الدراما التلفزيونية والقوالب الجاهزة

تؤثر المسلسلات والأفلام التلفزيونية بشكل كبير على المشاهدات والمشاهدين وخاصة في عمر المراهقة وبناء الشخصية، حيث يتابع المشاهد/ة حكاية معينة لعدة ساعات، ويتعاطف معها، ويعيش أحداثها في خياله، وربما يتبنى بعض مواقفها، وقد يجد في شخصياتها قدوته التي يرغب بأن يكون مشابهاً لها.

وبنظرة سريعة على مواضيع الدراما العربية، نلحظ بوضوح القوالب الجاهزة التي تضع المرأة أو الفتاة في خانات محددة متكررة، فهي الإنسانة الضعيفة إن كانت بلا شريك، أو التي يحل قتلها لاسترداد شرف العائلة إن كانت متحررة، أو الناجحة التي يكمن سر نجاحها بأنها تخلت عن فكرة صنع الأسرة، أو الجميلة التي يرغب بها كل الرجال، أو المطلقة التي تعطي الذكور حولها كرتاً أخضر للتحرش بها، أو الزوجة الصالحة المطيعة لزوجها المرضي عنها.

كل هذه القوالب ما هي إلا تكريس لرؤية ذكورية من المجتمع للمرأة ولما يمكنها أو لا يمكنها القيام به.

وعلى صعيد موازٍ، تشجع الدراما التلفزيونية على تقبل ثقافة العنف الجنسي في كثير من شخصياتها وحواراتها، على سبيل المثال، تتكرر شخصية الشاب (الكوول) الوسيم الذي يصادق الكثير من الفتيات، ويتفاخر بعددهن، ويصور المرأة كأداة للجنس أو المتعة، ويطلق النكات الذكورية بطريقة فكاهية تجعل قبولها لدى المشاهد/ة مستساغاً.

غالباً ما تكون هذه الشخصية لطيفة وتتحلى بعدة صفات جيدة تجعل المشاهد/ة متعاطفاً معها ومتقبلاً لوجود هذا المثال في الحياة الواقعية دون الانتباه لخطر انتشار ثقافة العنف الجنسي المبيتة بين طياتها.

عن هذا تقول المحللة النفسية “ميسم زهر الدين” لـ(الحل نت): «مشاهدة هذه الحكايات ومثيلاتها مراراً وتكراراً في كل مرة يفتح بها المراهق او المراهقة التلفاز أو اليوتيوب أصبحت بمثابة غسيل للأدمغة أو بكلمات أخرى ما هي إلا تكديس لأفكار وصور ومبادئ في عقول بيضاء قابلة لأن تستقبل كل ما هو جديد أو تتبناه».

الأغاني والتنميط للنساء

لا يقتصر التنميط على الدراما التلفزيونية، حيث أن معظم مقاطع الفيديو الرائجة للأغاني اليوم تعتمد على الظهور الجميل والمغري لجسد المرأة، فنرى الشابات صاحبات الأجساد “المثالية” تتراقصن وتتمايلن على المغني، وقد تصل مخيلة المخرج إلى حد إظهار التنافس بين الفتيات على لفت انتباه المغني ونيل رضاه.

لا يتعلق الأمر بالفيديو فقط بل يمتد إلى كلمات الأغاني التي تضع المرأة في إطار السلعة الجنسية وتشجع في كثير من الأحيان على ممارسة العنف اتجاهها، وقد كانت هناك عدة مطالبات مؤخراً في مصر ولبنان لإيقاف بعض مقاطع الفيديو الغنائية التي تحرض على التحرش بالنساء.

لا تستعرض هذه المقاطع النساء فقط بشكل مهين، بل أيضاً غالباً ما ترسم تصوراً خاطئاً لمقاييس النجاح والحرية والسعادة، وتربطها بمظاهر الغنى الفاحش الواضحة في الفيديو سواء باختيار البيوت أو السيارات أو اليخوت أو حتى الملابس، ما يزرع في عقل المشاهد/ة وبشكل خاص اليافعين واليافعات فكرة واحدة لتعريف السعادة، كل ما عداها لا يعني شيئاً.

الإعلانات ومقاييس الكمال

تقول “جودي”(15 سنة) من دمشق، لـ(الحل نت)، عند سؤالها عن مقاييس الجمال بنظرها «توجد إعلانات تخبرنا عما علينا ارتداؤه لنبدو أحلى، وعما علينا أكله ليكون جسمنا أجمل، وإعلانات مستحضرات التجميل تحدد لنا مقاييس الكمال، ثم يقولون لنا (احترموا الأشخاص وتقبلوهم على حالهم)، لا أفهم ما علي فعله بالضبط!».

أكدت والدة “جودي” أيضاً أن حيرة ابنتها تصل حد الاكتئاب، فهي تمتنع عن الأكل إذا ما ازداد وزنها بعض الغرامات، وتصرف كل مصروفها على مستحضرات التجميل التي تشاهد الفتيات “المؤثرات” على منصات التواصل الاجتماعي تروجن لها، كل هذا يؤثر على دراستها بشكل مباشر لأن ذهنها منشغل بتفاصيل كيف عليها أن تبدو أمام أقرانها وأصدقائها، مما ينعكس سلباً أيضاً على مدى ثقتها بنفسها وعلى تقبلها لنصائح والديها.

تؤثر الرسائل التي تقدمها الإعلانات على الفتيات في مرحلة المراهقة، هذه المرحلة التي تبني فيها الفتيات شعورهن بقيمتهن الذاتية بناءاً على شكل أجسادهن ووزنها ومثالية أبعادها، فتتزعزع ثقتهن بأنفسهن إذا ما خالفن المتوقع منهن بحسب الإعلانات، خاصة أنهن غالباً ما تقتنعن بالصور النمطية الموحدة لما يجب أن تبدو عليه الفتيات.

لا يقتصر تأثير الإعلانات على فرض صورة نمطية لمقاييس الكمال، بل تتفاقم الضغوط على الفتيات بسبب ميل الإعلانات المتزايد لتصوير الصغيرات بطرق جنسية، تعد صناعة الأزياء محركاً رئيسياً بهذا الاتجاه، حيث تقدم الفتيات المراهقات كما لو كن نساء ناضجات، زوايا الكاميرا، حيث غالباً ما تنظر الفتاة إلى أعلى، وغالباً أنظارها معلقة برجل أطول منها، العيون المغلقة، وتعبيرات الوجه وطريقة الوقوف، كلها تحاكي الصور المرئية الشائعة في الصور الإباحية.

كانت “كارول جيليجان” أول من سلطت الضوء على هذا الاتجاه المقلق في دراستها التاريخية لعام 1988 واقترحت أن هذا يحدث بسبب اتساع الفجوة بين تصور الفتيات لذاتهن ورسائل المجتمع حول ما يجب أن تكون عليه هؤلاء الفتيات.

ليست المراهقات فقط من تتأثرن بهذه الصور والمقاييس، ولكن أجيالاً كاملة من اليافعين واليافعات تقضي وقتها أمام شاشة الموبايل واللابتوب تستقبل الرسائل الموجهة من الإعلام ومن المؤثرين والمؤثرات على مدار الساعة، ولا بد لها أن تتأثر بما يتم طرحه عليها، وهو أمر حرج في عمر المراهقة، مما يزيد المسؤولية على الأسرة والمدرسة لاحتواء هؤلاء الفتية والفتيات ومساعدتهم/ن على إيجاد الطرق الصحيحة للثقة بالنفس وبناء المبادئ ورسم أهدافهم/ن في الحياة.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.