“كان يتقصد إذلالي والإساءة لي أمام الضيوف”، بهذه الكلمات تروي السيدة ندى (صيدلانية وأم لطفلين) لـ “الحل نت” عن تجربتها مع العنف اللفظي في زواجها السابق قائلة: “كان زوجي يتقصد باستمرار التقليل من أهمية نجاحي في عملي خارج المنزل وداخله، وكان يسعى بكل دائم إلى النيل من ثقتي بنفسي من خلال وصفي بأنني امرأة غبية و غير نافعة لشيء، كل ذلك يحدث على مرئ ومسمع أولادي”.

تُعرّف “الأمم المتحدة” العنف ضد المرأة بأنه “أيّ فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه، أو يرجّح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمـــــان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة”.

وبحسب “منظمة الصحة العالمية”، تتعرض امرأة واحدة من كل ثلاث نساء في العالم لأحد أشكال سوء المعاملة اللفظية أو الجسدية من قبل شريكها.

توضح ندى أن زواجها استمر 9 سنوات اهتزت خلالها ثقتها بنفسها، وصارت تشعر أنها بالفعل غبية وغير قادرة على النجاح في أي مهمة توكل إليها، الأمر الذي انعكس على انتاجيتها في العمل وعلى علاقتها بنفسها وبمن حولها.

كما تروي السيدة فردوس (أم لثلاث أطفال) لـ “الحل نت”، كيف لجأت إلى العلاج النفسي بعدما صارت تكره شكلها بسبب زوجها الذي كان ينعتها طوال الوقت بالقبيحة، تقول: “كان يسخر بشكل مستمر من شكلي، شعري ووجهي وجسدي، كل شيء قبيح ومثير للسخرية بالنسبة له، لجأت إلى عمليات التجميل علها تكون الحل لكنه صار يسخر مني ويخبر الجميع أنني بلاستيك واصطناعية”، وتشير السيدة فردوس إلى أنها عندما كانت تسأل شريكها لماذا تزوجها إذا كان يراها قبيحة؟ أنه كان يجيب “انعمى على قلبي”.

بعدما انهارت ثقة السيدة فردوس تماما بنفسها وعانت من اكتئاب شديد، بدأت رحلتها مع العلاج النفسي مما ساعدها على تخطي الإساءات النفسية التي تعرضت لها على مدى سنوات، تقول: “طلبت الطلاق بعدما أدركت أن لديه خطة محكمة لتدميري وأنه نجح في تنفيذها إلى حد بعيد”.

تتبنى الزوجة المعنفة الصفات التي ينسبها لها الرجل؟

تشير الاخصائية النفسية أسيمة مرشد لـ “الحل نت” إلى أنها لن تنسى إحدى النقاشات التي سمعتها بالصدفة بين سيدة وزوجها، لأن الزوجة خلال النقاش كررت عدة مرات جملة “صحيح لأنو ماعندي عقل”.

وتحلل مرشد ماتعانيه المرأة المعنفة لفظياً وعاطفيا، بقولها: “تعتاد الزوجة على الإساءة اللفظية وتصدقها نتيجة تكرارها بشكل مستمر من قبل الزوج، فتشعر الزوجة بالدونية وتتبنى تلك الصفات التي ينسبها لها الرجل، وبسبب الإحباط الدائم تضعف قدراتها العقلية وذاكرتها وتفقد جزء كبير من تركيزها وتتوقف عن حب ذاتها، ويترافق ذلك مع شعور الزوجة بالقلق والاكتئاب والخوف وعدم الاستقرار والأمان، كما تشعر أنها غير كافية ومقصرة بشكل دائم، ويتحول الرجل إلى محور حياتها ويصبح إرضاءه هدفها الوحيد في الحياة”.

وتبيّن الأخصائية النفسية أن عدد كبير من النساء المعنفات لفظياً يسكتن في البداية خوفاً من التعرض للعنف الجسدي، بخاصة أن الرجل المعنف يستعمل عادة لغة التهديد إما بالضرب أو بالطلاق ومن ثم تعتاد الزوجة على التعنيف، بخاصة إذا كانت الزوجة من عائلة تتعامل بدونية مع المرأة، وتقدم مرتبة الرجل سواء أكان متمثل بالأخ أو بالأب على المرأة، فيتشكل عندها مفهوم الحب والحماية بطريقة مشوهة تربط بين الحب بالعنف وبين الحماية والسيطرة، ففي المجتمعات الذكورية الإساءة اللفظية ليست عنفاً.

وعن صفات الرجل المُعنف تقول مرشد هو بلاشك قادم من بيئة ذكورية تنمي صفات الذكورة المشوهة المرتبطة بالعنف عنده، وهو صاحب شخصية ضعيفة سلطوية غير متوازنة لا يتمتع بمهارات التواصل يحاول إخفاء خوفه وضعفه وعدم ثقته بنفسه من خلال تعنيف شريكته ومحاولة السيطرة عليها.

آثار وخيمة؟

بينما تشير الناشطة النسوية؛ أحلام الرشيد لـ “الحل نت”، أن للعنف اللفظي والعاطفي آثار وخيمة على نفسية المرأة وبالتالي على علاقاتها وانتاجيتها وتقديرها لنفسها، مشيرة إلى أن العنف اللفظي والعاطفي ليسا محصوران بين الزوج وزوجته بل أيضا بين الأخ وأخته أو الأب وحتى الأم والابنة.

وترى الناشطة النسوية أن العنف اللفظي والعاطفي جزء من ثقافة المجتمع الشرقي والعادات والتقاليد الذكورية الموروثة، وتنوه إلى أن بعض النصوص الدينية التي يتم تفسيرها بمنظور ذكوري تعمق هذه الثقافة وتكسب العنف ضد المرأة بعد مقدس.

كما تشير بأنه يتم تنشئة الطفل الصبي منذ نعومة أظافره على أنه في مرتبة أعلى من أخته البنت وأنه أذكى وأقوى وأهم منها، وأنه في كثير من الأحيان يسمح له بإهانتها وضربها بحجة تربيتها أو تقويمها، وتتابع: “عندما تكبر البنت المعنفة في صغرها وتتزوج تكون معتادة على الإهانة و متعايشة معها، ويسيطر عليها الخوف والاستكانة وقلة الثقة بالنفس و تتماهى مع العنف اللفظي الذي تتعرض له خاصة أنها إذا اشتكت لأهلها فإنهم لن يساندوها أو يقفوا إلى جانبها”.

وتوضح الرشيد أن السبيل لتقويض الثقافة الذكورية يكون بالعمل على محور المرأة والرجل، موضحة “يجب توعية الطرفين بخطورة هذه الثقافة عليهما، فالمرأة ضحية العنف والرجل المعنف ضحية الأفكار الذكورية التي أقنعته أن شرفه وسمعته محصورة بتصرفات المرأة وسمعتها، وبالتالي جعلته يركز على لباس المرأة وحركاتها وتصرفاتها بدلا من أن يركز على نفسه، وحملّته مسؤولية نساء عائلته بدلاً من أن يتحمل مسؤولية نفسه ومستقبله، بالتالي فإن هذه الأفكار تُثقل كاهل الرجل وتتدمر المرأة”.

يذكر أن مسلسل “Maid” (الخادمة)، بطولة مارغريت كوالي، الذي عرض مؤخرا على شبكة “نيتفليكس” صوّر مشاعر ومعاناة المرأة المعنفة عاطفيا، محاولا التأكيد على أن الإساءات اللفظية والعاطفية هي عنف يجب عدم التهاون معه أو تقبله.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.