أزمة “الناقلة صافر”: ماذا تستفيد إيران من تعريض اليمن ودول البحر الأحمر لواحدة من أكبر الكوارث في تاريخ البشرية؟

أزمة “الناقلة صافر”: ماذا تستفيد إيران من تعريض اليمن ودول البحر الأحمر لواحدة من أكبر الكوارث في تاريخ البشرية؟

ما تزال أزمة “الناقلة صافر” على الساحل اليمني تثير كثيراً من التوتر والقلق في منطقة جنوب شبه الجزيرة العربية، فرغم مناشدات الحكومة اليمنية للمجتمع الدولي بالتدخّل لحل الأزمة، واستجابة #مجلس_الأمن لهذه المناشدات، ودعوة وزير الخارجية الأميركي “مايك بومبيو” إلى تسهيل مهمة الفريق التقني التابع للأمم المتحدة، لتقديم الصيانة اللازمة للناقلة، الراسية أمام ميناء “رأس عيسى” اليمني في محافظة “الحديدة”، منذ حوالي ست سنوات، إلا أن موقف الحوثيين الرافض مازال عائقاً أمام التدخل الدولي لإيقاف تآكل الناقلة، والتصدي لكارثة بيئية وإنسانية هائلة، قد تحدث في أية لحظة.

“صافر” ناقلة نفط ضخمة، صُنعت في #اليابان عام 1976، وبدأت العمل قبالة الساحل اليمني عام 1986، على هيئة ميناء عائم، لتصدير النفط اليمني من منطقة “مأرب”، بسعة تخزينية تُقدّر بحوالي ثلاثة ملايين برميل، لكن هذه الناقلة أصبحت خطراً على السلامة البيئية الإقليمية، بعد أن تم اهمال صيانتها، وانسحاب جميع الفرق الفنية العاملة فيها، منذ اندلاع #الحرب_اليمنية عام 2015، رغم أنها تحمل أكثر من مليون وثلاثمئة ألف برميل نفط، وهي معرّضة اليوم للانفجار أو الغرق أو تسرّب النفط منها، ما قد يؤدي إلى تلويث كامل لمنطقة البحر الأحمر، من الساحل اليمني مروراً بالمدن الساحلية السعودية وصولاً إلى قناة السويس، وبالتالي فإن كل دول المنطقة، وعلى رأسها #اليمن والسعودية ومصر والصومال والأردن وإسرائيل، معرّضة لخطر داهم، سيؤثر على صحة ومصادر رزق أكثر من ستة ملايين إنسان، فضلاً عن القضاء على التنوّع البيئي في المنطقة.

جماعة #الحوثي، التي تسيطر على الناقلة، ومن خلفها #إيران، تستخدمها ورقة ضغط على المجتمع الدولي، فيما يتعلّق بالأزمة اليمنية ومصالح إيران في المنطقة، كما تحاول من خلالها إجبار #السعودية على التنازل في الحرب اليمنية، وكذلك دفع الولايات المتحدة لإبداء مرونة أكبر في التعامل مع المطالب الإيرانية، في الملفات العالقة بين البلدين.

وتتبادل الحكومة اليمنية الاتهامات مع جماعة الحوثي، فكل طرف يدّعي الحق في ملكية حمولة النفط على “صافر”، التي قد تصل قيمتها الى عشرات ملايين الدولارات. وتواردت أنباء، منذ عدة أشهر، عن تسرّب المياه إلى غرفة محرك الناقلة، ما قد يؤدي الى غرقها، الأمر الذي دفع الحكومة اليمنية لمطالبة المجتمع الدولي بإرسال فريق لمعاينة الناقلة، وتفريغها من النفط المخزّن بداخلها، ومن ثم التخلّص منها، واستخدام إيرادات النفط لدفع رواتب الموظفين اليمنيين، لكنّ الحوثيين رفضوا مقترحات الحكومة اليمنية، وتسهيل مهام فرق الإنقاذ الدولية، رغم معرفتهم بمخاطر هذا الرفض.

 

الخيار شمشون

ولمعرفة تفاصيل أكثر حول هذا الموضوع، وأبعاده السياسية والاستراتيجية، التقى «الحل نت» مع الباحث السياسي اليمني “مانع المطري”، الذي قال إن «الحوثيين، ومن ورائهم إيران، يستخدمون ناقلة النفط “صافر”، والكارثة التي قد تؤدي إليها، سلاحاً على طريقة “الخيار شمشون”، أي على مبدأ “عليّ وعلى أعدائي”، فإما أن يرضخ المجتمع الدولي لشروطهم، أو فلتحل الكارثة على الجميع».

وحول أخر المستجدات بشأن الناقلة أكد “المطري” أن «منظمة (acaps) البحثية السويسرية أعدّت دراسة، بالتعاون مع شركتي “كاتبولت” و”ريسك اوير” العالميتين، عن الآثار المحتملة لغرق “صافر”، أو تسرّب النفط منها، وكانت النتيجة أن المنطقة معرّضة لواحدة من أكبر كوارث التلوث البيئي في تاريخ البشرية. إلا أن مليشيا الحوثي تواصل المراوغة والتلاعب بملف الناقلة، واستخدامه ورقةً للمساومة وابتزاز المجتمع الدولي. وكان آخر أساليب الحوثيين في التلاعب انقلابهم على اتفاق، تم عقده مؤخراً مع #الأمم_المتحدة، يسمح بصعود فريق من الخبراء إلى الناقلة لتقييم وضعها، ووضع معالجات وحلول عاجلة، لمنع الكارثة قبل وقوعها، وهذا ليس الاتفاق الوحيد الذي تنقلب عليه ميلشيا الحوثي، بل سبقته عدة اتفاقات، لم تلتزم الميلشيا بتنفيذها، والسبب هو تراخي المجتمع الدولي، وعدم مواجهته للحوثيين بصرامة».

 

الحل العسكري أقل كلفة من الكارثة البيئية

ولكن إلى أين تتجه المنطقة في ظل تعنّت الحوثيين وتراخي المجتمع الدولي؟ يجيب الباحث اليمني بالقول: «برأيي هناك سيناريوهان محتملان: الأول أن تستمر مليشيا الحوثي بابتزازها للعالم، إلى أن تحلّ الكارثة، ويتضرر ملايين البشر لسنوات طويلة قادمة، وعندئذ سنسمع أصوات التباكي من الأمم المتحدة والمنظمات البيئية الدولية. وربما سيستغلّ الحوثيون الكارثة نفسها لاستجداء المساعدات الإنسانية، التي قد يحتاج إليها اليمن والمنطقة، والتي قد تصل قيمتها لمليارات الدولارات، وهذا هو السيناريو الأكثر تشاؤماً؛ أما السيناريو الآخر، الذي من المفترض والواجب أن يتم تحقيقه، فهو أن تقوم الأمم المتحدة والقوى الدولية الكبرى بواجباتها لمنع الكارثة، عن طريق ممارسة ضغوط حقيقية وجدية على مليشيا الحوثي، وكذلك على إيران، للسماح بتفريغ الناقلة، واجراء الصيانة والمعالجات اللازمة لها، حتى لو اضطر ذلك القوى الدولية والإقليمية لاتخاذ إجراء عسكري ضد الحوثيين، لتحرير الناقلة من أيديهم، فمهما كانت تكلفة الخيار العسكري، فهي أقل من التكلفة البيئية والإنسانية الهائلة لغرق الناقلة».

 

إيران واستراتيجية الكارثة

ولكن ما المصلحة الإيرانية الفعلية في تعريض المنطقة لهذه الكارثة البيئية؟

“هاني سليمان”، مدير “المركز العربي للبحوث والدراسات”، يحاول الإجابة على هذا السؤال بالقول: «أعتقد أن إيران هي من أعطى التعليمات للحوثيين بعدم الاستجابة للمجتمع الدولي، في صيانة أو تفريغ الناقلة، لأسباب عدة، أولها ميداني، فمن مصلحة إيران إبقاء وضع الناقلة على ما هو عليه، لأنها في موقع استراتيجي، يمنع الاستخدام الأمثل للمضائق البحرية في المنطقة، ويمكن لذلك استخدامها سلاحاً في الحرب اليمنية، بوصفها ركيزة استراتيجية ونقطة أمنية أساسية للوجود الإيراني، وكذلك باعتبارها قنبلة موقوتة، مزروعة قرب السواحل السعودية، وبذلك تلعب دوراً شبيهاً إلى حد ما بدور السفينة الإيرانية “سافيز”، التي تستخدم لتطويق القدرات الأمنية لخصوم إيران، وتهديد عملية الملاحة في البحر الأحمر وبحر العرب، وتأمين السيطرة على المضائق».

وكانت #إسرائيل قد قامت، في شهر نيسان/إبريل الجاري، باستهداف سفينة التجسس “سافيز”، التابعة للحرس الثوري الإيراني في البحر الأحمر، مقابل الساحل الإريتيري، والتي تعتبر قاعدة بحرية لجمع المعلومات الاستخباراتية، ومستودعاً للأسلحة، وتُلقّب بـ”السفينة الأم لإيران في المنطقة”.

ويتابع “سليمان” تحليله بالقول: «السبب الثاني، الذي يدفع الإيرانيين لتشجيع حلفائهم الحوثيين على موقفهم، سبب اقتصادي، على اعتبار أن إيران لا تريد أن تتم السيطرة على الناقلة من قبل أي طرف دولي، ما يفقدها مخزون النفط فيها، وقيمته المادية. كما أن التفريط بالناقلة أو تسليمها للأمم المتحدة يفوّت على إيران فرصاً مالية كبيرة، قد تستغلها من خلال دعم عملية الصيانة والتفريغ، أو قيام شركات إيرانية بهذه المهمة، فضلاً عن التعويضات التي يمكن أن ينالها الحوثيون، إذا أمعنوا في المساومة على ثمن تخليهم عن الناقلة».

المصلحة الإيرانية من وراء “صافر” لا تقتصر على المكتسبات الميدانية والاقتصادية، بحسب “سليمان”، بل هنالك أساساً منافع استراتيجية أكثر اتساعاً، وعلى رأسها «الضغط على الولايات المتحدة الأميركية في مسألة المفاوضات النووية، فإيران تحاول  استخدام أدوات متنوّعة للضغط والمساومة، سواء كانت الميلشيات الموالية لها في دول المنطقة؛ أو عمليات استهداف الأمن الملاحي، والتحرّش بناقلات النفط والسفن الموجودة في الخليج العربي والبحر الأحمر؛ أو زرع  قنابل موقوتة ونقاط أمنية استخباراتية، كما في حالة السفينة “سافيز”، والآن الناقلة “صافر”؛ وأيضا التهديد بكارثة بيئية وإنسانية كبرى، يصعب على المجتمع الدولي تحمّلها».

ويختتم الخبير في الشؤون الإيرانية حديثه بالقول: «القرار النهائي فيما يتعلق بـ”صافر” ومستقبلها بيد الإيرانيين، وليس الحوثيين. لأنها تحقق عديداً من الأهداف الإيرانية على المستوى الأمني والسياسي والاقتصادي، وهذا أسلوب ليس جديداً على إيران. وأعتقد أنه لابد للمجتمع الدولي من أن يمارس ضغوطاً شديدة على #طهران، وليس على جماعة الحوثي، لمحاولة إيجاد حل، قبل أن تقع الكارثة».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة