائتة ملف عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وذلك مع إعلان الحكومة السورية عن سعيها لتنظيم مؤتمر وصفته ب “الدولي”، يناقش سبل عودة اللاجئين السوريين في الخارج إلى البلاد، والنازحين في الداخل السوري إلى مدنهم وقراهم التي خرجوا منها.

إذ يبدو أن حكومة #دمشق ماضية بعزمها على عقد المؤتمر المقرر يومي الأربعاء والخميس 11و 12 تشرين الثاني / نوفمبر الجاري.
المؤتمر الذي يطرح عنوان عودة اللاجئين السوريين، lمن الواضح أنه يحظى بالدعم الدبلوماسي والسياسي الروسي، إذ كان الموضوع الأساسي الذي بحثه الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والسوري بشار الأسد خلال اجتماع عبر تقنية الفيديو جمعهما أمس الاثنين 9 تشرين الثاني/ نوفمبر.

نشاط روسي من أجل حشد التأييد

خلال مؤتمر صحفي عقدته في 23 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أشارت الناطقة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إلى أن “التحضيرات للمؤتمر الدولي حول عودة اللاجئين والنازحين السوريين دخلت مرحلتها الأخيرة.”

المؤتمر الذي تحدثت عنه زاخاروفا كان الموضوع الأساسي للاجتماع الذي عقده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عبر تقنية الفيديو كونفرانس مع نظيره السوري بشار الأسد، وذلك في محاولة روسية على ما بدا لإعطاء مزيد من الدعم للمؤتمر، ولإظهار نوع من الرعاية الدولية على أعماله خاصة وأنه لم تضح الصورة حول هوية الدول التي ستشارك فيه، في ظل مقاطعة تامّة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي.

من خلال تصريحات بوتين أثناء اجتماعه بالأسد، يبدو أن مؤتمر اللاجئين الذي سيعقد في #دمشق، هدفه الأساسي استكمال المساعي الروسية بالحصول على دعم المجتمع الدولي من أجل إطلاق عملية إعادة الإعمار، خاصة وأن الجهات المانحة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي، تربط تقديم المساعدات بالتوصل إلى تسوية سياسية للنزاع الدائر في البلاد منذ عشر سنوات، وهذا بالتحديد ما اتضح أن المبادرة الروسية تحاول القفز عنه من خلال إصرارها على دعم تنظيم المؤتمر، حيث يتجاهل عقد المؤتمر في هذا التوقيت بالتحديد القرارات الدولية المتعلقة بالحرب السورية وأولها قرار مجلس الأمن رقم 2254 وبيان مؤتمر #جنيف الأول، والتي تشترط التسوية السياسية واتضاح معالم المرحلة الانتقالية من أجل البدء بعملية الإعمار، فيما يبدو أن #روسيا تستعجل حصد نتائج تدخلها إلى جانب حكومة #دمشق منذ أيلول/ سبتمبر 2015.

قبل هذا الاجتماع الافتراضي، حاولت #روسيا استقطاب دول الجوار السوري اتجاه المؤتمر، فوصل المبعوث الخاص للرئيس الروسي ألكسندر لافرنتييف في 27 تشرين الأول / أكتوبر إلى العاصمة الأردنية #عمان، وبحث مع وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي مسألة عودة اللاجئين السورين في #الأردن، ثم حط الوفد الروسي رحاله في العاصمة اللبنانية #بيروت في اليوم التالي ليلتقي الرئيس اللبناني ميشال عون، ويبحث معه عودة اللاجئين السوريين من #لبنان إلى البلاد، في محاولة روسية لحشد الدعم الإقليمي للمؤتمر.

لا جديد لدى حكومة دمشق

خلال اللقاء الافتراضي مع الرئيس الروسي، تحدث الرئيس السوري بشار الأسد عن ما أسماه “أولوية عودة اللاجئين.” كما لم ينسَ على جري عادته أن يتهم الإرهاب بتهجير السوريين، ثم وجّه سهام اتهامه باتجاه الدول الغربية، معتبراً أن العقوبات التي تفرضها على #سوريا تساهم في تأجيل عودة اللاجئين، ليختم بما يبدو أنه بيت القصيد من هذا المؤتمر ألا وهو الملف الاقتصادي وإطلاق عملية إعادة الإعمار، خاصة وأن المناطق التي تخضع لسيطرة حكومة الأسد تعاني من أزمات اقتصادية ومعيشية متواصلة، تشهد عليها طوابير المواطنين المصطفّين للحصول على الخبز والمواد الغذائية والمحروقات.

يضاف إلى ما سبق، الدمار الكبير الذي لحق في البنية التحتية في المدن والبلدات السورية نتيجة العمليات العسكرية التي شهدتها على مدار عشر سنوات، خاصة منها تلك المناطق التي عادت لسيطرة حكومة #دمشق بعد التدخل الروسي عام 2015، من قبيل مدينة #حلب وأرياف #حماة و #إدلب عدا عن الغوطة الشرقية في محيط #دمشق و #درعا و #القنيطرة وأريافهما جنوباً، هذه المناطق التي تعاني دماراً شبه شامل، تحتاج آلاف الأيدي العاملة لإعادة إعمارها، كما تحتاج قبل كل هذا أماناً سياسياً واقتصادياً لا يبدو أن حكومة #دمشق قادرة على توفيره في ظل إغلاق باب الحوار وغياب الحل السياسي، فاللجنة الدستورية التي رعتها الأمم المتحدة دخلت مرحلة العطالة التامة، بينما يتضح أن #دمشق لم تعد تعيرها أي اهتمام .

رفض دولي تتزعمه واشنطن والاتحاد الأوروبي

خلال جلسة عبر الانترنت لمجلس الأمن الدولي عقدت في 27 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، شددت الولايات المتحدة الأميركية على ضرورة المقاطعة الدولية لمؤتمر اللاجئين الذي سيعقد في #دمشق، وفي اعتراض على الرعاية الروسية للمؤتمر صرح نائب سفير الولايات المتحدة في مجلس الأمن ريتشارد ميلز على أنه:” من غير المناسب أن تشرف موسكو التي تدعم الرئيس السوري بشار الأسد على عودة اللاجئين.”
كذلك ذهب الموقف الأوروبي بنفس الاتجاه الأميركي، إذ في نفس الجلسة أكد السفير الفرنسي في مجلس الأمن نيكولاس دي ريفيرا على معارضة #باريس لتسييس مسألة عودة اللاجئين.

هذا وأصدر الاتحاد الأوروبي اليوم الثلاثاء 10 تشرين الثاني/ نوفمبر، بياناً أعلن فيه رفضه المشاركة في مؤتمر #دمشق للاجئين والمزمع عقده يومي الأربعاء والخميس القادمين، واعتبر الاتحاد في بيانه أن المؤتمر سابق لأوانه، وأعطى الأولوية إلى تهيئة الظروف الملائمة لعودة دائمة وطوعية للاجئين والنازحين السوريين إلى منازلهم.

يشير الموقف الأميركي والأوروبي المشترك من المؤتمر إلى أن فرص نجاحه ستتراجع إن لم نقل أنها باتت معدومة، خاصة وأن العقوبات الأميركية والأوروبية ما زالت تشمل الحكومة السورية وأبرز أركانها ورجال الأعمال الدائرين في فلكها، كما يعني هذا أيضاً عدم مشاركة بقية دول المنطقة والجوار من حلفاء #واشنطن والاتحاد الأوروبي، وإذا حضر بعضهم لا يتوقع أن تكون الوفود رفيعة المستوى.

ماذا بعد؟

لا يبدو أن الدبلوماسية الروسية نجحت حتى الآن في انتزاع مشاركة دولية هامة ووازنة في المؤتمر المزمع عقده خلال اليومين القادمين، فيما يبدو أن الإصرار الروسي على عقد المؤتمر في #دمشق هو محاولة للتأكيد على أن الوضع في البلاد عاد إلى طبيعته وبات مهيئاً لعودة الناس إلى منازلها ومدنها وقراها، كما أن مسألة الشرعية السياسية لحكومة الرئيس السوري بشار الأسد هي واحدة من أولويات المؤتمر التي يسعى إلى انتزاعها لو أنه حصل على دعم دولي ومشاركة فاعلة من دول وازنة على الساحة الدولية والإقليمية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة